لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ
النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.
(114)
قولُه: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ} لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِمَا يَتَنَاجَى بِهِ هَؤُلاءِ الذِينَ يُسِرُّونَ الحَدِيثَ، مِنْ جَمَاعَةِ ابْنِ أَبَيْرق، الذِينَ أَرَادُوا مُسَاعَدَتَهُ عَلَى اتِّهَامِ اليَهُودِيِّ وَبَهْتِهِ، وَمَنْ مَاثَلَهُمْ مِنَ النَّاسِ، وَلَنْ يَكُونَ الخَيْرُ فِي نَجْوَى النَّاسِ، إلاَّ إذَا تَنَاوَلَتْ أحَاديثُهُمْ ذِكْرَ اللهِ، أَوْ أَمْراً بِصَدَقَةٍ، أَوْ أَمْراً بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيّاً عَنْ مُنْكَرٍ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ: ((كَلاَمُ ابْنِ آدَمَ كُلُّهُ عَلَيهِ لاَ لَهُ إلاَّ ذِكْرُ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيٌّ عَنْ مُنْكَرٍ))، أَوْ سَعْياً فِي إِصْلاَحِ ذَاتِ البَيْنِ بَيْنَ أنَاسٍ مُخْتَلِفِينَ مُتَخَاصِمِينَ. وَمَنْ يَفُعْلْ هَذِهِ الأَعْمَالَ الثَّلاَثَةَ، ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَرْضَاتِهِ لاَ يَبْغِي ثَوَابَ ذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِ اللهِ، فَسَوْفَ يُثِيبُهُ اللهُ ثَوَاباً جَزِيلاً كَثِيراً. والنَّجْوَى: المَسَارَّةُ فِي الحَدِيثِ. وَالنَّجْوَى مَظنَّةُ الشَّرِّ، لأنَّ عَادَةَ النَّاسِ جَرَتْ بِحُبِّ إظَهَارِ الخَيْرِ، وَالتَّحَدُّثِ فِيهِ، وَلأَنَّ الإِثْمَ وَالشَّرَّ هُمَا اللذَانِ يُذْكَرانِ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى. وَقَدْ تُسَمَّى بِهِ الْجَمَاعَةُ، كَمَا يُقَالُ: قَوْمٌ عَدْلٌ وَرِضًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ هُمْ نَجْوى}، و"مَنْ" أَيْ لَكِنْ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَدَعَا إِلَيْهِ فَفِي نَجْوَاهُ خَيْرٌ. وَيَجُوزُ أن يكون التقدير لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا نَجْوَى مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ حُذِفَ. وَيجوزُ أَنْ يَكُونَ النَّجْوَى اسْمًا لِلْجَمَاعَةِ الْمُنْفَرِدِينَ، أَيْ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا فِيمَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ: النَّجْوَى كَلَامُ الْجَمَاعَةِ الْمُنْفَرِدَةِ أَوِ الِاثْنَيْنِ كَانَ ذَلِكَ سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَ"الْمَعْرُوفُ" لَفْظٌ يَعُمُّ أَعْمَالَ الْبِرِّ كُلَّهَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْمَعْرُوفُ هُنَا الْفَرْضُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَقَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ)). وَقَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمَعْرُوفُ كَاسْمِهِ وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَعْرُوفُ وَأَهْلُهُ)). وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي الْمَعْرُوفِ كُفْرُ مَنْ كَفَرَهُ، فَقَدْ يَشْكُرُ الشَّاكِرُ بِأَضْعَافِ جُحُودِ الْكَافِرِ. وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لَا يَعْدَمْ جَوَازِيَهُ ....... لَا يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ اللَّهِ وَالنَّاسِ
وَأَنْشَدَ الرَّيَاشِيُّ:
يَدُ الْمَعْرُوفِ غُنْمٌ حَيْثُ كَانَتْ .................. تَحَمَّلَهَا كَفُورٌ أَوْ شَكُورُ
فَفِي شُكْرِ الشَّكُورِ لَهَا جَزَاءٌ .................. وَعِنْدَ اللَّهِ مَا كَفَرَ الْكَفُورُ
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَيَنْبَغِي لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إِسْدَاءِ الْمَعْرُوفِ أَنْ يُعَجِّلَهُ حَذَارِ فَوَاتِهِ، وَيُبَادِرَ بِهِ خِيفَةَ عَجْزِهِ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ فُرَصِ زَمَانِهِ، وَغَنَائِمِ إِمْكَانِهِ، وَلَا يُهْمِلْهُ ثِقَةً بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَكَمْ مِنْ وَاثِقٍ بِالْقُدْرَةِ فَاتَتْ فَأَعْقَبَتْ نَدَمًا، وَمُعَوِّلٍ عَلَى مُكْنَةٍ زَالَتْ فَأَوْرَثَتْ خَجَلًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
مَا زِلْتُ أَسْمَعُ كَمْ مِنْ وَاثِقٍ خَجِلٍ .... حَتَّى ابْتُلِيتُ فَكُنْتُ الْوَاثِقَ الْخَجِلَا
وَلَوْ فَطِنَ لِنَوَائِبِ دَهْرِهِ، وَتَحَفَّظَ مِنْ عَوَاقِبِ أَمْرِهِ لَكَانَتْ مَغَانِمُهُ مَذْخُورَةً، وَمَغَارِمُهُ مَجْبُورَةً، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ
قَالَ: ((مَنْ فُتِحَ عليه بابٌ مِنَ الخيرِ فَلْيَنْتَهِزْهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يُغْلَقُ
عَنْهُ)). وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((لِكُلِّ شي ثَمَرَةٌ وَثَمَرَةُ الْمَعْرُوفِ السَّرَاحُ)). وَقِيلَ لِأَنُوشِرْوَانَ: مَا أَعْظَمُ الْمَصَائِبَ عِنْدَكُمْ؟ قَالَ: أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الْمَعْرُوفِ فَلَا تَصْطَنِعَهُ حَتَّى يَفُوتَ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: مَنْ أَخَّرَ الْفُرْصَةَ عَنْ وَقْتِهَا فَلْيَكُنْ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ فَوْتِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُكَ فَاغْتَنِمْهَا ...................... فَإِنَّ لِكُلِّ خَافِقَةٍ سُكُونُ
وَلَا تَغْفُلْ عَنِ الْإِحْسَانِ فِيهَا .............. فَمَا تَدْرِي السُّكُونُ مَتَى يَكُونُ
وَكَتَبَ بَعْضُ ذَوِي الْحُرُمَاتِ إِلَى وَالٍ قَصَّرَ فِي رِعَايَةِ حُرْمَتِهِ:
أَعَلَى الصِّرَاطِ تُرِيدُ رَعِيَّةَ حُرْمَتِي ............ أَمْ فِي الْحِسَابِ تَمَنَّ بِالْإِنْعَامِ
لِلنَّفْعِ فِي الدُّنْيَا أُرِيدُكَ، فَانْتَبِهْ ................. لِحَوَائِجِي مِنْ رَقْدَةِ النُّوَّامِ
وَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَتِمُّ الْمَعْرُوفُ إِلَّا بِثَلَاثِ خِصَالٍ: تَعْجِيلُهُ وَتَصْغِيرُهُ وَسَتْرُهُ، فَإِذَا عَجَّلْتَهُ هَنَّأْتَهُ، وَإِذَا صَغَّرْتَهُ عَظَّمْتَهُ، وَإِذَا سَتَرْتَهُ أَتْمَمْتَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
زَادَ مَعْرُوفُكَ عِنْدِي عِظَمًا ....................... أنه عندك مستور حقير
تتناساه كأن لم تَأْتِهِ ...................... وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ مَشْهُورٌ خَطِيرُ
وَمِنْ شَرْطِ الْمَعْرُوفِ تَرْكُ الِامْتِنَانِ بِهِ، وَتَرْكُ الْإِعْجَابِ بِفِعْلِهِ، لِمَا فِيهِمَا مِنْ إِسْقَاطِ الشُّكْرِ وَإِحْبَاطِ الْأَجْرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ) بَيَانُهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) عَامٌّ فِي الدماء والأموال والأعراض، وفي كل شي يَقَعُ التَّدَاعِي وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي كُلِّ كَلَامٍ يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْخَبَرِ: (كَلَامُ ابْنِ آدَمَ كُلُّهُ عَلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى). فَأَمَّا مَنْ طَلَبَ الرِّيَاءَ وَالتَّرَؤُّسَ فَلَا يَنَالُ الثَّوَابَ. وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: رُدَّ الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا، فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ بَيْنَهُمُ الضَّغَائِنَ. وعن أنس بنِ مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِكُلِّ كَلِمَةٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِأَبِي أَيُّوبَ: ((أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى صَدَقَةٍ يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، تُصْلِحُ بَيْنَ أُنَاسٍ إِذَا تَفَاسَدُوا، وَتُقَرِّبُ بَيْنَهُمْ إِذَا تَبَاعَدُوا)). وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: مَا خُطْوَةٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خُطْوَةٍ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَمَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَمِلْتُ إِلَيْهِمَا، فَلَمْ أَزَلْ بِهِمَا حَتَّى اصْطَلَحَا، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَرَانِي: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: ((مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ اسْتَوْجَبَ ثَوَابَ شَهِيدٍ)).
قولُه تعالى: {إِلاَّ مَنْ أَمَرَ} استثناءٌ متَّصِلٌ، وقيل هو منقطِعٌ، والقولان مبنيان على أنَّ النَّجوى يَجوزُ أنْ يُرادَ بها المصدرُ كالدَّعْوى فتكونُ بمعنى التَناجي، وأَنْ يُرادَ بها القومُ المُتَناجُون إطلاقاً للمَصْدَرِ على الواقِعِ منْه مَجازاً نحو: "رجلٌ عَدْلٌ وصَوْمٌ" فعلى الأوَّلِ يَكون مُنقطِعًا لأنَّ مَنْ أَمَرَ ليس تَناجيًا، فكأنَّه قيل: لكنْ مَنْ أَمَر بصدقةٍ ففي نَجواهُ الخيرُ، والكُوفيّونَ يُقدِّرون المُنقَطِعَ بـ "بل"، وجَعَلَ بعضُهم الاستثناءَ متَّصلاً وإنْ أُريد بالنجوى المصدرُ، وذلك على حَذْفِ مضافٍ كأنَّه قيل: إلَّا نَجوى مَنْ أَمَر بـ ..، وإنْ جعلنا النَّجوى بمَعنى المُتناجين كان مُتَّصِلاً. و المُنقطِعُ منصوبٌ أبَدًا في لُغَةِ الحِجازِ، وبنو تَميمٍ يُجْرُونَه مُجْرى المُتَّصِلِ بشرطِ توجُّهِ العاملِ عليْه، وأنَّ الكلامَ إذا كان نفيًا أو شِبهَه جازَ في المُسْتَثْنى الإِتباعُ بَدَلاً وهو المُختار، والنَّصبُ على أصلِ الاسْتِثناءِ، فقولُه: "إِلاَّ مَنْ أَمَرَ": إمَّا منصوبٌ على الاسْتِثناءِ المُنقطِعِ إنْ جَعَلْتَه منقطِعًا في لُغةِ الحِجازِ، أوْ على أَصلِ الاسْتِثْناءِ إنْ جَعَلْتَه مُتَّصِلاً، وإمَّا مَجرورٌ على البَدَلِ مِنْ "كثير" أو مِنْ "نجواهم" أو صفةٌ لأحدِهما: كما تقولُ: "لا تَمُرَّ بجماعةٍ مِنَ القومِ إلَّا زيد" إنْ شئتَ جَعَلْتَ زيداً تابعاً للجماعةِ أو للقومِ. ولم يَجْعلْه الزمخشريُّ تابعاً إلَّا لـ "كثير" قال: "إلَّا نَجْوَى مَنْ أَمَرَ على أنَّه مجرورٌ بَدلٌ مِن "كثير" كما تقولُ: "لا خيرَ في قيامِهم إلَّا قيامِ زيدٍ" وفي التَنظيرِ بالمِثالِ نَظَرٌ لا تَخْفَى مُبايَنَتُه للآيَةِ، هذا كلُّه إنْ جَعَلْنَا الاسْتثناءَ متَّصِلاً بالتأويلين المذكوريْن أو مُنقطِعاً على لُغةِ تميمٍ. وتلخَّصَ فيه ستةُ أوْجُهٍ: النَّصبُ على الانقطاعِ في لُغَةِ الحِجازِ أوْ على أَصلِ الاسْتِثناءِ، والجَرُّ على البدَلِ مِنْ "كثير" أو مِنْ "نجواهم" أو على الصفةِ لأحدِهِما. و"مِنْ نَّجْوَاهُمْ" متعلِّقٌ بمحذوفٍ لأنَّه صفةٌ لـ "كثير" فهو في محلِّ جَرٍّ، والنَّجوى في الأصلِ مصدرٌ كما تقدَّم، وقد يُطْلَقُ على الأشخاصِ مَجازاً. قال تعالى: {وَإِذْ هُمْ نجوى} الإِسراءُ: 47، ومعناها المُسَارَّة، ولا تكون إلَّا مِنِ اثنينِ فأكثرَ، وقال الزجّاجُ: النَّجوى ما تَفَرَّدَ بِه الاثْنانِ فأكثرُ سِرًّا
كان أو ظاهراً. وقيل: النجوى جمع نَجِيٍّ، نَقَلَه الكَرْمانيُّ.
قولُه: {بين} يجوزُ أنْ يكونَ مَنصوبًاً بنفسِ "إصلاح" تقول: "أصلحت بيْن القومِ" قال تعالى: {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} الحجرات: 10. وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه صفةٌ لـ "إصلاح".
وقولُه: {ابتغاءَ} مفعولٌ من أجلِه. وألفُ "مرضاة" منقلبةٌ عن واوٍ،
وقد تقدَّمَ تحقيقُه. وقرأ أبو عَمْرٍو وحمزة: "فسوف يُؤتيه" بالياءِ نَظَراً إلى الاسْمِ الظاهِرِ في قولِه: {مَرْضَاتِ الله} والباقون بالنون نَظَراً لقولِه بعدُ: "نُولِّه ونُصْلِه" وهو أوقعُ للتَعظيمِ.