سُورَةُ الكَهْفِ (18)
سُورَةُ الكَهْفِ: هِيَ الثَّامِنَةُ وَالسِّتُّونَ فِي تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَهِيَ مِنَ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً. فقد رَوَى الدَّيْلَمِيُّ فِي (مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ) عَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْكَهْفِ جُمْلَةً مَعَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَعَدَدُ آياتِها مِئَةٌ وعَشْرُ آياتٍ عِنْدَ قُرَّاءِ أَهْلِ الكُوفَةِ، وفِي عَدَدِ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ مِئَةٌ وَخَمْسٌ، وَفِي عَدَدِ قُرَّاءِ الشَّامِ مِئَةٌ وَسِتٌّ، وَفِي عَدَدِ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ مِئَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ آيةً، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي تَقْسِيمِ بَعْضِ الْآيَاتِ إِلَى آيَتَيْنِ. وَهِيَ مكيَّةٌ كُلُّهَا، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وأَخْرَجَ النَّحَّاسُ فِي نَاسِخِهِ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْكَهْفِ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْكَهْفِ بِمَكَّةَ. وَقالَهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، ومُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ وغَيْرُهُ، وهُوَ مَا عَلَيْهِ إِجْماعُ المُفَسِّرينَ.
وَقالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَكِيَّةٌ كُلُّها إِلَّا الآيَةَ: 28، وَالآيَاتِ: (83 ــ 101)، فَمَدَنِيَّةٌ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ نَزَلَ بِالمَدينَةِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: جُرُزًا. والأَوَّلُ أَصَحُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وهِيَ مِنْ أَفْضَلِ سُوَرِ القُرْآنِ الكريمِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الأَئمَّةُ: أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ الضَّرِّيسِ، وَابْنُ حِبَّان، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، فِي سُنَنِهِ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مِنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ، عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ: (5/196، رَقَمْ: 21760)، وَمُسْلِم: (1/555، رَقَمْ: 809)، وَأَبُو دَاوُدَ: (4/117، رَقَمْ: 4323)، والنَّسَائيُّ فِي سُنَنِهِ الكُبْرَى: (6/236، رَقَمْ: 10787). وأَخْرَجَهُ أَيْضًا: الحَاكِمُ: (2/399، رَقَمْ: 3391)، وَقالَ: صَحِيحُ الإِسْنَادِ. والبَيْهَقِيُّ: (3/249، برَقمْ: 5793).
وَأَخْرَجَ الأَئِمَّةُ: أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَابْنُ الضِرِّيسِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ حِبَّان، وَابْنُ مِرْدُوَيْه، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، عَنْ أَبي الْعَالِيَةِ، قَالَ: قَرَأَ رَجُلٌ سُورَةَ الْكَهْفِ، وَفِي الدَّارِ دَابَّةٌ، فَجَعَلَتْ تَنْفُرُ، فَيَنْظُرُ فَإِذا ضَبَابَةٌ، أَوْ سَحَابَةٌ قَدْ غَشِيَتْهُ، فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((اقْرَأْ فُلَانُ، فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ)).
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَقْرَأُ البَارِحَةَ سُورَةَ الْكَهْفِ، فجَاءَ شَيْءٌ حَتَّى غَطَّى فَمِي. فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمُ: ((مَهْ تِلْكَ السَّكِينَةُ جَاءَتْ حِينَ تَلَوتَ الْقُرْآنَ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، والضِّياءُ المَقْدِسِيُّ فِي (المُخْتَارَةِ) عَنْ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ الْكَهْفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ مَعْصُومٌ إِلَى ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ تَكونُ، وَإِنْ خَرَجَ الدَّجَّالُ عُصِمَ مِنْهُ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَطَعَ لَهُ نُورٌ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ إِلَى عِنَانِ السَّمَاءِ، يُضِيءُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَغُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الجُمُعَتَيْنِ)).
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالضِّياءُ المَقْدِسِيُّ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ مَقَامِهِ إِلَى مَكَّةَ، وَمَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا، ثُمَّ خَرَجَ الدَّجَّالُ لَمْ يَضُرَّهُ)).
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، والدَّارِمِيُّ، وَابْنُ الضِّرِّيسِ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ كَمَا أُنْزِلَتْ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الجُمْعَتَيْنِ)).
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ كَمَا أُنْزِلَتْ، ثُمَّ خَرَجَ الدَّجَّالُ، لَمْ يُسَلَّطْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ)).
وَأَخْرَجَ الأَئِمَّةُ: أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَنْ قَرَأَهَا كُلَّهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مَا بَيْنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أُمِّنا السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ الصِّدِّيقةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وأَرْضاهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلَا أُخْبِرْكُمْ بِسُورَةٍ مَلَأَ عَظَمَتُها مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلِكَاتِبِهَا مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمَنْ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامِ، وَمَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْهَا عِنْدَ نَوْمِهِ، بَعَثَهُ اللهُ أَيَّ اللَّيْلِ شَاءَ)). قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سُورَةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ)).
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الإِمَامُ، كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةَ مَا بَيْنِهِ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَبَلَغَ نُورُهَا الْبَيْتَ الْعَتِيقَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الضِّرِّيسِ عَنْ أَبي الْمُهَلَّبِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سُورَةُ الْكَهْفِ تُدْعَى فِي التَّوْرَاةِ الحَائِلَةَ، تَحُولُ بَيْنَ قَارِئهَا وَبَيْنَ النَّارِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلِ المُزَنِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبَيْتُ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْكَهْفِ لَا يَدْخُلُهُ شَيْطَانٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، عَنْ أُمِّ مُوسَى اللَّخْمِيَّةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَكَانَتْ مَكْتُوبَةً لَهُ فِي لَوْحٍ يُدارُ بِلَوْحِهِ حَيْثُمَا دَارَ فِي نِسَائِهِ، فِي كُلِّ لَيْلَةٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَرَأَ فِي الْفَجْرِ بِالكَهْفِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبي عُبَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهَا سَمِعَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ بِسُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ.
وَأَخْرَجَ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، فِي (فَضَائِلِهِ) عَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرِ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ)). أَخْرَجَهُ الأَئمَّةُ: أَحْمَدُ: (6/446، رَقم: 27556)، ومُسْلِمٌ: (1/555، رقم: 809)، والنَّسَائِيُّ في سُنَنِهِ الكُبْرَى: (6/235، رَقم: 10786)، وابْنُ حِبَّان: (3/65، رقم: 785).
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ، عَنْ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَنْ حَفِظَ عَشَرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الدَّجَّالُ، لَمْ يَضُرَّهُ، وَمَنْ حَفِظَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْكَهْفِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبي الدَّرْداءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ السيِّدةِ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ عَشْرَ آيَاتٍ عِنْدَ مَنَامِهِ، عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَمَنْ قَرَأَ خَاتِمَتَهَا عِنْدَ رُقَادِهِ كَانَ لَهُ نُورًا مِنْ لَدُنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وَأَخْرَجَ الأَئِمَّةُ: أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، فِي (فَضَائِلِهِ) عَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرِ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ)). أَخْرَجَهُ الأَئمَّةُ: أَحْمَدُ: (6/446، رَقم: 27556)، ومُسْلِمٌ: (1/555، رقم: 809)، والنَّسَائِيُّ في سُنَنِهِ الكُبْرَى: (6/235، رَقم: 10786)، وَأَخْرَجَهُ فِي "عَمَلِ اليَوْمِ واللَّيْلَةِ" بِرَقَمِ: (952، 954)، والحاكِمُ: (2/368)، وقالَ: صَحِيحُ الإِسْنَادِ، والبَيْهَقِيُّ: (3/249)، وابْنُ حِبَّان: (3/65، رقم: 785). عَنْ أَبي سَعيدٍ مَرْفُوعًا، وأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ: (2/454) عَنْ أَبي سَعِيدٍ مَوْقُوفًا، وَرُوَاتُهُ عِنْدَهَ مُتَّفَقٌ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِهِمْ.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ، عَنْ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَنْ حَفِظَ عَشَرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الدَّجَّالُ، لَمْ يَضُرَّهُ، وَمَنْ حَفِظَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْكَهْفِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبي الدَّرْداءِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ الضِرِّيسِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالرُّويَانِيُّ، عَنْ ثَوْبَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ فَإِنَّهُ عِصْمَةٌ لَهُ مِنَ الدَّجَّالِ)).
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبي أُمَامَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا فَكَانَ أَكْثَرَ خُطْبَتِهِ ذِكْرُ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَنَا يَوْمَئِذٍ: إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ، لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلَّا حَذَّرَ أُمَّتَهُ، وَإِنِّي آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنْتُم آخِرُ الْأُمَمِ، وَهُوَ خَارجٌ فِيكُمْ لَا مَحَالَةَ، فَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِنْ يَخْرُجْ فِيكُمْ بَعْدِي فَكُلُّ امْرِئٍ حَجِيجُ نَفْسِهِ. وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ عَاثَ يَمِينًا، وَعَاثَ شِمَالا: يَا عِبَادَ اللهِ اثْبُتُوا، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ يَقُولُ: أَنَا نَبِيٌّ، وَلا نَبِيَّ بَعْدِي، وَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَتْفُلْ فِي وَجْهِهِ، وَلْيَقْرَأْ بِقَوَارِعِ سُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَإِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَى نَفْسٍ مِنْ بني آدَمَ فَيَقْتُلُهَا، ثُمَّ يُحْيِيهَا، وَإِنَّهُ لا يَعْدُو ذَلِكَ، وَلا يُسَلَّطُ عَلَى نَفْسٍ مِنْ غَيْرِهَا، وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنَّ مَعَهُ جَنَّةً وَنَارًا، وَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ، فَمَنِ ابْتُلِيَ بِنَارِهِ فَلْيُغْمِضْ عَيْنَيْهِ، وَلْيَسْتَغِثْ بِاللهِ يَكُونُ بَرْدًا وَسَلامًا، كَمَا كَانَتِ النَّارُ بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَإِنَّ أَيَّامَهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا: يَوْمًا كَسَنَةٍ، وَيَوْمًا كَشَهْرٍ، وَيَوْمًا كَجُمُعَةٍ، وَيَوْمًا كالأَيَّامِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَآخِرُ أَيَّامِهِ كَالسَّرَابِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ فَيَمْشِي قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ بَابَهَا الآخَرَ"، قَالَ: فَكَيْفَ نُصَلِّي يَا رَسُولَ اللهِ، فِي تِلْكَ الأَيَّامِ الْقِصَارِ؟ قَالَ:"تُقَدِّرُونَ فِيهَا كَمَا تُقَدِّرُونَ فِي الأَيَّامَ الطِّوَالَ". أَخْرَجَهُ الطَبَرَانِيُّ: (8/146، رَقَم: 7644). وفي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ: (2/28، بِرَقَم: 861)، وَالحَاكِمُ في مُسْتَدْرَكِهِ: (4/580، رقم: 8620) وقالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
أَمَّا سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ المُباركَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَأَسْنَدَهُ الطَّبَرِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَهَمَّهُمْ أَمْرُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَازْدِيَادُ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُ وَكَثُرَ تَسَاؤُلُ الْوَافِدِينَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ مُتَسائلينَ عَنْ أَمْرِ دَعْوَتِهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، بَعَثَ المُشْرِكونَ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ بِـ (يَثْرِبَ) الْمَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، يَسْأَلُونَهُمْ رَأْيَهُمْ فِي دَعْوَتِهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، طَمَعًا مِنْهُمْ أَنْ يَجِدَ الْأَحْبَارُ لَهُمُ مَا يُكَذِّبونَ بِهِ النَّبِيَّ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، لأَنَّ الْيَهُودَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَعِنْدَهُمْ مِنْ العِلْمِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَوْصِافِهِمْ وَعَلَامَاتِهِمْ، ما ليسَ عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَدِمَ النَّضْرُ وَعُقْبَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَحادَثا الْيهودَ عنِ النَّبِيِّ محمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وادَّعائهِ النُّبُوَّةَ، وَمَا يَدْعُوا إِلَيْهِ، وَنَقَلا لَهُمْ بَعْضَ أَقْوالِهِ. فَقَالَ لَهُمْ أَحْبَارُ يَهُود: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ؟ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ مُتَقَوِّلٌ: سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ، مَا كَانَ أَمْرُهُمْ؟ وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَسَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ مَا هِيَ. فَرَجَعَ النَّضْرُ وَعُقْبَةُ، فَأَخْبَرَا قُرَيْشًا بِمَا قَالَهُ أَحْبَارُ يَهُود، فَجَاءَ جَمْعٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى رَسُول اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوهُ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ـ عَلَيْهِ صَلاةُ اللهِ وَسَلامُهُ: أُخْبِرُكُمْ عَمَّا سَأَلْتُمْ غَدًا. وَهُوَ يَنْتَظِرُ نُزُولَ الْوَحْيِ عَلَيْهِ بِحَسَبِ ما اعْتَادَ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ نُزُولِ الوَحْيِ. وَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ. فَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُوحَى إِلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَأَرْجَفَ أَهْلُ مَكَّةَ، وَقَالُوا: وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ غَدًا وَقَدْ أَصْبَحْنَا الْيَوْمَ عِدَّةَ أَيَّامٍ لَا يُخْبِرُنَا بِشَيْءٍ مِمَّا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ، حَتَّى أَحْزَنَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَشَقَّ عَلَيْهِ الأَمْرُ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِسُورَةِ الْكَهْفِ، وَفِيهَا الجَوَابُ عَنِ الْفِتْيَةِ أَهْلِ الْكَهْفِ، وَالرَّجُلِ الطَّوَّافِ، وَهُوَ ذُو الْقَرْنَيْنِ. وَأَمَّا مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الرُّوحِ، فقد أُجِيبَ عَنْهُ بالآيَةِ: 85، مِنْ سورةِ الإِسْراءِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}. قَالَ الإمامُ السُّهَيْلِيُّ: وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْبَكَّائِيِّ: (وهوَ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكَّائِيِّ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ ابْنُ هِشَامٍ): أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلّىَ الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هُوَ (أَيِ الرُّوحُ) جِبْرِيلُ)).
وَهَذَا خِلَافُ مَا رَوَى غَيْرُهُ أَنَّ يَهُودَ قَالَتْ لِقُرَيْشٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِ فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْكُمْ بِهِ فَهُوَ نَبِيٌّ. وَيُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وذَلِكَ بِأَنْ يَكونَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ أَنْ أَجَابَهُمْ عَنْ الرُّوحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} بِحَسَبِ مَا عَنَوْهُ بِالرُّوحِ، عَدَلَ بِهِمْ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ أَمْرٍ كَانَ أَوْلَى لَهُمُ الْعِلْمُ بِهِ، وَهُوَ الرُّوحُ الَّذِي تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ منْ مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى في الآيَةِ: 193، مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}، وَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ القَدْرِ: {تَنَزَّلُ الملائكةُ وَالرُّوحُ فِيها} الْآيةَ: 4، وَهُيَ مِنْ أَلْقَابِ جِبْرِيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ السَّامِي مَعَ مَا فِيهِ مِنَ إِغَاظَةِ يَهُودِ، لِأَنَّهُمْ كانوا يَعْتَبِرُونَهُ عَدُوًا لَهُمْ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ في الآيَتَيْنِ: (97 و 98)، مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَة: {قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا للهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ}. وَوَضَّحَهُ ما رواهُ الصَّحابيُّ الجليلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ ذَكَرَ جِبْرِيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ((ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ)). فَلَمْ يَتْرُكِ النَبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُمْ مَنْفَذًا يَلِجُونَ مِنْهُ لِبَثِّ الشُّكوكِ والتَلْبِيسِ عَلَى قُرَيْشٍ إِلَّا سَدَّهُ عَلَيْهِمْ.
فقد أَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَق، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي (دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ)، وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فَي (دَّلَائِلِ النُّبُوَّةِ) لَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قَالَ: بَعَثَتْ قُرَيْش النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبي مُعَيْطٍ إِلَى أَحْبَارِ يَهُود بِالْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: سَلُوهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ ـ ووَصَفُوا لَهُم صِفَتَهُ، وأَخْبِروهم بِقَولِهِ فَإِنَّهُم أَهْلُ الْكِتَابِ الأَوَّلِ، وَعِنْدَهُمْ عِلْمُ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ. فَخَرَجَا حَتَّى أَتَيَا الْمَدِينَة فسَأَلَا أَحْبَارَ يَهُودَ عَنْ رَسُولَ اللهَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَصَفَا لَهُمْ أَمْرَهُ وَبَعْضَ قَوْلِهِ، وَقَالَا: إِنَّكُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، وَقَدْ جِئْناكُمْ لِتُخْبِرُونَا عَنْ صَاحِبِنَا هَذَا.
فَقَالُوا لَهُمَا: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ، فَإِنْ أَخْبَرَكُم بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فالرَّجُلُ مُتَقَوِّلٌ، فَرَوْا فِيهِ رَأْيكُمْ، سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الأَوَّلِ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهْمْ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُم حَدِيثٌ عَجِيبٌ، وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ بَلَغَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا مَا كَانَ نَبَؤُهُ، وَسَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، مَا هُوَ، فَإِنْ أَخْبَرَكُم بِذَلِكَ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ فَاتَّبعُوهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَقَوِّلٌ، فَأَقْبَلَ النَّضْرُ وَعُقْبَةُ حَتَّى قَدِمَا قُرَيْشًا فَقَالَا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، قَدَ أَمَرَنَا أَحْبَارُ يَهُودَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ أُمُورٍ ـ فَأَخْبَراهُمْ بِهَا، فَجَاؤُوا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا ـ فَسَأَلُوهُ عَمَّا أَمَرُوهمْ بِالسُّؤالِ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُخْبِرُكُمْ غَدًا بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ))، وَلَمْ يَسْتَثْنِ، فانْصَرَفُوا عَنْهُ، وَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُحْدِثُ اللهُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَحْيًا، وَلَا يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ، حَتَّى أَرْجَفَ أَهْلُ مَكَّةَ وأَحْزَنَ ـ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَكْثُ الْوَحْيِ عَنْهُ، وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ ثُمَّ جَاءَ جِبْرِيلُ مِنَ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، بِسُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فِيهَا مُعَاتَبَتُهُ إِيَّاهُ، عَلَى حُزْنِهِ عَلَيْهِم، وَخَبَرِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْفِتْيَةِ وَالرَّجُلِ الطَّوَّافِ، وَقَوْلِ اللهِ تَعَالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الْآيَة: 85، مِنْ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي (دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ) مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ الصَّغِيرِ عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا خَمْسَةَ رَهْطٍ ـ مِنْهُم عُقْبَةُ بْنُ أَبي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، يَسْأَلُونَ الْيَهُودَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَصَفُوا لَهُمْ صِفَتَهُ، فَقَالُوا لَهُمْ: نَجِدُ نَعْتَهُ وَصِفَتَهُ ومَبْعَثَهُ فِي التَّوْرَاةِ، فَإِنْ كَانَ كَمَا وَصَفْتُمْ لَنَا فَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَأَمْرُهُ حَقٌّ، فَاتَّبِعُوهُ، وَلَكِنْ سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثِ خِصَالٍ، فَإِنَّهُ يُخْبِركُمْ بِخَصْلَتَيْنِ، وَلَا يُخْبِركُمْ بالثالِثَةِ ـ إِنْ كَانَ نَبِيًّا، فَإنَّا قَدْ سَأَلْنَا مُسَيْلَمَةَ الْكَذَّابَ عَنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ، فَلَمْ يَدْرِ مَا هِيَ. فَرَجَعَتِ الرُّسُلِ إِلَى قُرَيْشٍ بِهَذَا الْخَبَرِ مِنَ الْيَهُودِ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ الَّذِي بَلَغَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ، وَأَخْبِرْنَا عَنِ الرُّوحِ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ.
فَقَالَ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: أُخْبِرُكُمْ بِذَلِكَ غَدًا، وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَلَمْ يَأْتِهِ لِتَرْكِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَاهُ جِبْرِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِمَا سَأَلُوهُ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ أَبْطَأْتَ عَليَّ. فَقَالَ: بِتَرْكِكَ الِاسْتِثْنَاءَ، أَلَا تَقُولُ: إِنْ شَاءَ اللهُ، قَالَ: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ) الآيَة: 23، مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ عَنْ حَدِيثِ ذِي القَرْنَيْنِ، وَخَبَرِ الرُّوحِ وَأَصْحَابِ الْكَهْفِ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ فَأخْبَرَهُمْ عَنْ حَدِيثِ ذِي القَرْنَيْنِ، وَقَالَ لَهُم: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، يَقُولُ: مِنْ عِلْمِ رَبِّي، لَا عِلْمَ لِي بِهِ، فَلَمَّا وَافَقَ قَولَ الْيَهُودِ أَنَّهُ لَا يُخْبِركُمْ بالثَّالِثِ، (قَالُوا: سِحْرَانِ تَظَاهَرَا) الآيَة: 48، مِنْ سُورَةِ القَصَصِ، أَي: تَعَاوَنَا ـ يَعْنِي: التَّوْرَاةُ وَالْفرْقَانُ، وَقَالُوا: {إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} الآيَةِ: 48، مِنْ سُورَةِ القَصَصِ وَحَدَّثَهُمْ بِحَدِيثِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ.
وَقَدْ يَرِدُ هُنَا اعْتِراضٌ بِأَنَّ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي أَمْرِ الرُّوحِ هِيَ مِنْ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ، وتَرْتِيبُ سُورَةِ الإِسْراءِ فَي النُّزُولِ هُوَ (56) بَيْنَما تَرْتِيبُ سُورَةِ الكَهْفِ هُوَ (68) فَكَيْفَ تَكُونُ نَزَلَتْ جَوَابًا لِسُؤَالٍ وَرَدَ بَعْدَ نُزُولِهَا؟ وَكَيْفَ تَكُونُ مُقَارِنَةً لِمَا نَزَلَ في شَأْنِ الْفِتْيَةِ، وَشَأْنِ ذيِ القَرْنَيْنِ؟.
وَللتَّوْضِيحِ نَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ تَكُونُ آيَةُ الرُّوحِ نَزَلَتْ مَعَ سُورَةِ الكَهْفِ، ثُمَّ أُلْحِقَتْ بِسُورَةِ الْإِسْرَاءِ، وَمَنْ يُنْعِمُ النَّظَرَ فيهَا يَجِدُهَا فِي أُسْلُوبِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ، وَعَلَى مِثْلِ فَوَاصَلِهَا، وَفي الْجَوَابِ الذي نَزَلَ فِيهَا جَوَابٌ بِتَفْوِيضِ الْعِلْمِ إِلَى اللهِ ـ تَعَالَى، مِمَّا يَقْتَضِي الْإِيجَازَ، بِخِلَافِ الْجَوَابِ عَنْ قِصَّةِ أَهْلِ الْكَهْفِ، وَقِصَّةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي البَسْطَ وَالإِطْنَابَ فيهِ، ولِذَلِكَ فَقَدْ فُرِّقَتْ آيَةُ الرُّوحِ عَنِ الْقِصَّتَيْنِ. عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَمَرَّ نُزُولُ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ إِلَى وَقْتِ نُزُولِ سُورَةِ الْكَهْفِ، فَأُنْزِلَ قُرْآنٌ مُوَزَّعٌ عَلَيْهَا وَعَلَى سُورَةِ الْكَهْفِ. وَهَذَا عَلَى أَحَدِ تَأْوِيلَيْنِ فِي مَعْنَى كَوْنِ الرُّوحِ مِنْ أَمْرِ اللهِ ـ تَعَالى، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ.
وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ أَنَّ آيَةَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} مَكِّيَّةٌ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ في مكانِهِ.
إِذًا فَقَدِ اتَّضَحَ مِنْ هَذَا أَنَّ أَهَمَّ غَرَضٍ نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِهِ سُورَةُ الْكَهْفِ هُوَ بَيَانُ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَقِصَّةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ. وَقَدْ ذُكِرَتْ أُولَاهُمَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ وَذُكِرَتِ الْأُخْرَى فِي آخِرِهَا. هذا وَقدْ بَسَطَ ابْنُ إِسْحَاقَ ـ رَحِمَهُ اللهُ، صاحِبُ السِّيرَةِ النبويَّةِ في هَذا المَوْضوعِ ضِمْنَ سِيرَتِهِ، دُونَما سَنَدٍ. وَاللهُ أَعْلَمُ.