[size=48]فضل القرآن الكريم وتلاوتِهِ[/size][size=48]:[/size]
القرآنُ اسْمٌ للكلامِ المُوحى بِهِ إلى النبيِّ محمّدٍ ـ صلى الله عليه وسلم، وهو جملةُالمَكتوب في المصاحف المُشتَمِلِ على مئةٍ وأَربعَ عَشْرَةَ سُورةٍ، أُولاها "الفاتحةُ"، وأُخراها سُورةُ "الناسِ". وصارَ هذا الاسْمُ عَلَماً على هذا الوَحْيِ. وهُوَ على وَزْنِ (فَعْلان)، وهي زِنَةٌ وَرَدَتْ في أَسماءِ المَصادِرِ، مثل غُفران، وشُكران، وبُهتان. ووردت زيادةُ النونِ في أَسماءِ أَعْلامٍ مثلُ عُثمانَ، وحَسَّان، وعدنان، واسْمُ قُرآنٍ صالحٌ للاعْتِباريْن، لأنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ القِراءَةِ، لأنَّ أَوَّلَ ما بُدِئَ بِهِ الرَّسولُ مِنَ الوَحْيِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ} سورةُ العَلَقِ، الآية: 1. وقال تَعالى في سورة الإسراءِ: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} الآية:106. فهمزةُ قرآنٍ أَصْلِيَّةٌ، وَوَزْنُهُ: "فَعلان" ولذلك اتَّفَقَ أَكْثَرُ القُرَّاءِ على قِراءةِ لَفْظِ "قرآن" مَهْموزاً حَيثُما وَقَعَ في التَنزيلِ، ولم يُخالِفُهُم في ذلك إلاَّ ابْنُ كَثيرٍـ رَحِمَهُ اللهُ، فقرأَ بِفَتْحِ الرّاءِ بَعْدَها أَلِفٌ، على لُغَةِ تخفيفِ المَهموزِ، وهي لُغَةٌ حِجازيَّةٌ، والأَصْلُ تَوافُقُ القِراآتِ في مَدلولِ اللَّفْظِ المُخْتَلَفِ في قِراءتِه.
وقيلَ هُو"قِران" بِوزنَ "فِعال"، مِنَ القَرْنِ بينَ الأَشْياءِ، أَيْ: الجمعِ بَيْنَها لأنَّه قُرِنَتْ سُوَرُه بَعْضُها ببعضٍ، وكذلك آياتُه وحُروفُه وسُميَ كتابُ اللهِ قُرآناً كَماسُمِّيَ الإنجيلُ إنجيلاً، وليس مأخوذاً مِنْ قَرَأْتُ، ولهذا يُهْمَزُ قَرَأْتُ ولايُهْمَزُ القُرآنُ، فتكونُ قراءةُ ابْنِ كَثيرٍ جاريةً على أَنَّه اسْمٌ آخَرُ لِكتابِ اللهِ على هذا الوَجْهِ.
ومِنَ الناسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ "قرآن" جمعُ قَرينةٍ، أيْ اسْمُ جمعٍ، إذْ لايُجمَعُ مثلُ قَرينةٍ على وَزْنِ فَعّال في التَكْثيرِ، فإنَّ الجُموعَ الواردةَ على وزنِ فعَّالٍ محصورةٌ ليس هذا منها، والقرينةُالعَلامةُ، قالوا لأنَّ آياتِهِ يُصَدِّقُ بعضُها بعضاً لذلك فه يقَرائنُ على الصِدْقِ.
فاسْمُ القرآن هو الاسم الذي جُعل عَلَماً على الوحيِ المُنَزَّلِ على محمَّدٍ ـ صلى الله عليه وسلَّم، ولم يَسْبِقْ أَنْ أُطْلِقَ على غيرِهِ قبلَه، وهو أشهرُ أسمائه وأَكثرُها وُروداً في آياتِهِ وأَشهرُها دَوَراناً على أَلْسِنَةِ السَلَفِ.
وله أسماءُ أُخرى هي في الأصلِ أَوصافٌ أوْ أَجْناسٌ أَنهاها السُيُوطِيُّ في (الإتْقانِ في علوم القرآن) له، إلى نَيِّفٍ وعِشرينَ اسْماً. والذي اشتُهِرَ إطْلاقُهُ عليهِ منها سِتَّةٌ: التَنزيلُ، والكتابُ، والفُرقانُ، والذِكْرُ، والوَحْيُ، وكلامُ اللهِ ـ جلَّ جلالُه العظيم.
فأًما الفُرقانُ فهو في الأصلِ اسْمٌ لمايُفْرَقُ بِهِ بين الحقِّ والباطل، وهومصدرٌ، والقرآنُ لُغةً: لَفظٌ مُرادفٌ للقراءةِ، قال تعالى: {إنَّ علينا جمعَه وقرآنَه} (1). أَمّا شَرْعاً: فهو الكلامُ المُعجِزُ، المُنزَّلُ مِنَ اللهِ تَعالى بلسانٍ عربيٍّ مُبين على سَيِّدِ الأَوَّلينَ والآخرين محمَّدٍ ـ عليه الصلاةُ والسلام، بوِساطَةِ جبريلَـ عليه السَّلامُ، والمُتَعَبَّدُ بتِلاوتِهِ، والمَنقولُ إلينا نَقْلاً مُتَواترًا. وهو الكتابُ الْمُبِين الذي لايأتيهِ الباطلُ مِنْ بين ِيَدَيْهِ ولامِنْ خَلْفِهِ، تَنزيلٌ من حَكيمٍ حَميدٍ، أنزله الله هدايةً وإعجازاً فأخرج الناس به من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإسلام والهداية، وتَضَمّن شريعةً كاملةً، وهو المُعْجزةُ الخالدةُ الباقيةُ المُسْتَمِرَّةُ على تَعاقُبِ الأَزْمانِ وتوالي الدُهورِ، إلى أنْيَ رِثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عَلَيْها. وحّد اللهُ به العرب بعدفرقة وشتات، وجعل لهم كياناً وبنى لهم حضارةً لا تزال البَشَرِيَّةُ تترسَّمُ خُطاها وتَستَضيء الإنسانية بنورها.
وهو حَبْلُ اللهِ المَتينُ والصِّراطُ المُستَقيمُ والنورُ الهادي إلى الحقِّ وإلى الطريقِ المستقيم، فيه نبأُ من قبلَنا، وحُكْمُ مابَيْنَا، وخيرُ ما بعدَنا، وهو الفصلُ ليسَ بالهَزْل، مَن تَرَكَهُ من جبّارٍ قَصَمَه اللهُ، ومَنِ ابتَغى الهُدى فيغيرِهِ أَضلَّه اللهُ. مَنْ قال بِهِ صَدَقَ، ومَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، ومَنْ دَعا إليه فقد هَدى إلى صراطٍ مُستقيم.
أخرجَ التِرمِذِيُّ في صحيحِهِ والبَيْهَقِيُّ في شُعَبَ الإيمانِ، والدارِمِيُّ، وابنُ الأَنْباريِّ عنِ الحارثِ الهَمَدانيِّ (الأَعْورِ)، عن سيدِنا عليٍّ ـ كرَّمَ اللهُ وجهَهُ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((سَتَكُونُ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ)). قُلْتُ: يَارَسُولَ اللهِ وَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا؟ قَالَ: ((كِتَابُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فِيهِ نَبَأُ مَنْ قَبْلَ كُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَابَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللهُ، وَمَنَ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غيرِه أَضَلَّهُ اللهُ، هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ، وَنُورُهُ الْمُبِينُ، وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لاتَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، ولا تَتَشَعَّبُ مَعَهُ الآرَاءُ، وَلا يَشْبَعُ منه الْعُلَمَاءُ، وَلا يَمَلُّهُ الأَتْقِيَاءُ، وَلايَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، مَنْ عَلِمَ عِلْمَهُ سَبَقَ، وَمَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))، (2). وهو وثيقةُ النُبُوَّةِ الخاتِمَةِ، ولِسانُ الدينِ الحَنيفِ، وقانونُ الشَريعةِ الإسلاميَّةِ السَمْحَةِ، وهو قاموسُ اللُّغةِ العَربيَّةِ لسانُ أهلِ الجنَّةِ في الجَنَّةِ، وهو قُدوَتُنا وإمامُنا في حياتِنا، بِهِ نَهْتَدي، وإليْه نَحْتَكِمُ، وبِأَوامِرِهِ ونَواهيهِ نَعمَلُ، وعِنْدَ حُدودِهِ نَقِفُ ونَلْتَزِمُ، وسَعادَتُنا في سلوكِ سُنَنِهِ واتِّباعِ مِنهَجِهِ، وشَقاوَتُنا في تَنَكُّبِ طريقِهِ والبُعدِعنْهِ. وهو رِباطٌ بيْنَ السماءِ والأَرْضِ، وعَهْدٌ بيْن اللهِ وبيْنَ عِبادِهِ، وهو مِنهاجُ اللهِ الخالدُ، وميثاقُ السماءِ المُصْلِحُ، الصالحُ لِكلِّ زمانٍ ومَكانٍ، وهو خاتَمُ الكُتُبِ السَماويَّة وأَشْرَفُها، وأَعْظَمُ وحْيٍ نَزَلَ مِنَ السَماءِ. ولقد رَفَعَ اللهُ شأنَ القرآنِ ونوَّهَ بعلوِّ منزلتِه فقال سبحانَه: {تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى}، (3). ووصفَه ـ سبحانَه وتعالى، بعِدَّةِ أَوصافٍ مُبَيِّنًا فيها خصائصَه التي مَيَّزَه بها عن سائرِ الكُتُبِ فقالَ: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 4. وقال أَيْضًاً: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}، (5). وأَمَرَسبحانه بتلاوته فقال ـ عزَّ مِن قائلٍ: {وأُمِرتُ أن أكون من المسلمين وأن أَتْ لُوَ القرآن}، (6). وقال: {اتلُ ما أوحيَ إليك من كتابٍ وأقمِ الصلاة} (7). وقال ـ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((اقرؤوا القرآن فإنَّه يأتي شفيعاً لأَصْحابِهِ))، (. وقال ابنُ مسعودٍ ـ رضي اللهُ عنه: (مَنْ أرادَ العِلمَ فليُثِرِ القرآنَ) وفي روايةٍ أُخرى: فلْيُؤثِرِ القرآنَـ فإنَّ فيه علمَ الأوَّلين والآخرين)، (9). ورُويَ عن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: (ما مِنْ شيءٍ إلاَّ وعِلمُه في القرآنِ، غيرَ أنَّ آراءَ الرِّجالِ تَعْجِزُ عَنْهُ)، (10). وقد بيَّنَ لنا رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، أنَّ الإنسانَ بقَدَرِ ما يَحفظُ مِنْ آيِ القُرآنِ وسُوَرِهِ بِقَدْرِ مايَرْتَقِي في دَرَجِ الجَنَّةِ، وذلك فيما رواه عبدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العاصِ ـرضيَ اللهُ عنهما، عنه ـ صلى اللهُ عليه وسَلَّمَ، أنَّه قالَ: ((يقال لِصاحِبِ القُرآنِ: اقْرَأْ وارْقَ، ورَتِّلْ كَما كُنْتَ تُرَتِّلُ في دارِ الدُنيا، فإنَّ مَنزِلَتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بِها))، (11).
كما وَضَّحَ لَنا ـ صلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، أنَّ قراءةَ القُرآنِ يَطيبُ بها الْمَخْبَرُ والْمَظْهرُ فيكونُ المُؤمِنُ القارِئُ للقُرآنِ طَيِّبَ الباطِنِ والظاهِرِ، إنْ خَبَرْتَ باطنَهُ وَجَدْتَهُ صافيًا نَقِيًّا، وإنْ شاهَدْتَ سُلُوكَهُ وَجَدْتَهُ حَسَنًا طَيِّبًا. فعنْ أَبِي مُوسى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ: ((مَثَلُ الْمُؤمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ؛ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ، لاَرِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ؛ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطعْمُهَا مُرٌّ؛ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لاَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَارِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ))، (12). ويخبرنا سيّدُنا عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ ـ رضي الله عنه، أنَّ مَنْ أَحَبَّ القرآنَ يُحِبُّه اللهُ ورَسُولُه فيقولُ: ((مَنْ أَحَبَّ أنْ يُحِبَّهُ اللهُ ورَسُولُه فلْيَنْظُرْ: فإنَّ كان يُحِبُّ القرآنَ فهوَ يُحِبُّ اللهَ ورسولَه))، (13). وإنَّ مِنْ أَجَلِّ العِباداتِ وأَعْظَمِ القُرُباتِ إلى اللهِ ـ سبحانَه وتعالى، تِلاوَةُ القُرآنِ الكريمِ، فقد أَمَرَ بها تعالى بقولِهِ: {فَاقْرَؤُوا مَاتَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}، (14).كما أَمَرَ بها النَبِيُّـ صلى اللهُ عليه وسلَّم، فيما رواه أبو أُمامَةَ ـ رَضيَ اللهُ عنْه، حيثُ قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ، يَقولُ: ((اقرؤوا القرآنَ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شفيعاً لأَصْحابِهِ))، (15).
وقد أخبرَ ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ، بِما أَعَدَّهُ اللهُ تعالى لِقارِئ القُرآنِ الكَريمِ مِنْ أَجْرٍ كَبيرٍ، وثَوابٍ عَظيمٍ، وذَلكَ فيما رَواهُ عبدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ ـ رضي اللهُ عنه، قال: قالَ رسولُ اللهِ ـ صَلى الله عليْه وسلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِن كتابِ اللهِ فلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ والحَسَنَةُ بعشرِ أمثالِها، لا أَقولُ "الم" حرفٌ، ولكنْ ألِفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حَرْفٌ))، (16). كما بَيَّنَ ـ صَلَواتُ اللهِ عله وسَلامُه، أنَّ مَنْ جَوَّدَ القرآنَ وأَحْسَنَ قراءَتَه، وصارَ مُتْقِنًا لَه ماهرًا بِه عامِلاً بأَحكامِه فإنَّه في مَرْتَبَةِ المَلائكةِ المُقرَّبين، وذلك فيما رَوَتْه أُمُّ المُؤمنين السَيِّدةُ عائشةُ ـ رضيَ اللهُ عنها، قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليْه وسلَّمَ: ((الماهِرُ بالقرآنِ مَعَ السَّفَرةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرأُ القرآنَ ويَتَتَعْتَعُ فيه وهو عليْه شاقٌّ لَهُ أَجْران))، (17).
كما أنَّ اللهَ ـ عَزَّ وجَلَّ، وضَّحُ لنا في مُحكَمِ كتابِهِ العزيز أنَّ الذين يُداوِمون على تِلاوةِ القُرآنِ آناءَ الليلِ وأَطرافَ النَهارِ ويَعْمَلون بأحكامِه، ويَحْذَرونَ مُخالفَتَهُ أُولئكَ يُوفِّيهِمُ اللهُ مايَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الثوابِ ويُضاعِفُ لهمُ الأجْرَ مِن فضلِهِ. يقولُ سبحانَه: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوامِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}، (18). والرسول ـ صَلواتُ اللهِ وسلامُه عليْه، يُبَيِّنُ لَنا أَنَّ خيْرَ النَّاسِ وأَفضلَهمُ الذيَ يشتَغِلُ بتعلُّمِ القرآنِ الكريمِ أو تَعليمِه، وذلك فيما ثَبَتَ عن عُثمانَ بْنِ عفَّانٍ ـ رَضيَ اللهُ عنْه، عن النَبيِّ ـ صلى الله عليْه وسلَّمَ، قال: ((خيرُكم مَنْ تَعَلَّمَ القرآنَ وعلَّمَه))، (19).
وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضيَ اللهُ عنهُما، قال: قالَ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ: ((إنَّ الذي ليْسَ في جَوْفِهِ شيْءٌ مِنَ القُرآنِ كالبَيْتِ الْخَرِبِ))، (20).
[size=48]المصادر[/size][size=48]:[/size]
1 ـ سورة القيامة، الآية: 17.
2 ـ تفسير القرطبي: ج1 ص: 5.
3 ـ سورة طه، الآية: 4.
4 ـ سورة المائدة، الآيتان: 15 و 16.
5 ـ سورة النحل، الآية: 89.
6 ـ سورة النملِ، الآيتان: 91 و 92.
7 ـ سورةُ العنكبوت، الآية: 45.
8 ـ أخرجه مُسْلِمٌ في صحيحِه.
9 ـ بحرُ العلوم: ج1 ص: 35.
10ـ المرجع السابق.
11 ـ رواه الترمذيُ، برقم: 2915. في ثواب القرآن، وأبو داوود برقم: 1464. في الصلاة،باب استحباب التَرتيل في القراءة، ورواه أيضًا أحمد في المسند: ج2 ص: 192بإسنادٍ حسن، جامع الأصول: ج8 ـ ص: 502.
12 ـ أخرجه البخاري: ج9 ـ ص58. في فضائل القرآن،
وأَخْرَجَهُ مسلم برقم: 797. باب فضيلة حافظ القرآن، وأَخرجَهُ التِرْمِذِي بِرَقم: 2869. باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير القارئ، وأخرجه أبو داوود برقم:4830، وأخرجه النَسائي: ج8 ـ ص: 124. 125.وأخرجه ابن ماجه: 214. انظر جامع الأصول: ج2، ص: 453.
13 ـ قال الهيثمي في مجمع الزوائد "ج: 7،ص: 165. باب فضل القرآن، رواه الطبراني ورجاله ثقات.
14 ـ سورة النحل، الآية: 89.
15 ـ رواه الترمذي، برقم: 2915. في ثواب القرآن، وأبوداوود برقم: 1464. في كتاب الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة، ورواه أيضًا أحْمدُ في المسند: ج2، ص192. وإسناده حسنٌ، انظر جامع الأصول "ج8،ص: 502.
16 ـ سورة المزمل، الآية: 20.
17 ـ جزءٌ مِنْ حديثٍ، أخرجه مُسْلِمٌ في فضل قراءة القرآن.
18 ـ سورة فاطر، الآيتان: 29 ـ 30.
19 ـ أخرجه البخاري في فضائل القرآن: 9/ 66 و 67، وأبو داود برقم: 1452، باب ثواب قراءة القرآن، والترمذي برقم: 2909،2910، في ثواب القرآن، انظر جامع الأصول ج:8،ص: 508.
20 ـ أخرجه الترمذي: برقم: 2914، في ثواب القرآن، ورواه
أيضًا أحمدُ في المسند برقم: 1947، ورواه الحاكم: 1/554 وص .