قولُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لفظُ الجلالةِ "اللَّهُ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ. و "نُورُ" خَبَرُهُ مَرْفوعٌ وهوَ إِمَّا عَلْى حَذْفِ مُضافٍ أيْضًا، أَيْ: ذُو نُورٍ السَّمَاوَاتِ والأرضِ. والمُرَادُ بالنُّور عَدْلُه. ويؤْيِّد هذا قوْلُهُ بعدَ ذَلِكَ: "مَثَلُ نُورِهِ". وأضَافَ النُّورَ لهَذَيْنِ الظَّرَفَينِ: إِمَّا دَلالةً عَلى سَعَةِ إِشراقِهِ وَانتشارِ إِضاءَتِهِ، حَتَّى تُضيءَ لَهُ السَّمَاواتُ والأرضُ، وإِمَّا لإِرادةِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ والأرٍضِ، وأَنَّهمْ يَسْتضيئُونَ بِهِ. وَيَجوزُ أَنْ يُبَالَغَ في العِبَارَةِِ عَلَى سَبيلِ المَدْحِ كَقوْلهم: فُلانٌ شمسُ البِلادِ وقمرُها، قال نابغَةُ بني ذُبْيانَ يمدَحُ المَلِكَ النُّعمانَ:
فإنَّك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ .................... إذا ظهرَتْ لم يَبْدُ منهنَّ كوكبُ
ويجوزُ أَنْ يكونَ المصدرُ واقِعاً موقعَ اسمِ الفاعلِ أي: مُنَّوِّرُ السماواتِ. ويؤيِّد هذا الوجهَ قراءةُ أميرِ المؤمنين وزيدِ بن علي وأبي جعفر وعبد العزيز المكي "نَوَّرَ" فعلًا ماضيًا. وفاعلُه ضميرُ الباري ـ تَعالى، و "السَّماواتِ" مفعولُه فكَسْرُه نصبٌ. و "الأرضَ" بالنصبِ عطف نَسَقٍ عليه. وفَسَّره الحسنُ فقال: الله مُنَوِّرُ السماوات. وهوَ مُضافٌ، و "السَّمَاوَاتِ" مَجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "وَالْأَرْضِ" الواوُ: للعَطْفِ، و "الْأَرْضِ" مَعْطُوفٌ عَلَى "السَّمَاوَاتِ" مَجْرورٌ مِثْلُهُ. والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قوْلُهُ: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} مَثَلُ: مَرفوعٌ بالابْتِداءِ، مُضافٌ. و "نورِهِ" مجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ، ومُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ. واخْتَلَفُوا في هذا الضَّميرِ، فَقِيل: يعودُ للهِ تَعَالَى، وَهُوَ الأَوْلَى، والمُرَادُ بِالنُّورِ عَلَى هَذَا: الآياتُ المبيناتُ المتقدمةُ، أَوِ الإِيمان، وَقِيلَ: يَعودُ عَلَى المُؤْمِنِينَ، أَوْ المُؤْمِنِ، أَوْ مَنْ آمنَ بِهِ. وَقَدْ قَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كعبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، بِهَذِهِ الأَلْفَاظِ كُلِّهَا. وَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى مَا قَرَأَ بِهِ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لِهَذِهِ الأشْيَاءِ ذِكْرٌ. وَأَمَّا عَوْدُهُ عَلى المُؤْمِنِينَ في إِحدى قِرَاءاتِ أُبَيٍّ، فَفَيهِ إِشْكالٌ مِنْ حَيْثُ الإِفْرَادُ. قَالَ مَكِيٌّ: "يُوْقَفَ عَلَى "الأَرْضِ" في هَذِهِ الأَقْوَالِ الثلاثةِ. وَ "كمشْكاةٍ" الكافُ: حرفُ جَرٍّ للتَّشْبيهِ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرِ المُبْتَدَأِ تقديرُهُ "كائنٌ"، ويجوزُ إعْرابُ الكافِ: اسْمٌ بِمَعْنَى "مِثْل"، في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ، وَ "مشْكاةٍ" مجرورٌ بِحَرفِ الجَرِّ. وَهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ جملةٌ مُفَسِّرةٌ لإِيضَاحٌ مَا قَبْلَهَا لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
وثَمَّةَ هُنَا مُضَافٌ مَحْذُوفٌ، تَقْديرُهُ: كَمَثَلِ نُورِ مِشْكاةٍ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ: صِفَةُ نُورِهِ العَجيبِ الشَّأْنِ في الإِضَاءَةِ كَمِشْكاةٍ، أَيْ: كَصِفَةِ مِشْكاةٍ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا في هَذَا التَّشْبِيهِ: أَهُوَ تَشْبِيهٌ مُرَكَّبٌ، أَيْ: قُصِدَ فِيهِ تَشْبِيهُ جُمْلَةٍ بِجُمْلَةٍ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى مُقَابَلَةِ جُزْءٍ بِجُزْءٍ، بَلْ قَصَدَ ـ سُبْحانَهُ، تَشْبيهَ هُدَاهُ وَإِتْقَانَ صِنْعَتِهِ في كُلِّ مَخْلُوقٍ عَلَى الجُمْلَةِ بِهَذَهِ الجُمْلَةِ مِنَ النُّورِ الَّذي يَتَّخذونهُ. وَهُوَ أَبْلَغُ صِفَاتِ النُّورِ عِنْدَكُمْ؟. أَوْ تَشْبيهٌ غَيْرُ مُرَكَّبٍ، أَيْ: قُصِدَ بِهِ مُقَابَلَةُ جُزْءٍ بِجُزْءٍ؟. وَيَتَرَتَّبُ الكَلَامُ فِيهِ بِحَسَبِ الأَقْوالِ المُتقدِّمةِ في هاءِ الضَّمِيرِ مِنْ "نُورِهِ".
قولُهُ: {فِيهَا مِصْبَاحٌ} فِي: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "مِصْبَاحٌ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ. وهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْميَّةُ في مَحَلِّ الجَرِّ صِفَةً لِـ "مِشْكَاةٍ". وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ الجارُّ وَحْدَهُ هُوَ الوَصْفُ، وَ "مِصْبَاحٌ" مُرْفوعٌ بالفَاعِليَّةِ.
قولُهُ: {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} الْمِصْبَاحُ: مَرْفوعٌ بالابْتِداءِ، و "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرِ المُبْتَدَأِ. و "زُجَاجَةٍ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَهَذِهِ الجُمْلة الاسميَّةُ تَفْسِيرِيَّةٌ لِمَا قَبْلَهَا, لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {الزُّجَاجَةُ} مَرفوعٌ بالابْتِداءِ، خَبَرُهُ جملةُ "كَأَنَّ" بَعْدَهُ، والجُمْلَةُ مِنَ المُبْتَدَأِ والخَبَرِ، جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا أَيْضًا، فَلَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قوْلُهُ: {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} كَأَنَّ: حرفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ، و "هَا" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ بِهِ على كونِهِ اسْمًا لَهُ. و "كَوْكَبٌ" خَبَرُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. و "دُرِّيٌّ" صِفَةٌ لِـ "كَوْكَبٌ" مَرْفوعَةٌ مِثْلُهُ. وَجُمْلَةُ "كأن" مِنِ اسْمِها وخبرِها خَبَرُ المُبْتَدَأِ "الزُّجَاجَةُ" في مَحَل الرَّفْعِ.
قولُهُ: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ ولا غربيَّةٍ} يُوقَدُ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مُغَيَّرُ الصِّيغَةِ، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، ونائبُ فَاعِلِهِ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلَى "الْمِصْبَاحُ". و "مِنْ" حَرْفُ جَرٍّ لابتداءِ الغايةِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُوقَدُ"، و "شَجَرَةٍ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وَلَكِنَّهُ عَلَى تَقْديرِ مُضَافٍ، أيْ: مِنْ زَيْتِ شَجَرَةٍ. و "مُبَارَكَةٍ" صِفَةٌ لِـ "شَجَرَةٍ". و "زَيْتُونَةٍ" مجرورٌ عَلَى البَدَلِ مِنْ "شَجَرَةٍ"، وعندَ الكُوفِيِّينَ هي عَطْفُ بَيَانٍ، وقد تَبِعَهُمْ في ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ. وَ "لَا" نافيَةٌ، و "شَرْقِيَّةٍ" صِفَةٌ ثانِيَةٌ لِـ "شَجَرَةٍ" مجْرورةٌ مِثْلُها، و "ولا غربيَّةٍ" الواوُ: حرفُ عَطْفٍ، و "لا غَرْبِيَّةٍ" معطوفٌ على "لَا شَرْقِيَّةٍ" مجرورٌ مِثْلُهُ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ على الحَالِ مِنَ الضَّميرِ المُسْتَكِنِّ في الجَارِّ وَالمَجْرُورِ مِنْ قَوْلِهِ: "فِي زُجَاجَةٍ"، العائدِ إِلَى المِصْبَاحِ، والتَّقْديرُ: المِصْباحُ كائنٌ وَفَي زُجاجَةٍ حَالَةَ كَوْنِهِ يُوقَدُ مِنْ زَيْتِ شَجَرَةٍ.
قولُهُ: {يَكَادُ زَيْتُهَا} يَكَادُ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ نَاقِصٌ مِنْ أَفْعَالِ المُقَارَبَةِ. و "زَيْتُهَا" اسْمُهُا مَرْفوعٌ بها، مُضافٌ، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ. وَخبرُها جُمْلَةُ "يُضِيءُ". وَالجُمْلَةُ مِنْ "يَكَادُ" واسْمِها وخبرِها في مَحَلِّ الجَرِّ صِفَةً ثالِثَةً لِـ "شَجَرَةٍ".
قوْلُهُ: {يُضِيءُ} فعلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تَقْديرُهُ (هُوَ) يعودُ على "زيتُها". والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ خَبَرُ "يكادُ".
قولُهُ: {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} الواوُ: عاطفةٌ عَلى جُمْلَةِ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، وَقَعَتْ حَالًا مِنْ فاعِلِ "يُضِيءُ"، والتقديرُ: يُضِيءُ زَيْتُهُا لَوْ مَسَّتْهُ نَارٌ لَأَضاءَ، وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ لَأَضَاءَ. و "لَوْ" حَرْفٌ شَرْطٍ غَيْرُ جَازِمٍ. و "لَمْ" حَرْفُ جَزْمٍ ونفيٍ وقلبِ. و "تَمْسَسْهُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مجزومٌ بها، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فس محلِّ النَّصْبِ مَفعولٌ بِهِ. و "نَارٌ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. وَالجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ فِعْلُ شَرْطِ "لَوْ". وَجَوَابُها مَحْذوفٌ، والتقديرُ: لَأَضَاءَ ذَلِكَ الزَّيْتُ. وَجُمْلَةُ "لَوْ" مِنْ فعلِ شرطِها وجوابها في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ، عَطْفًا عَلى شَرْطٍ مَحْذُوفٍ. سَبَقَ تَقْديرُهُ آنِفًا، وَالتَّقْديرُ: يَكَادُ زَيْتُهَا يٌضيءُ، حَالَةَ مَسِّ النَّارِ إِيَّاهُ، وَحَالَةَ عَدَم مَسِّهَا إيَّاهُ كَذلكَ.
قولُهُ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} نُورٌ: خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ، تَقْديرُهُ: نُورُ المِصْبَاحِ الذي شَبَّهَ بِهِ الحَقُّ، نُورٌ عَلى نُورٍ؛ أَيْ: نُورٌ بِالزَّيْتِ كَائِنٌ مِنْ نُورٍ بِالنَّارِ. و "عَلَى" حرفُ جَرٍّ، مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "نُورٌ"؛ و "نُورٍ" مَجْرُورٌ بخرفِ الجَرِّ، أَيْ: هَذَا النُّورُ نُورٌ كائنٌ مَعَ نُورٍ، فَـ "عَلى" هنا بِمَعْنَى "مَعَ". وَهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ فَخَامَةِ ذَلِكَ النُّورِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ} يَهْدِي: فعلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفعِهِ ضمَّةٌ مُقدَّرةٌ على آخِرِه لثِقَلِ ظُهُورها عَلَى الياءِ. ولفظُ الجلالةِ "اللَّهُ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. و "لِنُورِهِ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَهْدِي"، و "نورِ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ مبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالمَفْعُولِيَّةِ لـ "يَهْدِي". وَالجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَقْريرِ تَنْفيذِ مَشيئَتِهِ ـ تَعَالَى، لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {يَشَاءُ} فعلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ، لَتَجَرُّدِهِ مِنَ الناِصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جَوازًا تَقْديرُهُ (هو)، يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تباركَ وَتَعَالى. وَالجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصولِ (مَنْ) لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، والعائدُ مَحْذُوفٌ والتَّقْديرُ: مَنْ يَشَاؤُهُ.
قوْلُهُ: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "يَضْرِبُ" فعلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ الناِصِبِ والجازِمِ، ولفظُ الجلالةِ "اللَّهُ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. و "الْأَمْثَالَ" مَفْعُولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ. و "لِلنَّاسِ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَضْرِبُ"، و "النَّاسِ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "يَهْدِي" على كونِها مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ، أَوْ عَاطِفَةٌ. ولفظُ الجلالةِ "الله" مَرفوعٌ بالابْتِدَاءِ. و "بِكُلِّ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ، مُتَعَلِّقٌ بالخَبَرِ "عَلِيمٌ"، وَ "كُلِّ" مَجْرُورٌ بحَرْفِ الجَرِّ مُضافٌ، و "شَيْءٍ" مَجْرورٌ بالإضافَةِ إِلَيْهِ. و "عَلِيمٌ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ مَرْفوعٌ، وَهّذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أَوْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "يَضْرِبُ"، وهي في الحاليْنِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قرأَ العامَةُ: {دُرِّيٌّ} بِضَمِّ الدَّالِّ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِلَا هَمْزٍ، أَيْ: شَديدُ الإِنارَةِ نُسِبَتْ إِلَى الدُّرِ فِي صَفَائِهِ وَحُسْنِهِ، وإِنْ كانَ الكَوْكَبُ أَكْثَرُ ضَوْءً مِنَ الدُّرِّ، لَكِنَّهُ يَفْضُلُ الْكَوَاكِبَ بِضِيَائِهِ، كَمَا يَفْضُلُ الدُّرُّ سَائِرَ الْحَبِّ.
وَقِيلَ: الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ وَاحِدٌ مِنَ الْكَوَاكِبِ الْخَمْسَةِ الْعِظَامِ، وَهِيَ زُحَلُ وَالْمِرِّيخُ وَالْمُشْتَرِي وَالزُّهَرَةُ وَعُطَارِدُ.
وقيل: شبهه بالكواكب، وَلَمْ يُشَبِّهْهُ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَلْحَقُهُمَا الْخُسُوفُ وَالْكَوَاكِبَ لَا يَلْحَقُهَا الْخُسُوفُ.
وَقَرَأ أَبُو عُمَرَ، والكِسائيُّ: "دِرِّىءٍ" بِكَسْرِ الدَّالِ وَالهَمْزَةِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ "دُرِّيءٌ" بَضَمِّهِما، فَمَنْ كَسَرَ الدَّالَ فَهُوَ على وزنِ "فَعِيل" مِنَ الدَّرْءِ وَهُوَ الدَّفْعُ لِأَنَّ الكَوْكَبَ يَدْفَعُ الشَّيْطانَ مِنَ السَّمَاءِ، وَشَبَّهَهُ بِحَالَةِ الدَّفْعِ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَضْوَأَ وَأَنْوَرَ، وَقِيلَ: معنى "دُرّي" مُكَرَّرٌ، أَيْ طَالِعٌ، يُقَالُ دَرَأَ النَّجْمُ إِذَا طَلَعَ وَارْتَفَعَ، وَيُقَالُ: هُوَ مِنْ دَرَأَ الْكَوْكَبُ إِذَا انْدَفَعَ مُنْقَبِضًا فَيَتَضَاعَفُ ضَوْؤُهُ في ذَلِكَ الوَقْتِ. وَيُقَالُ: دَرَأَ عَلَيْنَا فُلَانٌ، أَيْ طَلَعَ وَظَهَرَ.
فَأَمَّا رَفْعُ الدَّالِ مَعَ الْهَمْزَةِ كَمَا قَرَأَ حَمْزَةُ قَالَ أَكْثَرُ النُّحَاةِ: هُوَ لَحْنٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ "فُعِّيلٌ" بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَأَنَا أَرَى لَهَا وَجْهًا، وَذَلِكَ أَنَّهَا "دُرُّوءٌ" أَيْ عَلَى وَزْنِ "فُعُّول"، مِثْلُ: "سُبُّوحٍ"، وَ "قُدُّوسٍ"، وَقَدِ اسْتَثْقَلُوا كَثْرَةَ الضَّمَّاتِ فَرَدُّوا بَعْضَهَا إِلَى الكَسْرِ، كما قالوا: "عِتِيًّا" مِنْ قولِكَ: "عَتَوْتُ". وقرأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، والضَّحَّاكُ، وقَتَادَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عنهم: "دَرِّي" بفتح الدَّالِ وتشديد الياءِ. وقرَأَ الزُّهرِيُّ بِكَسْرِها وَتَشْديدِ الياءِ. وَقَرَأَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، وَابْنُ المُسَيَّبِ، وأَبو رَجَاءِـ وَقَتَادَةُ أَيْضًا ـ رَضِيَ اللهُ عنهم جميعًا: "دَرِّيْء" بِفَتْحِ الدّالِ وتَشْديدِ الرَّاءِ وَيَاءٍ بَعْدَها هَمزةٌ.
قَرَأَ العامَّةُ: {يُوقَدُ} بِالْيَاءِ وَضَمِّهَا خَفِيفًا يَعْنِي الْمِصْبَاحَ، مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ، أَيْ مِنْ زَيْتِ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ بِدَلِيلِ قوله تعالى: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ، وَأَرَادَ بِالشَّجَرَةِ الْمُبَارَكَةِ الزَّيْتُونَةَ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْبَرَكَةِ، وَفِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ لِأَنَّ الزَّيْتَ يُسْرَجُ بِهِ وَهُوَ أَضْوَأُ وَأَصْفَى الْأَدْهَانِ، وَهُوَ إِدَامٌ وَفَاكِهَةٌ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي اسْتِخْرَاجِهِ إِلَى إِعْصَارٍ بَلْ كُلُّ أَحَدٍ يَسْتَخْرِجُهُ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَيَعْقُوبُ، "تَوَقَّدَ" بِالتَّاءِ وَفَتِحِهَا وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ عَلَى الْمَاضِي يَعْنِي الْمِصْبَاحَ، أَيْ: "اتَّقَدَ"، يُقَالُ "تَوَقَّدَتِ النَّارُ" إذا اتَّقَدَتْ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ غَيْرَ حَفْصٍ "تُوقَدُ" بِالتَّاءِ، وَضَمِّهَا وَفَتْحِ الْقَافِ خَفِيفًا، يَعْنِي الزُّجَاجَةَ أَيْ: نَارَ الزُّجَاجَةِ لِأَنَّ الزُّجَاجَةَ لَا تُوقَدُ.
وأَمَالَ الدُّورِيُّ عَنِ الكِسَائِيِّ "المِشْكاة" لِتَقَدُّمِ الكَسْرِ، وَإِنْ وُجِدَ فاصِلٌ. وَرُسِمَتْ بالواوِ كَالزَّكاةِ والصَّلاةِ.
قِرَاءَةُ العَامَّةُ: {زُجاجِةٍ} بالضَّمِّ وهي لُغَةُ أَهْلِ الحِجَاز، والكَسْرُ والفَتْحُ لُغَةُ قيسٍ. وَقرأ ابْنُ أَبي عَبْلَةَ، وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ ـ في رِوَايَةِ ابْنِ مُجاهِدٍ "الزَجاجَةٌ" بالفتح. وقَرَأَ نَصْرُ بْنُ عَاصمٍ أَيْضًا في رِوَايَةٍ عَنْهُ، وأَبُو رَجَاءٍ النَّقَّاشُ "الزِّجاجَةُ" بالكسر. وكذلك الخلافُ في قوله "الزُّجَاجَةُ".
قرأَ العامَّةُ: {لا شَرقيَّةٍ ولا غربيَّةٍ} على أَنَّها صِفةٌ لـ "شَجَرَةٍ" كما تقدَّمَ في مَبْحَثِ الإعرابِ. وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ "لا شرقيةٌ ولا غربيَّةٌ" بِالرَّفْعِ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ أَيْ: لَا هِيَ شَرْقِيَّةٌ ولا غربيَّةٌ.
٠ تعليق