عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 266 الخميس أكتوبر 11, 2012 6:43 am | |
| أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)
كثيرةٌ هي الآيات التي ذَكرَها اللهُ تعالى على جِهةِ ضَرْبِ المَثَلِ للمؤمن والضمنافق: لمن أَنفَقَ في سبيل اللهِ، ولِمن أنفقَ رياءً؛ فهؤلاء كان سعيهم مشكوراً، وألئك يَدعون ثُبوراً ويَصْلَوْنَ سعيراً. هؤلاء تزكو أعمالُهم وتَنمو أموالُهم، وأُولئك حَبِطَتْ أعمالُهم وخَسِرتْ أحوالُهم. وكأنَّ الحقّ ـ سبحانَه وتعالى ـ يُريدُ أنْ يَشْرِكَنا في الصُّورَةِ ويرغّبَنا عندما يَتَحدَّثُ عن جَنَّةِ الآخرةِ، فهل يَوَدُّ أحدُكم أنْ تَكونَ له جنَّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ تَجري من تحتها الأنهارُ له فيها من كل الثمرات. والنخيلُ والأعنابُ هما من أهم ثمار نَتاج المجتمع الذي نزل به القرآن الكريم. لقد هيّأ الله للمؤمنين به سبحانه، المقاتلين في سبيلِ نُصْرَةِ دينِه وإعلاءِ كلمتِه والمنفقين في سبيلِه، جَنَّاتٍ تتخلَّلُها الأنهارُ، وذلك هو الفوزُ العظيمُ والنّجاحُ الكبيرُ. قَال تَعَالَى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ}. الْآيَةَ مَثَلٌ آخَرُ لِنَفَقَةِ الرِّيَاءِ، قَالَ ابنُ عباس رضي الله عنهما: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُرَائِينَ بِالْأَعْمَالِ يُبْطِلُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهَا، كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَنَّةٌ وَلَهُ أَطْفَالٌ لَا يَنْفَعُونَهُ فَكَبِرَ وَأَصَابَ الْجَنَّةَ إِعْصَارٌ أَيْ رِيحٌ عَاصِفٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ فَفَقَدَهَا أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهَا. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى} الْآيَةَ، قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ فِي ذَلِكَ مَثَلًا فَقَالَ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} الْآيَةَ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِمَثَلٍ آخَرَ لِنَفَقَةِ الرِّيَاءِ، هَذَا هُوَ مُقْتَضَى سِيَاقِ الْكَلَامِ. وَأَمَّا بِالْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا السِّيَاقِ فَتُشْبِهُ حَالَ كُلِّ مُنَافِقٍ أَوْ كَافِرٍ عَمِلَ عَمَلًا وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعًا فَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَثَلٌ لِمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ مُنَافِقٍ وَكَافِرٍ عَلَى مَا يَأْتِي، إِلَّا أَنَّ الَّذِي ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ خِلَافُ هَذَا. خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ}؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ وَقَالَ: قولوا: نعلم أو لا نعلم! فقال ابنُ عباس: في نفسي منها شيءٌ يا أمير المؤمنين، قال: يا بن أَخِي قُلْ وَلَا تُحَقِّرْ نَفْسَكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ. قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلِ رَجُلٍ غَنِيٍّ يعملُ بطاعةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ثمّ وسوس لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ فِي الْمَعَاصِي حَتَّى أَحْرَقَ عَمَلَهُ. فِي رِوَايَةٍ: فَإِذَا فَنِيَ عُمُرُهُ وَاقْتَرَبَ أَجَلُهُ خَتَمَ ذَلِكَ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الشَّقَاءِ، فَرَضِيَ ذَلِكَ عُمَرُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُمَرَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْإِنْسَانِ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ آخِرِ عُمُرِهِ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ عَمِلَ عَمَلَ السُّوءِ. وهَذَا نَظَرٌ يَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَى كُلِّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ أَلْفَاظِهَا. وَخَصَّ النَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِمَا وَفَضْلِهِمَا عَلَى سَائِرِ الشَّجَرِ. قولهُ: {لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ} يريد ليس شيءٌ مِنَ الثِّمَارِ إِلَّا وَهُوَ فِيهَا نَابِتٌ. {وَأَصابَهُ الْكِبَرُ} عَطَفَ مَاضِيًا عَلَى مُسْتَقْبَلٍ وَهُوَ" تَكُونَ" وَقِيلَ:" يَوَدُّ" فَقِيلَ: التَّقْدِيرُ وَقَدْ أَصَابَهُ الْكِبَرُ. وَقِيلَ إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمَعْنَى أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ لَوْ كَانَتْ لَهُ جَنَّةٌ. وَقِيلَ: الْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى" وَلَهُ". قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) قَالَ الْحَسَنُ:" إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ" رِيحٌ فِيهَا بَرْدٌ شَدِيدٌ. الزَّجَّاجُ: الْإِعْصَارُ فِي اللُّغَةِ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ الَّتِي تَهُبُّ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَالْعَمُودِ، وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: الزَّوْبَعَةُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الزَّوْبَعَةُ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْجِنِّ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْإِعْصَارُ زَوْبَعَةً. وَيُقَالُ: أُمُّ زَوْبَعَةٍ، وَهِيَ رِيحٌ تُثِيرُ الْغُبَارَ وَتَرْتَفِعُ إِلَى السَّمَاءِ كَأَنَّهَا عَمُودٌ. وَقِيلَ: الْإِعْصَارُ رِيحٌ تُثِيرُ سَحَابًا ذَا رَعْدٍ وَبَرْقٍ. الْمَهْدَوِيُّ: قِيلَ لَهَا إِعْصَارٌ لِأَنَّهَا تَلْتَفُّ كَالثَّوْبِ إِذَا عُصِرَ. وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ لِلرِّيحِ إِعْصَارٌ، لِأَنَّهُ يَعْصِرُ السَّحَابَ، وَالسَّحَابُ مُعْصِرَاتٌ إِمَّا لِأَنَّهَا حَوَامِلُ فَهِيَ كَالْمُعْصِرِ (المُستعدَّةُ للحَمْلِ) مِنَ النِّسَاءِ. وَإِمَّا لِأَنَّهَا تَنْعَصِرُ بِالرِّيَاحِ. وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ: أَنَّ الْمُعْصِرَاتِ فَسَّرَهَا قَوْمٌ بِالرِّيَاحِ لَا بِالسَّحَابِ. ابْنُ زَيْدٍ: الْإِعْصَارُ رِيحٌ عَاصِفٌ وَسَمُومٌ شَدِيدَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ السُّدِّيُّ: الْإِعْصَارُ الرِّيحُ وَالنَّارُ السَّمُومُ. ابْنُ عَبَّاسٍ: رِيحٌ فِيهَا سَمُومٌ شَدِيدَةٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويكون ذَلِكَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَيَكُونُ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ فَيْح جَهَنَّمَ وَنَفَسِهَا، كَمَا تَضَمَّنَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)). وَ((إِنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إِلَى رَبِّهَا)) الْحَدِيثَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ: إِنَّ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، كَهَيْئَةِ رَجُلٍ غَرَسَ بُسْتَانًا فَأَكْثَرَ فِيهِ مِنَ الثَّمَرِ فَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ ـ يُرِيدُ صِبْيَانًا بَنَاتٍ وَغِلْمَانًا ـ فَكَانَتْ مَعِيشَتُهُ وَمَعِيشَةُ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْبُسْتَانِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَى بُسْتَانِهِ رِيحًا فِيهَا نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قُوَّةٌ فَيَغْرِسُهُ ثَانِيَةً، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ بَنِيهِ خَيْرٌ فَيَعُودُونَ عَلَى أَبِيهِمْ. وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ إِذَا وَرَدَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَتْ لَهُ كَرَّةٌ يُبْعَثُ فَيُرَدُّ ثَانِيَةً، كَمَا لَيْسَتْ عِنْدَ هَذَا قُوَّةٌ فَيَغْرِسُ بُسْتَانَهُ ثَانِيَةً، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنِ افْتَقَرَ إِلَيْهِ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّهِ وَضَعْفِ ذُرِّيَّتِهِ غِنًى عَنْهُ. {كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} يُرِيدُ كَيْ تَرْجِعُوا إِلَى عَظَمَتِي وَرُبُوبِيَّتِي وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: تَتَفَكَّرُونَ فِي زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها. قوله تعالى : {مِّن نَّخِيلٍ} سُمِّي بذلك لأنه منخولُ الأشجار وصَفِيُّها، لأنّه أكرمُ ما يَنْبُتُ.قوله: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} هذه الجملةُ في محلِّها وجهان، أحدُهما: أنَّها في محلِّ رفعٍ صفةً لِجَنَّةٍ. والثاني: أنَّها في محلِّ نَصبٍ، وفيه أيضاً وجهان فقيل: على الحالِ من "جَنَّة" لأنّها قد وُصِفَت. وقيل: على أنّها خبرُ "تكون".قوله: {لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثمرات} جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ، فالخبرُ قولُه: "له" و{مِن كُلِّ الثمرات} هو المبتدأُ، وذلك لا يَسْتَقِيم على الظاهر، إذِ المُبتدأُ لا يكونُ جارًّا ومجروراً فلا بدَّ من تأويلِه. واختُلفَ في ذلك، فقيل: المبتدأ في الحقيقةِ محذوفٌ، وهذا الجارُّ والمجرورُ صفةٌ قائمةٌ مقامَه، تقديرُه: {له فيها رزقٌ من كلِّ الثمراتِ أو فاكهةٌ من كلِّ الثمرات} فَحُذِفَ المَوصوفُ وبَقيَتْ صِفتُه: ومثله قولُ النابغة: كأنَّك من جِمالِ بني أُقَيْشٍ ................. يُقَعْقِعُ خلفَ رِجْلَيه بِشَنِّأي: جَمَلٌ من جمالِ بني أُقَيْشٍ، وقولُه تعالى: {وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} الصافات: 164. أي: وما منا أحدٌ إلّا له مقامٌ. وقيل: "مِنْ" زائدةٌ تقديرُه: له فيها كلُّ الثمرات، وذلك عند الأخفش لأنَّه لا يَشْتَرِط في زيادتها شيئاً. وأمَّا الكوفيون فيشترطون التنكير، والبصريّون يَشْتَرِطُونه وعدَم الإِيجاب، وإذا قلنا بالزيادة فالمرادُ بقوله: "كلّ الثمرات" التكثيرُ لا العمومُ، لأنَّ العمومَ متعذَّرٌ. ولا يجوزُ أَنْ تكونَ "مِنْ" زائدةً لا على قولِ سيبويه ولا قولِ الأخفش ، لأنَّ المعنى يصير: له فيها كلُّ الثمراتِ ، وليسَ الأمرُ على هذا، إلاَّ أَنْ يُراد به هنا الكثرة لا الاستيعاب.قوله: {وَأَصَابَهُ الكبر} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنَّ الواوَ للحالِ، والجملةُ بعدها في محلِّ نصبٍ عليها، و"قد" مقدرةٌ أي: وقد أَصابه، وصاحبُ الحال هو "أحدُكم"، والعاملُ فيها "يَودُّ" ونظيرُها: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} البقرة: 28، وقوله تعالى: {وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا} آل عمران: 168. أي: وقد كُنتم، وقد قَعَدوا. والثاني: أن يكونَ قد وَضَع الماضي موضعَ المضارع، والتقديرُ "ويصيبه الكِبَر" كقوله: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ} هود: 98. أي: فيوردهم. قال الفراء: يجوزُ ذلك في "يودُّ" لأنّه يُتَلَقَّى مرةً بـ "أَنْ" ومرةً بـ "لو" فجاز أن يُقَدَّر أحدُهما مكانَ الآخر".والثالث: أنَّه حُمِل في العطفِ على المعنى، لأنَّ المعنى: أيَوَدُّ أحدُكم أَنْ لو كانَتْ فأصابه الكِبَرُ، وهذا الوجه فيه تأويلُ المضارع بالماضي ليصِحَّ عطفُ الماضي عليه، عكسُ الوجهِ الذي قبلَه، فإنَّ فيه تأويلَ الماضي بالمضارع. قوله: {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ} هذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من الهاءِ في "وأَصابَه". وقرىء "ضِعافٌ"، وضُعَفاءُ وضِعاف، نحو: ظَريف وظُرَفاء وظِراف، وشَريف وشُرَفاء وشِراف.وقولُه: {فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ} هذه الجملةُ عطفٌ على صفةِ الجنَّةِ قبلَها، يعني على قولِه: "مِنْ نخيل" وما بعدَه.وأتى في هذه الآيات كلِّها نحوُ "فأصَابه وابلٌ ، وأَصابَه الكِبَر، فأصابها إعصارٌ" لأنّه أبلغُ وأَدَلُّ على التأثيرِ بوقوعِ الفعلِ على ذلك الشيءِ، من أنّه لم يُذْكَرْ بلفظ الإِصابة، حتى لو قيل: "وَبَل" و"كَبِر" "وأَعْصَرَتْ" لم يكن فيه ما في لفظِ الإِصابة من المبالغةِ. و"نار" يجوزُ فيه الوجهانِ: أعني الفاعليةَ والجارُّ قبلَها صفةٌ لإِعصاراً، والابتدائيةُ والجارُّ قبلَها خبرُها، والجملةُ صفةُ "إعصار"، والأولُ أَوْلى لِما تقدَّم من أنَّ الوصفَ بالمفردِ أَوْلى، والجارُّ أقربُ إليه من الجملة.وقولُه: {فاحترقت} أي: أَحْرَقها فاحتَرَقَتْ، فهو مطاوعٌ لأَحْرق الرباعي، وأمَّا "حَرَقَ" من قولِهم: "حَرَق نابُ الرجل" إذا اشتدَّ غيظهُ، فيُستعمل لازماً ومتعدياً، قال: أَبى الضيمَ والنعمانُ يَحْرِقُ نابَهُ ... عليه فَأَفْضى والسيوفُ مَعاقِلُهْرُوي برفع "نابه" ونصبه. وقولُه: {كّذلك يُبَيَّن} إلى آخرِه قد تقدَّم نظيرُه. | |
|