[size=37]كيفيَّةُ تلاوةِ القرآنِ الكريمِ[/size][size=37]:[/size]
لقد شَرَعَ اللهُ ـ سُبْحانَهُ وتَعالى، لِقِراءَةِ القُرآنِ صِفَةً مُعَيَّنَةً وكَيْفِيَّةً ثابِتَةً، قدْ أَمَرَ بِها نَبِيَّهُ ـ عَلَيْه الصلاةُ والسلامُ، فقالَ: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}، أَيْ اقْرَأْهُ بِتُؤَدَةٍ وطُمَأْنِينَةٍ وتدبُّر، وذلك برياضة اللسان، والمُداوَمَةِعلى القراءةِ بترقيق المُرَقَّقِ، وتَفْخيمِ المُفَخَّمِ، وقَصْرِ المَقْصورِ، ومدِّ المَمْدودِ، وإظهارِ المُظْهَر، وإدغامِ المُدْغَمِ، وإخفاءِ المَخْفِيِّ، وغَنِّ الحرف الذي فيه غُنّةٌ وإخْراجِ الحروفِ من مَخارِجِها، وعدمِ الخَلْطِ بينَها. كلُّ ذلك دُونَ تكلُّف أوْ تَمْطيطٍ. وللقِراءةِ أحوالٌ ثلاثةٌ هي:
1 ـ التَرْتِيلُ: والتَرْتيلُ في اللُّغَةِ التَحْسينُ، وهوَ في الاصْطِلاحِ قراءةُ القُرآنِ عَلى مُكْثٍ وتَفَهُّمٍ دُونَ عَجَلَةٍ، وهِيَ القِراءَةُ المُسْتَحَبَّةُ لأَنَّ القرآنَ نَزَلَ بها.
2 ـ الحَدْرُ: أَيْ الإسراعُ لُغَةً وهوَ اصْطلاحاً الدَرْجُ في القِراءَةِ والسُرْعَةُ فيها. عَلَى ألاَّ تَخرُجَ عَمَّا نُقِلَ عَنِ القُرَّاءِ الأَئِمَّةِ في المَدِّ، والهَمْزِ والقَطْعِ، والوَصْلِ، والتَشديدِ، والتَخْفيفِ، والتَفْخيمِ، والإمالَةِ، والإشْباعِ والاخْتِلاسِ.
3 ـ التدويرُ: وهو التوسُّطُ بين التَرْتِيلِ والحَدْرِ وهو المُخْتارُ عِنْدَ
أكثر القرَّاءِ. وهذا لا يتأتى لك إلاَّ بالتَلَقّي والأخذِ مُشافَهَةً عن الأساتيذِ، والدُرْبَةِ على عالِمٍ بالقراءَةِ متقنٍ لها مُجيدٍ.
ولقد أكَّدَ اللهُ ـ عَزَّ وجَلَّـ الفعلَ وهو: "رتِّلْ"، بالمَصْدَرِ وهو "ترتيلًا"، تَعْظيماً لشأنِه واهْتِماماً بِأَمْرِهِ. كما قال سبحانَهُ: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً}، سُورَةُ الإسْراءِ، الآية: 106. أي لِتَقْرَأَهُ على النَّاسِ بِتَرَسُّلٍ وتَمَهُّلٍ فإنَّ ذلك أَقْرَبُ إلى الفَهمِ وأسْهلُ للحِفظِ، والواقع أَنَّ هذِهِ الصِفَةِ لا تتحَقَّقُ إلاَّ بالمُحافَظَةِ على أحكام التَجْويد المُسْتَمَدَّةِ من قِراءِةِ رسول الله ـ صلى اللهُ عليه وسَلَّم، والتي ثَبُتَتْ عَنْهُ بالتواتُرِ والأَحاديثِ الصَحيحَةِ، فقدْ سُئِلَ أنسُ بْنُ مالك ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كيفَ كانتْ قراءةُ النَبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فقال: (كانت قراءتُه مَدّاً، ثمَّ قرأَ بِسْمِ اللهِ الرحمن الرَحيمِ، يَمُدُّ بِ "بسم الله"، ويَمُدُّ بِ "الرَحْمَنِ"، ويَمُدُّ بِ "الرَّحيمِ"، (1). وقَدْ نُقِلَتْ إِلَيْنا هذِهِ الصَفَةُ بِأَعْلى دَرَجاتِ الرِوايَةِ وهِيَ المُشافَهَةُ حَيْثُ يَتَلَقى القارئُ عَنِ المُقْرِئ، والمُقْرئُ قَدْ تَلَقّاهُ عَنْ شَيْخِهِ، وشَيْخُهُ عَنْ شَيْخِهِ، وهَكَذا حَتَّى تَنْتَهِي السِلْسِلَةُ إلى النَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
ومِنَ المُؤَكَّدِ أَنَّ النَبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قدْ عَلَّمَ أَصْحَابِهُ الكرامَ القرآنَ الكريمَ كما تلقَّاه عَنْ أَمينِ الوَحْيِ جَبْريلَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، ولقَّنَهُم إيَّاهُ بالصِفَةِ نَفْسِها، وحَثَّهم عَلى تَعَلُّمِها والقِراءَةِ بِها، فَلَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقْرأُ في صلاتِهِ فَقالَ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرأَ القُرآنَ غَضّاً كَما أُنْزِلَ فَلْيَقْرأْ على قراءةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ))، (2). ولَعَلَّ المَقصدَ ـ واللهُ أَعْلَمُ، أَنْ يَقْرَأَهُ عَلى الصِفَةِ التي قَرَأَ بِها عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعودٍ مِنْ حُسْنِ الصَوْتِ وجَودَةِ التَرْتيلِ ودِقَّةِ الأَداءِ.
وقدْ خَصَّ رَسولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، نَفَراً مِنَ الصَحابةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهم، أَتْقِنوا القِراءةَ حتَّى صَاروا أَعْلاماً فيها، مِنْهمْ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وعبدُ اللهِ بْنُ مَسْعودٍ، وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، وأَبو مُوسى الأَشْعَرِيُّ، وعُثمانُ بْنُ عَفَّانٍ، وعَلِيُّ بْنُ أَبي طالِبٍ، وأَبو الدَرْداءِ، ومُعاذُ بْنُ جَبَلٍ، وغَيْرُهُمْ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم. فكان ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، يَتَعَهَّدُهم بالاسْتِماعِ لهم أَحْياناً، وبِإسْماعِهِمُ القِراءةَ أَحياناً أُخْرى كما ثَبَتَ ذلك بالأَحاديثِ الصحيحةِ. قال أَنَس بنُ مالك ـ رضيَ اللهُ عنه: قال رسول الله ـ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، لأبيِّ بْنِ كَعْبٍ: ((إنَّ اللهَ أَمَرَني أَنْ أَقرأَ عليكَ)). قال: آلله سَمَّاني لكَ؟ قالَ: ((الله سمَّاك لي)). قال أَنَسٌ: فجَعَل أُبيٌّ يَبكِي"، (3).
كما ثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مسعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: قالَ ليَ النَبِيُّ ـ صَلَّى الله عليه وسَلَّمَ: ((اقرأ عليَّ القرآن)). قلت: أَأَقرَأَ عَلَيْكَ وعليك أُنْزِلَ؟ قال: ((إنّي أُحِبُّ أن أسمَعَه من غيري)). فافتتحتُ سورةَ النساءِ فلَمّا بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً}، (4) قالَ: ((حَسْبُكَ)). فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تَذْرِفان". (5) ويُحتَمَلَ أنْ يكونَ الرسولُ ـ صلى الله عليه وسَلَّمَ، قد أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِيَكُونَ عَرْضُ القُرآنِ سُنَّةً يُحْتَذَى بِها، كَما يُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ لِكَيْ يَتَدَبَّرَه ويَتَفَهَّمَهُ وذلك لأنَّ المُسْتَمِع أَقْوى على التَدَبُّر، ونَفْسُهُ أَخْلى وأَنْشَطُ مِنَ القارِئِ لا شْتِغالِهِ بالقِراءِةِ وأَحكامِها. وقال ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ، آمِراً النَّاسَ بِتَعَلُّمِ قِراءَةِ القُرآنِ وبِتَحَرِّي الإتقان فيها، بِتَلَقِّيها عن المُتْقنين الماهرينَ: ((خُذًوا القُرآن مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عبدِ اللهِ بْنِ مَسعودٍ، وسالِمٍ، ومُعاذٍ، وأُبيِّ بْنِ كَعْبٍ))، (7). وكلُّ هذا يَدُلُّ على أَنّ هُناك صِفَةً مُعَيَّنَةً، وكَيْفِيّةً ثابِتَةً لِقِراءَةِ القرآن لا بُدَّ مِنْ تَحْقيقِها، وهي الصِفَةُ المَأْخوذَةُ عنه ـ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، وبها أُنْزِلَ القُرآنُ، فمن خالَفَها أوْ أَهْمَلَها فَقَدْ خالَفَ السُنَّةَ وقرَأَ القُرآنَ بغيرِ ما أَنْزَلَ الله. وصفةُ القراءةِ هذِهِ هي التي اصْطَلَحوا على تَسْمِيَتِها بَعدَ ذَلك بالتَجْويدِ.
والتجويدُ في اللُّغَةِ معناه التَحْسينُ، أَمَّا اصطلاحاً فهو إِخْراجُ كلِّ حَرَفٍ من مَخْرَجِهِ مُتَّصِفاً بصفاتِه صَوْناً للِّسانِ عَنِ الخَطَأِ، أَمَّا حُكْمُهُ فإنَّ القراءةَ بِهِ فَرْضُ عَيْنٍ على كُلِّ مُكَلَّفٍ، كأنْ يَقْرَأَ كما تَلَقَّى مِنْ مُتْقِنٍ دُون أْنْ يَعْرِفَ القاعدَةَ، أَمَّا العِلْمُ بِقواعِدِ التَجْويدِ فهوَ فرضُ كِفَايَةٍ.
وفيما يأتي نُبَيِّنُ هذه الأحكامِ مُوجَزَةٍ، ونَبْدَأُ بِبيانِ مَخارِجِ الحُروفِ كما نَصَّ عليْها العُلَماءُ:
[size=37]أَوّلاً [/size]
[size=37]بابُ: مخارجُ الأَحْرُفِ[/size]
المَخرجُ لُغةً: مِنَ الخُروجِ وعَكْسُهُ المَدْخِلُ، أَمَّا المَخْرِجُ اصْطِلاحاً عند عُلَماءِ التَجْويدِ فهو: الحَيِّزُ المُوَلِّدُ للحَرْفِ، والحَرْفُ لُغَةً الطَرَفُ، واصْطِلاحاً: صَوْتٌ مُعْتَمِدٌ على مَخْرَجٍ مُحَقَّقٍ أَوْ مُقَدَّرٍ. وللحُروفِ سَبْعَةَ عَشَرَ مَخْرَجاً مِنْ خَمْسِ جِهاتٍ هِيَ:
1 ـ الجَوْفُ: وهو الخلاءُ الداخلُ مَنَ الحَلْقِ، وفيه مَخْرجٌ واحدٌ لأحْرفِ المَدِّ الثلاثةِ التي هيِ: الياءُ والواوُ والأَلِفُ، وتُسمَّى أَيْضاً الحُروفُ الجَوْفيَّةُ أوِ الهوائيَّةُ.
2 ـ الحلقُ: وفيه ثلاثةُ مخارجَ لِسِتَّةِ أَحْرُفٍ هي:
أ ـ أقصى الحَلق: ويَخْرُجُ منه الألفُ والهاءُ.
ب ـ وَسَطُ الحلق: ويخرج منه العينُ والحاءُ المهملتان.
د ـ أَدْنى الحلق: ويَخْرُج منه الغينُ والخاءُ المُعْجَمَتان.
3 ـ اللسانُ: وفيه عشرةُ مخارجَ لثمانِيَةَ عشر حرفاً على النحو المبين أدناه:
أ ـ أقصى اللسان مما يلي الحلقَ وما فوقه من الحَنَكِ الأعلى للقافِ.
بِ ـ أَقْصى اللِّسانِ مِنْ أَسْفًلِ مَخْرَجِ القافِ قَليلاً، ومَا يَليهِ مِنَ الحَنَكِ للكافِ.
ج ـ بين وسطِ اللسان ووسَطِ الحَنَكِ للحروف الشَجَريَّةِ وهي
الجيمُ والشينُ والياءُ غيرُ المَدِّيَّةِ.
د ـ أوَّلُ حافَّةِ اللِّسانِ وما يليه من أَضْراس الفكِّ الأيمن أو الأيْسَرِ
للضادِ.
ه ـ من أدنى حافَّةِ اللسانِ إلى مُنْتَهى طَرَفِهِ بَيْنَها وبين ما يليها من يمين الحَنَكِ الأعلى أو يساره للاُّمِّ.
وـ أَسْفَلُ مَخْرِج اللام قليلاً مِنْ طَرَفِ اللِّسانِ لحرف النون.
ز ـ من مخرج النونِ إنَّما أَدْخَلُ في ظَهْرِ اللسانِ للراءِ.
ح ـ مِنْ طَرَفِ اللّسانِ وأُصولِ الثنايا العُلْيا مصعِّداً إلى جِهَةِ الحَنَكِ الأَعْلى الحروف النطعيَّةُ وهي الطاءُ والدالُ والتاءُ.
ط ـ من طرف اللسانِ وفُويقَ الثنايا السُفْلى حروف الصَفير وهي الصادُ والسينُ والزايُ، وتُسمَّى أيضاً الحروف الأسليَّةُ.
ي ـ بين طرفِ اللسان وأَطْراف الثنايا العليا الحروفُ اللَثَوِيَّةُ وهي الثاءُ والذالُ والظاءُ.
4 ـ الشفتان: وفيهما مَخْرَجُان للحروف الشَفَوِيَّةِ الأَرْبَعَةِ وهي:
أ ـ الفاءُ: وتخرُجُ من باطن الشَفَةِ السفلى وأطراف الثنايا العليا.
ب ـ الباءُ :الباءُ والميمُ بانْطِباقِ الشَفَتَيْنِ، والواوُ غَيْرُ المَدِيَّةُ بانْفِتاحِهِما.
5 ـ الخَيْشُومُ: فيه مخرجٌ واحدٌ لحرفي الميم والنون الساكِنَتَيْنِ حالَ الإخفاءِ والإدغام بِغُنَّةٍ.
[size=37]ثانياً [/size]
[size=37]بابُ: صفاتِ الحُروف[/size]
لحروفِ العربيَّةِ التي نَزَلَ القُرآنُ بها سَبْعَ عَشْرَةَ صفةٍ، هي:
أ ـ عَشْرٌ مُتَضَادَّةٌ وهي: الجهرُ وضدُّه الهمسُ، والشدَّةُ وضدُّها الرخاوةُ، وبين بينٍ، والاستعلاءُ وضِدُّها الاسْتِفالُ، والإطباقُ وضِدُّه الانفتاحُ، والإذلاقُ وضِدُّه الإصماتُ..
1 ـ الجهرُ: هو لُغَةً الإعلانُ، واصْطِلاحاً: انحباسُ جَرْيِ النَفَسِ عند النطق بالحرفِ، وله ثمانيةَ عشَرَ حرفاً جُمِعتْ في قولِهِم: (عظُمَ وزنُ قارئٍ ذي غضٍ جِدَّ طلب) لكنِ الألِفُ المَدِّيَّةُ ـ كالياءِ والواو المَدِّيَّان ـ لا تتَّصفُ بصفةٍ بل هي هوائيَّةٌ تابعةٌ لما قبلَها في الصفةِ.
2 ـ والهمسُ: لغةً الخفاءُ، واصطلاحاً: جَرَيانُ النفَسِ عند النُطْقِ بالحَرْفِ، وحروفُهُ عشَرةٌ يجمعها قولُهم: (سكَتَ فحثَّهُ شخصٌ).
3 ـ والشِدَّةُ: لغةً القوَّةُ، واصطلاحاً: انحباسُ جَرْيِ الصوتِ عند النُطقِ بالحرفِ، وحروفُها ثمانيةٌ مجموعةٌ في قولِهم (أَجِدُ قطٍ بكتْ).
4 ـ والرخاوةُ: لغةً اللّينُ، واصطلاحاً: جَرَيانُ الصوتِ مع الحَرْفِ، وحروفُها خمسةَ عَشَرَ حرفاً غيرَ حروفِ الشدَّةِ والبَيْنِيَّةِ. وبينَ الرَّخاوةِ والشدَّةِ خمسُ أَحرُفٍ يجمعُها قولُك: (لِنْعُمَر).
5 ـ والاستعلاءُ: لغةً الارتفاعُ، واصْطلاحاً ارتفاعُ اللسانِ عندَ النُطقِ بالحرفِ إلى الحنكِ الأعلى، وحروفُهُ مجموعةٌ في قولِهم: (خُصَّ
ضغطٍ قظْ).
6 ـ والاستفالُ: لغةً الانخفاضُ، واصطلاحاً انحطاطُ اللّسانِ عند
خروجِ الحرفِ من الحنكِ إلى قاع الفمِ وحُروفُهُ غيرُ حروفِ الاستعلاءِ.
7 ـ والإطباقُ: لغةً الالْتِصاقُ، واصطلاحاً: تَلاصُقُ ما يحاذِي اللِّسانَ مِنَ الحَنَكِ الأَعْلى عِنْدَ النُطْقِ بالحَرْفِ، وجُمِعتْ حُروفُهُ في قولِ ابْنِ الجُزَريِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تعالى (وصادُ ضادٌ طاءُ ظاءُ مُطْبِقَة).
8 ـ والانفتاحُ: لغةً الافْتِراقُ، واصطلاحاً تجافي كلٍّ من طائفتي اللِّسانِ والحَنَكِ عن الأخرى حتى يخرجَ الهواءُ من بينِهِما وحروفُه غيرُ المُطْبَقَة.
9 ـ والذَلاقةُ لُغةً السُرْعةُ، واصطلاحاً سرعةُ النُطقِب الحروف المُذْلَقَةِ، وهي ستَّةُ حروفٍ يجمَعُها قولُك: (فِرَّ من لُبٍّ).
10 ـ الإصماتُ: سُمِّيتْ مُصْمِتَةً لأنَّ الكلمة العربيَّةَ إذا كانت أربعةَ أحرُفٍ أوخمسةً لابدَّ وأن يوجَدَ فيها حَرْفٌ فأَكثرَ من الحروفِ المُذْلقةِ، والإصماتُ لغةً، المنعُ، وهي غيرُ الحروفِ والمُذْلَقةِ.
ب ـ وسبعٌ لاضِدَّ لها وهي:
1 ـ الصفير: وهو لغةً: صوتٌ يُصَوَّت به في العادةً للبَهائم، أَمَّا اصْطِلاحاً: فالصَفيرُ هو صوتٌ زائدٌ يَخرُجُ من الشفتين عند النُطْقِ،
وهي ثلاثةُ أحرفٍ: (ص، س، ز).
2 ـ والقلقلةُ: وتعني في اللغةِ التَحْريكَ، أَمّا في الاصطلاح فهي صوتٌ زائدٌ حدَثَ في المَخْرَجِ بعدَ ضَغْطِهِ وحُصولِ الحرفِ فيه بذلك الضغط، وحروفُ القلقلةِ مجموعةٌ في قولهم: (قُطْبُ جَدٍ). وهي على قِسمَيْن: صُغْرى إذا سكَّنْتَ وسَطَ الكَلِمَةِ نحوَ: خَلَقْنا، وكُبْرى إذا سَكَّنْتَ آخِرَ الكَلِمَةِ نحوَ خَلاقْ.
3 ـ واللين: وهو ضدُّ الخشونَةِ لغةً، أَمّا اصْطِلاحاً فهو إخراجُ الحرف دون تكلُّفٍ، وحروفه: الواوُ والياءُ الساكِنَتين المفتوح ماقبلَهما، والألفُ ولا تكونُ إلاّساكنةً وقبلها مفتوحٌ.
4 ـ الانحراف: في اللغةِ هو الميلُ، وفي الاصطلاحِ هو ميلُ الحرفِ بعد خروجه إلى طَرَفِ اللسانِ وهو صفةٌ للراء واللامِ.
5 ـ التكريرُ: وهو الإعادةُ في اللغة، أَمَّا في الاصطلاحِ فهو ارتعادُ اللسان عند النُطقِ بالحرف، وهو صفةٌ لازمةٌللراءِ تعرفُ لتُجْتَنَبَ خَشْيَةَ تَكْرارِها.
6 ـ التفشّي: له حرفٌ واحدٌ هو الشينُ، والانتشار في اللغةِ هو الانتشارُ مُطْلَقاً، أَمَّا اصْطِلاحاً فهو انْتِشارُ الهواءِ في الفم عند النُطْقِ به.
7 ـ الاستطالة: وتعني الامتدادَ في اللُّغةِ، والاسْتِطالةُ اصْطِلاحاً هي امتدادُ الصوت من أَوَّلِ اللسان إلى آخرِه، ولها حرفٌ واحد أيضاً وهو الضادُ. ولا بدَّ لكلِّ حرفٍ أن يتّصف بخمس صفاةٍ من المُضادَّةِ، ثمَّ قد يتَّصفُ بصفةٍ واحدةٍ أَوْ بِصِفَتَيْنِ من غير المُضادَّةِ، وقد لا يتَّصِفُ. فالجيم مثلاً تتَّصفُ بالجَهْرِ، والشدَّةِ، والاسْتِفال، والانفتاحِ، والاصِماتِ، وهي من الصفات غير المُضادّةِ.
[size=37]ثالثاً [/size]
[size=37]بابُ: أَحْكامِ النون الساكنَةِ والتنوينِ[/size]
للنون الساكنة والتنوين أربعةُ أَحوالٍ هي: الإدغامُ، والإظهار،ُ والإخفاءُ، والإقلابُ، وفيما يأتي تفصيلُ ذلك:
1 ـ الإدغامُ: هو الإدْخالُ لُغَةً، لكنه عند علماء التجويدِ النُطقُ بحرفٍ ساكنٍ فمُتَحَرِّكٍ من مخرجٍ واحدٍ دون فصلٍ بينهما، وله ستَّةُ أَحْرفٍ تجمعُها كلمةُ: (يرملون)، فإذا جاء آخرَ الكلمةِ نونٌ ساكِنَةٌ أو تنوينٌ وتلاهُ أحدُ هذه الأحْرُفِ في كلِمَةٍ أُخرى، أدْغَمْنا التَنْوينَ أو النُونَ الساكِنَةَ في ذلك الحَرْفِ، ويَنْقَسِمُ الإدْغامُ إلى قِسْمَيْنِ:
الأوَّلُ ناقصٌ: ويسمى إدْغاماً بغُنَّةٍ حيثُ يَظْهَرُ في الغُنَّةِ شيءٌ من الحرف، والغُنَّةُ صوت يخرجُ من الخَيْشوم فيه بَقِيَّةٌ من النونِ الساكنةِ أوِ التنوين، وله أرْبَعَةُ أحرفٍ هي: الياءُ، والواوُ، والميمُ، والنونُ، وتَجْمَعُها كَلِمَةُ: يُومِنُ، في مثل قولِهِ تعالى:
ـ {فمنْ يَّعملْ مِثقالَ ذَرَّةٍ خيراً يَّرَهْ} سُورَةُ الزَلْزَلَةِ، الآية: 7. فإنَّنا نَدْغَمُ النُونَ الساكِنَةَ في الياءِ إدْغاماً ناقصاً، بِغُنَّةٍ، وكذلك نُدْغِمُ تَنْوينَ النَّصْبِ في الياءِ التي بَعْدَه.
ـ {وَاللهُ مِنْ وَّرَائِهِمْ مُحِيطٌ} سورة البروج، الآية: 20. نُدْغِمُ
النونَ الساكنة في الواو إدغاماً ناقصاً.
ـ {وَآتُوهُمْ مِنْ مَّالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ} سورةُ النُّور، الآية: 33. نُدْغِمُ النُونَ الساكِنَةَ في الميمِ بعدَها إدْغاماً ناقصاً.
ـ {قَالُوا لَنْ نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} سورةُ
طه، الآية: 91. نُدْغِمُ النونَ الساكنةَ في النونِ التي تَلِيها.
ـ {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وّكُفْرًا} سورةُ الكهف، الآية: 80. نُدْغِمُ تَنْوينَ النَّصْبِ في الواوِ بَعدَها إدْغاماً ناقصاً بِغُنَّةٍ.
الثاني كامل: وهو إدغامُ النون الساكنة أو التنوين في الحرف الذي يليه منَ الحرفين المُتَبَقِّيَيْن مِنْ أحْرُفِ الإدْغامِ وهُما: اللامُ والراءُ، كما في قولِهِ تَعالى:
ـ {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} سورة البقرة، الآية: 178. فإنَّنا نُدْغِمُ النونَ الساكنةَ في الراءِ التي بعدَها إِدْغاماً كامِلاً دُونَ غُنَّةٍ.
ـ {فَإِنْ لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} سورة البقرة، الآية: 265. وهُنا أَيْضاً نُدْغِمُ النونَ الساكِنَةَ في اللامِ التي بَعْدَها إدغاماً كامِلاً بلا غُنَّةٍ.
ـ {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله} سورة البقرة، الآية: 165، حيث نُدْغِمُ هنا تَنْوينَ النَصْبِ في لامِ "لله" إدْغاماً كامِلاً بلا غُنَّةٍ.
ـ {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيم} سورة البقرة، الآية: 192. فنُدْغِمُ تَنوينَ الرَّفْعِ الذي فوقَ الراءِ الأُولى في الراءِ الثانِيَةِ دُونَ غُنَّةٍ فهو إدْغامٌ كاملٌ أيضاً. يُسْتَثنى من ذلك النونُ الساكنةُ في كلٍّ مِنْ قولِهِ تعالى: (يَسنْ والقرآنِ الحكيم}، وقولِهِ {نونْ والقلم وما يَسْطُرون}. كما ويُشْتَرَطُ في الإدغام أَنْ يكون النون الساكنةُ وحرف الإدغام في كلمتين مُتَتالِيَتَيْنِ، أمَّا إذا كان النونُ الساكنةُ وحرفُ الإدغام في كلمةٍ واحدَةٍ كما هو في: دنْيا، بُنْيان، صِنْوان، فلا إدْغامَ.
2 ـ الإظهارُ: الإظهارُ لُغُةً هو البَيانُ، أَمَّا الإظهارُ في اصْطِلاح عُلَماءِ التَجويدِ فهو إخْراجُ الحرفٍ من مَخْرَجِه دونَ غُنَّةٍ، وحروفُه سِتَّةٌ
أَيْضاً، وهي الحروفُ الحَلْقيَّةُ المَوْجودَةُ في أوائل الكلمات مِنْ قولِهم: (أخي هاكَ علماً حازه غيرُ خاسِرٍ). أيْ: (الهمزةُ والهاءُ، والعَيْنُ والحَاءُ، والغينُ والخاءُ). فإذا تَلا النونَ الساكِنَةَ أوِ التَنْوينَ أَحَدُ هذه الأَحْرُفِ وَجَبَ إظهارُ النونِ الساكنةِ أوالتنوين ولَفْظُها بِوُضوحٍ، سواءً كان ذلك في كلمةٍ واحدةٍ أو كَلِمَتَيْنِ مُتَتَاليتيْنِ، وهذه أَمْثِلَتُها:
ـ فمِنَ الهمزةِ قولُهُ تَعالى: {ومنْ أَعرض عنْ ذِكْري فإنَّ لَهُ مَعيشةً ضَنْكى} سورةُ طَهَ، الآية: 124. نُظهِرُ النُونَ الساكنَةَ عِنْدَ الهَمْزَةِ لأنَّ الهَمْزَةَ مِنْ حروفِ الإظهارِ. وقولُهُ: {والمؤمنون كلٌّ آمَنَ بالله وملائكتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِه}. سُورَةُ البقرة، الآية: 185. كذلِكَ نُظهِرُ تَنْوينَ الضَمِّ عندَ الهمزةِ لأنَّها مِنْ أَحْرُفِ الإظْهارِ.
ـ ومن الهاء قولُهُ: {ومَنْ يُضْلِلِ اللهُ فما لَهُ مِنْ هادٍ} سُورَةُ الرَعْدِ، الآية: 33. نَظْهِرُ النُونَ الساكِنَةَ عِنْدَ الهاءِ لأنَّها مِنْ أَحْرُفِ الإظْهارِ.
وقولُهُ: {فريقاً هَدَى} سُورَةُ الأَعْراف، الآية: 30. نُظْهِرُ تَنْوينَ النَصْبِ عِنْدَ الهاءِ كَذلِكَ لأَنَّ الهاءَ مِنْ أَحْرُفِ الإظْهارِ.
ـ ومِنَ الهَمْزَةِ والهاءِ قولُهُ: {وَهُمْ ينْهَون عَنْهُ وينْأَوْنَ عَنْهُ}. سُورةُ الأَنْعامِ، الآيَةُ: 26. نُظْهِرُ النُونَ الساكِنَةَ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الهاءِ والهَمْزَةِ لأنَّهُما مِنْ أَحْرُفِ الإظْهارِ.
ـ ومِنْ العَيْنِ قولُهُ: {صِراطَ الذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ}، سُورَةُ الفاتِحَةِ، الآية: 7. وقولُه: {هل عندكم منْ عِلمٍ فتُخْرِجوهُ لنا}. سورةُ الأَنْعام، الآية: 148. نُظهِرُ النونَ الساكِنَةَ عِنْدَ العَيْنِ في المَوْضِعيْنِ لأَنَّ العَيْنَ مِنْ أَحْرُفِ الإظْهارِ. وقولُهُ: {إنَّ ربَّكَ حكيمٌ عليم}، سورةُ الأَنْعامِ، الآية: 83. والآية: 128. نُظْهِرُ تَنْوينَ الرَّفعِ عِنْدَ العَيْنِ لأَنَّ العَيْنَ مِنْ أَحْرُفِ الإظْهارِ.
ـ ومن الحاءِ قولُهُ: {تَنْزيلٌ مِنْ حَكيمٍ حَميدٍ}. سُورَةُ فُصِّلَتْ، الآية: 42. وقولُهُ: {وتنْحتونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتاً فارِهينَ}. سورةُ الشُعَراءِ، الآية: 129. نُظْهِرُ النُونَ الساكِنَةَ عِنْدَ الحاءِ في المَوْضِعَيْنِ لأنَّ حَرْفَ الحاءِ مِنْ أَحْرُفِ الإظْهارِ.
ـ ومن الغَيْنِ قولُهُ: {فسيُنْغِضون إليْكَ رُؤوسَهم}. سُورَةُ الإسْراءِ، الآية: 51. و: {ونَزَعْنا ما في صُدورِهِمِ منْ غِلٍّ}. سورة الأعراف، الآية: 43. وسورةُ الحِجْرِ، الآية: 47.
ـ ومن الخاءِ قوْلُهُ: {وُجوهٌ يومئذٍ خاشعةٌ}، سورةُ الغاشِيَةِ، الآيَة: 2. وقولُهُ في الثالِثَةِ مَنْ سُورَةِ المائدَةِ: {وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ والمنْخَنِقَةُ}. وقولُهُ في الآية الثالثة من سورة فاطر: {هلْ منْ خالقٍ غيرُ اللهِ}. فيها إظْهارُ النونِ الساكِنَةِ عندَ الخاءِ، والتنوينِ عند الغين.
3 ـ الإخفاءُ: وهوَ السَتْرُ لُغَةً، وفي اصْطِلاحِ عُلَماءِ التَجْويد: النُطْقُ بِحَرْفٍ ساكِنٍ عارٍ عَنِ التَشْديدِ على صَفَةٍ بَيْنَ الإدْغامِ والإظْهارِ، ولَهُ باقي حُروفِ الهجاءِ العَربيَّةِ وعددُها خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفاً مَجْموعَةٌ في أَوائِلِ مُفْرَداتِ البَيْتِ الآتي:
صِفْ ذا ثَنا جُودَ شخصٍ قدْ سَما كَرَماً ضَعْ ظالِماً زِدْ تُقىً دُمْ طالباً فترى
ولا يَشْتَرَطُ في الإخفاءِ أَنْ تَكونَ النونُ الساكنةُ في آخِرِ الكَلِمَةِ و أَنْ يَكونَ حَرْفُ الإخفاءِ في أَوَّلِ الكلمة التي تَليها، كما اشْتُرِطَ للإدْغامِ، ومن الأَمْثِلَةِ على ذَلِكَ قولُهُ تَعالى شَأْنُهُ:
ـ من النونِ الساكنة مع الصادِ قولُهُ تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُم} سورة آل عمران، الآية: 160. نُخْفي النونَ الساكِنَةَ عِندَ الصادِ فتَخْرُجُ مِنَ الخَيْشومِ ولكنْ دُونَ إِدْغامٍ.
ـ من النون الساكنةِ مع الصادِ و التَنْوينِ مَعَ الذالِ قولُهُ تعالى: {ومَنْ يُعرِضْ عنْ ذِكْرْ ربِّهِ يَسْلُكْهُ عذاباً صَعَداً} سورة الجِنّ، الآية: 17. نخفي النونَ الساكنة عند الذال، ثمَّ نخفي تنوين النَّصْبِ عِنْدَ الصاد.
ـ مع الضاد: {قُلْ إنْ ضَلَلْتُ فإنَّما أَضِلُّ على نَفْسي} سُورَةُ سَبَأٍ، الآية: 50. و {طَلْحٍ منْضودٍ} سُورَةُ الواقِعَةِ، الآية: 29. و {وكُنَّا قَوْماً ضالّين} سُوْرَةُ المَؤمنون، الآية: 106. نُخْفي النُونَ الساكِنَةَ عند الضاد في الأُولى والثانية، ونخْفي تَنْوينَ النَّصْبِ في الثالثةِ، عِنْد حَرْفِ الضادِ
لأَنَّ الضادَ مِنْ أَحْرُفِ الإخْفاءِ.
ـ مع الثاءِ والقافِ: {كُلَّما رُزِقوا مِنْها مِنْ ثَمَرةٍ قالوا هذا الذي رُزقنا من قبلُ} سورة البقرة، الآية: 15. نخفي النونَ الساكنة عند حرف الثاء في الموضع الأوَّل من الآية، ثمَّ نخفي تنوين الجرِّ عند حرف القاف في الموضِعِ الثاني، ثم نخفي النونَ الساكنة عند القاف في الموضع الثالث من الآية، لأنَّ كلاًّ من حرف الثاء وحرف القاف من
أحرف الإخفاء.
مع القاف: {يَنْقلبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خاسِئاً وهوَ حَسيرٌ} سُورَةُ المُلْكِ، الآية: 4. و {وإنْ قيلَ لكمُ ارْجِعُوا فارْجِعوا} سورةُ النورِ، الآية: 28. نُخفي النون الساكنة عند القاف بعدَها في كلا الآيتين لأنَّ حرف القافِ مِنْ أحرُفِ الإخفاءِ.
مع الفاء: {وما أنْفَقْتم منْ شيءٍ فهو يُخْلِفُه} سورة سبأ، الآية: 39. نُخفي في الأولى النونَ الساكِنَةَ عِنْدَ الفاءِ بَعْدَها في المَوْضِعِ الأوَّلِ مِنَ الآيَةِ، ثمَّ نخفي النون الساكنة معَ الشين في الموضعِ الثاني، ثمَّ نخفي تَنْوين الجرِّ عِنْدَ الفاءِ بعدَهُ في الموضع الثالث مِنَ الآية كذلك لأنَّ الفاءَ من أَحْرُفِ الإخفاء.
ـ مع الجيم: {مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فلَهُ عَشْرُ أَمثالِها} سُورة الأَنعام، الآية: 160. و {فاصبرْ صَبْراً جميلاً}. سُورَةُ المَعَارِجِ، الآية: 5. في الأُولى نُخفي النونَ الساكِنَةَ عِنْدَ الجِيمِ، وفي الثانيةِ نُخْفي تَنْوينَ النَصبِ عِنْدَ الجيم أَيْضاً لأنَّ حَرْفَ الجيمِ مِنْ أحرُفِ الإخْفاءِ.
ـ مع السّين: {إلاَّ قيلاً سلاماً سلاماً} سُورةُ الواقعة، الآية: 26. نُخفي تَنْوينَ النَصْبِ في كلا المُفْرَدَتَيْنِ عِنْدَ السِينِ التي بَعْدَه، لأنَّ السينَ من أحرُفِ الإخفاء.
ـ للسين والطاء: {ولقدْ خَلَقْنا الإنْسانَ منْ سُلالةٍ منْ طين} نُخْفِي النُونَ الساكِنَةَ عِنْدَ السِينِ بَعْدَهُ في المَوْضِعِ الأَوَلِ مِنَ الآيَةِ، ثُمَّ نُخْفيها عِنْدَ الطاءِ لأَنَّ الحَرْفَيْنِ مِنْ حُروفِ الإخْفاءِ.
ـ للشين: {إنَّا أَنْشأْناهُنَّ إنْشاءً} سُورةُ الواقعَةِ، الآية: 25. و {يوم لا يُغْني مّوْلىً عَنْ مَولىً شيئاً} سورة الدخان، الآية: 41. في الأولى نُخْفي النُونَ الساكِنَةَ عِنْدَ الشِينِ في المَوْضِعَيْنِ، وفي الثانيةِ نُخْفي تَنْوينَ النَّصْبِ عَنْدَ الشِينِ، لأَنَّ حَرْفَ الشينِ مِنْ أَحْرُفِ الإخْفاءِ.
ـ للطاءِ والغَيْنِ، قولُه: {بَلْدَةٌ طيِّبَةٌ وربٌّ غفور} سورة ص، الآية: 38. نُخْفِي تَنْوينَ الرَّفْعِ عِنْدَ الطاءِ في المَوْضِعِ الأَوَلِ مِنَ الآية، ثمَّ نُخفي تَنْوينَ الرَّفْعِ كذلِكَ عِنْدَ الغَيْنِ في المَوْضِعِ الثاني، لأَنَّ كُلاًّ مِنَ الطاءِ والغَيْنِ مِنْ أَحْرُفِ الإخْفاءِ.
ـ للظاء قولُهُ: {ونُدْخلهم ظلاً ظَليلاً} سُورَةُ النِساء، الآية: 58. و قولُهُ: {فانْظرْ إلى آثارِ رَحْمَةِ رَبِّكَ} سُورةُ الرُّومِ، الآية: 50. و قولُه: {ما لَهُ مِنْهم مِنْ ظَهيرٍ} سُورة سَبَأ، الآية: 22. في الأُولى نُخْفي تَنْوينَ النَصْبِ عِنْدَ الظّاءِ بَعْدَها، وفي كُلٍّ مِنَ الآيَتَيْنِ الثانيةِ والثالثةِ نُخْفِي النونَ الساكِنَةَ عِنْدَ حَرْفِ الظاءِ كَذلِكَ لأَنَّ الظاءَ مِنْ أَحْرُفِ الإخْفاءِ.
ـ عند الكاف قولُهُ: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسقاً لا يَسْتَوونَ} سُورَةُ السَجْدَةِ، الآية: 18. النونَ الساكنة في المَوْضِعَيْنِ الأَوَّلِ والثالثِ، وتَنْوينَ النصبِ في الموضِع الثاني، نُخفيها جميعاً عند الكافِ بعدَها، لأَنَّ الكافَ مِنْ أَحْرُفِ الإخْفاءِ.
ـ للدالِ قولُهُ: {ويعملونَ عملاً دونَ ذلك} سورة الأنبياء، الآية: 82. وقولُه: {ومنْ دَخلَهُ كان آمناً} سورة آل عمران، الآية: 97. نخفي كلاًّ من تنوين النصب في الأولى، والنونَ الساكنةَ في الثانية، عندَ
حرف الدال التي بعد كلٍّ منها لأنَّ الدالَ من أحرفِ الإخفاءِ.
ـ وللدالِ والذال قولُهُ: {منْ ذا الذي يشفعُ عنْدَه إلاَّ بإذنِه} سورة البقرة، الآية: 255. نخفي النون الساكنة عند الذال في الموضع الأول من الآية، والنونَ الساكنةَ عند الدال في الموضع الثاني من الآية، لأنَّ كلاًّ من الذال والدال من أحرُفِ الإخفاء.
ـ وعند الزاي في قولِه: {وقُلْ ربِّ أنْزلْني مَنْزِلاً مُبارَكاً وأَنْتَ خيرُ المُنْزلين} سورة المؤمنون، الآية: 29. وقوله: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زكيَّةً بغير نفسٍ} سورة الكهف، الآية: 74. نُخفي النونَ الساكنةَ في المواضع الثلاثة مِنَ الآية الأولى، وتنوين النصبِ في الآية الثانية عند الزاي في الآيتين، لأنَّ حرفَ الزايِ من أحرفِ الإخفاء.
ـ وللتاء قوله: {جنَّاتٌ تَجري منْ تحتها الأنهار} سورة الحديد، الآية: 12. نخفي تنوين الرفعِ في الموضع الأول من الآية، والنونَ الساكنةَ في الموضع الثاني عند حرف التاء في الموضعين لأنَّ حرفَ التاء من أحرفِ الإخفاء.
4 ـ الإقلاب: الإقلابُ في اللُّغَةِ تَحويلُ الشَيْءِ عَنْ وَجْهِهِ، وهوَ في اصطلاح علماء التجويد: جعلُ حرفٍ مكانَ حرفٍ. ولهُ حرفٌ واحدٌ هو الباءُ، حيثُ نَقْلِبُ النُونَ الساكِنَةَ أَوِ التَنْوينَ ميماً إذا جاءَ بعدَ النُونِ الساكِنَةِ، أَوِ التَنْوينِ حَرْفُ باءٍ. ومِثالُ ذلكَ قولُهُ تَعالى في الآية: 33 من سورة البقرة: {قالَ يا آدمُ أَنْبِئْهم بأسمائهم} وقولُه في الآية الرابعة من سورة الروم: {لله الأمرُ من قبلُ ومنْ بعد} وقولُه في الآية: 38 من سورة المدثّر {كلُّ نفسٍ بما كسَبت رهينة} فنقلبُ النون الساكنة أو التنوين في كل هذه المواضع ميماً عند الباءِ فتلفظُ (أمبئهم) و(ممبعد) و(نفسمبما) وتخرج من الخيشوم مغنونةً.
[size=37]رابعاً [/size]
[size=37]باب:[/size] [size=37]أحكام الميم الساكنة[/size]
للميم الساكنة ثلاثة أحكامٍ هي:
1 ـ الإدغام: وذلك إذا جاء بعدها ميم، في مثل قولِهِ تعالى: {تجارةٍ تُنجيكمْ مِنْ عذابٍ أليم} سورة الصف، الآية: 10. ويسمّى إدغامَ متماثلين، أو إدغاماً شفويّاً لإطباق الشفتين عليه.
2 ـ الإخفاء: وله حرفٌ واحدٌ أيضاً وهو الباء في مثل قوله تعالى: {ومن يعتصمْ بالله} سورة آل عمران، الآية: 101. ويسمّى إخفاءً شفويًا.
3 ـ الإظهار: عند باقي الحروف ويسمّى إظهاراً شفويّاً.
ويكون الإظهار الشفويُّ في كلمةٍ واحدةٍ أو في كلمتين، مثل: {أنْعمتَ عليهم غير المغضوبِ عليهم ولا الضالِّين} فنظهر الميمَ الساكنة في المواضع الثلاثة.
[size=37]خامساً [/size]
[size=37]باب: أحكامُ الراء[/size]
للراء أحكامٌ ثلاثةٌ هي:1 ـ التفخيم: أ ـ إذا كانت مضمومةً، أو ساكنة بعد ضمٍّ. كما في قولِهِ تعالى في سورة المدَّثِّر: {والرُّجْزَ فاهجُرْ} الآية: 5. فإنها تفخَّم في الموضعين من هذه الآيةِ الكريمة.
ب ـ إذا كانت مفتوحةً أو ساكنةً بعد فتح، كما في قولِهِ تعالى: {وارزقنا وأنت خير الرازقين} سورة المائدة، الآية: 114.
ج ـ إذا كانت ساكنةً بعدَ كسْرٍ أصليٍّ بعدها حرفُ استعلاءٍ، في مثل قولِه تعالى: {إنَّ رَبَّكَ لبالمرْصاد} سورة الفجر الآية: 14. فالصاد من أحرُف الاستعلاءِ السبعة المجموعة في قولهم: (خص ضغطَ قظ). وقد تقدَّم.
د ـ إذا جاءت ساكنةً بعد كسْرٍ عارضٍ في مثل قولِه: {اِرْجِعْ إليهم فلنأتينَّهم بجنودٍ لا قِبَلَ لهم بها} سورة النمل، الآية: 37. فإنَّ الكسرَ على الألفِ قبلها كسرٌ عارضٌ لأنَّ همزتَه همزةُ وصلٍ فلا تسقطُ في دَرَجِ الكلام فلا تلفظُ فإذا ابتدأنا بها كسرنا ألفها كسراً عارضاً.
2 ـ الترقيق في الحالات الآتية:
أ ـ إذا كانت مكسورةً كما في قولِه تعالى: {رِزقاً كريما} سورة الأحزاب، الآية: 31. فإنها ترقَّقُ في الموضعين.
ب ـ إذا كانت ساكنة بعد كسرٍ أصليٍّ في مثل قولِه تعالى: {واصْبِرْ لحكمِ ربّك} سورة الطور الآية: 48.
ج ـ إذا كانت ساكنةً بعد ياءٍ ساكنةٍ في مثل قولِه تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خيْرْ} سورة المزمِّل، الآية: 20. أو ممدودة في مثل قولِه تعالى في سورة لقمان: {إن الله عليمٌ خبيرْ} الآية: 34. لأنَّ المدَّ سكون. وهذا إذا وقفنا علي الراءِ في كلتا الآيتين.
3 ـ الترقيق والتفخيم: ثمَّة كلمةٌ واحدةٌ في القُرآنِ الكريمِ يجوزُ في رائها الوجهان، وهي: كلمةُ (فِرْق) من قولِهِ تعالى في سورة الشعراء: {فكان كلُّ فِرْقٍ كالطودِ العظيم} الآية: 63. فترقِّقها إن شئتَ أو تفخِّمها.
[size=37]سادساً: [/size]
[size=37]باب حكم الميم والنون المشدَّدتين[/size]
للميمُ والنون صفة الغُنَّةِ، فإذا شُدِّدا قويت الغنَّةُ، فيجب إظهارُها وصلاً ووقفاً، ومقدارُ تشديدهما حركتان كالمدِّ الطبيعي.