بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
(112)
{بلى} ردٌّ لقولهم الذي زعموه وإثبات لما تضمّنه من نفي دخول غيرهم الجنة . و{مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} أي انقاد لما قضى الله تعالى وقدر ، أو أخلص له نفسه أو قصده فلم يشرك به تعالى غيره . فمعنى أَسْلَمَ: خَضَع ، ومنه قول الشاعر:
وأَسْلَمْتُ وَجْهي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ……….. له المُزْنُ تَحْمِيلُ عَذْباً زُلالا
{وَهُوَ مُحْسِنٌ} جملةٌ في موضعِ نصبٍ على الحالِ والعاملُ فيها “أَسْلم” أي: أسلم وجهه محسناً ، وعَبَّر بالوجهِ لأنه أشرفُ الأعْضاءِ وفيه أكثرُ الحواسِّ، ولذلك يقال: وَجْهُ الأمرِ أي مُعظَمُه قال الأعشى :
أُؤوِّلُ الحُكْمَ على وَجْهِهِ …………….. ليسَ قضائي بالهوى الجائِرِ
وهذه الحالُ مؤكِّدة لأنَّ مَنْ أَسْلَمَ وجهه لله فهو مُحْسِنٌ له في عمله .
قوله: { فَلَهُ أَجْرُهُ } الفاءُ: جوابُ الشرطِ إنْ قلنا بأنَّ ” مَنْ ” شرطية ، أو زائدةٌ في الخبرِ إنْ قيل بأنَّها موصولةٌ ، وقد تقدَّم تحقيقُ القولين عند قولِه: {بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً} البقرة: 81 . و”له أجره” مبتدأٌ وخبرُه ، إمَّا في محلّ ِجزمٍ أو رفعٍ على حَسَبِ ما تقدَّم من الخلافِ في “مَنْ” ، وحُمِل على لفظِ “مَنْ” فأُفْرِدَ الضميرُ في قوله: {فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ} وعلى معناها فجُمع في قولِه: {عليهم وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ـ كما سلفت الإشارة إليه ـ وهذا أحسنُ التركيبين ، أعني البَداءَةَ بالحَمْلِ على اللفظ ثم الحَمْلِ على المعنى . والعاملُ في “عند” ما تعلَّق به “له” من الاستقرارِ ، ولمَّا أحال أجرَه عليه أضافَ الظرفَ إلى لفظةِ الربِّ لِما فيها من الإِشعار بالإِصلاحِ والتدبيرِ ، ولم يُضِفْهُ إلى الضمير ولا إلى الجلالةِ فيقول: فله أجرهُ عنده أو عندَ الله ، وقد تقدَّم الكلامُ في قولِه تعالى: “ولا خَوْفٌ” وما فيه من القرآءت .