الموسوعةالقرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ قراءات ـ أحكام ـإعراب ـ تحليل لغة
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزء الثامن عشر ـ المجلد السادس والثلاثون
سورةُ النّور
(24)
الآيةَ: 10
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أَيْ: لَوْلَا أنْ تفضَّلَ اللهُ عليكم بوضعِ ما تقدَّمَ بيانُهُ في الآياتِ السَّابقةِ مِنْ وضْعِ حَدِّ صارمٍ للقَذْفِ، والحفاظِ على أعراضِ الناسِ، لانْتَشَرَتِ الفَضَائحُ بَيْنَكُم، واسْتَشْرَى داءُ الفَسَادِ والإِفْسَادِ، وتَفَاقَمَتْ المُشكلاتُ، واسْتَحْكَمَتِ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ في المُجتمعِ، فإِنَّ القَذْفَ جَريمَةٌ بَشِعَةٌ تَعُمُّ بِضَرِرِهَا المُجْتَمَعَ كُلَّهُ، فَتَشِيعُ الفاحِشَةُ فيهِ، وتَنبَتُّ أَواصِرُ القربى بينَ الأقاربِ، هَذَا إذا كانَ القذفُ للمُحَصَّناتِ البَعِيداتِ، أمَّا إذا كانَ القذْفُ للزَّوْجاتِ، فإنَّ البلاءَ سَيَكونُ أَعْظَمَ، والمُصيبَةَ سَتَكُونُ أَدْهَى. والأَفْظَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إِذا كانتْ المقذوفةُ التي طالتها أَلْسِنةُ الزُّورِ والبُهْتَانِ أُمًّا للمُؤمنينَ جميعًا، وزوجةً لسيِّدِ المُرسلينَ، حِينَ رَمَوْا بِهَذَا الإِفْكِ الصِّدِّيقةَ بنتَ الصِّدِّيقِ السَّيِّدَةَ عائشَةَ رُضْوَانُ اللهِ عَلَيْهَا وَعَلَى أَبِيها ـ كَمَا سَيَأْتي.
قولُهُ: {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} وَلَكِنَّ اللهَ تابَ عَلَيْكُمْ، وَرحمكمْ وَسَترَكمْ، وهو حكيمٌ عظيمٌ حينَ رَفَعَ عَنْكُمُ الْحَدَّ بِاللِّعَانِ. وَفَرَضَ عليكمُ الحُدُودَ التي تحافظُ على بُنْيَةِ المُجتمعِ قويَّةً مُتماسِكةً.
وَفِي ذِكْرِ وَصْفِهِ ـ تَعَالَى: "الْحَكِيمِ" مَعَ التَوَّابِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ فِي هَذِهِ التَّوْبَةِ حِكْمَةً وَهِيَ اسْتِصْلَاحُ النَّاسِ.
والآيةُ تَذْيِيلٌ لِمَا مَرَّ مِنَ الْأَحْكَامِ الْعَظِيمَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّفَضُّلِ مِنَ اللَّهِ وَالرَّحْمَةِ مِنْهُ، مما يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ تَوَّابٌ عَلَى مَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ، وَمِنْ كَمَالِ حِكْمَتِهِ ـ تَعَالَى، وَضَعُ الشِّدَّةِ مَوْضِعَهَا وَالرِّفْقَ مَوْضِعَهُ، وَكَفُّ بَعْضَ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} الواوُ: للاسْتِئْنافِ، و "لولا" حَرْفُ امْتِناعٍ لِوُجُودٍ. و "فَضْلُ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ خَبَرهُ محذوفٌ وُجُوبًا، والتَّقْديرُ: وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ مَوْجُودٌ. وهوَ مُضافٌ. ولفظُ الجلالةِ "اللهِ" مَجرورٌ بالإضافَةِ إِلَيْهِ. و "عَلَيْكُمْ" عَلى: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "فَضْلُ"، وكافُ الخطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ للجمعِ المُذَكَّرِ. و "وَرَحْمَتُهُ" الواوُ: حرفُ عطْفٍ، و "رحمتُهُ" مَعْطُوفٌ عَلَى "فَضْلُ اللَّهِ" مَرْفوعٌ مِثْلُهُ بالابْتِداءِ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. وَجَوَابُ "لولا" مَحْذُوفٌ، والتَّقْديرُ: لَبَيَّنَ الحَقَّ في ذَلِكَ، وَعَاجَلَ بالعُقُوبَةِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّها، وَلَهَلَكْتُمْ. وَحُذِفَ جَوَابُ لَوْلا لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ وَحَذْفُهُ طَرِيقَةٌ لِأَهْلِ الْبَلَاغَةِ. وُجُمْلَةُ "لولا" مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} الوَاوُ: للعطْفِ، و "أَنَّ" حرفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مَصْدريٌّ. وَلَفْظُ الجَلَالَةِ "اللَّهَ" اسْمُهُ مَنْصُوبٌ بِهِ. وَ "تَوَّابٌ" خَبَرُ "أَنَّ" الأَوَّلُ مَرْفوعٌ بهِ. وَ "حَكِيمٌ" خَبَرُها الثَّاني مَرْفُوعٌ بهِ. وجُمْلَةُ "أَنَّ" في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى "فَضْلُ اللَّهِ" عَلَى كَوْنِهِ مُبْتَدَأً مَحْذوفَ الخَبَرِ، والتقديرُ: وَلَوْلَا كَوْنُ اللهِ تَوَّابًا حَكِيمًا مَوْجُودٌ لَنَالَ الكاذِبُ مِنْهُما عَذَابٌ عَظيمٌ.