روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 41

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 41 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 41 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 41   فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 41 I_icon_minitimeالسبت فبراير 14, 2015 7:31 am

[size=48]الموسوعة[/size][size=48] [/size][size=48]القرآنية[/size]
 
 
 
[size=48]فَيْضُ[/size][size=48] [/size][size=48]العَليمِ[/size][size=48] [/size][size=48]مِنْ[/size][size=48] [/size][size=48]مَعاني[/size][size=48] [/size][size=48]الذِّكْرِ[/size][size=48] [/size][size=48]الحَكيمِ[/size]
[size=32]تفسير[/size][size=32]  [/size][size=32]ـ[/size][size=32] [/size][size=32]أسباب[/size][size=32] [/size][size=32]نزول[/size][size=32] [/size][size=32]ـ[/size][size=32] [/size][size=32]قراءات[/size][size=32] [/size][size=32]ـ[/size][size=32] [/size][size=32]أحكام[/size][size=32] [/size][size=32]ـ[/size][size=32] [/size][size=32]إعراب[/size][size=32] [/size][size=32]ـ[/size][size=32] [/size][size=32]تحليل[/size][size=32] [/size][size=32]لغة[/size]
 
 
 
[size=37]اختيار[/size][size=37] [/size][size=37]وتأليف[/size][size=37]:[/size]
[size=48]الشاعر[/size] [size=48]عبد[/size][size=48] [/size][size=48]القادر[/size][size=48] [/size][size=48]الأسود[/size]
 
 
 
 
الجزءُ العاشر  ـ المُجلَّدُ العاشر
 
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(41)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} بَعْدَ أَنْ أَمَرَ مَولانا ـ سُبحانَهُ وتَعالى، بِقِتالِ المُشركين الذين ما فَتِئوا يحارِبون اللهَ ورسولَه، ويَكيدونَ للقَضاءِ على الإسلامِ والمُسلِمين، ويحاوِلونَ بِشَتّى الوَسائلِ أَنْ يَفْتِنوهم عَنْ دينِهم، ومِنَ المعلومِ أَنَّ هذا القتالَ لا بُدَّ أَنْ يَتمَخَّضَ عنْ قتلى وأَسْرى وفَيْءٍ وغَنائمَ، فلا بُدَّ إذاً مِنْ تَشريعٍ يُنَظِّمُ كُلَّ هَذِهِ الأُمورِ، وهذا ما تخصَّصتْ بِهِ هذِهِ السُورةُ الكريمةُ، فتَحدَّثتْ عَنْ عَدَدٍ مِنْ هذِهِ الأُمورِ.
وتأتي هذِهِ الآيةُ المباركةُ في هذا السِياقِ لِتُشَرِّعَ كَيْفِيَّةِ تَوزيعِ الغَنائمِِ التي يَغْنَمُها المُسْلِمون مِنْ أَعدائِهم الذين يُحارِبونَهم، إذا ما قُتِلوا أَوْ أُسِروا أَوِ انْهَزَموا، وهو ما يَحْصلُ في كلِّ الحروبِ، في كلِّ زمانٍ وفي كلِّ مَكانٍ، فإنَّ الخاسرَ للمعركة يَتْرُكُ سِلاحَهُ ومالَهُ ومَتاعَهُ وراءهُ تخفُّفاً منه ويلوذُ بالفرارِ. فيجمعُ المنتصرُ ذلك كلَّه، ويأخُذهُ، لذلك جاءتْ هذه الآيةُ لتبيِّن للمُسْلِمينَ كيْفَ يَقْسِموا هذه الغنائمَ فيما بينهم حتى لا يكونَ اختلافٌ ونزاعٌ وخصومةٌ. فقالُ سُبْحانَهُ: اعْلَمُوا يَا أَيُّها المُؤْمِنُونَ، أَنَّ كُلَّ مَا غَنِمْتُمُوهُ مِنَ الكُفَّارِ المُحَارِبِينَ، فَعليكم أَنْ تَجْعَلُوا خُمْسَهُ للهِ تَعَالَى أوَّلاً، لِيُنْفَقَ فِيمَا يُرْضِيهِ مِنْ مَصَالِحِ الدَّينِ العَامَّةِ: كَالدَّعْوَةِ لِلإِسْلاَمِ وَإِقَامَةِ شَعَائِرِهِ، وَعِمَارَةِ الكَعْبَةِ وَكِسْوَتِها. وقد افْتَتَحَ هذا الأَمْرَ بِ "اعْلَمُوا" لِتَوجيهِ الاهْتِمامِ بِشأْنِهِ والعِنايةِ بِهِ، وللتَنْبيهِ على وُجوبِ العَمَلِ بِهِ، فإنََّ المَقْصودَ ب "اعلموا" الجزمُ بأنَّ هذا حُكْمُ اللهِ، والعَمَلُ به معلومٌ وُجوبُهُ كَما تَقَدَّمَ في قولِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} الآية: 24. مِنْ هَذِهِ السُورَةِ. وَالغَنِيمَةِ هِيَ المَالُ المَأْخُوذُ مِنَ الكُفَّارِ بحشْدِ خَيْلٍ وَرِكَابٍ وجيشٍ. أَمَّا الفَيْءُ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، أَيْ بُدُونِ حَرْبٍ أَوْ بِدُونِ خُرُوجِ جُيُوشِ المُسْلِمِينَ إلَى الأَعْدَاءِ: كَالأَمْوَالِ التِي يُصَالِحُونَ عَلَيْهَا، أَوْ يَمُوتُونَ عَنْهَا دُونَ وَارِثٍ لَهُمْ، وَكالخَرَاجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وأَصْلُ الغَنيمةِ مِنَ الغُنْمِ، أَيْ: الفَوزِ، وأَصْلُ الغُنمِ: مِن الغَنَمِ، الحيوانِ المعروفِ، فإنَّ الظَفَرَ بِهِ يُسَمَّى غُنْماً. ثمَّ اتُّسِِعَ في ذلك فسُمِّي كلُّ شيءٍ يَظْفَرُ بِهِ المرءُ غُنْماً ومَغْنَماً وغنيمةً. قالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدَةَ:
ومُطْعَمُ الغُنْم يومَ الغُنْمِ مَطْعَمُه .............. أنَّى توجَّه والمحرومُ محرومُ
وقال امرؤ القيس:
لقد طَوَّفْتُ في الآفاق حتى ............... رَضِيتُ مِنَ الغَنيمةِ بالإِيابِ
والمرادُ بِقولِهِ: "مَا غَنِمْتُمْ" في هذِهِ الآيةِ: ما حَصَلْتُمْ عليه مِنَ الغَنائمِ، مِنْ مَتاعِ الجَيش المُعادي المحاربِ لَكُمْ، الذي سمِّي في أَوَّلِ السورةِ بالأَنْفالِ، فالنَفْلُ والغَنيمةُ مُتَرادِفانِ لُغةً، قد وردَ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ، ومجاهد، والضحّاك، وقَتادة، وعِكرمة، وعطاء ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهم: الأَنْفالُ الغَنائمُ. وعَلَيْهِ فوَجْهُ المُخالَفَةِ بينَ اللَّفْظَيْنِ حيثُ قالَ تعالى هُنا "غَنِمْتُمْ" وقالَ في أَوَّلِ السُورةِ: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} لأَنَّ الحالَ هُنا يَقْتَضي التَعبيرَ بِفِعْلٍ، وليْسَ في العَرَبِيَّةِ فِعْلٌ مِنْ مادَّةِ النَفْلِ يُفيدُ إسنادَ معناهُ إلى مَنْ حَصَلَ لَهُ ذلك، ولذلك فقولُهُ: "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ" سِيقَ بَياناً لقولِه: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} فقدْ وَرَدَتِ الآيتان في انْتِظامٍ مُتَّصِلٍ مِنَ الكَلامِ.
قولُهُ: {فَأَنَّ خُمُسَهُ للهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، وهذِهِ الأَمْوالُ التي غَنِمْتُموها يجب عليكم أَنْ تَقْسِموها خمسةَ أَقْسامٍ، أَرْبَعةٌ مِنْها للمقاتلين الذين حازوها، وواحدٌ للهِ ولِلرَّسُولِ، ولِذَوِي القُربى مِنْ رسولِ الله، ولليَتامى والمساكينِ وابْنِ السَبيلِ، وهُو المُسافِرُ الذي نَفدَتْ مَؤونَتُهُ وتَقَطَّعت به السُبُلُ يعطى نفقةَ ما يوصلُ إلى بلدهِ وإنْ كان في الأصلِ غنيّاً، فهو في هذه الحالة فقيرٌ مُعوِزٌ. أَمّا ذَوي القُربى فقَدْ خَصَّ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، بها المُسْلِمينَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي أَخِيهِ المُطَّلِبِ، واستثنى منْ ذلك مَنْ لم يسلمْ منهم كعَمِّهِ، أبي لهبٍ.
قالَ أَبو عُبَيْدٍ: هَذا الحكمُ ناسِخٌ لِقولِهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، في أَوَّلِ السورةِ {قُلِ الأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ} ولم يُخَمِّسْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، غَنائمَ بَدْرٍ، فَنُسِخَ حُكْمُهُ في تَرْكِ التَخْميسِ بهذا. إلاَّ أَنَّ حديثَ أميرِ المؤمنين عليٍّ بْنِ أبي طالبٍ ـ رضي اللهُ عنهُ: "كانَ لي شارفٌ (ناقةُ مُسِنَّةً) مِنْ نَصيبي مِنَ المَغْنَمِ يَومَ بَدْرٍ، وكانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ، أَعْطاني شارفاً مِنَ الخُمْسِ يَومَئذٍ" والحديث في الصحيحين وغيرِهما، يُوضِحُ بجلاءٍ أَنَّهُ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خَمَّسَ يومَ بدرٍ، وعليه فقولُ أَبي عُبَيْدٍ مَردودٌ. ولا حاجَةَ لما ذكرهُ ابنُ عطيَّةَ من أنه قد يكونُ هذا العطاءُ من فيءِ بعضِ الغزوات  التي أعقبتْ غزوةَ بدرٍ كغزوة بني المُصْطَلِقِ، لأنَّ هذا نصٌّ صحيحٌ وواضحٌ، فهو يقولُ (يومَ بدر) بوضوحٍ وجلاءٍ. والله أعلم. وَهَذا الخُمْسُ يُدْفَعُ لِلإمَامِ (بَعْدَ الرَّسُولِ) لِيَصْرِفَهُ فِي الوُجُوهِ المُبَيَّنَةِ فِي الآيَةِ. أَمّا كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ ذلك الخُمْسِ فالأشهرُ أَنَّ يُخَمَّسَ، فَسَهمٌ لِرَسُولِ اللهِ، وسَهْمٌ لِذَوي قُرْباهُ مِنْ بَني هاشِمٍ وبَني المُطَّلِبِ، دونَ بَني عَبْدِ شمسٍ وبَني نَوْفَل، لما أَخْرَجَ النَّسائي في سُنَنِه الكُبرى، وجريرٌ بْنِ عبدِ اللهِ البَجَلِيُّ في مُسنَدِهِ، وابْنُ أَبي شَيْبَةَ في مُصَنَّفِهِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ (وهوَ مِنْ بَني نَوْفَل) قَالَ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، أَتَيْتُهُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ (وهو مِنْ بَني عبدِ شمسٍ) فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ هَؤُلاءِ بَنُو هَاشِمٍ لا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِكَ الَّذِي جَعَلَكَ اللهُ بِهِ مِنْهُمْ أَرَأَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَمَنَعْتَنَا؟ فَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ. فَقَالَ: ((إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إِسْلامٍ، إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ)). والوجهُ في تَقريبِ بَني المطَّلبِ إليه ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم، أَنَّ قُريشاً لمَّا حَصَرَتْ بَني هاشِم في الشِعْبِ وقاطَعَتْهم دَخَلَ مَعَهم فيهِ بَنُو المُطَّلِبِ، ولم يَدْخُلْ بَنُو عَبْدِ شمْسٍ ولا بَنُو نَوْفَلَ. فكأَنَّهم عادوا الهاشميين، وظاهروا عليهم قُرَيْشاً، فَصاروا كالأَباعِدِ مِنْهم؛ للعَداوَةِ، وعَدَمِ النُصْرَةَ. ولذلك قالَ فيهم أَبو طالبٍ، في لامِيَّتِهِ المَشْهورةِ:
جَزَى اللهُ عَنَّا عبدَ شمسٍ، ونَوْفَلاً ......... عقوبةَ شَرٍّ عاجلٍ، غيرِ آجل
بميزان قِسْطٍ لا يَخيسُ شَعيرةً ........... لَهُ شاهدٌ مِنْ نَفْسِهِ، غيرُ عائل
ونحنُ الصَميمُ مِنْ ذُؤابةِ هاشِمٍ ........ وآلُ قُصَبيٍّ في الخُطوبِ الأَوائل
والحِكْمَةُ في تَقْسيمِ الخُمْسِ على هذا النحوِ، أَنَّ الدولةَ التي تُديرُ سياسَةَ الأُمَّةِ لا بُدَّ لها مِنَ المالِ لِتَسْتَعينَ بِهِ على القيامِ بالمَصالحِ العامَّةِ، كَشعائرِ الدِينِ، والدفاعِ عَنِ الأُمَّةِ، وهُوَ ما جُعِلَ للهِ في هذِهِ الآيةِ، ثمَّ إنَّ هُناك نَفَقَةُ رَئيسِ حُكومَتِها، وهوَ سَهمُ الرَسولِ فيها، ثمَّ لِذَوِي القُرْبى، وذَوي الحاجاتِ مِنْ ضُعَفاءِ الأُمَّةِِ ثَلاثَةُ أَسْهُمٍ لليَتامى والمَساكينِ وابْنِ السَبيلِ، وأَمَّا بَعْدَ وفاةِ الرَسُولِ ـ صلى الله عليه وسلم، فعندَ الشافعيِّ ـ رحمهُ اللهُ: أَنَّهُ يُقْسَمُ على خمسةِ أَسْهُمٍ، سَهْمٌ لِرَسُولِ اللهِ، يُصْرَفُ إلى ما كانَ يَصْرِفُه إليْهِ مِنْ مَصالحِ المُسْلِمين، كَعُدَّةِ الغُزاةِ مِنَ الكِراعِ والسِلاحِ، وسَهْمٌ لِذوي القُرْبى مِنْ أَغنيائهم وفُقَرائهم يُقْسَمُ بَيْنَهم للذَكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين، والباقي للفِرَقِ الثلاثةِ وَهُمْ: اليَتامى، والمساكينِ، وابْنِ السبيلِ.
أَخرجَ ابْنُ جَريرٍ الطبريُّ، وابْنُ المُنذِرِ، وأَبو الشَيْخِ، عَنْ مُجاهد ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، في قولِهِ تعالى: "واعْلَموا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ..." قال: كانَ النَبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وذُو قَرابَتِهِ لا يَأْكُلونَ مِنَ الصَدَقاتِ شَيْئاً، ولا يَحِلُّ لهم، فلِلْنَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، خُمْسُ الخُمسِ، ولِذي قَراباتِهِ خُمسُ الخمسِ، ولليَتامى مِثْلُ ذلكَ، وللمَساكينِ مِثْلُ ذلكَ، ولابْنِ السَبيلِ مِثلُ ذلك. وقالَ أَبو حَنيفَةَ رَحمهُ اللهُ: إنَّ بعدَ وَفاةِ الرَسُولِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، سَهْمُهُ ساقِطٌ بِسَبَبِ مَوْتِهِ، وكذلك سَهْمُ ذَوي القُرْبى، وإنَّما يُعْطَوْنَ لِفَقْرِهِمْ، فَهُوَ أُسْوَةُ سائرِ الفُقراءِ، ولا يُعطى أَغنياؤهم، فيُقْسَمُ على اليَتامى والمساكين وابنِ السَبيلِ. وقالَ مالكٌ: الأمْرُ في الخُمسِ مُفوَّضٌ إلى رَأْيِ الإمامِ إنْ رَأَى قِسْمَتَهُ على هؤلاءِ فَعَلَ، وإنْ رأَى إعْطاءَ بَعضِهم دونَ بعضٍ، فَلَهُ ذلك. وقالَ أصحابُ هذا الرأيِ بأَنَّ قولَهُ تعالى: "للهِ" ليسَ المَقْصودُ مِنْهُ إثْباتُ نَصيبٍ للهِ. فإنَّ الأشياءَ كُلَّها مِلْكٌ للهِ، وإنَّما المَقصودُ مِنْهُ افْتِتاحُ الكلامِ بذِكْرِ اللهِ عَلى سَبيلِ التَعْظيمِ، كما في قولِهِ: {قُلِ الأنْفالُ للهِ والرَسولِ} الآيةَ الأُولى من هذه السورة. واحْتَجَّوا على صِحَّة قولهم بما رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، أَنّه قال لهم في غَنائمِ خَيْبَرَ: ((مالي ممّا أَفاءَ اللهُ عليكم إلاَّ الخُمسَ، والخمسُ مَردودٌ فيكم)). يَعْني بِالْخُمْسِ حَقَّهُ مِنَ الْخُمُسِ، وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ يعنى في مَصْلَحَتِكُمْ فقولُه: مالي إلاَّ الخُمسَ يَدُلُّ على أَنَّ سَهمَ اللهِ وسَهمَ الرَسولِ واحدٌ، وإلاّ فسَهْمُهُ السُدُسُ لا الخُمسُ، وإنْ قُلنا: إنَّ السَهْمينِ يَكونانِ للرَسولِ. صارَ سَهمُه أَزيَدَ مِنْ الخُمسِ، وكِلا القَوْلَيْنِ يُنافي ظاهرَ قولِهِ: ((مالي إلاَّ الخُمس)). هذا هُوَ الكلامُ في قسمةِ خُمسِ الغَنيمةِ، وأَمّا الباقي وهو أَربعةُ أَخماسِ الغَنيمةِ فهي للغانمين. لأنهمُ الذين حازوهُ واكْتَسبوهُ كَما يُكْتَسَبُ الكَلأُ بالاحْتِشاشِ، والطيرُ بالاصْطِيادِ. وقالَ أَبو العاليةِ: إنَّ خُمسَ الغَنيمةِ يُقسَمُ على سِتَةِ أَقْسامٍ، فواحدٌ مِنْها للهِ، وواحد لِرسولِ اللهِ، والثالث لذَوي القُربى، والثلاثةُ الباقيةُ لليَتامى والمساكينِ وابْنِ السَبيلِ، والدليلُ عليْهِ أَنَّه تَعالى، جَعَلَ خمسَ الغَنيمَةِ للهِ، ثمَّ للطَوائفِ الخَمْسَةِ، ظاهرُ الآيةُ الكريمة، ما أَخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عبّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: كانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، يَقْسِمُ ما افْتُتِحَ عَلى خمسةِ أَخماسٍ. فأَرْبَعَةٌ مِنْها لمنْ شَهِدَهُ، ويَأْخُذُ الخُمسَ، خمسَ اللهِ فَيِقْسِمُهُ عَلى سِتَةِ أَسْهُمٍ. وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وابْنُ جَريرٍ، وابْنُ المنذِرِ، وابْنُ أَبي حاتمٍ، عَنْ أَبي العالِيَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، في قولِهِ تعالى: "واعلموا أنما غنمتم من شيء . . ." الآيَةَ. قال: كانَ يُجاءُ بالغَنيمَةِ فَتُوضَعُ، فيَقْسِمُها رَسُولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليْه وسَلَّمَ، على خمسةِ أَسْهُمٍ، فيَعْزِلُ سَهْماً مِنْهُ، ويَقْسِمُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ بينَ الناسِ ـ يَعني لمنْ شَهِدَ الوَقْعَةَ، ثمَّ يَضْرِبُ بِيَدِهِ في جميعِ السَهْمِ الذي عَزَلَهُ، فمَا قَبَضَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ جَعَلَهُ للكَعْبَةِ، فهُو الذي سُمِّيَ للهِ تَعالى: لا تَجْعلوا للهِ نَصيباً، فإنَّ للهِ الدُنْيا والآخِرَةَ، ثمَّ يَعْمَدُ إلى بَقِيَّةِ السَهْمِ فَيَقْسِمُهُ على خمسةِ أَسْهُمٍ. سَهْمٌ للنَبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وسَهْمٌ لِذِي القُرْبى، وسَهْمٌ لليَتامى، وسَهْمٌ للمَساكِينِ، وسَهْمٌ لابْنِ السَبيلِ. ومِنَ أصحابِ هذا الرأيِ مَنْ قالَ: يُصْرَفُ سَهْمُ اللهِ إلى الرَسُولِ، ومِنْهم مَنْ قالَ: يُصْرَفُ إلى عِمارَةِ الكَعْبِة. وثَبَتَ في الصَحيحِ: أَنَّ النَبيَّ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ، كانَ يَأْخُذُ مِنَ الخُمْسِ نَفَقَتَهُ ونَفَقَةَ عِيالِهِ، ويَجْعَلُ الباقي مجْعَلَ مَالِ اللهِ. وقد اسْتَنْبَط الفُقهاءُ مِنْ هذِهِ الآيةِ مسائلَ كَثيرةً وهي مَذكورَةٌ في كُتُبِ الفِقْه لمنْ أَرادَ الاسْتِزادَةُ، وسيكونُ لنا عودةٌ إلى هذا الموضوعِ في تفسيرِ سورةِ الحَشْرِ، وسَنُفَصِّلُ فيهِ أَكْثَرُ، إنْ قدَّر اللهُ ذلك تفضلاً مِنْهُ. ودَلَّتِ هذه الآيةُ الكريمةُ على أَنَّه يَجوزُ قِسْمَةُ الغَنائمِ في دارِ الحَرْبِ، كَما هُوَ قَوْلُ الشافعِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ، بِدَليلِ أَنَّ قولَهُ: "فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل" يَقْتَضي ثُبوتَ المُلكِ لهؤلاءِ في الغَنيمَةِ، وإذا حَصَلَ المُلْكُ لهم فِيهِ، وَجَبَ جَوازُ القِسْمَةِ لأَنَّهُ لا مَعنى للقِسْمَةِ على هذا التَقديرِ إلاَّ صَرْفُ المُلْكِ إلى المُالِكِ، وذَلكَ جائزٌ بالاتِّفاقِ.
وقد اخْتَلَفوا في ذوي القُربى أيضاً. فقيلَ: هُمْ بَنُو هاشِمٍ. وقالَ الشافعيُّ ـ رَضيَ اللهُ عَنْهُ: هُمْ بَنو هاشمٍ، وبَنو المُطَّلِبِ. واحْتَجَّ بالخَبرِ الذي أَوْرَدْناهُ آنِفاً. وقيلَ: هُم آلُ عَلِيٍّ، وجَعْفَرَ، وعَقيل، وآلُ عَباسٍ، ووَلَدُ الحَرْثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وهُوَ قولُ أَبي حَنيفَةَ ـ رضي اللهُ عنه.
أَخرجَ الحاكمُ وصَحَّحَهُ عَنْ أمير المؤمنين عَلِيٍّ بنِ أبي طالبٍ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ، وكرَّم اللهُ وجهَهُ، أنَّه قالَ: وَلاَّني رَسولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، خُمسَ الخُمسِ، فَوَضَعْتُهُ مَواضِعَهُ، حياةَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَبي بَكْرٍ، وعُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُما وأرضاهما.
وفي نُزولِ هذِهِ الآيَةِ المُبارَكَةِ ما رُويَ عَنِ الكلبيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنها نَزَلَتْ بِبَدْرٍ. وكذلك حَديثُ أَميرِ المؤمنين عَليٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، في الصحيح الذي ذَكَرْناهُ آنفاً. وقال الواقديُّ: كانَ الخُمسُ في غَزْوَةِ بَني قَيْنُقاعٍ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ وثلاثةِ أَيامٍ للنِصْفِ مِنْ شَوَّالٍ على رَأْسِ عِِشْرينَ شَهْراً مِنَ الهِجْرَةِ. وأَخْرَجَ ابْنُ مَردَوَيْهِ عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصامتِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ: سَلَّمْنا الأَنْفالَ للهِ ورَسُولِهِ، ولم يُخَمِّسْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ، بَدْراً، ونَزَلَتْ بَعْدُ: "واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ" فاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، بالمُسلمينَ الخُمُسَ فيما كان مِنْ كُلِّ غَنيمَةٍ بَعْدَ بَدْرٍ.
قولُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} شَرْطٌ يَتَعَلَّقُ بما دَلَّ عَلَيْهِ قَولُهُ: "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ" لأنَّ الأَمْرَ بالعِلْمِ لمَّا كانَ المَقْصودَ بِهِ العَمَلُ بالمَعْلومِ، والامْتِثالُ لمُقْتَضاهُ كَما تَقَدَّمَ، صَحَّ تَعَلُّقُ الشَرْطِ بِهِ، فيَكونُ قولُهُ: "وَاعْلَمُوا" دَليلاً على الجوابِ، أَوْ هُوَ الجَوابُ مُقدَّماً على شَرْطِهِ، والتَقديرُ: إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ باللهِ فاعْلَموا أَنَّ ما غَنِمْتُمْ .. الخ. واعْمَلوا بما عَلِمْتُمْ، فاقْطَعوا أَطْماعَكم في ذلكَ الخُمْسِ واقْنَعوا بالأَخماسِ الأَرْبَعَةِ، لأنَّ الذي يَتَوَقَّفُ على تحققِ الإيمانِ باللهِ وآياتِهِ هُوَ العِلمُ بأَنَّهُ حُكْمُ اللهِ مَعَ العَمَلِ المُتَرَتِّبِ على ذلكَ العِلْمِ. مُطْلقَ العِلْم بأنَّ الرَسُولَ قالَ ذَلك. والشَرْطُ هُنا محَقَّقُ الوُقوعِ إذْ لا شَكَّ في أَنَّ المُخاطَبينَ مُؤمِنونَ باللهِ، والمَقصودُ مِنْهُ تَحَقُّقُ المَشْروطِ.
أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ، وأَبو الشَيْخِ عَنْ مُقاتِلٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، في قولِهِ تعال: "إن كنتم آمنتم بالله" يَقولُ: أَقِرُّوا بِحُكْمي. وقولُه: تعالى: "وما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا} يقولُ: وما أَنْزَلْتُ على مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، في القِسْمَةِ و "يومَ الفرقانِ" يومَ بَدْرٍ و "يوم التقى الجمعان" جمعُ المُسْلِمينَ وجمعُ المُشْرِكين. وأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وابْنُ أَبي حاتمٍ، وأَبو الشيخ، وابْنُ مَردويْهِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في الدَلائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، في قولِهِ تعالى: "يوم الفرقان" قال: هُوَ يومُ بَدْرٍ، فَرَقَ اللهُ بَينَ الحقِّ والباطلِ.
قولُهُ: {وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يذكِّرُ اللهُ ـ سبحانَه وتعالى، عبادَهُ المؤمنين بحقيقةٍ يَجِبُ عَليهم وَضْعَها نُصْبَ أَعْيُنَهم دَائماً وأَبَداً، حتى لا تَغيبَ عن بالِهم وتستقرَّ في خلّدِهم، وهذه الحقيقةُ هي عظيمُ قدرتِهِ تعالى على كُلِّ شَيْءٍ، فيجبُ أن يعتمدوا عليه، والتي لا يَحِدُّها شيءٌ فيجبُ ألاّ تخالِط نفوسهم خشيةٌ مِنْ سِواهُ، ومِنْ آثارِ هذه القُدْرةِ ما شاهَدْتُموهُ يَومَ التَقى الجَمْعانِ.
قولُهُ تعالى: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ منْ شيءٍ فأنَّ للهِ خُمُسَهُ} واعلموا: فعلُ أمرٍ وفاعلُه، ،"أنَّ" حرفٌ ناسخٌ مُشَبَّهٌ بالفعل، ما: اسْمٌ مَوْصولٌ بمعنى "الذي"، وكانَ مِنْ حَقِّها أَنْ تُكْتَبَ مُنْفَصِلَةً عنْ "أنَّ" كَما كُتِبَتْ في الآية: 134. من سُورَةِ الأَنْعامِ، مثلاً عندَ قولِهِ تَعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ} فَكُتِبَتْ هُناكَ مُنفَصِلَةً ولَكِنَّها رُسِمَتْ مُتَّصِلةً هُنا. و "غَنِمْتم" فِعْلٌ ماضٍ وفاعلُه، وهو صِلَةُ الموصولِ وعائدُها محذوفٌ لاسْتِكْمالِ الشُروطِ، أَيْ: غَنِمْتُمُوهُ. و "فأنَّ للهَ" الفاءُ مَزيدةٌ في الخَبَرِ، لأنَّ المُبْتَدَأَ ضُمِّنَ مَعْنى الشَرْطِ، ولا يَضُرُّ دُخولُ الناسِخِ عَلَيْهِ لأنَّهُ لم يُغَيِّرْ مَعناهُ، وهو كَقولِهِ تَعالى في سورةِ البروجِ: {إِنَّ الذين فَتَنُواْ} الآية: 10. ثمَّ قالَ: {فَلَهُم}. والأخْفَشُ مَعَ تَجْويِزِهِ زِيادةَ الفاءِ في خَبَرِ المَبْتَدَأِ مُطْلَقاً يَمْنَعُ زِيادَتها في المَوْصولَ المُشَبَّهِ بالشَرْطِ إذا دَخلَتْ عَلَيْهِ "إنَّ" المَكْسورَةُ، وآيَةُ البُروجِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ. وإذا تَقَرَّرَ هذا فَالأظهرُ في "أَنَّ" وما عَمِلَتْ فيه في محَلِّ رَفْعٍ على الابْتِداءِ، والخبرُ محذوفٌ تقديرُهُ: فواجبٌ أنَّ للهِ خُمُسَه، والجملةُ مِنْ هَذا المُبْتَدأِ والخَبرِ خَبَرٌ لِ "أنَّ". ويَجوزُ أَنْ يَكونَ خَبراً، أَيْ: فالواجبُ كونُ خُمسِهِ للهِ. وظاهرُ كلامِ أَبي حَيّانٍ الأندلسيِّ أَنَّه جَعَلَ الفاءَ داخلةً على "أنَّ للهِ خُمُسَهُ" مِنْ غَيرِ تَقديرِ أَنْ تَكونَ مُبْتَدَأً وخَبرُها محذوفٌ، بَلْ جَعَلَها بِنَفْسِها خَبراً، وليسَ مُرادُهُ ذَلِكَ، إذْ لا تَدْخُلُ هذِهِ الفاءُ على مُفرَدٍ بَلْ على جملةٍ، والذي يُقَوِّي إرادَتَه ما ذَكَرتُه أَنَّهُ حَكى قولَ الزَمَخْشَرِيِّ، أَعْني كَوْنَه قَدَّرَهُ أَنَّ "أنَّ" وما في حَيِّزِها مُبْتَدأٌ مَحْذوفُ الخَبرِ، فَجَعَلهُ قولاً زائداً على ما قدَّمَهُ. ويجوزُ في "ما" أَنْ تَكونَ شَرْطِيَّةً، وعاملُها "غَنِمْتُم" بَعدَها، واسْمُ "أنَّ" حينئذٍ ضميرُ الأمْرِ والشأْنِ، وهُوَ مَذْهبُ الفَرَّاءِ. إلاَّ أَنَّ هَذا لا يجوزُ عندَ البَصْرِيّين إلاَّ ضَرورةً بِشَرْطِ أَنْ لا يَلِيها فِعْلٌ كَقَوْلِ الأَخْطَلِ:
إنَّ مَن يَدخُلِ الكَنيسةِ يوماً ................... يَلْقَ فيها جَآذِراً وظِباءَ
وكقولِ الأَعشى:
إنَّ مَنْ لام في بَني بنتِ حَسَّا .............. نَ أَلُمْهُ وأَعْصِهِ في الخُطوبِ
وقيل: الفاءُ زائدةٌ و "أنَّ" الثانيةُ بَدَلٌ مِنَ الأُولى. وقال مَكِّيٌّ: وقد قيلَ: إنَّ الثانيةَ مؤكِّدَةٌ للأُولى، وهذا لا يَجوزُ لأنَّ "أنَّ" الأُوْلى تَبقى بغيرِ خَبرٍ، ولأَنَّ الفاءَ تَحولُ بينَ المؤكَّدِ والمؤَكِّدِ، وزِيادتُها لا تَحْسُنُ في مثلِ هذا. وقيلَ: إنَّ "ما" مَصْدَريَّةٌ والمصدرُ بمعنى المَفعولِ أَيْ: أَنَّ (مَغْنومَكم) هوَ المفعولُ بِهِ، أَيْ: واعلموا أَنَّ (غُنْمَكم)، أيْ: (مغنومكم). و "مِنْ شَيْءٍ" في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ مِنْ عائدِ المَوْصولِ المقدَّرِ، والمعنى: ما غَنِمْتُموهُ كائناً مِنْ شيءٍ، أيْ: قليلاً أَوْ كَثيراً. وحكى ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ الجُعفيِّ عنْ أبي بَكْرِ الأنباريِّ عنْ عاصِمٍ. وحكى غيرُهُ عَنِ الجُعفيِّ عنْ هارونَ عنْ أَبي عَمْرٍو بنِ العلاءِ: "فإن لله" بِكَسْرِ الهمزةِ. ويُؤيِّدُ هذهِ القِراءَةَ قراءةُ النُخَعيِّ "فلله خمُسُهُ" فإنَّها اسْتِئْنافٌ. وخَرَّجَها أَبو البَقاءِ على أَنَّها وما في حَيِّزِها في محلِّ رفعٍ خَبراً ل "أنَّ" الأُولى. وقرأَ الحسَنُ البَصْريُّ، وعَبْدُ الوارِثِ، عَنْ أَبي عَمْرٍو ابنِ العلاءِ: "خُمْسَهُ" وهو تخفيفٌ حَسَنٌ. وقرأَ الجُعفيُّ "خِمْسَه"، وتخريجُها أَنَّهُ أَتْبَعَ الخاءَ لِحَرَكَةِ ما قَبْلها، وهي هاءُ الجَلالةِ مِنْ كَلِمَةٍ أُخرى مُسْتَقِلَّةٍ، وهِيَ كَقراءَةِ مَنْ قَرَأَ في سورةِ الذارياتِ قَوْلَهُ تعالى: {والسَماءِ ذَاتِ الحِبُك} الآيةُ: 7. بِكَسْرِ الحاءِ إتْباعاً لِكَسْرَةِ التاءِ مِنْ "ذات"، ولم يَعْتَدُّوا بالساكِنِ، وهُوَ لامُ التَعريفِ لأنَّهُ حاجزٌ غيرُ حَصينٍ. فإنَّ قَراءةَ الجعفيِّ كذلك مَعَ ضَمِّ الميمِ في غايَةِ الثِقَلِ لِخُروجِهِ مِنْ كَسْرٍ إلى ضَمٍّ، فإنْ قَرَأَ بِسُكونِها، فإنَّه يكونُ نَقَلَها قِراءَةً عَنْ أَبي عَمْرٍو أَوْ عَنْ عاصِمٍ، ولكن الذي قرأَ "ذاتِ الحِبك" يُبْقي ضمَّة الباءِ فيُؤدِّي إلى فِعُلٍ بِكَسْرِ الفاءِ وضَمِّ العينِ وهُوَ بِناءٌ مَرْفُوضٌ، لأَنَّه لو قَرَأَ بِكَسْرِ الباءِ لَما احْتاجوا إلى تأويلِ قِراءَتِهِ على الإِتباعِ ففي "الحُبُكِ » لُغَتان: ضمَّ الحاءِ والباءِ أَوْ كَسْرُهُما معاً. وزَعَمَ بَعْضُهم أَنَّ قِراءَةَ الخُروجِ مِنْ كَسْرٍ إلى ضَمٍّ مِنَ التَدَاخُلِ.
قوله: "إِن كُنتُمْ" شرطٌ جوابُهُ مُقَدَّرٌ عندَ الجُمهورِ لا مُتَقَدِّمٌ، أي: إنْ كُنتُم آمَنْتُمْ فاعْلَموا أَنَّ هذا حُكْمُ الخُمْس، أو فاقبلوا ما أُمِرتم به.
قولُهُ: {وَمَا أَنزَلْنَا} ما: عَطْفٌ على لفظِ الجَلالَةِ فهي مجرورةُ المحلِّ، وعائدُها محذوف. وزَعَمَ بعضُهم أَنَّ جَوابَ الشَرْطِ مُتَقَدِّمٌ عَليْهِ، وهُوَ قولُهُ {فنِعْم المَولى} ولا يَجوزُ هذا بحسبِ قواعِدِ البَصْريين.
قولُهُ: {يَوْمَ الفرقان} مَنْصوبٌ بِقولِهِ: "أَنْزلْنا" أيْ: أَنْزَلْناهُ في يَوْمِ بِدْرٍ الذي فُرِقَ فِيه بَينَ الحَقِّ والباطِلِ. أو أنَّ ناصِبَه هو قولُهُ: "آمنتم"، أيْ: إِنْ كُنْتُمْ آمنتُمْ في يَوْمِِ الفُرْقانِ. ويجوزُ أَنْ يَكونَ ناصبَه قولُهُ "غَنِمْتُمْ". أيْ: ما غنمتم في يَومِ الفُرقانِ حُكمُه كَذا وكذا. وهذا تأويلٌ حَسَنٌ في المعنى، ويَعْتَرِضُهُ أَنَّ فيهِ الفَصْلَ بينَ الظَرْفِ وما يَعْمَلُ فيهِ بهذِهِ الجُمْلَةِ الكَثيرَةِ الأَلْفاظِ. وهُوَ ممنوعٌ أَيْضاً مِنْ جِهَةٍ أُخرى أَخَصَّ مِنْ هَذْهِ، وذلك أنَّ "ما" إمَّا شَرْطِيَّةٌ، وإمَّا مَوْصولَةٌ، فإنْ كانت شرطيَّةً أَدِّى ذلك إلى الفَصْلِ بَين فِعْلِ الشَرْطِ ومَعمولِهِ بجُمْلَةِ الجزاءِ ومُتَعَلَّقاتِها، وإنْ كانت موصولةً أَدِّى إلى الفَصْلِ بينَ فِعْلِ الصِلَةِ ومَعْمولِهِ بخَبَرِ "أنَّ".
قولُهُ: {يَوْمَ الْتَقى الجَمْعان} بَدَلٌ مِنَ الظَرْفِ قَبْلَهُ. أَوْ هو مَنْصوبٌ بالفُرقانِ لأنَّهُ مَصْدَرٌ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: يومَ فَرَّقَ فيهِ في يومِ التَْقى الجمعان، أيْ: الفَرْق في يومِ التقاءِ الجمعين.
قرأَ العامَّةُ: {عبدِنا} بالإفراد، وقرأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ "عُبُدِنا" بِضَمَّتين وهو جمعُ عَبْدٍ، وهذا كما قُرِئَ في سورة المائدة: {وَعُبُد الطاغوت} المائدة: 60. والمرادُ بالعُبُدِ في هذه القراءةِ هُنا رَسولُ اللهِ ـ صلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، ومَنْ تَبِعَهُ مِنَ المُؤْمِنينَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 41
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 1
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 17
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 33
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 49
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 65

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: