روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة ، الآية: 1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة ، الآية: 1 Jb12915568671



فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة ، الآية: 1 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة ، الآية: 1   فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة ، الآية: 1 I_icon_minitimeالجمعة أغسطس 24, 2012 6:06 am

الحمد لله ربِّ العالمين (1)


قوله سبحانه: {الحمدُ لله}
"
الحمدُ"
في كلامِ العربِ معناهُ: الثناءُ الكاملُ، والألفُ واللّامُ لاسْتغراقِ الجنسِ،
فهو ـ سبحانه ـ يستحِقُّ الحمدَ بأجمَعِه، والثناءَ المطلَقَ. و"
الحمدُ"
نقيضُ الذمِّ. وهو أعمُّ من الشكر، لأنَّ الشكرَ يكون مقابلَ النِعمةِ بخلافِ
الحمدِ، تقول: حَمَدْتُ الرجلَ على شجاعتِه، وعلى عِلمِه، وتقول: شكرتُه على
إحسانِه.



والحمدُ يكون باللسان،
وأمّا الشكرُ فيكون بالقلب، واللسان معاً. وقال بعض العلماء: إن الحمدَ أعمُّ من
الشكر، لأنَّ الحمدَ تعظيمُ الفاعلِ لأجلِ ما صدَرَ عنه من الإِنعام. سواءٌ أكان
ذلك الإِنعامُ واصلاً إليك أو إلى غيرك. وأمّا الشكرُ فهو تعظيمُه لأجلِ إنعامٍ
منه وصلَ إليك.



رَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا
قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ صَدَقَ عَبْدِي الْحَمْدُ لِي)). وَرَوَى
مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ
الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ
عَلَيْهَا)). وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
أَفْضَلُ مِنْهَا. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ
رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى
عَبْدٍ نِعْمَةً فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ
أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ)). وَفِي (نَوَادِرِ الْأُصُولِ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَوْ أَنَّ
الدُّنْيَا كُلَّهَا بِحَذَافِيرِهَا بِيَدِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي ثُمَّ قَالَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ لَكَانَتِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ)). قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مَعْنَاهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ الدُّنْيَا،
ثُمَّ أُعْطِي عَلَى أَثَرِهَا هَذِهِ الْكَلِمَةَ حَتَّى نَطَقَ بِهَا، فَكَانَتْ
هَذِهِ الْكَلِمَةُ أَفْضَلَ مِنَ الدُّنْيَا كُلِّهَا، لِأَنَّ الدُّنْيَا
فَانِيَةٌ وَالْكَلِمَةَ بَاقِيَةٌ، هِيَ مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً
وَخَيْرٌ أَمَلًا} مريم: 76. وَقِيلَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: لَكَانَ مَا
أَعْطَى أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ. فَصَيَّرَ الْكَلِمَةَ إِعْطَاءً مِنَ العبد،
والدنيا أخذًا من الله، وَكِلَاهُمَا مِنَ اللَّهِ فِي الْأَصْلِ، الدُّنْيَا
مِنْهُ وَالْكَلِمَةُ مِنْهُ، أَعْطَاهُ الدُّنْيَا فَأَغْنَاهُ، وَأَعْطَاهُ
الْكَلِمَةَ فَشَرَّفَهُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ: ((أَنَّ
عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَالَ يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي
لِجَلَالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ فَعَضَلَتْ بِالْمَلَكَيْنِ فَلَمْ
يَدْرِيَا كَيْفَ يَكْتُبَانِهَا فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَا يَا
رَبَّنَا إِنَّ عَبْدَكَ قَدْ قَالَ مَقَالَةً لَا نَدْرِي كَيْفَ نَكْتُبُهَا
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ عَبْدُهُ مَاذَا قَالَ
عَبْدِي قَالَا يَا رَبِّ إِنَّهُ قَدْ قَالَ يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا
يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ. فَقَالَ اللَّهُ لَهُمَا:
اكْتُبَاهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي حَتَّى يَلْقَانِي فَأَجْزَيهُ بِهَا)). قَالَ
أَهْلُ اللُّغَةِ: أَعْضَلَ الْأَمْرُ: اشْتَدَّ وَاسْتَغْلَقَ، وَالْمُعَضِّلَاتُ
(بِتَشْدِيدِ الضَّادِ): الشَّدَائِدُ. وَعَضَّلَتِ الْمَرْأَةُ وَالشَّاةُ: إِذَا
نَشِبَ وَلَدُهَا فَلَمْ يَسْهُلْ مَخْرَجُهُ، بِتَشْدِيدِ الضَّادِ أَيْضًا،
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ: أَعْضَلَتِ الْمَلَكَيْنِ أَوْ عَضَّلَتِ الْمُلْكَيْنِ
بِغَيْرِ بَاءٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرُوِيَ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ
الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الطُّهُورُ
شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)).
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.



واخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ
أَيُّمَا أَفْضَلُ، قَوْلُ الْعَبْدِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،
أَوْ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: قَوْلُهُ الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ



الْعَالَمِينَ أَفْضَلُ، لِأَنَّ فِي ضِمْنِهِ التَّوْحِيدَ الَّذِي
هُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَفِي قَوْلِهِ تَوْحِيدٌ وَحَمْدٌ، وَفِي
قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَوْحِيدٌ فَقَطْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَفْضَلُ، لِأَنَّهَا تَدْفَعُ الْكُفْرَ وَالْإِشْرَاكَ،
وَعَلَيْهَا يُقَاتَلُ الْخَلْقُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ)). وَالْحَاكِمُ بِذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له)).
وأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ
اللَّهَ مَحْمُودٌ عَلَى سَائِرِ نِعَمِهِ، وَأَنَّ مِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ
الْإِيمَانَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ فِعْلُهُ وَخَلْقُهُ.



فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ بِأَجْمَعِهِ إِذْ لَهُ
الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَا، وَقَدْ جُمِعَ لَفْظُ الْحَمْدِ
جَمْعَ الْقِلَّةِ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:



وَأَبْلَجُ مَحْمُودِ الثَّنَاءِ خَصَصْتُهُ
........ بِأَفْضَلِ أَقْوَالِي وَأَفْضَلِ أَحْمُدِي



تَقُولُ: حَمِدْتُ الرَّجُلَ
أَحْمَدُهُ حَمْدًا فَهُوَ حَمِيدٌ وَمَحْمُودٌ، وَالتَّحْمِيدُ أَبْلَغُ مِنَ
الْحَمْدِ. والمُحَمَّدُ: الذي كثُرت خِصالُه الْمَحْمُودَةُ. قَالَ الشَّاعِرُ:



..................................إِلَى
الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ



وَبِذَلِكَ سُمِّيَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ حسّان بن ثابت رضي
الله عنه:



فَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ............
فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ



وَالْمَحْمَدَةُ: خِلَافُ
الْمَذَمَّةِ. وَأَحْمَدَ الرَّجُلُ: صَارَ أَمْرُهُ إِلَى الْحَمْدِ.
وَأَحْمَدْتُهُ: وَجَدْتُهُ مَحْمُودًا، تَقُولُ: أَتَيْتُ مَوْضِعَ كَذَا
فَأَحْمَدْتُهُ،



أَيْ صَادَفْتُهُ مَحْمُودًا مُوَافِقًا، وَذَلِكَ إِذَا رَضِيتَ
سُكْنَاهُ أَوْ مَرْعَاهُ. وَرَجُلٌ حُمَدَةٌ مِثْلَ هُمَزَةٍ يُكْثِرُ حَمْدَ
الْأَشْيَاءِ وَيَقُولُ فِيهَا أَكْثَرَ مِمَّا فِيهَا. وَحَمَدَةُ النَّارِ
بِالتَّحْرِيكِ: صَوْتُ الْتِهَابِهَا.



ذَهَبَ أَبُو جَعْفَرٍ
الطَّبَرِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ إِلَى أَنَّ الْحَمْدَ وَالشُّكْرَ
بِمَعْنًى وَاحِدٍ سَوَاءً، وَلَيْسَ بِمَرْضِيٍّ. وَحَكَاهُ أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي كِتَابِ "الْحَقَائِقِ" لَهُ عَنْ
جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَابْنِ عَطَاءٍ. قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: مَعْنَاهُ الشُّكْرُ
لِلَّهِ، إِذْ كَانَ مِنْهُ الِامْتِنَانُ عَلَى تَعْلِيمِنَا إِيَّاهُ حَتَّى
حَمِدْنَاهُ. وَاسْتَدَلَّ الطَّبَرِيُّ عَلَى أَنَّهُمَا بِمَعْنًى بِصِحَّةِ
قَوْلِكَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ شُكْرًا. وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ دَلِيلٌ عَلَى
خِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، لِأَنَّ قَوْلَكَ شُكْرًا، إِنَّمَا خَصَصْتَ بِهِ
الْحَمْدَ، لِأَنَّهُ عَلَى نِعْمَةٍ مِنَ النِّعَمِ. وَقَالَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ: إِنَّ الشُّكْرَ أَعَمُّ من الحمد، لأنّه باللّسان وبالجوارح وَالْقَلْبِ،
وَالْحَمْدُ إِنَّمَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ خَاصَّةً. وَقِيلَ: الْحَمْدُ أَعَمُّ،
لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الشُّكْرِ وَمَعْنَى الْمَدْحِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ
الشُّكْرِ، لِأَنَّ الْحَمْدَ يُوضَعُ مَوْضِعَ الشُّكْرِ وَلَا يُوضَعُ الشُّكْرُ
مَوْضِعَ الْحَمْدِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَمْدُ
لِلَّهِ كَلِمَةُ كُلِّ شَاكِرٍ، وَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ حِينَ
عَطَسَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَقَالَ اللَّهُ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {فَقُلِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. سورة المؤمنون،
آية: 28. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ}. سورة إبراهيم، آية: 39.



وَقَالَ فِي قِصَّةِ
دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ: {وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا



عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}. سورة النمل، آية: 15.
وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَقُلِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً}. سورة الاسراء، آية: 111.



وَقَالَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}. سورة فاطر،
آية: 34. و{وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}. سورة
يونس، آية: 10. فَهِيَ كَلِمَةُ كُلِّ شَاكِرٍ.



والصَّحِيحُ أَنَّ
الْحَمْدَ ثَنَاءٌ عَلَى الْمَمْدُوحِ بِصِفَاتِهِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ إِحْسَانِ،
وَالشُّكْرِ ثَنَاءٌ عَلَى الْمَشْكُورِ بِمَا أَوْلَى مِنَ الْإِحْسَانِ. وَعَلَى
هَذَا الْحَدِّ قَالَوا: الْحَمْدُ أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ، لِأَنَّ الْحَمْدَ
يَقَعُ عَلَى الثَّنَاءِ وَعَلَى التَّحْمِيدِ وَعَلَى الشُّكْرِ، وَالْجَزَاءُ
مَخْصُوصٌ إِنَّمَا يَكُونُ مُكَافَأَةً لِمَنْ أَوْلَاكَ مَعْرُوفًا، فَصَارَ
الْحَمْدُ أَعَمَّ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الشُّكْرِ.



وَيُذْكَرُ الْحَمْدُ
بِمَعْنَى الرِّضَا، يُقال: بَلَوْتُه فحَمَدْتُه، أي رَضيتُه. ومنه قول تَعَالَى:
{مَقاماً مَحْمُوداً} سورة الإسراء، آية: 79. وَقَالَ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ:
((أَحْمَدُ إِلَيْكُمْ غَسْلَ الْإِحْلِيلِ)) أَيْ أَرْضَاهُ لَكُمْ. وَيُذْكَرُ
عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ فِي قَوْلِهِ "
الْحَمْدُ لِلَّهِ":
مَنْ حَمِدَهُ بِصِفَاتِهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ حَمِدَ، لأنّ الحمدَ حاء
وَمِيمٌ وَدَالٌ، فَالْحَاءُ مِنَ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَالْمِيمُ مِنَ الْمُلْكِ،
وَالدَّالُ مِنَ الدَّيْمُومِيَّةِ، فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ
وَالدَّيْمُومِيَّةِ وَالْمُلْكِ فَقَدْ عَرَفَهُ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ.



وَقَالَ شَقِيقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِ "
الْحَمْدُ لِلَّهِ"
قَالَ: هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَوَّلُهَا إِذَا أَعْطَاكَ اللَّهُ
شَيْئًا تَعْرِفُ مَنْ أَعْطَاكَ. وَالثَّانِي أَنْ تَرْضَى بِمَا أَعْطَاكَ.
وَالثَّالِثُ مَا دَامَتْ قُوَّتُهُ فِي جَسَدِكَ أَلَّا تعصيه، فهذه شَرائطُ الحَمْدِ.



وقد أَثْنَى اللَّهُ
سُبْحَانَهُ بِالْحَمْدِ عَلَى نَفْسِهِ، وَافْتَتَحَ كِتَابَهُ بِحَمْدِهِ،
وَلَمْ يَأْذَنْ فِي ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، بَلْ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ
وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ فَقَالَ: {فَلا تُزَكُّوا
أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى} سورة النجم، آية: 32. وَقَالَ عَلَيْهِ
الصلاةُ والسَّلَامُ: ((احْثُوَا فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ)) رَوَاهُ
الْمِقْدَادُ. وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ فِي سورة "النِّسَاءِ" إِنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَمَعْنَى {
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" أَيْ سَبَقَ الْحَمْدُ مِنِّي لِنَفْسِي أَنْ يَحْمَدَنِي
أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَحَمْدِي نَفْسِي لِنَفْسِي فِي الْأَزَلِ لَمْ
يَكُنْ بِعِلَّةٍ، وَحَمْدِي الْخَلْقَ مَشُوبٌ بِالْعِلَلِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فَيُسْتَقْبَحُ
مِنَ الْمَخْلُوقِ الَّذِي لَمْ يُعْطَ الْكَمَالَ أَنْ يَحْمَدَ نَفْسَهُ
لِيَسْتَجْلِبَ لَهَا الْمَنَافِعَ وَيَدْفَعَ عَنْهَا الْمَضَارَّ. وَقِيلَ:
لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ عَجْزَ عِبَادِهِ عَنْ حَمْدِهِ، حَمِدَ نَفْسَهُ
بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فِي الْأَزَلِ، فَاسْتِفْرَاغُ طَوْقِ عِبَادِهِ هُوَ
مَحَلُّ الْعَجْزِ عِنْ حَمْدِهِ. أَلَا تَرَى سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ كَيْفَ
أَظْهَرَ الْعَجْزَ بِقَوْلِهِ: ((لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أنت كما أثنيتَ
على نفسك)). وَأَنْشَدُوا:



إِذَا نَحْنُ أَثْنَيْنَا عَلَيْكَ بِصَالِحٍ
....... فَأَنْتَ كَمَا نُثْنِي وَفَوْقَ الَّذِي نُثْنِي



وَقِيلَ: حَمِدَ نَفْسَهُ
فِي الْأَزَلِ لِمَا عَلِمَ مِنْ كَثْرَةِ نِعَمِهِ على عباده



وعجزهم عن الْقِيَامِ بِوَاجِبِ حَمْدِهِ فَحَمِدَ نَفْسَهُ
عَنْهُمْ، لِتَكُونَ النعمة أهنأ لديهم، حيث أسقط عنهم بِهِ ثِقَلَ الْمِنَّةِ.



وَأَجْمَعَ الْقُرَّاءُ
السَّبْعَةُ وَجُمْهُورُ النَّاسِ عَلَى رَفْعِ الدَّالِ مِنَ {
الْحَمْدُ لِلَّهِ}. وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَرُؤْبَةَ بْنِ
الْعَجَّاجِ: {
الْحَمْدَ
لِلَّهِ
} بِنَصَبِ الدَّالِ، وَهَذَا عَلَى إِضْمَارِ فَعِلَ. وَيُقَالُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ" بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَسَبِيلُ الْخَبَرِ أَنْ
يُفِيدَ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي هَذَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ سِيبَوَيْهِ قَالَ:
إِذَا قَالَ الرَّجُلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ بِالرَّفْعِ فَفِيهِ مِنَ الْمَعْنَى
مِثْلُ مَا فِي قَوْلِكَ: حَمِدْتُ اللَّهَ حَمْدًا، إِلَّا أَنَّ الَّذِي
يَرْفَعُ الْحَمْدَ يُخْبِرُ أَنَّ الْحَمْدَ مِنْهُ وَمِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ
لِلَّهِ، وَالَّذِي يَنْصِبُ الْحَمْدَ يُخْبِرُ أَنَّ الْحَمْدَ مِنْهُ وَحْدَهُ
لِلَّهِ. وَقَالَ غَيْرُ سِيبَوَيْهِ. إِنَّمَا يُتَكَلَّمُ بِهَذَا تَعَرُّضًا
لِعَفْوِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ وَتَمْجِيدًا، فَهُوَ خِلَافُ
مَعْنَى الْخَبَرُ وَفِيهِ مَعْنَى السُّؤَالِ. وَفِي الْحَدِيثِ: ((مَنْ شُغِلَ
بِذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِيَ السَّائِلِينَ)).
وَقِيلَ: إِنَّ مَدْحَهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِهِ وَثَنَاءَهُ عَلَيْهَا
لِيُعَلِّمَ ذَلِكَ عِبَادَهُ، فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: قُولُوا الْحَمْدُ
لِلَّهِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: {
الْحَمْدُ لِلَّهِ} ثَنَاءٌ أَثْنَى بِهِ
عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي ضِمْنِهِ أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يُثْنُوا عَلَيْهِ،
فَكَأَنَّهُ قَالَ: قولوا الحمد لله، وعلى هذا يجئ قُولُوا إِيَّاكَ. وَهَذَا مِنْ
حَذْفِ الْعَرَبِ مَا يَدُلُّ ظَاهِرُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ
الشَّاعِرُ:



وَأَعْلَمُ أَنَّنِي سَأَكُونُ رَمْسًا ..................
إِذَا سَارَ النَّوَاعِجُ
لَا يَسِيرُ


فَقَالَ السَّائِلُونَ لِمَنْ حَفَرْتُمْ ..................
فَقَالَ الْقَائِلُونَ لَهُمْ وَزِيرُ



النواعِجُ من الإبل: السِراعُ. والْمَعْنَى: الْمَحْفُورُ لَهُ
وَزِيرٌ، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ



ظَاهِرِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَمثل هَذَا كَثِيرٌ. وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ: {
الْحَمْدُ
لِلَّهِ
} بِضَمِّ الدَّالِ وَاللَّامِ عَلَى إِتْبَاعِ الثَّانِي
الْأَوَّلَ، وَلِيَتَجَانَسَ اللَّفْظُ، وَطَلَبُ التَّجَانُسِ فِي اللَّفْظِ
كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ، نَحْوَ: أَجُوؤكَ، وَهُوَ مُنْحَدُرٌ مِنَ الْجَبَلِ،
بِضَمِّ الدَّالِ وَالْجِيمِ. قَالَ:



.........................................اضْرِبِ
السَّاقَيْنُ أُمُّكَ هَابِلُ



بِضَمِّ النُّونِ لِأَجْلِ ضَمِّ الْهَمْزَةِ. وَفِي قِرَاءَةٍ
لِأَهْلِ مَكَّةَ "مُرُدِفِينَ" بِضَمِّ الرَّاءِ إِتْبَاعًا لِلْمِيمِ،
وَعَلَى ذَلِكَ "مُقُتِّلِينَ" بِضَمِّ الْقَافِ. وَقَالُوا: لِإِمِّكَ،
فَكَسَرُوا الْهَمْزَةَ إِتْبَاعًا لِلَّامِ، وَأُنْشِدَ لِلنُّعْمَانِ بْنِ
بَشِيرٍ:



وَيَلِ امِّهَا فِي هَوَاءِ الْجَوِّ
طَالِبَةً ..... وَلَا كَهَذَا الَّذِي فِي الْأَرْضِ مَطْلُوبُ



فقد وصف عُقابًا تتبّعَ ذئبًا لتَصَيُّدِهِ. وهذا البيت نسبه سيبويه
في كتابه مرة للنعمان وأخرى لامرئ القيس. ونسبه البغدادي في خزانة الأدب في الشاهد
266 لامرئ القيس أيضًا. وقد ورد في ديوانه:



....................................لا
كالذي في هواء الجو مطلوبُ



والْأَصْلُ: وَيْلٌ لِأُمِّهَا، فَحُذِفَتِ اللَّامُ الْأُولَى
وَاسْتُثْقِلَ ضَمُّ الْهَمْزَةِ بَعْدَ الْكَسْرَةِ فَنَقَلَهَا لِلَّامِ ثُمَّ
أَتْبَعَ اللَّامَ الْمِيمَ.



وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ
بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ: {
الْحَمْدِ لِلَّهِ}
بِكَسْرِ الدَّالِّ عَلَى اتْبَاعِ الْأَوَّلِ الثَّانِيَ.



و{الحمدُ للَّهِ} بضمّ الدال على الابتداء، وخبره فيما بعده. وقيل: على التقديم
والتأخير، أي لله الحمد، وإذا وقع الجارُّ والمجرورُ والظرفُ صلةً أو صفةً أو
حالاً أو خبراً تعلقا بمحذوفٍ، وذلك المحذوفُ إن شئتَ قدَّرْتَه اسمًا وهو المختار،
وإنْ شئتَ قدَّرْتَه فِعْلاً، أي: الحمدُ مستقرٌّ لله أو استقرَّ لله.



وقيل: بنصب الدال على
الإضمار، أي أحمدُ الحمدَ؛ لأنَّ الحمدَ مصدرٌ لا يُثنّى ولا يجمع.



و"لله"
على قراءة النصب يتعلَّق بمحذوفٍ لا بالمصدرِ لأنها للبيان، تقديره: أَعْنِي لله.
ولذلك فقراءةُ الرفع أَمْكَنُ وأَبْلَغُ من قراءةِ النصب ومن قراءةِ الكسر، لأنَّ
الرفعَ في بابِ المصادر التي أصلُها النيابةُ عن أفعالها، يَدُلُّ على الثبوتِ
والاستقرارِ، بخلافِ النصب فإنه يَدُلُّ على التجدُّدِ والحدوثِ.



وقُرئ أيضاً بكسرِ الدال،
ووجهُه أنها حركةُ إتباعٍ لكسرةِ لامِ الجر بعدها، وهي لغة تميم وبعضِ غَطَفانَ، يُتْبِعُون
الأول للثاني للتجانس، من ذلك قول الشاعر:



وَيْلِمِّها في هواءِ الجَوِّ طالبةً
....... ولا كهذا الذي في الأرض مطلوبٌ



الأصل: ويلٌ لأُمها، فَحَذَفَ اللامَ الأولى، واستثقل ضمَّ الهمزةِ
بعد الكسرة، فَنَقَلها إلى اللام بعد سَلْب حركتها، وحَذَفَ الهمزةَ، ثم أَتْبع
اللامَ الميمَ، فصار اللفظ: وَيْلِمِّها.



وقُرئ أيضاً: "لُلَّهِ"
بضمِّ لامِ الجرِّ، وهي إتْباعٌ لحركة الدالِ، وقد فضَّلها الزمخشري على قراءة كسر
الدال معتلاًّ لذلك بأنَّ إتباع حركة البناء لحركة الإِعراب أحسنُ من العكس وهي
لغةُ بعضِ قيس.



{لله}
قيل إنَّ اللامَ ـ حرفُ جرِّ للاستحقاق أي الحمدُ مستحقٌ



لله، ولها معانٍ أُخَرُ، منها المُلْكُ، نحو: المالُ لزيدٍ،
والتمليكُ نحو: {جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} والنَسَبُ نحو:
لزيدٍ عَمُّ، والتعليلُ نحو: {لتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بالحق} ، والتبليغ نحو: قلتُ
لك كذا وكذا، والتعجبُ ويكون في القسم خاصّة، كقول الشاعر:



للهِ يَبْقى على الأيام ذو حِيَدٍ
.............. بمُشْمَخِرٍّ به الظَّيَّانُ والآسُ



والتبيين نحو قوله
تعالى:{هَيْتَ لَكَ} والصيرورةُ نحو قوله تعالى:



{لِيَكُونَ لَهُمْ
عَدُوّاً وَحَزَناً} والظرفية: إمَّا بمعنى في، كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الموازين
القسط لِيَوْمِ القيامة} أو بمعنى عِنْد، كقولهم: كتبتُ الكتابَ لخمسٍ من الحضور،
أي عند خمس، أو بمعنى بَعْدَ، كقوله تعالى: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} أي:
بعد دلوكها، والانتهاء، كقوله تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ} والاستعلاء نحو قوله
تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سجّداً} أي على الأذقان.



قَوْلُهُ تَعَالَى: {رَبِّ الْعالَمِينَ} أَيْ مَالِكُهُمْ، وَكُلِّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا فَهُوَ رَبُّهُ،
فَالرَّبُّ: الْمَالِكُ. وَفِي الصِّحَاحِ: وَالرَّبُّ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ
اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِهِ إِلَّا بِالْإِضَافَةِ، وَقَدْ
قَالُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِلْمَلِكِ، قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:



وَهُوَ الرَّبُّ وَالشَّهِيدُ عَلَى يو .................
م الحيارين والبلاءُ بلاءُ



الحياران: موضع غزا أهله المنذر بن ماء السماء. الرَّبُّ:
السَّيِّدُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} سورة يوسف،
الآية: 42. وَفِي الْحَدِيثِ: ((أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا)) أَيْ
سَيِّدَتَهَا. وَالرَّبُّ: الْمُصْلِحُ وَالْمُدَبِّرُ وَالْجَابِرُ وَالْقَائِمُ.
قَالَ الْهَرَوِيُّ وغيره: يقال لمن قام بإصلاح شيءٍ وَإِتْمَامِهِ: قَدْ رَبَّهُ
يَرُبُّهُ فَهُوَ رَبٌّ لَهُ وَرَابٌّ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّبَّانِيُّونَ
لِقِيَامِهِمْ بِالْكُتُبِ. وَفِي الْحَدِيثِ: ((هَلْ لَكَ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا
عَلَيْهِ)). أَيْ تَقُومُ بِهَا وَتُصْلِحُهَا. وَالرَّبُّ: الْمَعْبُودُ،
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:



أَرَبٌّ يَبُولُ الثُّعْلُبَانِ بِرَأْسِهِ
............ لَقَدْ ذُلَّ مَنْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ



وَيُقَالُ عَلَى
التَّكْثِيرِ: رَبَّاهُ وَرَبَّبَهُ وَرَبَّتَهُ، حَكَاهُ النَّحَّاسُ. وَفِي
الصِّحَاحِ: وَرَبَّ فُلَانٌ وَلَدَهُ يَرُبُّهُ رَبًّا وَرَبَّبَهُ وَتَرَبَّبَهُ
بِمَعْنًى أَيْ رَبَّاهُ. وَالْمَرْبُوبُ: الْمُرَبَّى.



قَالَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ: إِنَّ هَذَا الِاسْمَ هُوَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، لِكَثْرَةِ
دَعْوَةِ الدَّاعِينَ بِهِ، وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ، كَمَا فِي آخِرِ "آلِ
عِمْرَانَ" وَسُورَةِ "إِبْرَاهِيمَ"
وَغَيْرِهِمَا، وَلِمَا يُشْعِرُ به هذا
الوصف من الصِلاة بَيْنَ الرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ، مَعَ مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ
الْعَطْفِ وَالرَّحْمَةِ وَالِافْتِقَارِ فِي كُلِّ حَالٍ. وَاخْتُلِفَ فِي
اشْتِقَاقِهِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ التَّرْبِيَةِ، فَاللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُدَبِّرٌ لِخَلْقِهِ وَمُرَبِّيِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى: {وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}. فَسَمَّى بِنْتَ
الزَّوْجَةِ رَبِيبَةً لِتَرْبِيَةِ الزَّوْجِ لَهَا. فَعَلَى أَنَّهُ مُدَبِّرٌ
لِخَلْقِهِ وَمُرَبِّيِهِمْ يَكُونُ صِفَةَ فِعْلٍ، وَعَلَى أَنَّ الرَّبَّ
بِمَعْنَى الْمَالِكِ وَالسَّيِّدِ يَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ. الْعَاشِرَةُ مَتَى
أُدْخِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ عَلَى "
رَبِّ" اخْتُصَّ
اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، لِأَنَّهَا لِلْعَهْدِ، وَإِنْ حَذَفْنَا مِنْهُ صَارَ
مُشْتَرَكًا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، فَيُقَالُ: اللَّهُ رَبُّ
الْعِبَادِ، وَزَيْدٌ رَبُّ الدَّارِ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ رَبُّ الْأَرْبَابِ،
يملك المالك والمملوك، وهو خالق ذلك ورزقه، وَكُلُّ رَبٍّ سِوَاهُ غَيْرُ خَالِقٍ
وَلَا رَازِقٍ، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ فَمُمَلَّكٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، ومنتزع
ذلك من يده، وإنّما يملك شيئًا دون شيءٍ، وَصِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى مُخَالِفَةٌ
لِهَذِهِ الْمَعَانِي، فَهَذَا الفرق بين صفة الخالق والمخلوقين.



قَوْلُهُ تَعَالَى {الْعالَمِينَ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي "الْعالَمِينَ" اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَقَالَ قَتَادَةُ: الْعَالَمُونَ
جَمْعُ عَالَمٍ، وَهُوَ كُلُّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا وَاحِدَ
لَهُ مِنْ لَفْظِهِ مِثْلَ رَهْطٍ وَقَوْمٍ. وَقِيلَ: أَهْلُ كُلِّ زَمَانٍ
عَالَمٌ، قَالَهُ الحسين بن الفضل، لقول تَعَالَى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ
الْعالَمِينَ} سورة الشعراء آية 165. أَيْ مِنَ النَّاسِ. وَقَالَ الْعَجَّاجُ:



........................................... فَخِنْدِفٌ هَامَةُ
هَذَا الْعَألَمِ



خندف اسم قبيلة من العرب، وذكر العلامة الشنقيطي أن العجاج كان ينشد:
العالم، بالهمز والإسكان. وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ الْخَطَفَى:



تَنَصَّفُهُ الْبَرِيَّةُ وَهُوَ سَامٍ ....................
وَيُضَحِي الْعَالَمُونَ لَهُ عِيَالًا



وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي
الله عنهما: الْعَالَمُونَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيَكُونَ
لِلْعالَمِينَ نَذِيراً} وَلَمْ يَكُنْ نَذِيرًا لِلْبَهَائِمِ. وَقَالَ
الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَالَمُ عِبَارَةٌ عَمَّنْ يَعْقِلُ، وَهُمْ
أَرْبَعَةُ أُمَمٍ: الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالْمَلَائِكَةُ وَالشَّيَاطِينُ. وَلَا
يُقَالُ لِلْبَهَائِمِ: عَالَمٌ، لِأَنَّ هَذَا الْجَمْعَ إِنَّمَا هُوَ جَمْعُ
مَنْ يَعْقِلُ خَاصَّةً. قَالَ الْأَعْشَى:



................................... مَا
إِنْ سَمِعْتُ بِمِثْلِهِمْ فِي الْعَالَمِينَا



وَقَالَ زَيْدُ بْنُ
أَسْلَمَ: هُمُ الْمُرْتَزِقُونَ، وَنَحْوَهُ قَوْلُ أَبِي عَمْرِو بْنِ
الْعَلَاءِ: هُمُ الرُّوحَانِيُّونَ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَيْضًا: كُلُّ ذِي رُوحٍ دَبَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ
مُنَبِّهٍ: إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَالَمٍ،
الدُّنْيَا عَالَمٌ مِنْهَا. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: إِنَّ لِلَّهِ
أَرْبَعِينَ أَلْفَ عَالَمٍ، الدُّنْيَا مِنْ شَرْقِهَا إِلَى غَرْبِهَا عَالَمٌ
وَاحِدٌ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْعَالَمُونَ ثَمَانُونَ أَلْفَ عَالَمٍ،
أَرْبَعُونَ أَلْفَ عَالَمٍ فِي الْبَرِّ، وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ عَالَمٍ فِي
الْبَحْرِ. وَرَوَى الرَّبِيعُ ابن أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ:
الْجِنُّ عَالَمٌ، وَالْإِنْسُ عَالَمٌ، وَسِوَى ذَلِكَ لِلْأَرْضِ أَرْبَعُ
زَوَايَا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ عَالَمٍ، خَلَقَهُمْ
لعبادته.



وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ
أَصَحُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ وَمَوْجُودٍ،
دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ. قالَ
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا..} سورة الشعراء آية 23. ثُمَّ
هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَلَامَةِ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى
مُوجِدِهِ. كَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ قَالَ: الْعَالَمُ كُلُّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْعِلْمُ وَالْعَلَامَةُ
وَالْمَعْلَمُ: مَا دَلَّ عَلَى الشَّيْءِ، فَالْعَالَمُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ لَهُ
خَالِقًا وَمُدَبِّرًا، وَهَذَا وَاضِحٌ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ
بَيْنَ يَدَيِ الْجُنَيْدِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ لَهُ: أَتِمَّهَا كَمَا
قَالَ اللَّهُ، قُلْ: رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَمَنِ
الْعَالَمِينَ حَتَّى تُذْكَرَ مَعَ الْحَقِّ؟ قَالَ: قُلْ يَا أَخِي؟ فَإِنَّ
الْمُحْدَثَ إِذَا قُرِنَ مَعَ الْقَدِيمِ لَا يَبْقَى لَهُ أثر.



فالْعَالَمُونَ جُمْلَةُ
الْمَخْلُوقَاتِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْإِيمَانُ، لَا كَمَا قَالَ
الْقَدَرِيَّةُ: إِنَّهُ خَلْقٌ لَهُمْ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.



والربُّ لغةً: السيِّدُ
والمالك والمعبود، والمُصْلِح. واختلف فيه: هل هو في الأصل وصفٌ أو مصدرٌ؟ فمنهم
مَنْ قال: هو وصفٌ ثم اختلف هؤلاء في وزنه، فقيل: هو على وزن فَعْلٍ كقولك: نَمَّ
يَنُمُّ فهو نَمٌّ، وقيل: وزنه فاعِلٌ، وأصلُه رابٌّ، ثم حُذفت الألف لكثرةِ
الاستعمال كقولهم: رجل بارٌّ وبَرٌّ.



ومنهم من قال: هو مصدَرُ
ربَّهُ يَرُبُّه رَبَّاً أي مَلَكَه، فهو مصدَرٌ في معنى الفاعل، نحو: رجل عَدْلٌ
وصَوْمٌ.



ولا يُطْلَقُ على غير
الباري تعالى إلا بقيدِ إضافةٍ، نحو قولِه تعالى: {ارجع إلى رَبِّكَ} ويقولون: هو
ربُّ الدار وربُّ الإبل.



وقراءةُ الجمهورِ مجروراً
على النعتِ "
لله" أو البدل منه، وقُرئ منصوباً، وتقديرُه: أَحْمَدُ "ربَّ"
العالمين، وقُرئ مرفوعاً فيكون خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي هو "
ربُّ".


و"العالمين":
خفضٌ بالإِضافةِ، علامةُ خفضِه الياءُ لجريانه مَجْرى جمعِ المذكرِ السالمِ، وهو
اسمُ جمعٍ لأنَّ واحدَه من غير لفظِه، ولا يجوز أن يكونَ جمعاً لعالَم، لأنَّ
الصحيحَ في "عالَم" أنّه يُطلَقُ على كلِّ موجودٍ سوى الباري تعالى،
لاشتقاقِه من العَلامة بمعنى أنه دالٌّ على صانعه كما أسلفنا، وعالَمون بصيغة
الجمع لا يُطلق إلا على العقلاء دونَ غيرهم، فاستحالَ أن يكونَ عالَمون جمع عالَم؛
لأنَّ الجمع لا يكون أخصَّ من المفرد، ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ
"
عالَمين"
جُمعُ جمعٍ لأنَّ المرادَ به الملائِكةُ والجنُّ والإِنسُ. وقيل العالمون: أهلُ
الجنّةِ وأهلُ النار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة ، الآية: 1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:4
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة هود الآية: 5.
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية: 6-7
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة الآية:2
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة الفاتحة ، الآية: 3

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: