عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: الدر النظيم ... سورة البقرة الآية : 60 الإثنين فبراير 27, 2012 5:47 am | |
| وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ
(60) {استسقى موسى لِقَوْمِهِ} في الآية تذكير لنعمة عظيمة كفروا بها وكان ذلك في التيه لما عطشوا ، ففي بعض الآثار أنهم قالوا : مَن لنا بحر الشمس؟ فظلّل عليهم الغمام ، وقالوا : مَن لنا بالطعام؟ فأنزل الله تعالى عليهم المَنَّ والسَلوى وقالوا : مَن لنا بالماء فأُمِرَ موسى بضرب الحجر . والسينُ في ” استسقى ” للطلبِ على وَجْهِ الدُّعَاءِ أي : سَأَل لهم السُّقيا ، وألفُ استسقى منقلبةُ عن ياءٍ لأنه من السَّقْيِ . ويقال : سَقَيْتُه وأَسْقَيْتُه بمعنى وأنشد : سَقَى قومي بني بكر وأَسْقَى …………….. نُمَيْراً والقبائلَ من هِلالِ وقيل : سَقَيْتُه : أَعْطَيْتُه ، ما يَشْرَبُ ، وأَسْقَيْته جَعَلْتُ ذلك له يتناولُه كيف شاء ، وعلى ذلك يكون الإِسقاءُ أَبْلَغَ من السقي ، وقيل: أَسْقَيْته دَلَلْتُه على الماءِ . ” لقومِه ” متعلِّقٌ بالفعلِ واللامُ للعلَّة ، أي : لأجلِ ، أو تكونُ للبيان لَمَّا كانَ المرادُ به الدعاءَ كالتي في قولِهِم ” سُقْياً لك ” فتتعلَّقُ بمحذوفٍ كنظيرتِها . {اضرب بِّعَصَاكَ} الإِدغام ـ هنا ـ واجبٌ ؛ لأنه متى اجتمع مِثْلان في كلمتين أو كلمةٍ أَوَّلُهما ساكنٌ وَجَبَ الإِدغامُ . وألفُ “عصاك” منقلبةٌ عن واوٍ لقولِهم في النسبة إليها : عَصَوِيّ ، وفي التثنية عَصَوانِ ، والجمع: عِصِيّ وعُصِيّ بضمِّ العَيْنِ وكَسْرِها إتباعاً ، وأَعْصٍ، مثل: زَمَن وأَزْمُن ، والأصل : عُصُوو ، وأَعْصُو ، فَأُعِلَّ . وعَصَوْتُه إذا ضربته بالعَصا ، وعَصَيْتُه بالسيفِ ، إذا ضربته بأجمعه لا بحدّه ، و” ألقى عصاه ” يُعَبَّر به عن بُلوغ المنزلِ أو القصد ، قال الشاعر : فَأَلْقَتْ عَصاها واستقرَّ بها النَّوى ……… كما قرَّ عَيْناً بالإِيابِ المسافِرُ وانشقَّت العصا بين القومِ أي وقع الخلافُ بينهم ، قال الشاعر : إذا كانتِ الهيجاءُ وانشَقَّتِ العَصا … فَحَسْبُك والضحاكُ سيفٌ مُهَنَّدُ قال الفراء: أولُ لَحْنٍ سُمِع بالعراقِ هذه عصاتي ” يعني بالتاء ، وكان عليه أن يقول عصاي ” . { الحَجَرَ } مفعولٌ و” ألـ ” للعهدِ ، وقيل : للجنسِ . { فانفجرت } الفاءُ : عاطفةٌ على محذوفٍ لا بُدَّ منه ، تقديرُه : فَضَرَبَ فانفجَرَت ، حُذِفَتْ الفاءُ وما عَطَفَتْه قبلها . وقد جَعَلَها الزمخشريّ جوابَ شرطٍ مقدَّرٍ ، والتقدير : فإن ضَرَبْتَ فقد انفجرَتْ ، وهي على هذا فاءٌ فصيحةٌ لا تقع إلا في كلامٍ بليغ . والانفجارُ : الانشقاقُ والتفتُّح ، ومنه الفَجْرُ لانشقاقِه بالضوءِ ، وفي الأعرافِ ، {فانبجست} الآية : 160، فقيل : هما بمعنى ، وقيل : الانبِجاس أضيقُ ، لأنه يكونُ أولَ والانفجارُ ثانياً . {اثنتا عَشْرَةَ عَيْناً} فاعل “انفجرت” ، والألفُ علامةُ الرفعِ لأنه مَحْمولٌ على المثنَّى ، وليس بمثنَّى حقيقةً إذ لا واحد له من لفظِه ، وكذلك مذكَّرهُ “اثنان” ولا يُضاف إلى تمييز لاستغنائِه بذكر المعدودِ مثنَّى ، تقول : رجلان وامرأتان ، ولا تقول: اثنا رجلٍ ولا اثنتا امرأةٍ ، إلا ما جاءَ نادراً فلا يُقاسُ عليه . وثِنْتان مثل اثنتين ، وحكمُ اثنين واثنتين في العددِ المركب أن يُعْرَبا بخلافِ سائرِ أخواتهما ، لأنه حُذِفَ معهما ما يُحْذَفُ في المعرب عند الإِضافة وهي النونُ فأشبها المعربَ فأُعْرِبا كالمثنى بالألف رفعاً وبالياء نصباً وجرَّاً ، وأمَّا ” عَشْرة ” فمبنيٌّ لتنزُّلِه منزلَةَ تاءِ التأنيثِ . و”عَيْناً” تمييز . وقُرئ: “عَشِرة” بكسر الشينِ وهي لغةُ تميمٍ ، ولغةَ الحجازِ عَشْرة بالسكون . وقرأ الأعمش : عَشَرة بالفتح . والعينُ اسم مشتركٌ بين عَيْنِ الإِنسانِ وعَيْن الماء وعَيْنِ السحابة وعَيْنِ الذهبِ وعَيْنِ المِيزان ، والعَيْنُ : المطر الدائم ستاً أو خمساً ، والعَيْنُ : الثُّقْب في المَزادَة ، وبلدٌ قليلٌ العَيْن أي : قليلُ الناس . {كُلُّ أُنَاسٍ} أصلُ الناس . وقيل إنّه اسمُ جَمْعٍ . {مَّشْرَبَهُمْ } مفعولٌ لـ “عَلِمَ” بمعنى عَرَف ، والمَشْرَبُ هنا مَوْضِعُ الشُّرْبِ ؛ لأنُه روي أنه كان لكلِّ سِبْطٍ عَيْنٌ من اثنتي عشرةٍ عيناً لا يَشْرَكُهُ فيها سِبْطُ غيرُه . وقيل : المشرب هو نفسُ المشروب . فيكون مصدراً واقعاً موقعَ المفعولِ به . {كُلُواْ واشربوا } هاتان الجملتانِ في محلِّ نَصْبٍ بقولٍ مضمرٍ ، تقديرُه: وقُلْنَا لهم كُلوا واشْرَبُوا . {مِن رِّزْقِ الله} هذه من باب الإِعمال لأنَّ كلَّ واحدٍ من الفعلين يَصِحُّ تسلُّطُه عليه ، وهو من باب إعمالِ الثاني للحذفِ من الأولِ ، والتقديرُ: وكُلوا منه . و” مِنْ ” يجوزُ أن تكونَ لابتداءِ الغايةِ وأن تكونَ للتبعيضِ ، ويجوزُ أن يكونَ مفعولُ الأكلِ محذوفاً ، وكذلك مفعولُ الشُّرْب ، للدلالة عليهما ، والتقدير : كُلوا المَنَّ والسَّلْوى ، لتقدُّمِهما في قوله : { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى } واشرَبوا ماءَ العيُونِ المتفجرةِ ، وعلى هذا فالجارُّ والمجرورُ يُحْتمل تعلُّقُه بالفعلِ قبله ، ويُحْتمل أن يكونَ حالاً من ذلك المفعولِ المحذوفِ ، فيتعلَّقَ بمحذوفٍ . وقيل : المرادُ بالرزق الماءُ وحدَه ، ونَسَب الأكلَ إليه لمَّا كانَ سبباً في نَماء ما يُؤكل وحياتِهِ فهو رزقٌ يُؤْكل منه ويُشْرَبُ ، والمرادُ بالرزقِ المَرْزُوقُ ، وهو يَحْتَمل أن يكونَ من باب “ذِبْح ورِعْي” ، وأن يكونَ من باب “درهمٌ ضَرْبُ الأميرِ” . {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ} أصلُ ” تَعْثَوا ” : تَعْثَيُوا ، فاستُثْقِلت الضمةُ على الياءِ فحُذِفَت فالتقى ساكنانِ فحُذِفَ الأولُ منهما وهو الياءُ ، أو لَمَّا تحرَّكتِ الياءُ وانفتح ما قبلَها فُلِبَت ألفاً ، فالتقى ساكنان فحُذِفَتِ الألفُ وبقيتِ الفتحةُ تَدُلُّ عليها وهذا أَوْلى ، فوزنُه تَفْعُون . والعِثِيُّ والعَيْثُ : أشدُّ الفسادِ وهما متقاربان . وقال بعضُهم : إلاَّ أنَّ العَيْثَ أكثرُ ما يُقال فيما يُدْرَك حِسَّاً ، والعِثِيُّ فيما يُدْرَكُ حُكْماً ، يقال : عَثَى يَعْثَى عِثِيَّاً وهي لغةُ القرآنِ ، وعثا يَعْثُوا عُثُوّاً وعاثَ يعيثُ عِثِيّاً ، وليس عاثَ مقلوباً من عثى كَجَبَذَ وجَذَبَ لتفاوتِ مَعنَيَيْهما ، ثم اختصَّ كلُّ واحدٍ بنوعٍ . ويُقال : عَثِيَ يعثى عِثِيّاً ومَعَاثاً ، وليس عَثِي أصلُه عَثِوَ ، فقُلِبَتِ الواوُ ياءً لانكسارِ ما قبلها كَرَضِيَ من الرّضوان . وعَثَّ يَعُثُّ أي فسد ، ومنه : العُثَّةُ سُوسةٌ تُفْسِدُ الصوفَ. “مُفْسدين” حالٌ من فاعل ” تَعْثَوْا ” وهي حالٌ مؤكِّدةٌ ، لأنَّ معناها قد فُهِم من عامِلها ، وحَسَّنَ ذلك اختلافُ اللفظين ، ومثله : {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } التوبة : 25، ويُحتمل أن تكونَ حالاً مبيِّنَةً ، لأنَّ الفسادَ أعمُّ والعِثِيِّ . و{فِي الأرض} يَحْتمل أن يتعلَّق بـ ” تَعْثَوْا ” وهو الظاهرُ ، وأن يَتَعلَّقَ بمفسدين .
| |
|