عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 14 الثلاثاء سبتمبر 04, 2012 6:33 am | |
| وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) قوله تعالى: {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا} أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ. وهي نظيرةُ الآيةِ الأخرى التي أَخبرَ اللهُ جَلَّ ثناؤه فيها عن المنافقين بخِداعِهم اللهَ ورسولَه والمؤمنين.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} إِنْ قِيلَ: لِمَ وُصِلَتْ "خَلَوْا" بِـ "إِلَى" وَعُرْفُهَا أَنْ تُوصَلَ بِالْبَاءِ؟ قِيلَ لَهُ: "خَلَوْا" هُنَا بِمَعْنَى ذَهَبُوا وَانْصَرَفُوا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:كَيْفَ تَرَانِي قَالِبًا مِجَنِّي ..................... أَضْرِبُ أَمْرِي ظَهْرَهُ لِبَطْنِلَمَّا أَنْزَلَهُ مَنْزِلَةَ صَرَفَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَإِذَا خَلَوْا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ، فَـ "إِلَى" عَلَى بَابِهَا. وَالشَّيَاطِينُ جَمْعُ شَيْطَانٍ عَلَى التَّكْسِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي اشْتِقَاقِهِ وَمَعْنَاهُ فِي الِاسْتِعَاذَةِ. وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِالشَّيَاطِينِ هُنَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: هُمْ رُؤَسَاءُ الْكُفْرِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ شَيَاطِينُ الْجِنِّ. وَقَالَ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: هُمُ الْكُهَّانُ. وَلَفْظُ الشَّيْطَنَةِ الَّذِي مَعْنَاهُ الْبُعْدُ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْخَيْرِ يَعُمُّ جَمِيعَ مَنْ ذُكِرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وقال الضَحّاكُ: شياطينُهم كَهَنَتُهم وهم في بني قُريظَةَ كعبٌ بنَ الأشرفِ. وفي بني أسْلَمَ أبو بُردةَ. وفي جُهينةَ عبدُ الدّارِ. وفي بني أَسَدٍ عوفٌ بنُ عامِرٍ. وفي الشامِ عبدُ اللهِ بنِ سوداءَ. وكانت العربُ تعتقد فيهم أنّهم مطَّلِعونَ على الغيبِ ويَعرفون الأسرارَ ويُداوون المرضى، وليس مِن كاهنٍ إلّا وعندَ العربِ أنَّ معه شيطانًا يُلقي إليه كهانتَه. قَوْلُهُ تعالى: {إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ} أَيْ مُكَذِّبُونَ بِمَا نُدْعَى إِلَيْهِ. وَقِيلَ: سَاخِرُونَ. وَالْهُزْءُ: السُّخْرِيَةُ وَاللَّعِبُ، يُقَالُ: هَزِئَ بِهِ وَاسْتَهْزَأَ، قال الراجز: قَدْ هَزِئَتْ مِنِّي أُمُّ طَيْسَلَهْ ................. قَالَتْ: أَرَاهُ مُعْدَمًا لَا مَالَ لَهْماءٌ طَيْسَلٌ، ونَعَمٌ طَيْسَلٌ، أي كثيرٌ. والطَيْسَلُ: الغبارُ. وَقِيلَ: أَصْلُ الِاسْتِهْزَاءِ: الِانْتِقَامُ، كَمَا قَالَ الْآخَرُ:قَدِ اسْتَهْزَءُوا مِنْهُمْ بألفي مدجج ...... سَراتُهم وَسَطَ الصَحاصِحِ جُثَّمُ.الصحاصح: جمعُ صَحْصَحٍ وهو المكان المستوي. رُوي أنَّ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ المنافقَ وأصحابَه خرجوا ذاتَ يومٍ فاسْتَقبلَهم نَفَرٌ من الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم فقال ابْنُ أُبيٍّ انظروا كيف أَرُدُّ هؤلاءِ السفهاءَ عنكم، فلمّا دَنَوْا منهم أخَذَ بِيَدِ أبي بَكْرٍ رضيَ اللهُ عنه فقال: مرحبًا بالصِدِّيقِ سيِّدِ بني تَيْمٍ وشيخِ الإسلامِ وثاني رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الغارِ، الباذِلِ نفسَه ومالَه لرسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ. ثمّ أخذ بيدِ عُمَرٍ رضي الله عنه فقال: مرحبًا بسيِّدِ بني عَدِيٍّ الفاروقِ القويِّ فى دِينِه، الباذِلِ نفسَه ومالَه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ أخَذَ بيَدِ عليٍّ رضي اللهُ عنه فقال: مرحباً بابْنِ عمِّ رسولِ اللهِ وخِتنِه، وسيِّدِ بني هاشمٍ، ما خَلا رسولَ اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلم. فقال له عليٌّ رضي اللهُ عنه يا عبد اللهِ اتَّقِ اللهَ ولا تُنافقْ فإنَّ المُنافقين شَرُّ خَلْقِ اللهِ. فقال له: مهْلًا يا أبا الحَسَنِ أنّى تقولُ هذا؟ واللهِ إنَّ إيمانَنا كإيمانِكم وتَصديقَنا كتَصديقِكم. ثمّ افترقوا فقال ابنُ أبَيٍّ لأصحابِه كيف رأيتُموني فعلتُ؟ فإذا رأيتُموهم فافعلوا ما فعلتُ، فأثْنوا عليهِ خيراً وقالوا: ما نَزالُ بخيرٍ ما عِشْتَ فينا. فرَجَعَ المسلمون إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم واخبروه بذلك فنزلت الآية. قولُه: "إذا" منصوبٌ بـ "قالوا" على الظرفية. و"لَقُوا" فعلٌ وفاعل، والجملةُ في محلِّ خفضٍ بإضافةِ الظرفِ إليها. وأصلُ لَقُوا: لَقِيُوا بوزن شَرِبوا، فاسْتُثْقِلتِ الضمةُ على الياءِ التي هي لامُ الكلمة، فحُذِفَتِ الضمةُ فالتقى ساكنان: لامُ الكلمة وواوُ الجمع ، ولا يمكن تحريكُ أحدهما، فَحُذِف الأوّلُ وهو الياء، وقُلِبت الكسرةُ التي على القاف ضمةً لتُجانِسَ واوَ الضمير، فوزنُ "لَقُوا": فَعُوا، وهذه قاعدةٌ مطردةٌ نحو: خَشُوا وحَيُوا ..وَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ السَّمَيْقَعِ الْيَمَانِيُّ: "لَاقَوُا الَّذِينَ آمَنُوا". وَالْأَصْلُ لَاقَيُوا، تَحَرَّكَتِ الْيَاءُ وَقَبْلَهَا فَتْحَةٌ انْقَلَبَتْ أَلِفًا، اجْتَمَعَ سَاكِنَانِ الْأَلِفُ وَالْوَاوُ فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ثم حركت الواو بالضم. وإن قيل: لِمَ ضُمَّتِ الْوَاوُ فِي لَاقَوُا فِي الْإِدْرَاجِ وَحُذِفَتْ مِنْ لَقُوا؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ قَبْلَ الْوَاوِ الَّتِي فِي لَقُوا ضَمَّةً فَلَوْ حُرِّكَتِ الْوَاوُ بِالضَّمِّ لَثَقُلَ عَلَى اللِّسَانِ النُّطْقُ بِهَا فَحُذِفَتْ لِثِقَلِهَا، وَحُرِّكَتْ فِي لَاقَوُا لِأَنَّ قَبْلَهَا فَتْحَةً.و{الذين آمنوا}به، و"قالوا" جوابُ "إذا"، و"آمنَّا" في محلِّ نَصْبٍ بالقول.قولُه: {وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ قالوا} تقدَّم نظيرُه، والأكثرُ في "خَلا" أنْ يتعدَّى بالباءِ، وقد يتعدَّى بـ "إلى" فنقول "خلا به أو خلا إليه"، وإنّما تَعَدَّى في هذه الآيةِ بـ "إلى" لمعنًى بَديعٍ، وهو أنّه إذا تعدَّى بالباء احتملَ مَعنييْن أحدُهما: الانفرادُ، والثاني: السُخْرِيَةُ والاستهزاءُ، تقول: "خَلَوْتُ به" أي سَخِرْتُ منه، وإذا تعدَّى بـ "إلى" كان نَصَّاً في الانفرادِ فقط، أو تقول: ضُمِّن خَلا معنى صَرَفَ فتَعدَّى بـ "إلى"، والمعنى: صَرفوا خَلاهم إلى شياطينهم، أو تضمَّن معنى ذهبوا وانصرفوا فهو كقول الفرزدق: ألم تراني قالِباً مِجنِّي .......................... قد قَتَلَ اللهُ زياداً عنِّيأي: صَرَفَه بالقتل، وقيل: هي هنا بمعنى مع، كقوله: {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ}. وقيل: هي بمعنى الباء.والأصل في خَلَوْا: خَلَوُوْا، فَقُلِبَتِ الواوُ الأولى التي هي لامُ الكَلِمَةِ أَلِفاً لتَحَرُّكِها وانْفتاحِ ما قبلَها، فبقيَتْ ساكنةً، وبعدَها واوُ الضميرِ ساكنةٌ، فالتقَى ساكنان، فحُذِف أوَّلُهما وهو الألفُ، وبَقِيَتِ الفتحةُ دالَّةً عليهَا.و{شياطينُهم} جمعُ شيطانٍ جمعَ تكسيرٍ، وقد تقدَّم القولُ في اشتقاقِه عند الحديثِ على الاستعاذة. و{قالوا إِنَّا مَعَكُمْ} إنَّ واسمُها و"معكم" خبرُها، والأصل في إنَّا: إنَّنا، كقولِهِ تعالى: {إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً} وإنّما حُذِفَتْ إحدى نوني "إنَّ" لَمَّا اتّصلتْ بنونِ نا، تخفيفاً، حُذِفَتِ النونُ الوسطى كما حُذِفَتْ في "إنَّ" إذا خُفِّفَتْ.و"مَعَ" ظرفٌ والضميرُ بعدَه في محلِّ خفضٍ بإضافتِه إليه، وهو الخبرُ كما تقدَّم، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، وهو ظرفُ مكانٍ. كونَه مُخْبِرٌ به نحو: زيدٌ معك، ولو كان ظرفَ زمانٍ لم يَجُزْ فيه ذلك. ولا يجوز تسكينُ عين "مَعَ" إلّا في شِعْرٍ. وهي من الأسماءِ اللازمةِ للإِضافةِ، وقد تُقْطَعُ لفظاً فتنتصِبُ حالاً في الغالِب، نقولُ: جاء الرجلان معاً أي مصطحِبَيْنِ، وقد تقعُ خبراً، كما في قول الشاعر: حَنَنتَ إلى رَيَّا ونفسُك باعَدَتْ ........... مَزارَكَ مِنْ رَيَّا وشَعْبَاكُما مَعَافَشَعْباكُما مبتدأ، و"معاً" خبرُه أي كائنان معاً، على أنّه يُحتملُ أنْ يكونَ الخبرُ محذوفاً، و"معاً" حالاً. واختلفوا في "مع" حالَ قَطْعِها عن الإِضافة: هل هي من بابِ المَقصورِ نحو: "عصا" و"رحا"، أو المنقوصِ نحو: "يَد" و"دم" ؟ قولان، الأولُ قولُ يونسَ والأخفشِ، والثاني قولُ الخليلِ وسِيبَوَيْهِ. قوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} كقولِه: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}، وهذه الجملةُ الظاهرُ أنَها لا مَحَلَّ لها من الإِعرابِ لاستِئنافِها إذْ هي جَوابٌ لرؤسائِهم، كأنّهم لمَّا قالوا لهم: "إنَّا معكم" توجَّه عليهم سؤالٌ منهم، وهو: فما بالُكم مع المؤمنين تُظاهِرونهم على دينهم؟ فأجابوهم بِهذه الجملةِ، وقيلَ: محلُّها النصبُ، لأنّها بَدلٌ من قولِه تعالى: "إنَّا معكم". | |
|