شهوة الحكم وسطوة العقل
كثيراً ما تساءلت في خلوة مع نفسي ، لماذا نرى الحاكم يصر على حكم شعبه بالقوة بعد أن يتبين له عدم رغبة هذا الشعب باستمراره في الحكم ؟
لماذا لا يمضي بما كنزه من مال هذا الشعب ليتنعم هو وأولاده بما سرق واختلس ؟ وما هو بالقليل ، إنه يكفي ليعيش هو وذريته عيش الأباطرة والأكاسرة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها .
بل تراه بدلاً من ذلك يمعن قتلاً وسفكاً للدماء ويعلم أن هذا الشعب سوف يأخذ بالثأر لكرامته ودم أبنائه ولو بعد حين .
تصوروا لو أن القذافي ـ مثلاً ـ تخلى عن الحكم دون سفك للدماء ، وسلم الحكم لسلطة منتخبة ، وذهب ليمضي بقية حياته في جزر الكناري ، مثلاً ، هو وأولاده فينعموا بما اختلسوه وما كنزوه ، أليس هذا ما يقتضيه العقل ؟؟
بينما رأيناه يصر على التمسك بالسلطة وحكم الشعب بالقوة حتى يخسر المال الذي اكتنزه ويرى أولاده يموتون أمام عينيه ثم ليموت هو شرَّ ميتة ؟
وما يقال عن القذافي ينسحب على غيره .
تصوروا لو أن حسني مبارك سلم السلطة بعد ثلاثين عاماً سلب خلالها ما لا يحصى من مال وادخر ما لا يتخيل من كنوز ومضى لينعم بها هو وأولاده وذريته ويقضي بقية حياته بأمن وأمان مرفهاً منعماً مطمئناً على أولاده وأحفاده ، أليس ذلك خير له من كل هذه الإهانة والذل ولاخوف على مصيره ومصير أولاده ، ويخسر كل ما كنزه ؟
أليس هذا ما يقتضيه العقل ؟
لكنه حكم الله في الظالم وانتقامه وشهوة الحكم والتسلط يتغلبان على سطوة العقل ويعميان البصيرة والبصر حتى يضيع كل ما كنز من المال السحت ، وقد سئل الرسول عليه الصلاة والسلام عن المال الحرام فقال : يذهب هو وأهله .
إنه انتقام الله الجبار المنتقم الذي يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، فإن هؤلاء الظلمة يدفعون ثمن ما اقترفوه باهظاً ويمضون إلى قدرهم المحتوم تلاحقهم لعنات الشعوب والتاريخ هم ومن يبقى من ذريتهم إلى قيام الساعة .
إنها شهوة الحكم وحب التسلط تعمي العيون وتلغي سلطان العقل فلا يتعظ هؤلاء بما يرونه أمامهم ، إنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى البصائر والقلوب التي في الصدور