عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة آل عمران، :الآية: 12 الإثنين نوفمبر 05, 2012 6:56 pm | |
| قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قولُه تباركت أسماؤه: {قُلْ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ} روي عن ابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ تعالى عنهما أنَّ يهودَ أهلِ المدينةِ قالوا لمَّا هَزَمَ اللهُ تعالى المُشركين يومَ بدرٍ: هذا واللهِ النبيُّ الأميُّ الذي بَشَّرَنا بِه موسى عليْه الصلاةُ والسلامُ ونَجِدُه في كِتابِنا بِنَعْتِه وصِفَتِه وأنَّه لا يُرَدُّ لَه رايةٌ وأرادوا تصديقَه واتِّباعَه ثمَّ قال بعضُهم لبعضٍ: لا تَعْجَلوا حتَّى تَنْظُروا إلى وقعةٍ لَه أُخرى فلمَّا كان يومُ أُحُدٍ ونكب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكُّوا وقالوا: لا واللهِ ما هو بِه وغَلَبَ عليهمُ الشقاءُ فلم يُسْلِموا وكان بينهم وبيْن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلَّمَ عهدٌ إلى مُدَّةٍ فنَقضوا ذلك العهدَ وانْطلَقَ كعبٌ بنُ الأَشْرَفِ في سِتِّين راكباً إلى أهلِ مكَّةَ (أبي سفيانً وأصحابه) فوافقوهم وأجمَعوا أَمرَهم وقالوا: لتكوننَّ كلمَتُنا واحدةً ثمَّ رَجَعوا إلى المدينةِ فأنزلَ اللهُ تعالى فيهم هذه الآية.وأخرجَ ابنُ جريرٍ وابنُ إسحاقَ والبيْهقيُّ عنِ ابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ تعالى عنهما أيضًا "أنَّ رَسولَ اللهَ لمَّا أصابَ ما أصابَ مِن بدرٍ ورَجَعَ إلى المدينةِ جمعَ اليَهودَ في سوقِ بَني قَيْنُقاع وقال: يا مَعشَرَ يهود أسْلِموا قبلَ أن يُصيبَكم اللهُ تعالى بما أصابَ قريشًا فقالوا: يا محمَّدُ لا يَغرَّنَّك مِن نفسِك أنْ قتلتَ نَفَراً مِن قريش كانوا أغْماراً لا يَعرِفون القتالَ إنَّك واللهِ لو قاتلتَنا لَعَرَفْتَ أنَّا نحنُ الناسُ وأنَّك لم تَكُنْ مِثلَنا" فأنزلَ اللهُ تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} إلى قولِه سبحانَه: {لِأُولِي الأبصار} آل عمران: 13 فالمُرادُ من المَوْصولِ اليهودُ، والسين لِقُرْبِ الوُقوعِ أيْ تُغْلَبُنَّ عن قريبٍ، وقد صدق الله تعالى وعدَه رسولَه صلى الله عليه وسلم فقتَلَ كما قيل مِن بني قُريْظَةَ في يومٍ واحدٍ سِتَّمئةٍ جميعُهم في سوقِ بَني قَيْنُقاعَ وأمرَ السَيَّافَ بضرْبِ أعناقِهم وأَمَرَ بِحَفْرِ حَفيرةٍ ورَميِهم فيها وأَجْلى بَني النَّضير وفَتَحَ خيبرَ وضَرَبَ الجِزْيَةَ عليهم وهذا من أوضح شواهد النُبوَّةِ {وَتُحْشَرُونَ} عطف على {سَتُغْلَبُونَ} والمُرادُ في الآخرةِ {إلى جَهَنَّمَ} وهي غايةُ حَشْرِهم ومُنتهاهُ فـ "إلى" على معناها المُتبادِرِ، وقيلَ: بِمَعنى "في" والمعنى أنَّهم يُجمَعون فيها، والآيةُ كالتوكيدِ لِما قبلَها فإنَّ الغَلَبَةَ تحصُلُ بعدمِ الانتِفاعِ بالأموالِ والأولاد، والحشرِ إلى جهنَّمَ مَبْدأ كونِهم وَقوداً لها، وقَرَأَ أهلُ الكوفةِ غيرَ عاصِمٍ سَيُغلَبون ويُحشَرون بالباء، والباقون بالتاء، وفرّقَ بيْنَ القِراءتيْن بأنَّ المَعنى على تقديرِ تاءِ الخِطابِ أُمِرَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُخبرَهم مِن عندِ نفسِهِ بِمَضمونِ الكلامِ حتّى لو كذَّبوا كان التكذيبُ راجعًا إليه، وعلى تقديرِ ياءِ الغيبةِ أَمَرَهُ بأنْ يؤدِّي ما أَخبَرَ اللهُ تعالى بِهِ مِن الحُكمِ بأنَّه سَيُغلَبون بحيثُ لو كَذَّبوا كان التكذيبُ راجعاً إلى اللهِ تعالى، وقولُه سبحانه: {وَبِئْسَ المهاد} إمَّا مِن تمامِ ما يُقالُ لهم أو استئنافٌ لتهويلِ جهنَّمَ وتَفظيعِ حالِ أهلِها، ومِهادٌ كفِراشٌ لفظاً ومعنى، والمَخصوصُ بالذَمِّ مقدَّرٌ وهو جهنَّمُ، أو ما مَهَّدوه لأنفسِهم. قوله تعالى: {سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} قرأ بعضُهم هذين الفعلين بالغَيْبة، والباقون بالخِطاب، والغيبةُ والخطابُ في مثلِ هذا التركيب واضحانِ كقولِك: "قُلْ لزيدٍ: قُمْ" على الحكاية، و"قُلْ لزيدٍ: يقوم"، وقد تقدَّمَ نحوٌ من هذا في قولِه: {لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله} البقرة: 83. فالقراءةُ بالتاءِ أمرٌ بأَنْ يُخْبرَهم بما سَيَجْري عليهم من الغَلَبةِ والحَشْرِ إلى جهنم، فهو إخبارٌ بمعنى سَتُغْلبون وتُحْشَرون فهو كائنٌ من نفسِ المتوعَّدِ به، وهو الذي يدل عليه اللفظُ، ومعنى القراءةِ بالياء الأمرُ بأَنْ يَحكيَ لهم ما أَخْبره به مِن وعيدِهم بلفظِه كأنَّه قال: أدِّ إليهم هذا القولَ الذي هو قَوْلي لك سَيُغْلبون ويُحْشَرُون.ويجوزُ أنْ يكونَ الضميرُ في "سَيُغْلبون ويُحْشرون" لِكُفَّارِ قُريشٍ، ويُرادُ بالذين كفروا اليهودُ، والمعنى: قُلْ لليهود: "سَتُغْلَبُ قريش"، هذا إنَّما يتَّجِهُ على قراءةِ الغيبةِ فقط. ويُقَوِّي القراءة بالياء إجماعُهم على الياء في قوله: {قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ}، والتاء أحَبُّ إليَّ لإِجماعِ الحَرَميين وعاصمٍ وغيرِهم على ذلك مثلُ إجماعهم على قوله: {قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ} وإجماعُهم على قولِه: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ} النور: 30 {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ} الجاثية: 14.ومَنْ قَرَأَ بالتاءِ جَعَلَ اليهودَ والمشركينَ داخلين في الخطاب، ثمَّ يجوزُ في هذا المعنى الياءُ والتاءُ، كما تقول في الكلام: "قل لعبد الله: إنَّه قائمٌ وإنَّك قائم"، وفي حرفِ عبدِ اللهِ: {قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ}، ومَنْ قرأ بالياء فإنَّه ذهب إلى مخاطبةِ اليهود، وأنَّ الغلبةَ تقع على المشركين، كأنَّه قيل: قل يا محمَّدُ لليهودِ سَيُغْلَبُ المشركون ويُحْشرون، فلا يَجوزُ في هذا المعنى إلَّا الياءُ لأنَّ المشركين غَيْبٌ.قوله: {وَبِئْسَ المهاد} المخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ أي: بئسَ المِهاد جهنمُ. والحذفُ للمخصوصِ يدلُّ على صحَّةِ مذهبِ سِيبَويْهِ مِنْ أنَّه مبتدأٌ والجملةُ قبلَه خبرُه، ولو كان كما قالَ غيرُه مبتدأً محذوفَ الخبرِ أو بالعكسِ لما حُذِف ثانياً للإِجحافِ بحَذْفِ سائِر الجملة. | |
|