عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 47 الأحد سبتمبر 23, 2012 5:18 am | |
| يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ..عَلَى الْعالَمِينَ) الآية. يُرِيدُ عَلَى عَالَمِي زَمَانِهِمْ ـ كما قال قتادةُ ـ وَأَهْلُ كُلِّ زَمَانٍ عَالَمٌ. وَقِيلَ: عَلَى كُلِّ الْعَالَمِينَ بِمَا جُعِلَ فِيهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وهذا خاصة لهم وليست لغيرهم. والفَضلُ: كالزيادةِ، إلّا أنّه أَخَصُّ منها.بهذه الآيةِ الكريمةِ يُذكِّرُ اللهُ ـ تعالى ـ بَني إسرائيلَ (يعقوب) بسالِفِ نِعَمِه على آبائهم وأَسلافِهم، وما كان فَضَّلَهم بِه مِن إنزالِ المَنِّ والسَلوى وتَظليلِ الغَمامِ وتَفجيرِ الماءِ مِنَ الحَجَرِ وإرسالِ الرُّسِل منهم، وإنزالِ الكُتُبِ عليهم وعلى سائرِ الأُمَمِ مِن أَهلِ زمانِهم، كما قال تعالى: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} الدخان:32، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} المائدة: 20. وذِكْرُ النِّعَمِ على الآباءِ لإلزامِ الشُكرِ على الأبناءِ فإنّهم يَشْرُفون بِشَرَفِهم، ولذلك خاطبَهم فقال ـ تعالى ـ فَضَّلْتُكم ولَم يَقُلْ فَضَّلْتُ آباءكم لأنَّ في فَضْلِ آبائهم فضلُهم.وتَكْرارُ التَذكيرِ إنّما يُفيدُ التَأكيدَ والإيذانَ بِكمالِ غَفلَتِهم عن القيامِ بحقوقِ النِّعمةِ، ولِيَربِطَ ما بعدَه مِن الوَعدِ الشديدِ بِه لِتَتِمَّ الدَّعوةُ بالتَرغيبِ والترهيبِ، فكأنَّه قال سُبحانَه: إنْ لم تُطيعوني لأجلِ سوابِقِ نعمتي، فأَطيعوني للخوفِ من لَواحِق عقابي.{وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين} عطفٌ على {نِعْمَتِيَ} وهو من عطفِ الخاصِّ على العامّ، وهو مما انفردت به الواو، ويُسمّى هذا النحوُ من العطفِ بالتَّجريدِ كأنَّه جَرَّدَ المَعطوفَ مِن الجُملةِ، وأَفرَدَ بالذِّكرِ اعتِناءاً به، والكلامُ على حذفِ مُضافٍ أي فضَّلتُ آباءَكم وهم الذين كانوا قبلَ التغيير، أو باعتبار أنَّ نِعمَةَ الآباءِ نعمةً عليهم، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ نجيناكم ..} البقرة: 49، والمُخاطَبون لم يَرَوْا فِرعوْنَ ولا آلَه، ولكنَّه تَعالى ذَكَّرهم أنَّه لم يَزَلْ مُنَعَّمًا عليهم، والمُرادُ بالعالمين سائرُ المَوجودين في وقتِ التَّفضيلِ، وتَفضيلُهم بما مَنَحَهم مِنَ النِّعَمِ المُشارِ إليْها بقولِه تعالى: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يا قوم اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً} المائدة: 20.ومِن اللَّطائفِ أنَّ اللهَ ـ سبحانَه وتعالى ـ أَشْهَدَ بَني إسرائيلَ فضلَ أَنفُسِهم فقال: "وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ" وأَشهدَ المسلمين فضلَ نفسِه فقال: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} يونُس: 8 5. فشَتَّان بين مَنْ مَشهودُه فضلَ ربّه، ومَن مَشهودُه فضلُ نفسِه.فهذه الأمَّةُ أَفضلُ منهم؛ لقوله ـ تعالى ـ خطاباً لها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} آل عمران: 110.وعن مُعاويَةَ بنِ حَيْدَةَ القُشَيْريِّ، قال: قال رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم: ((أنتم تُوفُونَ سبعينَ أُمَّةٍ، أَنتم خيرُها وأكرمُها على الله". والأحاديثُ في هذا كثيرةٌ سَتُذكَرُ عند قوله ـ تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} إنْ شاءَ اللهُ.قولُه تعالى: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين} أنَّ: وما في حَيِّزِها في محلِّ نَصْبٍ لعَطْفِها على المنصوبِ في قوله: {اذكروا نِعْمَتِي} أي: اذكروا نعمتيَ وتفضيلي إيَّاكم، والجارُّ متعلِّقٌ به. و"الفضلُ": الزيادةُ في الخَيْر، وهو في الأصل يتعدِّي بـ "على"، وقد يَتَعدَّى بـ "عَنْ": إمَّا على التَضمينِ وإمَّا على التَجَوُّزِ في الحذفِ، كقول الأصبع العدواني: لاهِ ابنُ عَمِّك لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍ .... عني ولا أَنْتَ دَيَّاني فَتَخْزَونيوقد يتعدَّى بنفسه، كقول جرير: وَجَدْنا نَهْشَلاً فَضَلَتْ فُقَيْماً ....... كفَضْلِ ابنِ المَخَاضِ على الفَصيلِوفِعْلُه: فضَلَ يَفْضُل بالضمّ، كقَتَلَ يَقْتُل. وأمَّا الذي مَعناه الفَضْلةُ مِنَ الشيءِ وهي البَقيَّةُ ففِعلُهُ أيضاً كما تقدَّم، ويُقالُ فيه أيضاً: "فَضِل" بالكَسرِ يَفْضَلُ بالفَتحِ كعَلِم يَعلَم، ومنهم مَنْ يَكسِرُها في الماضي ويَضُمُّها في المُضارعِ وهو من التداخُلِ بين اللُّغتين.و"على العالمين". إن جُعِلت "ال" للجِنس كما قال الزمخشري: فالقضية حقيقةٌ لا خارجيّة، وإنْ جُعلت للعَهدِ أي: عالَمَ زمانِهم فهي خارجيّة. | |
|