عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 52 الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 10:06 am | |
| ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) سُرعَةُ العَفوِ على عظيمِ الجُرْمِ تَدُلُّ على حَقارَةِ قَدْرِ المَعْفُوِّ عنه، يَشهَدُ لذلك قولُه تعالى مُخاطِباً أُمَّهاتِ المُسلمين: {من يأتِ مِنكُنَّ بفاحشةٍ مبيِّنةٍ يُضاعَفْ لها العذابُ ضِعْفيْن} الأحزاب: 30. وهاهم بَنو إسرائيلَ عَبَدوا العِجْلَ فقال الله تعالى: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ} وقال لهذه الأمَّةِ (يقصد أمة محمد صلى الله عليه وسلم): {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} الزلزلة: 8.قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ} العَفْوُ: المَحْوُ، و"عَفَا اللهُ عنكم" أي: مَحَا ذنوبَكم، والعافيةُ لأنّها تَمْحُو السُّقْمَ، وَعَفَتِ الريحُ الأثرَ، قال امرؤ القيس: فتُوضِحَ فالمِقْراةِ لم يَعْفُ رَسْمُها ...... لِما نَسَجَتْها مِنْ جَنُوبٍ وشَمَأْلِوقيل هو من الأضداد: عَفا أي كَثُر، فقد جاء في الحديث الشريف: ((حُفُّوا الشاربَ وَأَعْفُوا اللِّحى)). فيكونُ من الأضدادِ. والعَفْوُ ـ أيضاً ـ تَغْطِيَةُ الأثرِ وإذهابُ الحالِ الأوَّلِ مِن الذَّنْبِ أو غيرِهِ ولا يُسْتَعْمَلُ العَفْوُ بمعنى الصَّفْحِ إلّا في الذَّنْبِ. وهذا قريبٌ من تفسير الغُفْرانِ، لأنَّ الغَفْرَ التغطيةُ والسَّتْر، ومنه: المِغْفَرُ، ولكِنْ قد فُرِّقَ بينهما بأنَّ العفوَ يَجوزُ أنْ يَكونَ بَعدَ العُقوبَةِ فيجتمِعُ معها، وأمَّا الغُفْرانُ فلا يكونُ مع عقوبةٍ. والعَفْوَ: القَصْدُ لِتَناوُلِ الشيءِ، يُقالُ: عَفَاه واعْتَفَاه أيْ قَصَدَه مُتَناوِلاً ما عندَه، وعَفَتِ الريحُ التُرابَ قَصَدَتْها متناولةً آثارَها، وعَفَتِ الديارُ كأنَّها قَصَدَتْ نحو البِلَى، وعَفَا النبتُ والشَّعْرُ قَصَدَ تناولَ الزيادةِ، وعَفَوْتُ عنك ،كأنّه قَصَدَ إزالَة ذَنْبِه صارِفاً عنه، وأَعْفَيْتُ كذا أي تركْتُه يَعْفُو ويكثُر ومنه وأَعْفُوا اللحى، فَجَعَلَ القصدَ قَدْراً مشتركاً في العَفْو، وهذا يَنفي كَوْنَه مِنَ الأَضدادِ.قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ ذلِكَ} أَيْ مِنْ بَعْدِ عِبَادَتِكُمُ الْعِجْلَ. وَسُمِّيَ الْعِجْلُ عِجْلًا لِاسْتِعْجَالِهِمْ عِبَادَتَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْعِجْلُ وَلَدُ الْبَقَرَةِ. وَالْعِجَّوْلُ مِثْلُهُ وَالْجَمْعُ الْعَجَاجِيلُ وَالْأُنْثَى عِجْلَةٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} كَيْ تَشْكُرُوا عَفْوَ اللَّهِ عَنْكُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى لَعَلَّ. وَأَمَّا الشُّكْرُ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ الظُهور من قول دَابَّةٌ شَكُورٌ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا مِنَ السِّمَنِ فَوْقَ مَا تُعْطَى مِنَ الْعَلَفِ، وَحَقِيقَةُ الشُّكْر: الثَّنَاءُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِمَا أَوْلَاكَهُ مِنَ الْمَعْرُوفِ يُقَالُ: شَكَرْتُهُ وَشَكَرْتُ لَهُ وَبِاللَّامِ أَفْصَحُ. وَالشُّكْرَانُ: خِلَافُ الْكُفْرَانِ. وَتَشَكَّرْتُ لَهُ مِثْلُ شَكَرْتُ لَهُ. وقالوا: شُكرُ النِّعمةِ ذِكْرُها قال الله تعالى: {وأمّا بِنِعمَةِ ربِّكَ فحَدِّثْ}. وقيل: الشُكرُ هو الطاعةُ بجميعِ الجوارحِ في السِّرِّ والعَلانيَةِ.وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ)). قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْكَلَامُ يَتَأَوَّلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ طَبْعِهِ كُفْرَانُ نِعْمَةِ النَّاسِ وَتَرْكُ الشُّكْرِ لِمَعْرُوفِهِمْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ كُفْرَانُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَرْكُ الشُّكْرِ لَهُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَقْبَلُ شكرَ العبدِ على إحسانِه إليه إذ كَانَ الْعَبْدُ لَا يَشْكُرُ إِحْسَانَ النَّاسِ إِلَيْهِ وَيَكْفُرُ مَعْرُوفَهُمْ لِاتِّصَالِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ. وثمَّةَ معنًى ثالث وهو أنَّ بعضًا من قليلي العلم ممّن أَنْعَمَ اللهُ عليهم بشهودِه فاعلًا في كونِه، وأنّه ـ سبحانَه ـ هو المُنعِمُ، فإذا أَسْدى عبدٌ من عباد اللهِ إليهم معروفاً شهدوه منه سبحانه فشكرَ للهِ وغفل عن اليد التي أسدت إليه، وهذا شهود ناقص، أمّا الكُمَّلُ فإنهم يرون اللهَ هو المنعمَ لكنهم يرون اليدَ التي كانت السبَ في النعمة أيضاً، وكمالُ الشكرِ على النِّعمةِ أنْ تشكرَ هذه اليدَ التي أعطاك الله بوساطتها، ولذلك قال عليه الصلاةُ والسلامُ: ((لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ)). والله أعلم. وفِي مَعْنَى الشُّكْرِ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: الشُّكْرُ: الِاجْتِهَادُ فِي بَذْلِ الطَّاعَةِ مَعَ الِاجْتِنَابِ لِلْمَعْصِيَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: الشُّكْرُ هُوَ الِاعْتِرَافُ فِي تَقْصِيرِ الشُّكْرِ لِلْمُنْعِمِ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً} سبأ: 13. فَقَالَ دَاوُدُ: كَيْفَ أَشْكُرُكَ يَا رَبِّ وَالشُّكْرُ نِعْمَةٌ مِنْكَ! قَالَ: الْآنَ قَدْ عَرَفْتَنِي وَشَكَرْتَنِي إِذْ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الشُّكْرَ مِنِّي نِعْمَةٌ، قَالَ يَا رَبِّ فَأَرِنِي أَخْفَى نِعَمِكَ عَلَيَّ قَالَ يَا دَاوُدُ تَنَفَّسْ فَتَنَفَّسَ دَاوُدُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يُحْصِي هَذِهِ النِّعْمَةَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وقال ـ عليه السلامُ: سبحان مَنْ جَعَلَ اعْتِرافَ العبدِ بالعَجزِ عن شُكْرِه شُكراً، كما جَعلَ اعْتِرافَه بالعَجْزِ عن معرفتِه معرفةً.وَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَيْفَ أَشْكُرُكَ وَأَصْغَرُ نِعْمَةٍ وَضَعْتَهَا بِيَدِي مِنْ نِعَمِكَ لَا يُجَازِي بِهَا عَمَلِي كُلُّهِ! فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَا مُوسَى الْآنَ شَكَرْتَنِي. وحُكِيَ أنَّه ـ عليه السلامُ ـ قال: إلهي أنعمتَ عليَّ النِّعَمَ السَوابِغَ، وأمرتَني بالشُكْرِ وإنَّما شُكري إيّاكَ نِعمةٌ منك، قال الله تعالى: يا موسى تَعَلَّمْتَ العِلْمَ الذي لا يَفوقُه شيءٌ مِن عِلْمٍ، حَسْبي مِن عَبْدي أنْ يَعلَم أنّ ما بِه مِن نِعمةٍ فهو منّي، قال الفُضيْلُ بنُ عياضٍ: شُكرُ كلُّ نِعمةٍ أنْ لا يَعْصي اللهَ بعدَ تلكَ النِّعمةِ. وقيل: حقيقةُ الشُكْرِ العجزُ عن الشكر. وَقَالَ الْجُنَيْدُ حَقِيقَةُ الشُّكْرِ الْعَجْزُ عَنِ الشُّكْرِ. وَعَنْهُ قَالَ كُنْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّرِيِّ السَّقَطِيِّ أَلْعَبُ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ جَمَاعَةٌ يَتَكَلَّمُونَ فِي الشُّكْرِ فَقَالَ لِي يَا غُلَامُ مَا الشُّكْرُ؟ فَقُلْتُ أَلَّا يُعْصَى اللَّهُ بِنِعَمِهِ فَقَالَ لِي: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ حَظُّكَ مِنَ اللَّهِ لِسَانَكَ. قَالَ الْجُنَيْدُ: فَلَا أَزَالُ أَبْكِي عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا السَّرِيُّ لِي. وَقَالَ الشِّبْلِيُّ: الشُّكْرُ التَّوَاضُعُ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْحَسَنَاتِ، وَمُخَالَفَةُ الشَّهَوَاتِ، وبذلُ الطاعاتِ، ومراقبةُ جَبَّارِ الأرضِ والسَموات، وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ أَبُو الْفَيْضِ: الشُّكْرُ لِمَنْ فَوْقَكَ بِالطَّاعَةِ وَلِنَظِيرِكَ بِالْمُكَافَأَةِ وَلِمَنْ دُونَكَ بالإحسان والإفضال.{لَعلَّكم تَشْكُرُونَ} تشكرون: في محلِّ رفعٍ، خبرُ "لعلَّ" والشكر هو تَصَوُّرُ النِّعْمَةِ وأظهارُها وقيل: هو مَقْلُوبٌ عن الكَشْرِ أي الكَشْف وهو ضدُّ الكُفرِ، فإنّه تَغْطِيَةُ النِّعْمَةِ. وقيل: أصلُه مِن عَيْنٍ شَكْرى أي ممتلئةٌ، فهو على هذا الامتلاءُ مِنْ ذِكْرِ المُنْعَمِ عليه. وشَكَرَ مِن الأفعالِ المتعدِّيَة بِنفسِها تارةً وبحرْفِ الجرِّ أخرى وليسَ أحدُهما أصلاً للآخَرِ على الصحيحِ، فَمِنَ المتعدِّي بنفسِه قولُ عَمْرٍو ابنِ لُحَيٍّ: همُ جَمَعُوا بؤسى ونعمى عليكُمُ ....... فَهَلاَّ شكرْتَ القومَ إذ لم تُقاتِلِومن المتعدَّي بحرفِ الجرِّ قولُه تعالى: {واشكروا لِي} البقرة: 152. | |
|