عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 60 الثلاثاء مايو 21, 2013 4:02 am | |
| أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا. (60) قولُه ـ تعالى شأنُه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} يُنْكِرُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ يَدِّعِي الإِيمَانَ بِاللهِ ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَهُوَ مَعْ ذَلِكَ يُرِيدُ أنْ يَتَحَاكَمَ فِي فَصْل ِالخُصُومَاتِ إلى غَيْرِ كِتَابِ اللهِ ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ. فقد أَظهروا الإخلاصَ، ونافقوا في السِّر، ففضَحَهُمُ اللهُ ـ سبحانَه ـ على لِسانِ جِبريلَ ـ عليْه السلامُ. "أَلَمْ تَرَ" خطابٌ للنبيِّ الكريم ـ عليه الصلاةُ والسلامُ، وتعجيبٌ له. أي أَلمْ تَنظرْ أو ألَمْ يَنْتَهِ علمُك. "إِلَى الذين يَزْعُمُونَ" مِنَ الزَعْمِ، وأكثرُ ما يُقالُ فيما يُشَكُ فيه. ومِن هُنا قيلَ: إنَّه قولٌ بِلا دَليلٍ، وقدْ كَثُرَ استعمالُه بِمعنى القولِ الحَقِّ، وفي الحديثِ عنِ النبيِّ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ((زعمَ جِبْريل)) وفي حديثِ ضمام بن ثعلبة ـ رضي الله تعالى عنه: ((زعَمَ رَسولُك)) وقد أكثر سيبويْهِ في الكِتابِ مِنْ قولِه: زعمَ الخليلُ كذا في أشياءَ يَرتَضيها، وفي "شرحِ مُسلم للنووي" أنَّ زعم في كلِّ هذا بمعنى القولِ، والمُرادُ بِه هُنا مُجرَّدُ الادِّعاءِ، أيْ يَدَّعون. قولُه: {أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أَنَزلَ مِن قَبْلِكَ} أي القرآن. "وَمَا أَنَزلَ" إلى موسى عليْه السلامُ وهو التوراةُ، ووُصِفوا بهذا الادِّعاءِ لتَأكيدِ التَعجيبِ وتشديدِ التوبيخِ والاسْتِقْباحِ.قولُه: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطاغوت} بيانٌ لِمَحَلِّ التعجيبِ على قياسِ نظائرِه؛ يَذُمُّ اللهُ تَعَالَى الذِينَ يَعْدِلُونَ عَنْ شَرْعِ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ، إلَى مَا سِوَاهُمَا مِنَ البِاطِلِ (وَهُوَ المُرَادٌ هُنَا بِالطَّاغُوتِ)، وَقَدْ أُمِرُوا بِأَنْ يَكْفُرُوا بِهِ، وَبِحُكْمِ الجَاهِلِيَّةِ، ولَكِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْعُوهُمْ الى اتِّبَاعِهِ لِيُضِلَّهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَشَرْعِهِمْ وَهُدَى رَبِّهِمْ، وَيُبْعِدَهُمْ عَنْهَا .عن ابنِ عبّاسٍ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنهما ـ (أنَّ رجلاً من المنافقين يُقالُ له بِشْر: خاصم يهودياً فدعاه اليهوديُّ إلى النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ ودعاه المُنافقُ إلى كَعْبَ بنِ الأَشْرَفِ، ثمَّ إنَّهما احْتَكَما إلى النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ فقضى لليهوديِّ فلم يَرْضَ المُنافِقُ وقال: تعالَ نَتَحاكَمُ إلى عُمرَ بنِ الخَطّابِ، فقالَ اليَهوديُّ لِعُمرَ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنه: قَضَى لنَا رَسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ فلم يَرْضَ بِقَضائه، فقالَ للمُنافِقِ أكذلك؟ قال: نعم، فقال عُمَر: مكانَكُما حتَّى أَخرجَ إليْكُما فدخلَ عُمر فاشْتَمَلَ على سَيْفِهِ ثمَّ خَرَجَ فَضَرَبَ عُنُقَ المُنافقِ حتَّى بَرَدَ، ثمَّ قال: هَكذا أَقضي لِمَنْ لَمْ يَرْضَ بِقضاءِ اللهِ تَعالى ورَسُولِه ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ ـ فَنَزَلَتْ). وفي بعضِ الروايات (وقال جبريلُ ـ عليْه السلامُ ـ إنَّ عُمَرَ فرَقَ بيْنَ الحَقِ والباطلِ وسمَّاهُ النَبِيُّ ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ ـ الفاروق رضيَ اللهُ تعالى عنه). والطاغوتُ على هذا كَعْبٌ بْنُ الأَشْرَفِ، وإطلاقُه عليه حقيقةً بناءً على أنَّه بمعنى كَثيرِ الطُغيان، وفي مَعناهُ كلُّ مَنْ يَحكُم بالباطِلِ، ويُحتمَلُ أنْ يكونَ الطاغوتُ بمعنى الشيطان، وإطلاقُه على ابنِ الأَشرَفِ إمَّا استعارةً أو حقيقةً، والتَجَوُّزُ في إسنادِ التَحاكُمِ إليْه بالنِسْبَةِ الإيقاعيَّةِ بين الفعلِ ومفعولِه بالوِساطَةِ، وقيل: إنَّ التحاكُمَ إليْه تَحاكُمٌ إلى الشيطانِ مِنْ حيثُ إنَّه الحاملُ عليْه، فنقلُه عن الشيطان إليه على سبيلِ المَجازِ المُرسَلِ، وأَخرجَ الطبرانيُّ بِسَنَدٍ صحيحٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ أيْضاً قال: كان أبو بَرْزَةَ الأَسْلمِيُّ كاهِناً يَقضي بيْنَ اليَهودِ فيما يَتَنافرون فيه، فتنافَرَ إليْه ناسٌ مِن المُسلمين فأنزل الله تعالى فيهم الآية.وأخْرجَ ابنُ جَريرٍ عنِ السُدِيِّ أنّه كان ناس مِنَ اليهودِ قد أَسلَموا ونافَقَ بعضُهم، وكانت قُريظةُ في الجاهلية حُلَفاءَ الخَزْرَجِ و وكانت النَّضيرُ حلفاءَ الأَوْسِ، وكان إذا قَتَلَ رَجُلٌ منْ بَني قُريظةَ رجلًا مِن بني النَّضيرِ قُتِلَ بِه أوْ أُخِذَتْ دِيَّتُه مئةَ وَسْقٍ مِنْ تَمرٍ ـ الوَسْقُ حِمْلُ بعيرٍ ويقدَّرُ بستينَ صاعاً بصاعِ النبيِّ، وإذا قَتَلَ رجلٌ مِن بَني النَّضيرِ رَجُلًا مِنْ قُريْظَةَ لمْ يُقتَلْ بِهِ وأَعْطى دِيتَهُ سِتينَ وَسْقًا فلَمَّا جاءَ الإسلامُ وهاجَرَ النبيُّ ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ إلى المَدينةِ قَتَلَ رَجُلٌ مِن النَّضيرِ رَجلًا مِنْ قُريْظَةَ فاخْتَصَمُوا في ذلك، فقال بَنُو النَّضيرِ كنَّا وأَنْتُمْ قدِ اصْطَلَحْنا على أنْ نَقْتُلَ مِنْكم ولا تَقتُلوا مِنَّا ودِيَتُنا مئةُ وَسْقٍ ودِيَتُكم سِتُّون وَسْقًا فنحنُ نُعطيكم ذلك، فقالتِ الخَزْرَجُ هذا شيءٌ كنتُم فَعَلْتُموهُ في الجاهليَّةِ لِكَثْرَتِكم وقِلَّتِنا فقَهَرْتُمونا على ذلك، فاليومَ نحنُ إخوةٌ في الدِّينِ فلا فضلَ لَكم عَلَيْنا فقالَ المُنافِقون منهم نَنْطَلِقُ إلى أَبي بُرْدَةَ الكاهنِ الأَسْلميِّ وقال المُسلمون مِنَ الفَريقيْنِ بَلْ نَنْطَلِقُ إلى النَبِيِّ ـ صلَّى اللهُ عليْه وسَلَّمَ ـ فأَبَى المُنافقونَ وانْطَلَقوا إلى أَبي بُرْدَةَ الكاهِنِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهم فقالَ: أَطْعِمُوا اللُّقمةَ، يَعني الخَطَرَ فقالوا لكَ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ، فقالَ: لا، بَلْ مِئةُ وَسْقٍ دِيتي فأبَوا أنْ يُعْطوهُ إلَّا عَشَرَةَ أَوْسُق وأَبى أنْ يَحكُم بَيْنَهم فأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَتَيْ القِصاصِ وأَنْزَلَ هذِهِ الآية. وهو أيضاً أَنْسَبُ بوصفِ المنافقين بادِّعاءِ الإيمانِ بالتوراةِ، ويُمكن حملُ خبرِ الطَبَرانيِّ عليْه بحملِ المُسلمين فيه على المنافقين ممّن أَسْلَمَ مِن قُريْظَةَ والنَّضيرِ.قولُه تعالى: {وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ} في مَوضِعِ الحالِ مِنْ ضميرِ "يُرِيدُونَ" وفيه تأكيدٌ للتَعجيبِ كالوصفِ السابقِ، والضميرُ المَجرورُ راجعٌ إلى الطاغوت، وهو ظاهرٌ على تقديرِ أنْ يُرادَ منه الشيطانُ وإلا فهو عائد إليه باعتبارِ الوصفِ لا الذاتِ، أيْ أُمِروا أنْ يَكفُروا بِمَنْ هو كثيرُ الطُغْيانِ أوْ شَبيهٌ بالشَيطان، وقيلَ الضميرُ للتَحاكُمِ المَفهومِ مِنْ "يَتَحَاكَمُواْ" وفيه بُعْدٌ، وقرأَ عبَّاسٌ بْنُ المُفَضَّلِ بِها، وقُرِئَ بِهِنَّ، والضَميرُ أيْضاً للطاغوتِ لأنَّه يَكونُ للواحِدِ والجَمْعِ، وإذا أُريدَ الثاني أُنِّثَ باعتِبارِ معنى الجَماعَةِ وقد تقدَّمَ قولُه: {وَيُرِيدُ الشيطان أَن يُضِلَّهُمْ ضلالا بَعِيداً} عطفٌ على الجُملةِ الحاليَّةِ، داخلةٌ في حُكمِ التَعجيبِ، وفيها على بَعضِ الاحْتِمالات وضعُ المُظْهَرِ مَوْضِعَ المُضمَرِ على معنى: يُريدون أنْ يَتَحاكَموا إلى الشيطانِ وهو بِصَدَدِ إرادةِ إضْلالِهم، ولا يُريدون أنْ يَتِحاكَموا إليْكَ وأنتَ بصدَدِ إرادةِ هِدايتِهم، و"ضَلاَلاً" إمَّا مصدرٌ مؤكِّدٌ للفِعلِ المَذكورِ بحَذفِ الزَّوائدَ على حَدِّ ما قِيل في {أَنبَتَكُمْ مّنَ الارض نَبَاتاً} نوح: 17. وإمَّا مُؤكِّدٌ لِفِعْلِهِ المَدلولِ عليْه بالمَذكورِ أيْ (فيَضُلّون ضَلالاً)، ووصْفُه بالبُعْدِ الذي هو نعتُ مَوصوفِه للمُبالَغَةِ.وقولُه: {يَزْعُمُونَ} مثلُ ظنَّ وأخواتِها بشرطِ ألاَّ تكونَ بمعنى كَفِلَ ولا كَذَبَ ولا سَمِنَ ولا هَزَل، و"أنَّ سادَّةٌ مَسَدَّ مَفعولَيْها. وقرأ الجمهور: "أُنْزل إليك وما أُنْزلَ مِنْ قَبْلِكَ" مَبْنِيًّا للمَفعولِ، وقُرِئا مَبْنِيَّيْنِ للفاعِلِ وهو الله تعالى. والزعم ـ بفتحِ الزايِ وضمِّها وكسرِها ـ مصدرُ زَعَم، وهو قولٌ يَقترِنُ بِه اعتقادٌ ظَنِّيٌّ قال أبو ذؤيب الهذلي: فإنْ تَزْعُميني كنتُ أجهلُ فيكُمُ ........ فإني شَرَيْتُ الحِلْمَ بعدَك بالجَهْلقال ابنُ دريدٍ: أكثرُ ما يَقعُ على الباطلِ، وقالَ ـ عليه الصلاةُ والسلام: ((بئسَ مَطِيَّةُ الرَجُلِ زَعَموا)) وقال الأعشى قيساً بن معد يكرب الكندي: ونُبِّئْتُ قيساً ولم أَبْلُه ....................... كما زعموا خيرَ أهلِ اليمنْفقال الممدوح: وما هو إلَّا الزَعْمُ، وحَرَمَهُ ولمْ يُعْطِه شيْئاً. وذكرَ صاحبُ "العين" أنَّها تقعُ غالباً على "أنَّ" قال: وقد تقع في الشعر على الاسْمِ وأنشدَ بيتَ أبي ذُؤيبٍ، وقولُ أبي أميَّةَ أَوْسٍ الحَنَفيِّ: زَعَمَتْني شيخاً ولستُ بشيخٍ ................. إنما الشيخُ مَنْ يَدِبُّ دبيباًوتكون "زعم" بمعنى "ظَنَّ" فتتعدَّى لاثنين، وبمعنى "كفِل" فتَتعدّى لِواحِدٍ، ومنه {وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} يوسف: 72. وبمعنى "رَأَسَ" وبمعنى "سَمِن" وتكون بمعنى "هَزَلَ" فلا تتعدّى.قولُه: {يُرِيدُونَ} حالٌ من فاعل "يَزْعُمون" أو من "الذين يزعمون".وقولُه: {وَقَدْ أمروا} حالٌ مِنْ فاعِلِ "يريدون" فهما حالان متداخلان. وقولُه: {أن يكفروا} في محلِّ نصبٍ فقط إنْ قَدَّرْتَ تَعْدِيةَ "أمر" إلى الثاني بنفسِه، وإلَّا ففيها الخلافُ المشهور، والضميرُ في "به" عائدٌ على الطاغوتِ، وقد تقدَّم أنَّه يُذَكَّر ويُؤنَّثَ، وما قال الناس فيه في البقرة. وقرأ عبَّاسٌ بْنُ الفَضْلِ: :أنْ يَكفُروا بِهنَّ" بضميرِ جميعِ التأنيثِ.قوله: {أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً} ضلالاً" مصدرٌ على غير الصَدرِ نحو: {أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً} نوح: 3. والأصلُ "إضْلال" و "إنبات" فهو اسْمُ مَصدَرٍ لا مَصدرٌ. أو هو مصدرٌ لِمُطاوِعِ "أَضلَّ" أي: أضَلَّهم فضلُّوا ضلالاً. ويمكنُ أنْ يكونَ مِنْ وَضْعِ أحدِ المَصدرَيْن موضِعَ الآخر. | |
|