مسارحُ الطيب
إلى مدينة حماه الخالدة والعظماء أبنائها ألقيت في مهرجان تشرن الشعري بمحافظة حماه.
مهما سَمَوتُ فأنتِ فوق سمائي
لله أنتِ مدينةَ العُظماءِ
ماذا أقولُ وأنتِ مَن قد أنجبتْ
عَـبرَ العُصُورِ فَطاحلَ العلماءِ
أرْضَعْتِهم شَمَمَ العُلا وكَسَوتِهم
للنائباتِ شمائلَ الُنبَلاءِ
يا طَفْلَةَ النَهْديْن فاضا كوثراً
فاضت عليه قرائحُ الشعراءِ
* * *
أُمَّ النواعيرِ الشَجيِّ أَنينُها
كم أَّرقتْ بالشَجْوِ حُورَ الماءِ
كم أَلْهَبَ الأشواقَ رَجْعُ حنينِها
وسَرى كَمَسْرى الراحِ في الأعضاءِ
حَمَلَتْ لنا ماءَ الحياةِ جَداولاً
ومَضتْ تَبُثُّ الخِصْبَ في الأنحاءِ
وسَقتْ رياضَ الحُبِّ خَمْرةَ حُبِّها
فتَدَلَّتِ الأغصانُ بالنَعْماءِ
وتَراقَصَ النَوارُ تحتَ ظلالِها
فإذا الُمروجُ تَمُوجُ بالآلاءِ
وكأنّما نامتْ على الأرضِ السما
بنُجومها وببدرِها اللألاءِ
* * *
أُمَّ البطولة والفصاحةِ والحِجا
ومنارةَ السارين في الظلماءِ
وعشيقةَ النهرِ العَصِيِّ على المدى
ومسارحَ الأطيابِ والأشذاءِ
عُذراً فما وفّيتُ قدرَكِ إنما
هي قبضةٌ من نورك الوضاءِ
مها وقفتُ على المديحِ قصائدي
وسَخَوْتُ بالألقابِ و الأسماءِ
تَبْقَيْنَ يا تاجَ المفاخرِ كلِّها
فوقَ المديحِ وفوقَ كلِّ سخاءِ
***
ويحَ الخُطوبِ فكم أراشتْ سَهْمَها
وارتدَّ سهمُ الغدرِ في الأعداءِ
لك يا حماةُ على الرزايا والبَلا
درعٌ متينٌ من نسيجِ إباءِ
مرَّ الغُزاةُ جحافلاً مُخْتالةً
ومضوا على هُونٍ بلا خُيلاءِ
لله درُّ بَنيك كم ذا علَّموا
نَهِمَ العُيونِ مَزيَّةَ الإغضاءِ
* * *
ومن اشتهى سُكْنى العُقابِ وصيدَه
وله جَناحا بومةٍ عَجْفاءِ
فقد ابتغى صعباً فهاضَ جَناحُه
دونَ السفوحِ وخاب كلُّ رجاءِ
* * *
وتعودُ يا تشرينُ بسّامَ المنى
تَلقى الخطوبَ بجَبهةٍ شمّاءِ
فتَهُزُّني ذِكرى تَأَجَّجُ في دمي
فيعودُ لي زَهْوي بها وصفائي
يا صَفْوةَ الأيام ما زلنا على
عهدِ الوفاءِ فوارسَ الهيجاءِ
عَلِمَت (عَروسُ المجدِ) كم جُدْنا لها
يوم الفِدى بقوافلِ الشُهداءِ
ما نحن مَن إنْ يخطبوها أرخصوا
مَهراً ولو خُضْنا بِحارَ دماءِ
***
فلْيذكُرِ الأعلاجُ أياماً لنا
ولهم، وما في الدهر من أنباءِ
ولْيَحذروا أن يمكروا ويراوغوا
إن كان في صِهْيَوْنَ من حُكماءِ
إن يَخرجوا سلماً فقد عَصموا بها
دَمَهم وساد العدلُ في الأرجاءِ
وإذا أَبَوْا فسيخرُجون أَذِلَّةً
أشلاءَ هائمةً على أشْلاءِ
وَعْدُ السماءِ لنا عليكم فاتَّقوا
غضَبَ السماءِ مَعاشرَ السُفَهاءِ
كَذَبوا النبيينَ الكِرامَ وكَذَّبوا
دَعَواتِهم بالقتْلِ والإيذاءِ
إن عاهدوا حَنَثوا وخانوا عهدَهم
يَتلونون تلَوُّنَ الحرباءِ
لا يُذعِنون بغيرِ سطْوَةِ صارمٍ
مُتَعَطِّشٍ لجَمائمِ الجُبَناءِ
***
فلْيَذكُروا يوماً بخيبرَ والقنا
مخضوبةُ الكفّين بالحِنّاءِ
شرِبت كؤوسَ دمائهم فترنَّحتْ
وكأنَّما رَوِيتْ من الصهباءِ
مهما تَطاوَلَ ليلُنا فسينجلي
عن سَمْحَةٍ لألاءةٍ غَرّاءِ
ويعودُ هذا الكونُ ملعبَ خيلِنا
فندوس رأسَ البغيِ والفحشاءِ
مَنْ علَّمَ الآباءَ عاقبةَ الخنا
والغَدرِ، أَوْلى الناس بالأبناءِ
المزاج
الخميس أغسطس 23, 2018 5:17 pm