روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الشواعر بين الماضي والحاضر(1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الشواعر بين الماضي والحاضر(1)  Jb12915568671



الشواعر بين الماضي والحاضر(1)  Empty
مُساهمةموضوع: الشواعر بين الماضي والحاضر(1)    الشواعر بين الماضي والحاضر(1)  I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 08, 2011 3:30 pm

الشواعر بين الماضي والحاضر

تأليف

الشاعر: عبد القادر الأسود



المقدّمة:
بسم الله الرحمن الرحيم

لما كان شعر النساء لم يحظ باهتمامٍ كافٍ في القديم فقد ضاع أكثره، والعرب لم ينظروا إلى المرأة ـ في الغالب ـ إلاّ نائحة على الموتى راثية لهم، لذلك كاد يقتصر ما رَوَوْا لها على المراثي، وإذا نظرنا في حكم الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأن الخنساء أشعر الناس، عَرَفنا أنّ الكثيرَ من شعرها قد ضاع، فلا بُدَّ من وجودِ الكثيرِ منه الذي يؤهِّلُها لمثل هذا الحكم من سيِّدِ الفصحاءِ والبلغاء، وإن كان ما وصلنا من شعرها قيّم ونفيس وفي منتهى الجودة، إنّما قد غلب عليه الرثاء، وبخاصة مراثيها في أخيها صخر الذي كانت تحبّه حبّاً جَمّا، وأظنّها قالت الكثيرَ غيرَه من قبلُ ومن بعد، فشاعرةٌ بوزن الخنساء ـ وقد عاشت عمراً مديداً، بحلوه ومرِّه ـ لا بدّ أنّها سجّلت مشاعرَها تجاه كلِّ شؤونِ هذه الحياة .
ثمّ مَرَّ بعد ذلك عصورٌ من الترف كثر فيه اللهوُ ومجالسُ الغناء، وكثُرتْ فيه الجواري والقِيان، حتى غلبت أخبارهن على باقي أخبار النساء، فلا تكاد تسمع إلا ذكر المغنيات، وأخبارَ مجالسِهِنّ، والأصواتَ التي غَنَّيْنَها، والمعجبين بهنّ، والمفتونين بأصواتهن وأدائهن وعزفهن، والشعر المرويُّ لهنَّ في هذه الفترة معظمُه من الأرجاز والتواشيح والدوبيت وغير ذلك من أنماطٍ استُحدثتْ لتصلُحَ للغناء.
ولم يحظَ شواعرُ العربِ على مرِّ العُصورِ بما يَستحقِّ من الاهتمام، ولم يُرْوَ لهنَّ الرواةُ إلاّ القليلَ، وهذا القليلُ معظمُه مُشَتَّتٌ في بطونِ أُمَّهاتِ الكتب والمراجع الضخمةِ التي يصعُبُ عل العامّة البحث فيها، واقتَصر ذلك على الباحثين والأدباءِ وذوي التخصُّصِ، لما بين هذه الكتبِ المطوّلاتِ وبين عامَّةِ الناسِ وطلاّبِ العِلمِ المبتدئين من بُعْدِ الشُقَّةِ نَظَراً لِتفاوُتِ المستوى اللُّغويِّ . لذلك فقد عَزَمتُ على تتبُّع شعر هؤلاء الشاعراتِ في مَظانِّ وُجودِهِ، وجمعِه وترتيبِِِه وتنسيقِه، وشرحِ ما هو بحاجةٍ إلى الشرح، وسأذكُر شيئاً من سِيَرِهِنَّ، بحيث أُسَهِّلُ على طلاّب العلم دراسةَ حياةِ وشعرِ هؤلاء الشواعر، ولن يقتصرَ عملي هذا على عصرٍ مُعَيَّنٍ، بل سيشمَلُ كلَّ العصورِ من العصرِ الجاهليِّ وحتّى العصرِ الحديث، ولن أتجاهلَ أيّاً من هؤلاء الشاعرات ـ ما استطعت إلى ذلك سبيلاً ـ طالما كان مستوفياً لمبادئ الشعر الأساسيَّةِ المتعارَفِ عليها عند النُقّاد، ولن أَحكُمَ عليه بالجَوْدةِ أو الرداءةِ، بل سأترُك ذلك إلى النُقّادِ والدُرّاسِ، وهذا لا يَعني أن أمتنعَ عن الإشارةِ إلى بعضِ مَواطِنِ الجمالِ والإبداع ـ ولو بشكلٍ سريع ـ بحيث يبقى عملي في إطاره المُعجميِّ، ولن يكون دراسةً أو نَقداً .
سائلاً المولى الكريمَ أنْ يوفِّقَني لإتمامِ هذا العمل بحيث يكونُ مساهمةً ـ ولو متواضعة في خدمةِ الأدب ودارسيه، وهو خير مأمولٍ وأكرمُ مسئول .


1 ـ الخنساء
تُماضر بنت عمرو بن الشريد

الخنساءُ اسمٌ ما يزال ملءَ أسماعِ الناس منذُ أربعةَ عشرَ قَرناً، وأظنُّه سيبقى كذلك إلى أن يَرِثَ اللهُ الأرضَ وما عليها.
أمّا اسمُها فهو: تُماضِرُ بنتُ عمرٍو بنِ الشريدِ من بَني سُلَيْمٍ، وبَنو سُلَيْمٍ من تميمٍ ـ من أكبر قبائل العرب وأشهرها ـ، وكانوا يسكُنون ما بين شَماليِّ الحِجازِ ونجدٍ، وفيهم يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( أنا ابنُ العواتِكِ من سُليم)) .
وتُماضِرُ ـ هذه ـ أشهرُ مَنْ لُقِّبَ بالخنساء، والخَنَسُ صِفةٌ محبّبةٌ في النساء، ومعناه تأخُّرُ الأنفِ عن الوجه وارتفاعٌ قليلٌ في أَرْنَبَتِهِ، وأكثرُ ما يكون الخَنَسُ في بقرِ الوحشِ والظباءِ، أمَّا في معنى تُماضِرَ فقد كانت العربُ تُطلقُ هذا الاسمَ على المرأة ذات البَشَرةِ البيضاء .
حياتُها: وُلدت الخنساءُ عامَ خمسةٍ وسبعين وخمس مئة للميلاد ـ على أرجح الأقوال ـ وترعرعتْ في بيتٍ من أكرم بيوتِ العرب، في كَنَفِ أبيها عَمْرٍو بنِ الشريد الذي كان سيّداً من سادات بني سُليم، وكان وجيهاً ثريّاً بَهِيَّ الطلعةِ في قومِه،كما كان أخواها ـ معاويةُ وصخرٌ ـ من أجملِ شبابِ العرب وأكرمِهم وأشجعِهم، وكانت الخنساءُ امرأةً من طِرازٍ فريدٍ في عصرِها، فقد كانت مالكةً لأمرِ نفسِها .
هكذا قال أبوها عنها عندما جاءه دريد بن الصِمّة (1) يطلب يدها ـ وكان قد رآها تهنأُ (2) بعيراً لها أصابه الجرب، فاختبأ يختلس النظر إليها فرآها تتجرّد فتغتسل في الغدير، وهي تحسَبُ أنّها بمَنْأى عن الأعيُنِ المتربِّصةِ بها لتنظُر
إلى فتنتها وجمالها، فقد أسرت قلبَه فأنشأ يقول:

حيّوا تُماضِرَ وارْبَعوا صَحْبي
وقِفوا فإنَّ وُقوفَكم حَسْبي(3)

أخُناسُ قد هام الفؤادُ بكم
وأصابــه تَبْلٌ من الحُبِّ(4)

ما إن رأيتُ ولا سمعتُ به
كاليومِ طاليَ أينُقٍ جُرْبِ(5)

متبذّلاً تبدوا محاسنُــهُ
يضعُ الهِناءَ مواضعَ النَّقْبِ(6)

متحسِراً نَضَخَ الهِناءَ به
نَضْحَ العبيرِ بريطـةِ العُطْبِ(7)

فسليهِـمُ عنّي خُنسُ إذا
عضَّ الجميعَ الخطبُ:ما خطبي

ثمّ رجع إلى صحبه ـ وكان تركهم لحاجته ـ فلاحظوا عليه ما غيّره، وسألوه
فحدثهم بما كان من أمر الخنساء، ثمّ تبعها إلى قومها نشوان جذلان ـ فقد كان أخوها معاويةُ صديقاً حميماً له ـ ومَنْ مِنْ بناتِ العَرَبِ لا تتمنّى فارسَ هَوازنَ وسيِّدَ بني جُشَمٍ والشاعرَ الفحلَ دريداً بنَ الصِمَّةِ، أحدَ أبطال العرب المعدودين؟ .
لم يكن يَتصوَّرُ أنَّ فتاةً يُمكن أنْ تردَّهُ أبداً، وأبوها يعرف لدريدٍ هذا كلَّه، كما يعرف لابنتِه تفرُّدَها بقوّةِ الشخصيّة، وصَرامةِ الإرادة، وضبطِ العواطف، وسَعة الإدراك، لذلك هاهو يُجيب دُريداً بحرارةِ مودّةِ الصديق، قائلاً:
مرحباً بك أبا قُرّةَ، إنّك الكريمُ لا يُطعنُ في حَسَبِه، والسيّدُ لا يُردُّ عن حاجتِه، والفحلُ لا يُقرَعُ أنفُه .. ولكنَّ لتُماضِرَ في نفسِها ما ليس لغيرِها . وأنا ذاكرُكَ لها، وهي فاعلةٌ. ثمّ دخل على ابنتِه يقول في غِبطةٍ:
يا خُنساء، أتاك فارسُ هَوازنَ وسيِّدُ بني جُشَمٍ: دريدٌ بنُ الصِمَّةِ، يخطبُك، وهو مَنْ تَعلمين . فأجابته:
يا أَبَتِ، أَتَراني تاركةً بَني عَمِّيَ مثلَ عَوالي الرماحِ، وناكحةً شيخَ بني جُشَمٍ، هامَةُ اليومِ أوْ غَدٍ؟ ثمّ يَضْغَطُ عليها أخوها معاويةُ لتقبلَ بصاحبِهِ دريدٍ زوجاً فتنشِدُ مبيِّنةً أسبابَ رفضِها هذا الزواجَ قائلةً:

يُبادرني حُميـــدةُ كلّ يومٍ
فما يُولي معاويةَ بنَ عَمرِو

لئن لم أُؤْتَ من نفسي نَصيباً
لقد أودى الزمانُ ـ إذاً ـ بصخرِ

أتُكرهني ـ هُبلْتَ ـ على دريدٍ
وقد أطردتُ سيّـدَ آلِ بدرِ

معاذ اللهِ ينكحني حَبَرْكى
قصيرُ الشَبْرِ من جُشَـمَ بنِ بكرِ

يرى مجداً ومكرُمةً أتاها
إذا عشّى الصديقَ جَريمَ تمرِ

ولوْ أصبحتُ في جُشَمٍ هَدِيّاً
إذاً أصبحتُ في دَنَسٍ وفَقْرِ

ويظهر من شعرها أنَّ أخاها معاويةَ ألحَّ عليها في أمر زواجها من صاحبه دريدٍ، وكان أخوها صخرٌ غائباً ـ فيما يبدو ـ فهي تقول له: ثكلتْكَ أمُّك (هُبِلْتَ) أتحسَبُ أنَّ أخي صخراً مات حتى تتفرّد برأيك، وتُكرهَني على أمرٍ لا أريدُه، ثمّ تَعيبُ دريداً بأنّه قصيرُ الظهر طويلُ الرجلين (حَبَرْكى) وهو قصير الشَبْرِ أي قصير النَظَرِ لا يُحسِنُ تقديرَ عواقِبِ الأمور، أَوْ ليس في سَعَةٍ من العيش (الشِبْر) ـ إذا أخذنا بالرواية الثانية ـ ويؤيِّدُ هذِه الروايةَ قولُها في البيت الأخير (ولو أصبحتُ في جُشَمٍ هَدِيّاً ـ عَروساً ـ إذاً أصبحتُ في دَنَسٍ وفَقر)، وقبله قولُها (جَريمَ تمرِ) أي التمر اليابس، فهو إذاً دون أبيها غنًى فإذا تزوّجت به ستعيش في ضيق وشظفِ عيشٍ بعد سَعةٍ ورخاء . ويجيبُها دريدٌ قائلاً:

وقاكِ اللهُ يا بنةَ آلِ عَمرِو
من الفتيانِ أشباهي ونفسي

وقالت: إنّني شيـخٌ كبيرٌ
وما نبّأتُها أنّي ابنُ أمسِ

فلا تَلِدي ولا يَنْكِحْكِ مثلي
إذا ما ليلةٌ طَرَقتْ بنحسِ

تُريدُ شَرَنْبَثَ القدمينِ شَثْناً
يُباشِرُ بالعَشيّـةِ كلَّ كِرْسِ

إذاً فقد دعا عليها بألا ينكحَها مثلُه ـ أبداً ـ وألاّ تَلِدَ من مثله، وينفي ادِّعاءها بأنّه شيخٌ كبيرُ السِنِّ، وأنّه فقير، ويقول بأنّ الذي فضّلتْهُ عليه هو خَشِنُ القدمين (شَرَنْبَثُ) غليظُ (شَثْنٌ)، لأنّه فقيرٌ جدّاً يَرعى الماشيةَ طَوالَ نهارِه، فإذا أمسى كان عليه أن يُنظِّفَ حَظائرَها من (الكَرْس) وهو ما تلَبّد من أبوالها وأبعارها.
وقيل لها: هلاّ جاوبته فقد هجاكِ؟ فقالت: والله لا أجمع عليه ردّه وهجاءه.
وكان لها ما أرادت فقد تزوّجت من ابنِ عمٍّ لها اسمُه عبدُ العُزّى بنُ عبدِ اللهِ بنِ رواحة السُلَميّ، فوَلَدتْ منه عمراً الملقّبَ بأبي شَجَرةَ الذي ارتدّ عن الإسلام، وحاربَ جيشَ خالد بن الوليد، وكأنَّ اللهَ استجابَ دعاءَ دريدٍ عليها فلم يكن زواجُها من ابنِ عمِّها موفَّقاً البَتَّةَ، فقد كان زوجُها هذا مُبَذِّراً مُقامِراً بَدَّدَ مالَه في اللهوِ والميسِرِ، فأتتْ أخاها صخراً فقاسمها مالَه، فبدّده زوجُها فعادت إلى أخيها ثانيةً وثالثة ورابعةً، وكان أخوها في كلِّ مرَّةٍ يقسِمُ مالَه شَطريْن فيعطيها أحسنَهُما، وكان زوجُها ـ في كلِّ مرَّةٍ ـ يُبَدِّدُ المالَ حتّى بَرِمَتْ بالآمرِ زوجُ أخيها وقالت له: ((إنّ زوجَها مُقامرٌ، وهذا ما لا يقومُ له شيءٌ، فإن كان لا بُدَّ فأعطِها أَخَسَّ مالِك، فإنّما هُو مُتلَفٌ، والخيارُ فيه والشِرارُ سِيَّانِ)) . فكان جوابُ صخرٍ:

واللهِ لا أَمنحُها شِرارَها
وهي حَصَانٌ قد كَفَتْني عارَها

ولو هَلَكْتُ مَزَّقَتْ خِمارَها
واتَّخَذَتْ من شَعَرٍ صُدارَهــا

ثمّ شَطَرَ مالَه فأعطى أُختَه أفضلَ شَطْريْهِ دون أن يَدري أنّه ـ بهذا ـ قد أثقلَ كاهلَها بديْنٍ باهظٍ أداؤه، فقد حكم عليها بأنْ تَبقى طَوالَ حياتِها حَليقةَ الرأسِ لابسةً صُدارةً من شَعر .
ثمّ إنّ هذا الزواجَ لم يَدمْ، فتزوَّجَتْ مِنْ ابْنِ عَمٍّ ـ آخر ـ لها اسمُه مِرداسٌ بنُ أبي عامر السُلَميّ، فوَلَدت له ابنةً واحدةً هي عَمْرَةُ بِنْتُ مِرداسٍ السُلَميّةُ، وكانت شاعرةً أيضاً، كما وَلَدت منه أربعةَ بنينَ هم: العبّاسُ، وزيدٌ، ومعاويةُ، وهُبيْرةُ، وهم ـ رضي الله عنهم ـ الذين استُشهِدوا أثناءَ فتحِ المسلمينَ لبلادِ فارسٍ، ولم تَزِدْ ـ رضي الله عنها ـ على أنْ قالتْ ـ حين بلَغَها نبأُ استشهادِهم ـ( الحمدُ لله الذي شرَّفني بجهادِهم واستشهادِهم، وأرجو أنْ يَجمَعَني بهم في مُسْتَقرِّ رحمتِه)) .
وكانتْ قد أوصتْهم ليلةَ خروجهم في جيش الفتح بالصبرِ والثَباتِ قائلةً: ((يا بَنيَّ، إنّكم أَسلمْتمْ طائعين، وهاجرتمْ مُختارين، وإنّكم لَبَني أَبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدة، ما خُنتُ أَباكم ولا فَضَحتُ أخوالَكم، ولا هَجَّنْتُ حَسَبَكم، ولا غيّرتُ نَسَبَكم . وقد تعلمون ما أَعَدَّ اللهُ للمؤمنين من الثواب الجزيلِ في حرب الكافرين، واعلموا أنَّ الدارَ الآخرةَ خيرٌ من الدارِ الفانية، يقول الله عزَّ وجلَّ: {يا أيها الذين آمنوا اصبِروا وصابروا ورابطوا واتّقوا اللهَ لعلّكم تفلحون .} فإذا رأيتُمُ الحربَ قد شمّرت عن ساقِها فتيمّموا وطيسَها (Cool، وجالدوا رسيسَها (9)، تظفروا بالغنى والكرامةِ في دارِ الخُلدِ والمقامة))
وكانت قد وَفَدتْ على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ في وفدٍ من قومها وأسلمت بين يديه، وكان ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ يستنشدُها قائلاً لها: ((هِهْ خُناسُ))، مشيراً بيده الشريفة .
توفيتْ ـ رضي الله عنها ـ في خِلافةِ عثمانَ بنِ عفّانٍ ـ رضي الله عنه ـ على الأرجح .
2 ـ شعرُها ومكانتُها الأدبية: يكادُ يُجمِعُ النقادُ على أنها أشعر شواعر العرب قاطبةً ما شذَّ عن هذا إلاّ القليل، حيث قدّم بعضهم عليها ليلى الأخيلية .
يُروى أنّها أَتت يوماً سوقَ عُكاظٍ (10) والنابغةُ الذبيانيُّ جالسٌ يَحكُم بين الشعراء، فأنشدتْه بعضَ مراثيها في أخيها صخر، بعد أن أنشده آخرون فيهم الأعشى وحسّانُ بنُ ثابت، فقال لها النابغة: ((والله لولا أنّ أبا بصيرٍ {الأعشى} سبقك لقلت لقلتُ إنّك أشعر الإنس والجنّ)) .
وقد وفد عَدِيٌّ بنُ حاتَم الطائيُّ على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبايعاً في وفدٍ من طيءٍ، فقام خطيباً فقال: (يا رسول الله إنّ فينا أشعر الناس وأسخى الناس وأفرسُ الناس) فقال النبيُّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((سَمِّهم يا عديّ)) فقال: ( أمّا أشعرُ الناسِ فامرؤ القيس بنُ حُجْر، وأمّا أسخى الناسِ فحاتَمُ بنُ سعدٍ ـ يعني أباه ـ وأمّا أفرسُ الناسِ فعَمرٌو بنُ مَعْدِ يَكرُبَ) فقالَ ـ عليه الصلاةُ والسلام: ((ليس كما قلتَ يا عديّ: أمّا أشعر الناس فالخنساء بنت عمرو، وأمّا أسخى الناس فمحمد، وأمّا أفرس الناسِ فعليٌّ بن أبي طالب)) (11)
وهل بعد هذه الشهادة من رسول الله سيِّدِ البُلغاءِ والفصحاء من شهادة؟ وذُكِر أنَّ (جريراً) سُئل ذات يومٍ: مَنْ أشعرُ الناس؟ فقال: أنا لولا هذه الخبيثة ـ يعني الخنساء ـ فقالوا له: بمَ فَضَلَتْك؟ فقال بقولها:

إنَّ الزمانَ ـ وما تفنى عجائبُهُ ـ
أبقى لنا ذَنَباً واستُؤصِلَ الراسُ

أبقى لنا كلَّ مجهولٍ وفجّعنــا
بالحالمين فهم هامٌ وأرمـاسُ (12)

إنّ الجديدين في طولِ اختلافهمــا
لا يفسُدان ولكن يفسُدُ الناسُ (13)

ذلك لأنها أتت في البيت الأخير بمعنى بكرٍ ما سبقت إليه . وقال بشارُ بن بُرد: لم تقل امرأةٌ شعراً إلا ظهر الضعفُ فيه، فقيل له: أو كذلك الخنساء؟ قال: تلك فاقت الرجال . (14)
دعي المُفضّلُ الضَبيُّ يوماً إلى مجلسِ المهْدي، فسأله ما أفخر بيتٍ قالته العرب؟ فأجاب: قولُ الخنساء:

وإنّ صخراً لَتأتمُّ الهُداةُ به
كأنّه علَمٌ في رأسِه نارُ

فأومأ الخليفةُ إلى أحد جلسائه وهو يقول للضَبِّيِّ: قلت له هذا فأبى عليَّ . فقال الضَبيّ: الصوابُ مع أميرِ المؤمنين . (15)
وذلك لأنّ الخنساءَ هي أوّلُ مَنْ أتى بهذا التشبيه أيضاً، فأخذَه عنها كثيرٌ مِن الشعراء بعدَها .
وشعر الخنساء بدويٌّ وعاطفتُها فيه جيّاشةٌ صادقةٌ، وقد أَدخلتْ في المرثيَّةِ العربيَّةِ الكثيرَ من المفردات والصفات الجديدة التي يصعب حصرُها، حتى اغترف من بحرها الفيّاضِ بالعاطفةِ الإنسانيَّةِ ـ في الرثاء ـ كلَّ مَنْ جاءَ بعدَها مِنْ شعراء وشواعرَ .
مختارات من شعرها:
1 ـ قالت تصف سباقاً جرى بين أبيها عَمْرٍو وأخيها صخرٍ، فقيل لها: لئن مدحتِ أخاك ـ اليومَ ـ فقد هجوتِ أباك ـ وكانت معروفةً بحبِّها الشديدِ لأخيها صخرٍ وكَثرةِ المدحِ له ـ فقالت تَصِفُ هذا بدِقَّةٍ وروعةٍ متناهيتيْن، فَصَوَّرتْ لنا الوثبةَ والحَرَكَةَ ورَصَدتْ الأنفاس والمشاعر، حتى إنّها نَقَلَتْ لنا أحاسيس المشاهدين بمنتهى الإبداعِ وحسنِ التخلُّصِ، وهذه القصيدة ـ في رأيي ـ من أروع قصائدها، قالت:

جارى أباه فأقبلا وهمـا
يتعاورانِ مُــلاءةَ الحُضْرِ

حتى إذا نَزَتِ القلوبُ وقد
لَزَّتْ هناكَ العُذْرَ بالعُذُرِ

وعلا هُتافُ الناسِ أيُّهما؟
قال المجيبُ،هناك،لا أدري

برزتْ صحيفةُ وجهِ والده
ومضى على غُلَوائه يجري

أولى فأولى أنْ يُساويَهُ
لولا جلالُ السِنِّ والكِبْرِ
وهما كأنّهما ـ وقد بَرزا ـ
صقرانِ قد حَطَّا على وَكْرِ

إذاً انطلق الفارسان بسرعة فائقة فكنت ترى الغبار (الحُضْرَ ) ـ بحسب إحدى الروايتين ـ فوقهما وكأنّه مُلاءةٌ، أو هي مُلاءةُ الفخر ـ إذا أخذنا بالرواية الثانية ـ وهذه المُلاءةُ تنتقل فطوراً تكون فوق الأبِ وآخرَ تكون فوق الابنِ .
أما المتابعون للسباق فإنّهم متحمِّسون أشدَّ الحماس حتى إذا قفزت القلوب (نَزَتْ) من مكانها لمعرفة من السابق منهما، لكنّ عُذُرَ الفرسين ( والعُذْرُ هو سَيْرُ لجام الفرس ) متلاصقةٌ (متلازّةٌ ) كنايةً عن تساويهما ـ من ناحية ـ وتصويراً لحال الفرس ـ حين السباق ـ حيث يقتربَ كلٌّ فرسٍ من الآخر وكأنَّه يَدفع به إلى الخلف .
وتعلو أصوات المتابعين متسائلة ولا جواب . فقد لاح وجهُ والدِهِ وكأنَّه البدرُ في المقدِّمةِ، وحاول صخرٌ الذي تتدفق دماء الشباب في وريده فتملؤه حيويّةً ونشاطاً، لقد كان جديراً بأن يسبقَ والدَه، لكنّ جلالَ سنِّهِ وواجبَ الاحترام، منعاه فلم يفعلْ، وتأخَّرَ عنه قليلاً حتى لتحسبهما صقران قد حطّا على وكرٍ واحدٍ معاً، كلٌّ منهما يريدُ الظفرَ بالفريسة.
2 ـ أما القصيدة الثانية التي اخترناها لك ـ قارئي الكريم ـ فهي في رثاء زوجها الثاني، مرداسٍ بنِ عامرٍ السُلَمي، قالت:

ولمّا رأيتُ البدرَ أظلمَ كاسفاً
أَرَنَّ شَواذٌ؛بطنُهُ وسوائلُهْ (16)

رنيناً، وما يُغني الرنينُ وقد أتى
بموتِكَ من نحوِ القُرَيَّةِ حاملُــــهْ

وقلنَ ألا هل من شفاءٍ ينالُهُ؟
وقد مُنِعَ الشفاءَ مَنْ هو نائلُهْ

وفضّلَ مرداساً على الناسِ حِلمُهُ
وأنْ كلُّ هَمٍّ هَمَّـهُ فهو فاعلُـهْ

وأنْ كلُّ وادٍ يكره الناسُ هَبْطَهُ
هبطتَ وماءِ منهلٍ أنتَ نائلُهْ

تركتَ به ليلاً طويلاً ومنزلاً
تَعادى على ظهرِ الطريقِ عواسِلُهْ(17)

وسبيٍ كآرامِ الصريمِ تركتَهُ
خلالَ ديارٍ مستكيناً عواطِلُهْ(18)

وعُدْتَ عليهم بعدَ بُؤسى بأنْعُـمٍ
فكلُّهم تُعْنى به وتُواصلُـــهْ

متى ما توازنْ ماجداً تَعْدِلْ بِهِ
كما عَدَّلَ الميزانَ بالكفِّ راطلُهْ(19)

أما القصيدة الثالثة فيه في رثاء أخيها معاوية، وكان قتله هاشمٌ بنُ حَرْمَلَةَ المُرِّيُّ في غزوةٍ له على بني مُرَّةَ، تقول فيها:

يا عينُ جودي بالدمــو .. عِ المستهلاّتِ السواجمْ
فيضاً كما انخرق الجُمـا .. نُ وجال في سلك النَواظمْ
وابكي معاويـةَ الفتى ** وابنَ الخَضَارِمَةِِ القَماقمْ (20)
والحازمَ الباني العُلا ** في الشاهقاتِ من الداعائمْ
تلقى الجزيلَ عطــاؤهُ ** عند الحقائــــــقِ غيرَ نادمْ

أما مراثيها في أخيها صخر فشيء كثير ، هو معظم شعرها لكننا سنكتفي بقصيدتها الرائية الشهيرة ومقطوعتين اثنتين، وكان أخوها معاوية أخاً شقيقاً بينما كان أخوها صخرٌ أخاها من أبيها، ومع ذلك فسنرى تفجُّعَها عليه أقوى عاطفةً وأشدَّ أسراً، وفيه الكثير من الصور البديعة المبتكرة، ذلك لأنّه قاسَمَها ماله أربع مرات كما سلف ذكرُه .
أمّا سبب وفاته فهو أنّه غزا بني أَسَدٍ فسبى نساءهم وأصاب الكثيرَ من مالِهم، لكنّه أصيب بطعنةٍ من ربيعةَ بنِ ثورٍ الأسدي، وبقي يعاني منها عاماً ونيّفاً، فرثته أختُه الخنساءُ، وبكته بكاءً مُرّاً، وحزنت عليه بقيَّةَ عمرِها، فعاشت حليقةَ الشعر لابسة صُدارةً من شعر، وهذه أشهر قصائدها فيه:

قذًى بعينِكَ أم بالعينِ عُوّارُ
أم ذرّفتْ إذ خلتْ من أهلها الدارُ (21)

مشيَ السَبَنْتَى إلى هيجاءَ مُعْضِلَةٍ
له سلاحانِ أنيابٌ وأظفـــــارُ (22)

وإنَّ صخراً لتأتمُّ الهُداةُ بــهِ
كأنّهُ عَلَمٌ في رأسِــــــــهِ نارُ

حمّالُ ألويةٍ هبّاطُ أوديـةٍ
شَهّادُ أنديةٍ للجيشِ جَــــــرّارُ

قد كان خالصتي من كلِّ ذي نسبٍ
فقد أُصِبْتُ فما للعيشِ أوطـــارُ

لا يمنع القومَ إن سألوه خِلْعَتهُ
ولا يُجاوِزُه بالليـــــــلِ مرّارُ

وهذه مقطوعةٌ في رثائه:

ألا يا صَخرُ إنْ أبكيتَ عيني
فقد أضحكتني زمناً طويلا
بكيتُكَ في نســاءٍ مُعْوِلاتٍ
وكنتُ أحقَّ مَنْ أبْدى عويلا

دفعتُ بكَ الجليلَ وأنتَ حيٌّ
فمن ذا يدفعُ الخطبَ الجليلا

إذا قَبُحَ البكاءُ على قتيلٍ
رأيتُ بكاءكَ الحَسَنَ الجميـلا

وهذه مقطوعة أخرى تفيض أسًى ولوعةً، تقول:

وقائلةٍ والنعشُ قد فات خطوَها
لتُدركَه: يا لهفَ نفسي على صخرِ

ألا ثكلتْ أُمُّ الذين مَشَوْا بـهِ
إلى القبر؛ ماذا يحملون إلى القبرِ!

وماذا يواري القبرُ تحت ترابهِ
من الخير؛يا بؤسَ الحوادثِ والدهرِ

كأنْ لم يقلْ أهلاً لطالبِ حاجةٍ
وكان بليجَ الصدرِ منشرحَ الصدرِ

وبعد أليس عجيباً أن لا نرى في شعرها أثراً لأبنائها الأربعة الذين استشهدوا جميعاً في وقعةٍ واحدةٍ؟ وألا نراها ترثي الرسول الأعظم الذي آمنت به وصدّقته واتبعت شرعه ؟ أو لخليفتيه الأول والثاني أبو بكرٍ وعمرَ ـ رضي الله عنهما ـ وقد توفّيا قبلَها، بينما جزِعتْ على أخيها كلَّ هذا الجَزَعِ، وحزنت كلَّ هذا الحزن؟
أَوَ طغى بكاؤها صخراً على كلِّ بكاءٍ، أم أنّها كانت قد صمتت ولم تقل شعراً طوال حياتها؟ كما أنّنا لم نَرَ في شعرِها أثراً لابنها أبي شجرة الذي ارتدّ عن الإسلام، ولا لابنتها الشاعرة عَمرة، أم أنَّ الرُواة قد أغفلوا ذلك كلَّه فخيم عليه النسيان وعفا عليه الزمان ؟ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الصِمّة: من أسماء الأسد، وتطلق على الشجاع
2 ـ تهنأ: هّنَأَ البعيرَ أي طلاه بالقار ((القطران)) ليشفى من جَرَبِه إذا أصابه الجرب .
3 ـ أربعوا: قفوا وانتظروا .
4 ـ التَبْلُ: السقام بسبب شدة الحب .
5 ـ الأَيْنُق: جمعُ ناقة .
6 ـ الهِناء: القَطشرانُ ، والنَقْبُ أثر الجرب، حفرة يتركها في الجلد
7 ـ النضحُ: النثر ، يقال نضحه بالطيب إذا نثره عليه ورشّه به ـ العُطْبُ: النسيج الطري ( القطن) ـ الريطةُ: الملاءة .
8 ـ الوطيس: فرن للخبز يشبه التنور .
9 ـ الرسيسُ: العلمُ الفطن، وثابت القدم الذي لا يتزحزح عن موقفه .
10 ـ عكاظ:سوق من أسواق العرب المعروفة في الجاهلية، يقع بين نخلة والطائف، كان العرب يأتون هذا السوق كلّ عام فيبيعون ويشترون ويتعاكظون (يتفاخرون ، والعكظ الحبس والعرك والقهر ) ويتناشدون القريض مدّة عشرين يوماً من ذي القعدة .
11 ـ خزانة الأدب الجزء الأول ص: 208
12 ـ الهامُ: الصدى ، والأرماس: القبور
13 ـ الجديدين: الليلُ والنهار .
14 ـ الشُريشي المقامات ، ص: 233 .
15 ـ نفس المصدر السابق
16 ـ أرنَّ: بكى ، شَواذ: اسم جبل قرب مكة ـ سوائله: ما سال منه .
17 ـ عواسل: جمع عاسل وهي أنثى الذئب وتطلق على الذكر كذلك ـ تتعادى تتسابق بالعدو .
18 ـ الآرام: جمع رئم وهو الغزال الأبيض ـ الصريم: اسم مكان كثير الظباء ـ
مستكيناً: ذليلاً ، ضعيفاً ـ العواطل: اللواتي لا حُليّ لهن .
19 ـ راطلُهُ: وازنُه .
20 ـ الخضارم: السادة الكرماء ـ القماقم: السادة الشرفاء .
21 ـ القذى: قيح يخرج من العين حال الرمد ـ العُوّارُ: أثر العود في العين .
22 ـ السَبَنْتى: النَمِرُ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الشواعر بين الماضي والحاضر(1)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الشواعر بين الماضي والحاضر(2) هند هارون
» الشواعر بين الماضي والحاضر(3) عُليّة بنت المهدي
» الشواعر بين الماضي والحاضر(4) نازك الملائكة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: روضة الشاعر عبد القادر الأسود الخاصة ::... :: روضة البحوث و الدراسات-
انتقل الى: