عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 242 الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 12:24 pm | |
| كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) {كذلك} إشارةٌ إلى ما سَبَقَ مِن أحكامِ الطلاقِ والعُدَّةِ، أي مثل ذلك البيانِ الواضِحِ {يبين الله لكم آياته} الدَّالَةُ على أحكامِه التي شَرَعَها لِعِبادِهِ. فقد وعَدَ ـ سبحانه ـ بأنَّه سيُبَيِّنُ لِعِبادِه مِنَ الدَّلائلِ والأحكامِ ما يحتاجون إليه معاشًا ومَعادًا {لعلكم تعقلون} لكي تفهَموا ما فيها فتَستعمِلوا العقلَ فيها وتَعملوا بموجَبِها، والإشارةُ أنَّ المُطلَّقَةَ لمّا ابْتُليتْ بالفراقِ ـ جَبَرَ الله تَعالى كَسْرَ قَلبِها بالمُتعةِ، يُشيرُ بِهذا إلى أنَّ المُريدَ الصادقَ لو ابْتُلي فى أوان طلَبِه بفِراقِ الأعِزَّةِ والأقرباءِ، وهِجرانِ الأَحِبَّةِ والأصدقاء، والخُروجِ مِن مالِ الدنيا وجاهِها، والهجرة من الأوطانِ وسُكانِها والتَنَقُّلِ في البلادِ لصُحْبَةِ خَوّاصِ العِبادِ ومُقاساةِ الشدائدِ فى طلبِ الفوائدِ، فاللهُ تعالى يَبذُلُ له إحسانَه ويُزيلُ عنه أحزانَه ويَجبرُ كَسْرَ قلبِه بمُتعةِ: ((أنا عندَ المُنكَسِرَةِ قلوبُهم مِن أجلي)) فيكون للطالبِ المَلهوفِ متاعٌ بالمَعروفِ من نَيْلِ المَعروف. كذلك يُظهِرُ اللهُ لكم آياتِه وأَصنافَ ألطافِه وأوصافِ أعطافِه، لعلّكم تعقلون بأنْوارِ ألطافِه كمالاتِ أوصافِه. فالعاقِلُ لا يَنظُر إلى الدنيا وأعراضِها بَلْ يُعبِّرُ عن منافعِها وأغراضِها ويُقاسي الشَّدائدَ في طريقِ الحقِّ إلى أن يَصِلَ إلى الذات المُطلَقِ. يُحكى عن شَقيقٍ البَلْخيِّ أنّه لم يَجِدْ طعامًا ثلاثةَ أيامٍ، وكان مُشْتَغِلًا بالعِبادةِ فلمّا ضَعُفَ عن العِبادةِ رَفَعَ يَدَهُ إلى السَماءِ وقال: يا ربّ أطعِمْني، فلمّا فَرَغَ من الدُّعاءِ الْتفتَ فَرأى شَخْصًا يَنظُرُ إليْهِ فلمّا الْتَفَتَ إليْه سلَّمَ عليه وقال: يا شيخُ تعالَ معي فقامَ شقيقٌ وذَهبَ معه فأدخلَه ذلك الرجلُ فى بيتٍ فرأى فيه ألواحًا مَوضوعةً عليها ألوانُ الأطعِمَةِ وعندَ الخُوانِ غِلْمانٌ وجَواري، فأكلَ والرَّجُلُ قائمٌ فلمّا فَرَغَ أرادَ أن يَخرُج من ذلك البيت، فقال له الرجلُ: إلى أين يا شيخُ فقال: إلى المَسجدِ، فقال: ما اسمُك؟ قال: شقيق، فقال: يا شقيق اعلم أنَّ هذه الدارُ دارُك والعَبيدُ عَبيدُك وأنا عبدُك كنتُ عبدًا لأبيك بَعثني إلى التِّجارةِ فرَجَعْتُ الآنَ، وقد تُوفي أبوك فالدّارُ وما فيها لك. قال شقيق: إن كان العبيدُ لي فهم أحرارٌ لِوَجْهِ اللهِ وإن كانت الأموالُ لي وهبتُها لكم فاقتَسِموها بينَكم فإني لا أريدُ شيئًا يَمنعُني عن العِبادة. فقد نَبَّهَ ـ سبحانه ـ أنَّه كما بيَّنَ لكم هذه الأَحكامَ يُبيِّنُ لكم سائرَ الآياتِ العقليَّةِ والسمعيَّةِ لتكونوا أَقرَبَ إلى استعادةِ العملِ المُكتَسَبِ، قال أمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه: العقلُ عقلانِ: مطبوعٌ ومسموعٌ ولا يَصلُحُ أحدُهما إلّا بالآخر، فالأوّلُ هو الذي يتعلَّقُ به صِحَّةُ التكليفِ المُتناهيَةُ بقولِه عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ اللهَ لمّا خلقَ العقلَ، قال له: أَقبل، فأقبلَ، ثمّ قال له: أدبرْ، فأدبرَ، ثمّ قال: وعِزَّتي وجَلالي ما خلقتُ خلْقاً أكرمَ عليَّ منكَ بكَ آخُذُ، وبِك أُعطي". والثاني: هو الذي قال عليه الصلاة والسلام ل سيدنا علي كرَّم الله وجهَهُ: ((يا عليُّ: إذا تقرَّبَ الناسُ إلى خالِقِهم بالصَّلاةِ والصومِ، فتقرَّبْ إليه بأنواعِ العقلِ، تسبقُهم بالدرجات والزُّلفَى عندَ الناسِ في الدنيا، وعندَ اللهِ في الآخرة)). فهذا الثاني هو العقلُ المُشارُ إليه بقولِه تعالى: {لعلكم تعقلون}، وهو في الحقيقةِ الإيمانُ والتّقوى والإخلاص.و"الآياتِ" هي الأمورُ العَجيبةُ، ـ كما سبق أن بيّنا ـ والحقُّ ـ سبحانَه وتعالى ـ حين يُنبِّه العقلَ إلى استقبالِ حُكمٍ بالتَعَقُّلِ يَكون العقلُ المَحْضُ لو وجَّهَ فكرَه إلى دراسةِ أَسبابِ هذا المَوضوعِ فلن يَنتهي إلّا إلى هذا الحكم. ولذلك تجد أنّ الحقَّ ـ سبحانَه وتعالى ـ يترُكُ لِبعضِ المُشادّاتِ في التعامل والثارات في الخصومةِ أنْ تَخرُجَ عن حُكْمِ ما شَرَعَ اللهُ في أيِّ شيءٍ مِنَ الأشياءِ التي تقدَّمت، ثمَّ يُصيبُ المُجتمعَ شرٌّ مِن المُخالفةِ، وكأنه بذلك يؤكِّدُ حِكمتَه في تَشريعِ ما شَرع. وإلّا لو لم تَحدثْ مِن المخالفات شُرورٌ لَقالَ النّاسُ: إنّه لا داعي للتشريع. ولَتَرَكوا التَشريعَ دونَ أنْ يُصيبَهم شَرٌّ.إذن فحين لا نَلتزِمُ بالتشريعِ فالمَنْطِقُ والكَمالُ الكَوْنِيُّ أنْ تَحدُثَ الشرورُ؛ لأنّه لو لم تَحدثِ الشُّرورُ لاتَّهَمَ الناسُ مِنهجَ اللهِ وقالوا: إنّنا لم نَلتزمْ يا ربُّ بمنهجِك، ومع ذلك لا شُرورَ عندنا. فكأنَّ الشُرورَ التي نجدُها في المجتمعِ تَلْفِتُنا إلى صِدْقِ اللهِ وكمالِ حِكمتِه في تحديدِ مِنهجه. وهكذا يكون المخالفون لمنهج اللهِ مؤيدين لمِنهجِ اللهِ. وبعد ذلك ينتقل الحديثُ إلى عِلاجِ قضيَّةٍ إيمانيَّةٍ وهو أنَّ اللهَ حين يُقدِّرُ قَدَرًا لا يُمكِنُ لمخلوقٍ أنْ يُفلِتَ مِن هذا القَدَرِ، يقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الموت}. | |
|