عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 10 الأحد سبتمبر 02, 2012 2:02 pm | |
| فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
(10) ثم بين ـ سبحانه ـ العِلَّةَ في خِداعِهم للهِ وللمؤمنين فقال: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}.والمرض: بفتحِ الراءِ كما قرأ الجمهورُ، وبسكونِها كما قرأ الأَصمعيُّ عن أبي عَمْرٍو العلّةُ في البَدَنِ ونَقيضُهُ الصِّحَّةُ، وقد يُستعمَلُ على وجهِ الاستعارَةِ فيما يَعرِضُ للمرءِ فيُخِلُّ بكمالِ نفسِه، كسوءِ العقيدةِ والحَسَدِ، والبَغضاءِ والنِفاقِ، وهو المرادُ هنا.وسُمِّيَ ما هم فيه مِن نِفاقٍ وكُفْرٍ مَرَضاً، لكونِه مانعاً لهم من إدراكِ الفضائلِ. كما أنَّ مَرَضَ الأبدان يَمنعُها مِن التصَرُّفِ الكامِلِ.وجعلَ القرآنُ قلوبَهم ظَرفاً للمَرَضِ، للإٍشعار بأنّه تَمَكَّنَ منها تمكُّناً شديداً كما يَتمكَّنُ الظَرْفُ مِنَ المَظروفِ فيه.ثم أخبر ـ سبحانه ـ بأنّهم بسببِ سُوءِ أَعمالِهم قد زادهم اللهُ ضَلالًا وخُسْراً فقال: {فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً}. قيل: هو دعاءٌ عليهم ويكون معنى الكلامِ: زادهم اللهُ شَكًّا ونِفاقًا جَزاءً على كفرِهم وضَعفًا عن الانتصارِ وعجزًا عن القُدرةِ وقيل: هو إخبارٌ مِن الله تعالى عن زيادة مرضِهم أي فزادهم الله مرضًا إلى مرضهم كما قال في آية أخرى: {فزادتهم رِجْسًا إلى رِجسِهم} وقال أربابُ المعاني {في قلوبهم مرضٌ} أي بسكونِهم إلى الدنيا وحبِّهم لها وغفلتِهم عن الآخرةِ وإعراضِهم عنها وقولُه: {فزادهم الله مرضًا} أي وَكَلَهم إلى أنفسهم وجَمَعَ عليهم همومَ الدنيا فلم يتفرَّغوا من ذلك إلى اهتمامٍ بالدين {ولهم عذاب أليم} بما يَفنى عمّا يَبقى وقال الجُنَيْدُ: عِلَلُ القلوبِ من اتّباعِ الهوى كما أنَّ عِلَلَ الجوارحِ من مرضِ البَدنِ، لأنَّهم اسْتَمرّوا في نِفاقِهم وشَكِّهم، ومِن سُنَّةِ اللهِ أنَّ المَريضَ إذا لمْ يُعالِجْ مَرَضَه زادَ لا مَحالةَ، إذ المرضُ يُنشئُ المَرَضَ، والانحرافُ يبدأُ يَسيراً ثمَّ تَنْفَرِجُ الزاويةُ في كلِّ خُطوةٍ وتَزدادُ.ثم بيَّن ـ سبحانَه ـ سُوءَ عاقِبَتِهم فقال: {وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}. أَلِيمٌ، أي: مُؤلِمٌ ومُوجِعٌ وجَعاً شديداً. مِن أَلِمَ ـ كفرح ـ فهو أَلِمٌ، وآلَمَه يُؤلِمُه إيلاماً، أي: أوجَعَه إيجاعاً شديداً.والكَذِبُ: الإِخبارُ عن الشيءِ بخِلافِ الواقع. ولقد كان المنافقون كاذبين في قولِهم: "آمنا بالله وباليوم الآخر" وهم غيرُ مؤمنين. وجَعلَتِ الآيةُ الكريمةُ العذابَ الأليمَ مُرَتَّباً على كَذِبِهم مَعَ أَنَّهم كَفَرةٌ، والكُفْرُ أكبرُ مَعصِيَةً مِن الكَذِبِ، للإشعارِ بِقُبْحِ الكَذِبِ، وللتنفيرِ منه بأبْلَغِ وجْهٍ، فهؤلاءِ المنافقون قد جَمَعوا الخِسَّتين، الكُفرُ الذي تَوَعَّدَ اللهُ مُرتَكِبَه بالعذابِ العظيم، والكَذِبُ الذي تَوَعَّدَ اللهُ مُقْتَرِفَة بالعِقابِ الأليم.وعبّرَ بقولِه: {كَانُوا يَكْذِبُون} لإفادَةِ تَجَدُّدِ الكَذِبِ وحُدوثِه منهم حينًا بعد حين، وأَنَّ هذه الصِفةَ هي أخَصُّ صِفاتِهم، وأَبرَزُ جرائِمِهم.واختلفَ العُلَماءُ في إمساكِ النبيِّ صلى الله عليه و سلَّم عن قتلِ المنافقين ـ مع عِلمِه بنفاقهم ـ على أربعةِ أقوال: الأوّلُ: قال بعضُ العلماءِ: إنّما لم يَقتلْهم لأنّه لا يَعلَم حالَهم أحدٌ سِواه، وقد اتّفق العلماءُ على بَكرَةِ أبيهم على أنَّ القاضي لا يَقتُلُ بعِلمِه. الثاني: قال أصحاب الشافعي: إنَّما لم يقتلْهم لأنَّ الزِنديقَ وهو الذي يُسِرُّ الكُفرَ ويُظهِرُ الإيمانَ يُستَتابُ ولا يُقتَلُ. وهذا وهْمٌ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه و سلمْ لم يَسْتَتِبْهم ولا نَقلَ ذلك أحدٌ، ولا يقول أحدٌ إنَّ استتابةَ الزنديقِ واجبةٌ. وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم مُعرِضًا عنهم مع عِلمِه بهم، فهذا المتأخِّرُ من أصحابِ الشافعيِّ الذي قال: إن استنابةَ الزِنديقِ جائزةٌ قال قولًا لم يَصِحَّ لأحد. الثالث: إنّما لم يَقتلْهم مصلحةً لتأليفِ القلوبِ عليه لِئلا تَنْفُر عنه، وقد أشار صلى الله عليه و سلم إلى هذا المعنى بقولِه لعُمَرَ: ((معاذَ اللهِ أنْ يتحدَّثَ الناسُ أنّي أَقتُلُ أصحابي)). أخرجه البخاري و مسلم. وقد كان يُعطي للمؤلَّفةِ قلوبُهم مع عِلمِه بسوءِ اعتقادِهم تَألُّفًا. قال الشافعي وأصحابُه: وإنّما مَنع رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم مِن قتل المنافقين ما كانوا يُظهرونَه من الإسلام مع العلمِ بنِفاقِهم لأنَّ ما يظهرونَه يَجُبُّ ما قبلَه وقال الطبريُّ: جعلَ اللهُ تعالى الأحكامَ بين عبادِه على الظاهرِ وتولّى الحكمَ في سرائرهم دون أحدٍ من خلقِه، فليس لأحد أنْ يَحكُمَ بخلافِ ما ظَهَرَ لأنّه حكم بالظنون، ولو كان ذلك لأحدٍ كان أولى الناسِ بِه رسولُ الله صلى الله عليه و سلم، وقد حكم للمنافقين بحُكمِ المسلمين بما أظهروا وَوَكَلَ سرائرَهم إلى اللهِ، وقد كذَّبَ اللهُ ظاهرَهم في قوله: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}. وكان النبيُّ صلى الله عليه و سلّم يعلمُهم أو كثيرًا منهم بأسمائهم وأعيانِهم بإعلامِ اللهِ تعالى إيّاه، وكان حذيفةُ بنُ اليماني يعلَمُ ذلك بإخبارِ النبيِّ عليه الصلاة والسلامُ إيّاهُ ليحذرهم المسلمون بعد وفاته صلى الله عليه وسلّم، حتى كان عمرُ رضي اللهُ عنه يقول له: يا حذيفةُ هل أنا منهم؟ فيقول له: لا. الرابع: وهو أنَّ اللهَ تعالى كان قد حفِظَ أصحابَ نبيِّه عليه الصلاة والسلام بكونِه ثبَّتَهم أنْ يُفسِدَهم المنافقون أو يفسدوا دينهم، فلم يكن في تبقيتِهم ضررٌ، وليس كذلك اليوم لأنّا لا نأمَنُ الزنادقةَ أنْ يُفسِدوا عامَّتَنا وجُهّالَنا.قولُه تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}. الجارُّ والمجرورُ خبرٌ مقدَّمٌ واجبُ التقديمِ لِما تَقَدَّم ذِكْرُه في قوله: {وعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}. وقوله: {فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً} جملةٌ فعليةٌ معطوفةٌ على الجُملةِ الاسْمِيَّةِ قبلَها، مُتَسَبِّبَةٌ عنها، بمعنى أنَّ سَبَبَ الزِيادةِ حُصولُ المَرَضِ في قلوبهم، إذْ المُرادُ بالمرضِ هنا الغِلُّ والحَسَدُ لظهورِ دينِ اللهِ تعالى. و"زاد" يُستعمَلُ لازماً ومتعدِّياً لاثنين ثانيهما غيرُ الأوَّلِ كأعطى وكَسَا، فيجوزُ حَذْفُ مَعمولَيْه وأحدِهما اختصاراً واقتصاراً. و{وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} نَظيرُ قولِه تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} وقد تقدَّم. وأليمٌ هنا بمعنى مُؤْلِم. وصيغةُ فَعيلٍ هُنا للمُبالَغَةِ مُحَوَّلاً مِن فَعِلَ بكَسْرِ العيْن. وعلى هذا يكون نسبةُ الألَمِ إلى العذابِ مَجازاً، لأنَّ الألَمَ حَلَّ بِمَنْ وَقَعَ بِه العذابُ لا بالعَذابِ.و{بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} متعلِّقٌ بالاستقرارِ المُقَدَّرِ في "لهم" أي: استقرَّ لهم عَذابٌ أليمٌ بسببِ تَكذيبِهم. و"ما" يجوزُ أَنْ تَكونَ مصدريَّةً أي بِكونِهم يَكذِبون، وهذا على القولِ بأنَّ لـ "كان" مصدراً، وهو الصحيحُ عند بعضهم للتصريحِ به في قول الشاعر: بِبَذْلٍ وحِلْمٍ ساد في قومِه الفتى .............. وكونُك إياه عليكَ يَسيرُفقد صرَّحَ بالكونِ. ولا جائزٌ أنْ يكونَ مصدَرَ كان التامةِ لنَصْبِه "الخبر" بعدها، وهو: "إيّاه". | |
|