روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 33 (1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:  33 (1) Jb12915568671



المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:  33 (1) Empty
مُساهمةموضوع: المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 33 (1)   المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:  33 (1) I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 01, 2022 1:52 pm

وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(33)
قولُهُ ـ تعالى شأْنُهُ: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} أَمْرٌ مِنَ للهِ ـ تَعَالى، بِلُزُومِ العَفافِ لِكُلَّ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ الْأَمْرُ السَّابِقُ مِنَ الآيَةِ الَّتي قَبْلَها، والمُتَعلِّقِ بِالْإِنْكَاحِ ولمْ يتيسَّرْ لهمْ ذَلِكَ، لِأَيِّ سِبَبٍ مِنَ الأَسْبَابِ. وأنْ يَنْتَظُرُوا الفُرْصَةَ المُواتيَةَ، وَقد أُضيفُتِ السِّينُ وَالتَّاءُ إلى الفعلِ لِلْمُبَالَغَةِ فِيهِ، وَوَجْهُ دِلَالَتِهِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ اسْتِعَارَةٌ. فجَعَلَ طَلَبَ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ طَلَبِ السَّعْيِ فِيهِ لِيَدُلَّ عَلَى بَذْلِ الْوُسْعِ في التَّعَفُّفِ، لِمَا فيهِ مِنْ مُقاومةِ غريزةٍ جامحةٍ غَرَسَهَا اللهُ في الإنسانِ حتَّى يَتِمَّ التَكَاثُرُ ويُحْفَظَ الجِنْسُ.
وَهُوَ على حَذْفِ مُضَافٍ وَالمَعْنَى لَا يَجِدُونَ قُدْرَةً عَلَى النِّكَاحِ. وَقِيلَ: المُرادُ بالنِّكَاحِ هُنَا اسْمُ مَا هُوَ سَبَبُ تَحْصِيلِ النِّكَاحِ مِنْ مُتطلباتِ بناءِ بَيْتِ الزوجِيَّةِ مِنْ لِبَاسٍ وَفَرْشٍ وما يُقدَّمُ لِلْمَرْأَةِ مِنْ مَهْرٍ.
قولُهُ: {حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} قيلَ: المُرادُ بالْإِغْنَاءِ هُنَا هُوَ الإِغْنَاءُ بِالزَّوَاجِ عنِ الفاحشَةِ. وَذلكَ بِتَيْسِيرِ أَسْبَابِهِ، وَأَمَّا الْفَضْلُ: فإنَّ المُرادَ بِهِ هُوَ الزِّيادَةُ في الْعَطَاءِ.
قولُهُ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الْكِتَابُ: مَصْدَرُ "كَاتَبَ" إِذَا "عَاقَدَ" عَلَى تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ مِنَ الرِّقِّ بدَفعِ مَبْلَغٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمَالِ يُتَّفَقُ على أَنْ يُدْفَعَهُ العَبْدُ لِسَيِّدِهِ، وَسَمَّوْا ذَلِكَ كِتَابَةً لِأَنَّ السَّيِّدَ وَعَبْدَهُ كَانَا يُسَجِّلَانِ عَقْدَ مَنْح العبدِ حُرِّيَّتَهُ مُقَابِلَ دَفعِهِ مبلَغًا مُحدَّدًا مِنَ المالَ إلى سيِّدِهِ، ويوثِّقونَ ذَلِكَ بِصَكٍّ يَكْتُبُهُ كَاتِبٌ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْكُتُبِ حِفْظٌ لَحِقِّ كِلَيْهِمَا أُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ التَّسْجِيلِ كِتَابَةٌ لِأَنَّ مَا يَتَضَمَّنُهُ هُوَ عَقْدٌ مِنْ جَانِبَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْكَاتِبُ وَاحِدًا وَالْكُتُبُ وَاحِدًا. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْف: كَاتَبَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي بِمَكَّةَ وَأَحْفَظَهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ.
فقد يتِمُّ ذَلِكَ دُفْعَةً وَاحِدَةً، إِذا ما أَقْدَمُ أَحَدٌّ مِنَ المُحْسنينَ عَلَى شِرائهِ مِنْ سيِّدِهِ وعَتْقِهِ لوَجْهِ اللهِ، كَمَا فَعَلَتْ أُمُّ المُؤمنينَ السَّيِّدَةُ عائشَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عنها وأَرضاها، حينَ اشْتَرَتْ "بَرْبَرَةَ" ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وأَعْتَقَتْها في سبيلِ اللهِ، فقد سدَّدَتِ المَبْلَغَ المُتَّفَقَ عَلَيْهِ كامِلًا دُفعةً واحدَةً. ومِنْ سُبُلِ ذلكَ أَيْضًا الكَفَّاراتُ التي جعلَها اللهُ تَكْفِيرًا عنْ بَعْضِ الذُّنوبِ، وَقَدْ يَكونُ المُبْلغُ مُوَزَّعًا عَلَى مَوَاقِيتَ مُعَيَّنَةٍ ـ وهوَ الغالبُ، فَيُسَمَّى عقدُ تَنْجِيمِ عِوَضَ الْحُرِّيَّةِ.
وغَالِبًا ما كانوا يُوَقِّتُونَ مَواعيدَهم بِمَطَالِعِ النُّجُومِ وَمَنَازِلِها كَالثُّرَيَّا وَغَيْرِها، فَلِذَلِكَ سَمَّوْا تَوْقِيتَ دَفْعِهَا نَجْمًا وَسَمَّوْا تَوْزِيعَهَا تَنْجِيمًا، ثُمَّ دَرَجَ ذلِكَ فِي كُلِّ تَوْقِيتٍ كَالدِّيَّاتِ فكَانُوا يَجْعَلُونَهَا مُوَزَّعَةً عَلَى مَوَاقِيتَ أَيْضًا وغالبًا ما كَانَتْ تُنَجَّمُ الدِّيَةِ على ثَلَاثِ سِنِينَ، وقد جاءَ في بيتٍ لِزُهَيْرِ بْنِ أَبي سُلْمَى:
تُعَفَّى الْكُلُومُ بِالْمِئِينَ فَأَصْبَحَتْ ................... يُنَجِّمُهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِمُجْرِمِ
وَكَانَتِ الْكِتَابَةُ مَعْرُوفَةً مُنْذُ عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَكِنَّ السَّيِّدَ كَانَ لَهُ الخِيَارُ في ذلكَ، إنْ شَاءَ وافَقَ، وإنْ شاءَ أَبَى، فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الكَريمةُ لتَأْمُرَ السَّادَةَ بِالموافقةِ على رَغبةِ العبدِ وجعلتِ لها الأَوْلَوِيَّةَ، أَوْ لِحَثِّ السَّيِّدِ عَلَى ذَلِكَ.
قوْلُهُ: {فَكَاتِبُوهُمْ} أَمْرٌ صريحٌ مِنَ اللَّهِ ـ تَعَالَى، للسَّادَةِ بِإِجَابَةِ طَلَبِ مَنْ يَبْتَغِي الْمُكاتَبَةَ مِنْ عَبِيدِهِمْ تَحْقِيقًا لِمَقْصِدِ الشَّرِيعَةِ الغَرَّاءِ بِإشاعةِ جوِّ التَآخِي وَنَشْرِ شَمْسِ الحُرِيَّةِ في المُجْتمَعِ والْأُمَّةِ، وَلِإِكْثَارِ نَسْلِ الْأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ، وَلتَزْكِيَتِها وَاسْتِقَامَةِ دِينِهَا.
وقد اخْتَلَفَ الْأَئِمَّة فِي مَحْمَلِ الْأَمْرِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: "فَكاتِبُوهُمْ". فَالْجُمْهُورُ حَمَلَهَ عَلَى النَّدْبِ. إِذَا عَلِمَ خَيْرًا فِي عَبْدِهِ، وَقَدْ وَكَلَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ إِلَى عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَاخْتَارَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، لِأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ مَقْصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَبَيْنَ حِفْظِ حَقِّ السَّادَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ. وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى السَّيِّدِ عِنْدَ أَميرِ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمَسْرُوقٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَغيْرِهِم ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُم جميعًا، فَإِذَا عَرَضَ الْعَبْدُ اشْتِرَاءَ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ إِجَابَتُهُ. وَقَدْ هَمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنْ يَضْرِبَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ بِالدُّرَّةِ لَمَّا سَأَلَهُ سِيرِينُ عَبْدُهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَأَبَى.
فإنَّه لَمَّا وَعَدَ اللَّهُ ـ تَعَالى، بِالْغِنَى مَنْ يُزَوَّجُ مِنَ الْعَبِيدِ الْفُقَرَاءِ، وَكَانَ مِنْ وَسَائِلِ غِنَاهُمْ الَكَسْبُ عَنْ طريقِ العَمَلِ والكَدِّ، وَلمَّا كَانَتْ ثمَرَةُ عَمَلِهِ وكَدِّهِ يَجْنيها مالِكُهُ لِأَنَّ عمَلَ العَبْدِ إِنَّما هُوَ فِي خِدْمَةِ سَيِّدِهِ، فقدَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ الحَقَّ فِي أَنْ يَكْتَسِبِ لِتَحْرِيرِ نَفْسِهِ مِنَ الرِّقِّ، ليَكُونُ كَدُّهُ مِنْ نصيبِهِ فيُغنيَهِ اللهُ بِذَلِكَ عنِ الحاجَةِ لِمَنْ يُزَوِّجُهُ ويُنْفِقُ علَيْهِ وَعَلى أَهْلِهِ وَعِيالِهِ.
قوْلُهُ: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} أَيْ: إِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّهُمْ لَا يَبْتَغُونَ بِكِتابهم، إِلَّا تَحْرِيرَ أَنْفُسِهِمْ مِنْ رِقِّ العُبودِيَّةِ، وَلَا يَبْتَغُونَ بِالكِتابِ تَمَكُّنًا مِنَ العِصْيانِ وَالْإِبَاقِ والخُروجَ عَلَى الأُمَّةِ، وزَرعَ الشِّقاقِ والفتَنِ، وَإِنَّما يريدونَ الْقُدْرَةَ عَلَى العمَلِ المَشْروع وَالكَسْبِ الحلالِ، مُتَحَقِّقينَ بِصِفَةِ الْأَمَانَةِ، مُتَحَلِّينَ بالصِّدقِ في الوَعْدِ والوفاءِ بالْعَهْدِ.
قولُهُ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} هُوَ أَمْرٌ لِلسَّادَةِ بِإِعَانَةِ مُكَاتَبِيهِمْ بِالْمَالِ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ، وإِنَّما يَكُونُ ذَلِكَ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ مَا أَمْكَنَ، وَمُسَامَحَتِهِمْ بِبَعْضِ الْمَالِ المُتوَجِّبِ عَلَيْهِم دَفعُهُ لَهَمْ لِقَاءَ حُرِّيَّتِهِمْ. قَالَ الإمامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (يُوضَعُ عَنِ الْمُكَاتَبِ مِنْ آخَرِ كِتَابَتِهِ مَا تَسْمَحُ بِهِ نَفْسُ السَّيِّدِ). وَقد حَدَّدَهُ بَعْضُ السَّلَفِ بِالرُّبْعِ وَبَعْضُهُمْ بِالثُّلُثِ وَبَعْضُهُمْ بِالْعُشْرِ.
وَهَذَا التَّخْفِيفُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ (الْإِيتَاءِ) وَلَيْسَ ثَمَّةَ إِيتَاءٌ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ إِسْقَاطًا لِمَا وَجَبَ عَلَى الْمُكَاتَبِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْطَاءِ كَمَا سُمِّيَ إِكْمَالُ الْمُطْلِقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِمُطَلَّقَتِهِ جَمِيعَ الصَّدَاقِ عَفْوًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ} الْبَقَرَة: 237، فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ فِي مَحْمَلِ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: وَآتُوهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ. أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِإِعَانَةِ الْمُكَاتَبِينَ.
وَالْأَمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْوُجُوبِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ الْقَاضِي: وَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ الْكِتَابَةَ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَجَعَلَ الْأَمْرَ بِالْإِعْطَاءِ لِلْوُجُوبِ فَجَعَلَ الْأَصْلَ غَيْرَ وَاجِبٍ وَالْفَرْعَ وَاجِبًا وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَإِضَافَةُ الْمَالِ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ مُيَسِّرُ أَسْبَابِ تَحْصِيلِهِ. وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْإِعْطَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ شُكْرٌ وَالْإِمْسَاكَ جَحْدٌ لِلنِّعْمَةِ قَدْ يَتَعَرَّضُ بِهِ الْمُمْسِكُ لِتَسَلُّبِ النِّعْمَةِ عَنْهُ.
وَالْمَوْصُولُ فِي قَوْلِهِ الَّذِي آتاكُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِـ "مالِ اللَّهِ" وَيَكُونُ الْعَائِدُ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ: آتَاكُمُوهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِاسْمِ الْجَلَالَةِ فَيَكُونُ امْتِنَانًا وَحَثًّا عَلَى الِامْتِثَالِ بِتَذْكِيرِ أَنَّهُ وَلِيُّ النِّعْمَةِ وَيَكُونَ مَفْعُولُ آتاكُمْ مَحْذُوفًا للْعُمُوم، أَي ءاتاكم عَلَى الِامْتِثَالِ بِتَذْكِيرِ أَنَّهُ وَلِيُّ النِّعْمَةِ. وَيَكُونُ مَفْعُولُ آتاكُمْ مَحْذُوفًا للْعُمُوم، أَي ءاتاكم نِعَمًا كَثِيرَةً كَقَوْلِهِ مِنْ سورةِ إِبْرَاهِيم: {وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} الآيةَ: 34.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِطَابَ فِي قَوْلِهِ: وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ مُوَجَّهٌ إِلَى سَادَةِ الْعَبِيدِ لِيَتَنَاسَقَ الْخِطَابَانِ مَعًا.
وَأَحْكَامُ الْكِتَابَةِ وَعَجْزُ الْمُكَاتَبِ عَنْ أَدَاءِ نُجُومِهِ وَرُجُوعِهِ مَمْلُوكًا وَمَوْتُ الْمَكَاتِبِ وَمِيرَاثُ الْكِتَابَةِ وَأَدَاءُ أَبْنَاءِ الْمُكَاتِبِ نُجُومَ كِتَابَتِهِ كُلُّ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لِمَنْ شَاءَ المَزيدَ.
قولُهُ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} أَيْ: ولا تُجْبِروا جَوَاريَكُمْ وإِمَاءَكُمْ  عَلى مُمَارَسَةِ البِّغاءِ لتكْسِبوا مِنْ ذلكَ المالَ أَوِ المَنفعَةِ. وَهَذَا تَشْريعٌ جديدٌ يخْتَصُّ بِشَأْنٍ آخَرَ مِنْ شُؤُونِ الْعَلاقةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ لَهُ أَثَرٌ فِي الْأَنْسَابِ، وَيَمَسُّ حقًا مِنْ حُقُوقِ الْعَبِيدِ والسَّادَةِ، لِمُنَاسَبَةِ مَا سَبَقَ مِنْ حُكْمِ الِاكْتِسَابِ مِنَ الْعَبِيدِ لِأَسْيادِهِمْ، وَهُوَ الْكِتَابَةُ، فَقَدْ انْتَقَلَ إِلَى حُكْمِ الْبِغَاءِ، الَّذي كانَ سَائِدًا فِي الجاهلِيَّةِ، فَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ إِمَاءٌ بَغَايَا، مِنْهُنَّ سِتُّ إِمَاءٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بنِ سَلُولٍ وَهُنَّ: مُعَاذَةُ وَمُسَيْكَةُ وَأُمَيْمَةُ وَعَمْرَةُ وَأَرْوَى وَقَتِيلَةُ، وَكَانَ يُكْرِهُهُنَّ عَلَى الْبِغَاءِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. وَكَانَ بِمَكَّةَ تِسْعُ بَغَايَا شَهِيرَاتٍ يَجْعَلْنَ عَلَى بُيُوتِهِنَّ رَايَاتٍ لِيَعْرِفَهُنَّ الرِّجَالُ، وَهُنَّ كَمَا ذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ: أُمُّ مَهْزُولٍ جَارِيَةُ السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ، وَأُمُّ غَلِيظٍ جَارِيَةُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَحَيَّةُ الْقِبْطِيَّةُ جَارِيَةُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ، وَمُزْنَةُ جَارِيَةُ مَالِكِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ السَّبَّاقِ، وَجُلَالَةُ جَارِيَةُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرَةَ، وَأُمُّ سُوِيدٍ جَارِيَةُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيِّ، وَشَرِيفَةُ جَارِيَةُ رَبِيعَةَ بْنِ أَسْوَدَ. وَقَرِينَةُ أَوْ قَرِيبَةُ جَارِيَةُ هِشَامِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَقَرِينَةُ جَارِيَةُ هِلَالِ بْنِ أَنَسٍ. وَكَانَتْ بُيُوتُهُنَّ تُسَمَّى الْمَوَاخِيرَ.
وَقدْ كانَ الْبِغَاءُ مَعْدُودًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَصْنَافِ النِّكَاحِ. فَقدْ جاءَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمنينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ـ رضيَ اللهُ عنهما، أَنَّ السيِّدةَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: فَنِكَاحٌ مِنْهَا: نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ، يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ , فَيُصْدِقُهَا (أَيْ: يُعَيِّن صَدَاقهَا وَيُسَمِّي مِقْدَاره) ثُمَّ يَنْكِحُهَا.
وَنِكَاحٌ آخَرُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا (أَيْ: حَيْضهَا، لِتَكونَ أَسْرَعَ عُلُوقًا مِنْهُ): أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ (أَيْ: فاطْلُبِي مِنْهُ الْجِمَاع لِتَحْمِلِي مِنْهُ، منَ الْمُبَاضَعَةِ، وهي الْمُجَامَعَةُ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْبُضْعِ وَهُوَ الْفَرْجُ)، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا, وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ (لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ ذَلِكَ مِنْ أَكَابِرهمْ فِي الشَّجَاعَة أَوْ الْكَرَم أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ)، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ.
وَنِكَاحٌ آخَرُ: يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ, كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا (أَيْ: يَطَؤُهَا، وإِنَّما يكونُ ذَلِكَ برِضًا مِنْهَا وَتَوَاطُؤٍ بَيْنهمْ)، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا, أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ، حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، فَتَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمْ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَقَدْ وَلَدْتُ، فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ، تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ، فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ.
وَنِكَاحٌ رَّابِعٌ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ الْبَغَايَا، كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا (علامةً)، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ, فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا, جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمْ الْقَافَةَ (جَمْع قَائِف, وَهُوَ الَّذِي يَعْرِف شَبَه الْوَلَد بِالْوَالِدِ بِالْآثَارِ الْخَفِيَّة)، ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَ بِهِ (أَيْ: اِسْتَلْحَقَتْهُ بِهِ، وَأَصْل اللَّوْطِ اللُّصُوقُ)، وَدُعِيَ ابْنَهُ، لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْحَقِّ، هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ, إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ. صحيحُ البخاري: (5/1970، برقم: 4834)، وسُنَنُ أبي داود: (ج: 2/، ص: 281 ـ 282، برقم: 2272) .
وَكَانَ فِي الْإِمَاءِ مَنْ يُلْزِمُهُنَّ سَادَتُهُنَّ عَلَيْهِ لِاكْتِسَابِ أُجُورِ بِغَائِهِنَّ فَكَمَا كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْإِمَاءَ لِلْخِدْمَةِ وَلِلتَّسَرِّي كَانُوا يَتَّخِذُونَ بَعْضَهُنَّ لِلِاكْتِسَابِ وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَجْرَهُنَّ مَهْرًا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أبي هُريرةَ، وأَبِي مَسْعُودٍ الأنصاريِّ، ورافعِ بْنِ خُدَيْجٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، نَهَى عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ، وَكَسْبِ الْحَجَّامِ، وَعَسْبِ الفَحْلِ، وَثمَنِ السِّنَّوْرِ، وثَمَنِ الكَلْبِ إلّا كَلْبَ الصَّيْدِ. متَّفقٌ عليْهِ، وأخرجَه ابْنِ أَبي شَيْبَةَ في مُصنَّفِهِ: (ج: 4/، ص: 347، ح: 20907)، وسُنَنُ البَيْهَقي الكُبْرى: (ج: 6/، ص: 126، ح: 11467). وَرَواهُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضا فِي "مُسْتَدْركه" من حَدِيث ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وَالْبَيْهَقِيّ فِي "سُنَنِهِ" من حَدِيث عِكْرِمَة عَنْهُ مَرْفُوعًا: ((ثمنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَهُوَ أَخْبَثُ مِنْهُ)).
وَ "البِغَاءُ" مَصْدَرٌ لِقَوْلِكَ بَغَتِ المَرْأَةُ، تَبْغي بِغاءً، إِذَا: زَنَتْ وتقاضَتْ عَلَى ذلكَ أَجْرًا. وَصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَتَكْرارِ المُمارَسَةِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: بَاغَتِ الْأَمَةُ، فهيَ بَغِيٌّ. وَلَا يُقَالُ: بَغَتْ. وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ "الْبَغْيِ" بِمَعْنَى الطَّلَبِ كَمَا قَالَ القاضي عِيَاضٌ لِأَنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ بَغَى بِهَا كَسْبًا. فَتَقُولُ "بَاغَتِ" الْجَارِيَةُ، إِذَا مَارَسَتِ الزِّنَى بِالْأَجْرِ، واتَّخَذَتْ مِنْهُ حِرْفَةً لَهَا ومَصْدَرًا لِلْعَيْشِ والتَكَسُّبِ، هِيَ أَوْ مالِكُها وسيِّدُها. فَالْمَرْأَةُ المُحْتَرِفَةُ لَهُ بَغِيٌّ بِوَزْنِ "فَعُولٍ" بِمَعْنَى "فَاعِلٍ"، وَلِذَلِكَ لَا تَقْتَرِنُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ. لأنَّ أَصْلَ "بَغِيٍّ": "بَغُوِيٌ" فَاجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ، وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً، وَأُدْغِمَتِ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ.
قولُهُ: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} وَلَا مَفْهُومَ لِهَذا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الإِكْرَاهَ لَا يَكُونُ مَعَ الإِرَادَةِ. وَذَكَرَ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِحَالَةِ الْإِكْرَاهِ إِذْ إِكْرَاهُهُمْ إِيَّاهُنَّ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا وَهُنَّ يَأْبَيْنَ وَغَالِبُ الْإِبَاءِ أَنْ يَكُونَ عَنْ إِرَادَةِ التَّحَصُّنِ. هَذَا تَأْوِيلُ الْجُمْهُورِ وَرَجَعُوا فِي الْحَامِلِ عَلَى التَّأْوِيلِ إِلَى حُصُولِ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى حُرْمَةِ الْبِغَاءِ سَوَاءً كَانَ الْإِجْمَاعُ لِهَذِهِ الْآيَةِ أَوْ بِدَلِيلٍ آخَرَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُقْتَضَاهُ فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْبِغَاءِ وَلَكِنَّ النَّظَرَ فِي أَنَّ تَحْرِيمَهُ هَلْ كَانَ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ قَدْ نَحَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى اعْتِبَارِ الشَّرْطِ فِي الْآيَةِ دَلِيلًا عَلَى تَحْرِيمِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبِغَاءِ بِقَيْدِ إِرَادَةِ الْإِمَاءِ التَّحَصُّنَ. فَقَدْ تَكُونُ الْآيَةُ تَوْطِئَةً لِتَحْرِيمِ الْبِغَاءِ تَحْرِيمًا بَاتًّا. فَحَرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُكْرِهُوا إِمَاءَهُمْ عَلَى الْبِغَاءِ لِأَنَّ الْإِمَاءَ الْمُسْلِمَاتِ يَكْرَهْنَ ذَلِكَ وَلَا فَائِدَةَ لَهُنَّ فِيهِ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ حُرِّمَ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ المتقدِّم ذكرهُ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ، فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِهِ يَقْتَضِي إِبْطَالَ الْبِغَاءِ.
وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الِاحْتِمَالُ مَعْضُودًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهُ: "وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ"، كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِي «تَفْسِيرِ الْأَصْفَهَانِيِّ» للإمام شَمْسِ الدَّينِ مَحْمُودِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ الْمُتَوفَّى سَنَةَ: /749/ هَـ: "وَقِيلَ إِنَّمَا جَاءَ النَّهْيُ عَنِ الْإِكْرَاهِ لَا عَنِ الْبِغَاءِ لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا نَزَلَ بَعْدَ هَذَا".
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ يَجْعَلُ أَوَّلَ السُّورَةِ نَزَلَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا.
قولُهُ: {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أَيْ: لَا تُكْرِهُوا فتياتكم عَلَى البِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا مُبْتَغينَ بِذَلِكَ عَرَضَ الحياةِ الدُّنيا. ويعني بِـ "عَرَضَ الْحَياةِ الدنيا" الْأَجْرَ الَّذِي يَكْتَسِبُهُ الْسَّادةُ مِنْ أُجْرَةِ بَيْع إِمَائِهِمْ أَعْرَاضَهُنَّ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى أَيْضًا بِالْمَهْرِ تَجَاوُزًا، وتَدْلِيسًا.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ" مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُسلمين، فَإِن كَانَتْ قِصَّةُ أَمَةِ ابْنِ أُبَيٍّ حَدَثَتْ بَعْدَ أَنْ أَظْهَرَ سَيِّدُهَا الْإِسْلَامَ كَانَ هُوَ سَبَبَ النُّزُولِ فَشَمِلَهُ الْعُمُومُ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ كَانَتْ حَدَثَتْ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الْإِسْلَامُ فَهُوَ سَبَبٌ وَلَا يَشْمَلَهُ الْحُكْمُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّمَا كَانَ تَذَمُّرُ أَمَتِهِ مِنْهُ دَاعِيًا لِنَهْيِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ إِكْرَاهِ فَتَيَاتِهِمْ عَلَى الْبِغَاءِ. وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْفَتَيَاتُ مُسْلِمَاتٌ لِأَنَّ الْمُشْرِكَاتِ لَا يُخَاطَبْنَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.
وَقَدْ كَانَ إِظْهَارُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الْإِسْلَامَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنِ الْهِجْرَةِ فَإِنَّهُ تَرَدَّدَ زَمَنًا فِي الْإِسْلَامِ وَلَمَّا رَأَى قَوْمَهُ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ دَخَلَ فِيهِ كَارِهًا مُصِرًّا عَلَى النِّفَاقِ.
وَيَظْهَرُ أَنَّ قِصَّةَ أَمَتِهِ حَدَثَتْ فِي مُدَّةِ صَرَاحَةِ كُفْرِهِ لِمَا عَلِمْتَ مِمَّا رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ أُبَيٍّ حِينَ نَزَلَتْ: (مَنْ يَعْذُرُنَا مِنْ مُحَمَّدٍ، يَغْلِبُنَا عَلَى مَمَالِيكِنَا)، وَنُزُولُ سُورَةِ النُّورِ كَانَ فِي حُدُودِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا عَلِمْتَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْبِغَاءَ الَّذِي هُوَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ اسْتَمَرَّ زَمَنًا بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِنَحْوِ سَنَةٍ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبِغَاءَ يَمُتُّ إِلَى الزِّنَى بِشَبَهٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْأَنْسَابِ لِلِاخْتِلَاطِ وَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغَ الزِّنَى فِي خَرْمِ كُلِّيَّةِ حِفْظِ النَّسَبِ مِنْ حَيْثُ كَانَ الزِّنَى سِرًّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنِ اقْتَرَفَهُ وَكَانَ الْبِغَاءُ عَلَنًا، وَكَانُوا يَرْجِعُونَ فِي إِلْحَاق الْأَبْنَاء الَّذين تَلِدُهُمُ الْبَغَايَا بِآبَائِهِمْ إِلَى إِقْرَارِ الْبَغِيِّ بِأَنَّ الْحَمْلَ مِمَّنْ تُعَيِّنُهُ. وَاصْطَلَحُوا عَلَى الْأَخْذِ بِذَلِكَ فِي النَّسَبِ فَكَانَ شَبِيهًا بِالِاسْتِلْحَاقِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنَ الْبَغَايَا مَنْ لَا ضَبْطَ لَهَا فِي هَذَا الشَّأْنِ فَيُفْضِي الْأَمْرُ إِلَى عَدَمِ الْتِحَاقِ الْوَلَدِ بِأَحَدٍ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الزِّنَى كَانَ مُحَرَّمًا تَحْرِيمًا شَدِيدًا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ مَبْدَأِ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ. وَكَانَتْ عُقُوبَتُهُ فُرِضَتْ فِي حُدُودِ السَّنَةِ الْأَوْلَى بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِنُزُولِ سُورَةِ النُّورِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِهَا.
وَقَدْ أَثْبَتَتْ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عنْها، أَنَّ الْإِسْلَامَ هَدَمَ أَنْكِحَةَ الْجَاهِلِيَّةِ الثَّلَاثَةَ وَأَبْقَى النِّكَاحَ الْمَعْرُوفَ وَلَكِنَّهَا لَمْ تُعَيِّنْ ضَبْطَ زَمَانِ ذَلِكَ الْهَدْمِ.
وَلَا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ الْبِغَاءُ مُحَرَّمًا قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ إِذْ لَمْ يُعْرَفْ قَبْلَهَا شَيْءٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْبِغَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُتَصَوَّرْ حُدُوثُ تِلْكَ الْحَوَادِثِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ إِذْ لَا سَبِيلَ لِلْإِقْدَامِ عَلَى مُحَرَّمٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَمْثَالِهِمْ. وَلِذَلِكَ فَالْآيَةُ نَزَلَتْ تَوْطِئَةً لِإِبْطَالِهِ كَمَا نَزَلَ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورةِ النِّساءِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى} الآيَةَ: 43، تَوْطِئَةً لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَلْبَتَّةَ. وَهُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ كالزَّمَخْشَرِيِّ وَالْفَخْرِ بِظَاهِرِ عِبَارَاتِهِمْ دُونَ صَرَاحَةٍ بَلْ بِمَا تَأَوَّلُوا بِهِ مَعَانِي الْآيَةِ إِذْ تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً بِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يُرَادُ بِهِ عَدَمُ النَّهْيِ عَنِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبِغَاءِ إِذَا انْتَفَتْ إِرَادَتُهُنَّ التَّحَصُّنَ بَلْ كَانَ الشَّرْطُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِأَنَّ إِرَادَةَ التَّحَصُّنِ هِيَ غَالِبُ أَحْوَالِ الْإِمَاءِ الْبَغَايَا الْمُؤْمِنَاتِ إِذْ كُنَّ يُحْبِبْنَ التَّعَفُّفَ، أَوْ لِأَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ كَانَتْ مَعَهَا إِرَادَةُ التَّحَصُّنِ.
وَالدَّاعِي إِلَى ذِكْرِ الْقَيْدِ تَشْنِيعُ حَالَةِ الْبِغَاءِ فِي الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ عَنْ إِكْرَاهٍ وَعَنْ مَنْعٍ مِنَ التَّحَصُّنِ. فَفِي ذِكْرِ الْقَيْدَيْنِ إِيمَاءٌ إِلَى حِكْمَةِ تَحْرِيمِهِ وَفَسَادِهِ وَخَبَاثَةِ الِاكْتِسَابِ بِهِ.
قولُهُ: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ مُضَارِعٌ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَفْوٌ عَنْ إِكْرَاهٍ. وَالَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْخَبَرُ جَانِبَانِ: جَانِبُ الْمُكْرِهِينَ وَجَانِبُ الْمُكْرَهَاتِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) ، فَأَمَّا جَانِبُ الْمُكْرِهِينَ فَلَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُمْ، بَعْدَ أَنْ نَهَاهُمْ عَنِ الْإِكْرَاهِ إِذْ لَيْسَ لِمِثْلِ هَذَا التَّبْشِيرِ نَظِيرٌ فِي الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا الْإِمَاءُ الْمُكْرَهَاتُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُنَّ. وَقَدْ قَرَأَ بِهَذَا الْمُقَدَّرِ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عبدُ اللهِ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُمَا وَعَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنْهُمْ أَجْمَعينَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "غَفُورٌ رَحِيمٌ" لَهُنَّ، وَاللَّهِ لَهُنَّ وَاللَّهِ.
وَقد جَعَلُوا فَائِدَةَ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ عَذَرَ الْمُكْرَهَاتِ لِأَجْلِ الْإِكْرَاهِ، وَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ في الآيةِ: 173، مِنْ سورةِ الْبَقَرَة: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. وَعَلَى هَذَا فَهُوَ تَعْرِيضٌ بِالْوَعِيدِ لِلَّذِينِ يُكْرِهُونَ الْإِمَاءَ عَلَى الْبِغَاءِ.
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ قَدَّرَ الْمَحْذُوفَ ضَمِيرَ (مِنْ) الشَّرْطِيَّةِ، أَيْ غَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُ، وَتَأَوَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يُقْلِعَ وَيَتُوبَ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعيدٌ.
وَقَولُهُ: "إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" دَلِيلُ جَوَابِ الشَّرْطِ إِذْ حُذِفَ الْجَوَابُ إِيجَازًا وَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِهِ بِذِكْرِ عِلَّتِهِ الَّتِي تَشْمَلُهُ وَغَيْرَهُ. وَالتَّقْدِيرُ: فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِأَمْثَالِهِنَّ مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِ جَرِيمَةٍ لا يُريدُها ولا يَسْعَى إِلَيْها. وَالْفَاءُ رَابِطَةُ الْجَوَابِ.
وفي سَببِ نُزُولِ هَذِهِ الآيةِ المُباركةِ، ذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ النَّقَّاشِ وَمَكِّيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا: غُلَامٌ لِحُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، أَوْ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ اسْمُهُ صُبَيْحٌ الْقِبْطِيُّ أَوْ صُبْحٌ سَأَلَ مَوْلَاهُ الْكِتَابَةَ فَأَبَى عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَكَاتَبَهُ مَوْلَاهُ. وَفِي "الْكَشَّافِ" للزَّمَخْشَريِّ أَنَّ أَميرَ المُؤْمِنينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ يُكَنَّى أَبَا أُميَّةَ، وَهُوَ أَوَّلُ عَبْدٍ كُوتِبَ فِي الْإِسْلَامِ. وقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: رَوَى مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْرَى قُرَيْشٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ قَدْ جُعِلَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بْنِ سَلولٍ. وَكَانَ هَذَا الْأَسِيرُ يُرِيدُ مُعَاذَةَ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتْ تَمْتَنِعُ مِنْهُ لِأَنَّهَا أَسْلَمَتْ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أُبَيٍّ يَضْرِبُهَا عَلَى امْتِنَاعِهَا مِنْهُ، رَجَاءَ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ، (أَيْ مِنَ الْأَسِيرِ الْقُرَشِيِّ)، فَيَطْلُبُ فِدَاءَ وَلَدِهِ، أَيْ: فِدَاءَ رِقِّهِ مِنِ ابْنِ أُبَيٍّ. وَلَعَلَّ هَذَا الْأَسِيرَ كَانَ مُوسِرًا لَهُ مَالٌ بِمَكَّةَ، وَكَانَ الزَّانِي بِالْأَمَةِ يَفْتَدِي وَلَدَهُ بِمِئَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، يَدْفَعُهَا لِسَيِّدِ الْأَمَةِ، وَأَنَّهَا شَكَتْهُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالُوا إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أُبَيٍّ، كَانَ قَدْ أَعَدَّ مُعَاذَةَ لِإِكْرَامِ ضُيُوفِهِ، فَإِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ ضَيْفٌ أَرْسَلَهَا إِلَيْهِ لِيُوَاقِعَهَا، إِرَادَةَ الْكَرَامَةِ لَهُ. فَأَقْبَلَتْ مُعَاذَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ ذَلِك للنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ أَبَا بَكْرٍ بِقَبْضِهَا، فَصَاحَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أُبَيٍّ: مَنْ يَعْذُرُنَا مِنْ مُحَمَّدٍ، يَغْلِبُنَا عَلَى مَمَالِيكِنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ ـ تعلى، هَذِهِ الْآيَةَ الكَريمةَ، أَيْ وَكانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَظَاهَرَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أُبَيٍّ بِالْإِسْلَامِ. وَجَمِيعُ هَذِهِ الْآثَارِ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ كَانَ بِهَا تَحْرِيمُ الْبِغَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الْمَالِكَاتِ أَمْرَ أَنْفُسِهِنَّ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 33 (1)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 13
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 29
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 41
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 14
» المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية: 30

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: