يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
(104)
قوله تعالى: {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا} الجمهورُ على "راعِنا" أمرٌ من المُراعاة ، وهي النظرُ في مصالحِ الإِنسانِ وتَدَبُّرِ أمورِه ، و"راعِنا" يقتضي المشاركةَ لأنَّ معناه: ليكن منك رعايةٌ لنا وليكن منا رعايةٌ لك ، فَنُهوا عن ذلك لأنَّ فيه مساواتِهم به عليه الصلاة والسلام . وقرأ الحسنُ وأبو حَيْوَة: "راعِناً" بالتنوين ، ووجهُه أنه صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ ، أي: قولاً راعناً ، والمعنى: لا تقولوا قولاً ذا رُعونة . والرُّعونة: الجَهْل والحُمْق والهَوَج ، وأصلُ الرُّعونة: التفرُّقُ ، ومنه: "جَيْشٌ أَرْعَنُ" أي: متفرِّقٌ في كل ناحية ، ورجلٌ أَرْعَنُ: أي ليس له عَقْلٌ مجتمعٌ ، وامرأةٌ رَعْنَاءٌ ، ورَعَن الرجلُ يَرْعَنُ رَعَناً . وقرأ أُبَيّ:راعُونا أي خاطَبوه بلفظِ الجمعِ تعظيماً . والجملةُ في محل نصبٍ بالقول .
قوله: "انظُرْنا" الجملةُ أيضاً في محلِّ نَصْبٍ بالقولِ ، والجمهورُ على "انظُرْنا" بوصلِ الهمزةِ وضَمِّ الظاء أمراً من الثلاثي ، وهو نظرٌ من النَّظِرَة وهي التأخير ، أي: أَخِّرْنا وتأنَّ علينا ، قال امرؤ القيس :
فإنَّكما إنْ تَنْظُرانيَ ساعةً ............ من الدَّهْرِ يَنْفَعْني لدى أمِّ جُنْدَبِ
وقيل: هو من نَظَر أي: أبْصَرَ ، ثم اتُّسِعَ فيه فَعُدِّيَ بنفسِه لأنه في الأصلِ يَتَعدَّى بـ "إلى" ، ومنه :
ظاهراتُ الجَمالِ والحُسْنِ يَنْظُرْ ............ نَ كما يَنْظُرُ الأَراكَ الظباءُ
أي: إلى الأراك ، وقيل: مِنْ نَظَر أي: تفكر ثم اتُّسِعَ فيه أيضاً فإنَّ أصلَه أَنْ يتعدَّى بفي ، ولا بدَّ من حَذْفِ مضافٍ على هذا أي: انظُرْ في أمرنا وقرأ أُبيّ والأعمش: "أَنْظِرْنَا" بفتحِ الهمزةِ وكسرِ الظاءِ أمراً من الرباعي بمعنى: أَمْهِلْنا وأخِّرْنا، قال الشاعر:
أبا هندٍ فلا تَعْجَلْ عَلَيْنا ....................... وأَنْظِرْنا نُخْبِّرْكَ اليَقينا
أي: أَمْهِلْ علينا ، وهذا القراءةُ تؤيِّد أنَّ الأولَ من النَّظْرةِ بمعنى التأخير لا من البصرِ ولا من البصيرةِ ، وهذه الآيةُ نَظيرُ التي في سورة الحديد: "انظُرونا نقتبسْ من نوركم " .