روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ      فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:2 Jb12915568671



المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ      فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:2 Empty
مُساهمةموضوع: المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:2   المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ      فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 04, 2021 7:20 pm

الموسوعةالقرآنية





فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ قراءات ـ أحكام ـإعراب ـ تحليل لغة


اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود






الجزء الثامن عشر ـ المجلد السادس والثلاثون
سورةُ النّور الآية: 2.




لزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)




قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {الزَّانِيَةُ} الزَّانِيَةُ: هِيَ المرأَةُ المُطاوِعةُ للزِّنا، لَا المَزْنِيُّ بها كُرْهًا، المُمَكِّنَةُ مِنْهُ، الّتي أَفْضَتْ إِلى رَجُلٍ بِغَيْرِ نِكاحٍ شَرْعِيٍّ، وكانَتْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ، لِأَنَّ عقوبةَ الزَّانيَةِ المُحْصَنَةِ الرَّجْمُ لا الجَلْدَ. وَقَدْ كانَ هذا الحُكْمُ عامًّا في حَقِّ المُحْصَنِ وَغيرِهِ، ثُمَّ نُسِخَ في حَقِّ المُحْصَنِ قَطْعًا، بما صَحَّ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رجَمَ زانيًا اسْمُهُ، مُعازٌ، وَهَذا مِنْ بابِ نَسْخِ الكِتَابِ بالسُّنَّةِ. فَالرَّجْمُ حُكْمٌ ثابِتٌ بمشهورِ السُّنَّةِ ِ المُتَّفَقِ عَلى صِحَّتِها. فَقد رَوى الإمامُ الشَّعبيُّ عَنْ أَميرِ اللمُؤْمنينَ سيِّدِنا عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ لِشَرَاحَةَ: لَعَلَّكِ اسْتُكْرِهْتِ، لَعَلَّ زَوْجَكِ أَتَاكِ، لَعَلَّكِ لَعَلَّكِ؟ قَالَتْ: لا. قَالَ: فَلَمَّا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا جَلَدَهَا، ثُمَّ رَجَمَهَا، فَقِيلَ لَهُ: جَلَدْتَهَا، ثُمَّ رَجَمْتَهَا؟ قَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وذلك لِرَجْمِ النَّبِيِّ ماعزًا وغيرَهُ، وهذِهِ سُنَّةٌ فعليَّةٌ، ولِقَوْلِهِ ـ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في حديثِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جُلْدِ مِئَةٍ وَالرَّجْمُ، وَالبِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ)). أَخْرَجَهُ عبدُ الرزَّقُ ومُسْلِمٌ في صحيحِهِ، برقم: (12/1690).
وَقَالَ الأَكْثَرُونَ: مَالكٌ والحنفيَّةُ والشافعيَّةُ وجمهورُ العلماءِ: بِأَنَّ الزاني المُحْصَنَ لا يُجْلَدُ وإنَّما يُرجَمُ فقط، فَلا يُجْمَعُ بَيْنَهُما، وَحَديثُ عُبادَةَ مَنْسُوخٌ، بِما ثَبَتَ في قِصَّةِ مَاعِزٍ، وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ حَديثِ عُبادَةَ؛ لِأَنَّ حَديثَ عُبادَةَ ناسِخٌ لِمَا شُرِعَ أَوَّلًا مِنْ حَبْسِ الزَّاني في البُيُوتِ، فَنُسِخَ الحَبْسُ بِالجَلْدِ، وَزِيدَ في حَقِّ الزاني الثَّيِبِ الرَّجْمُ، وَذَلِكَ صَريحٌ في حَديثِ عُبَادَةَ، ثُمَّ نُسِخَ الجَلْدُ في حَقِّ الثَّيِّبِ، بالاقْتِصَارِ عَلَى الرَّجْمِ بِفِعْلِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ.
وأُجيبَ بِأَنَّ عَدَمَ ذِكْرِ الجَلْدِ فِيمَا ذُكرَ، تُرِكَ ذِكْرُهُ لِوُضُوحِهِ، وَلِكَوْنِهِ
الأَصْلَ، فَلَا يُرَدُّ مَا وَقَعَ مِنَ التَّصْريحِ بِهِ بِالاحْتِمَالِ، وَقَدْ ثَبُتَ الجَمْعُ بَيْنَهُما بحديث عبادة، وَعَمَلِ أَمِيرِ المُؤمنينَ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ. التَّحْبيرُ لإيضاح مَعَاني التَيْسِيرِ: (3/560).
وَقِيلَ نُسِخَ بآيةٍ مَنْسُوخَةِ التِّلاوَةِ وَهِيَ: {الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنيا فارْجمُوهُما البَتَّةَ نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ}، وَيَأْباهُ مَا سَبَقَ رِوَايَتُهُ عَنْ أَمِيرِ المُؤمنينَ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، واللهُ أَعْلَمُ.
وتقديمُ "الزانية" عَلى "الزَّاني" لِأَنَّها الأَصْلُ في عَمَليَّةِ الزِّنا لِكَونِ الدَّاعِيَةِ فِيهَا أَوْفَرَ، وَلَوْلَا تَمْكينُها مِنْهُ لَمْ يَقْعْ، فإِنَّ مَدْخِلَهَا فيهِ أَوْسَعُ ودَوْرَها أَكبرُ، لأنَّها هي التي تُغْري الرَّجُلَ وَتُهَيِّجُ عَوَاطِفَهُ وأحاسيسَهُ وتُثيرُ مَشَاعِرَهُ وغرائزَه؛ وتَفْتِنُهُ بزينَتِها وأُنُوثَتِها، لِذَلِكَ فقد أَمَرَ اللهُ ـ تَبَارَكَتْ أَسْماؤُهُ، الرِّجَالَ بِغَضِّ البَصَرِ، وَعَدَمِ التَّعَرُّضِ للنِّساءِ، واجْتِنابِ مُخالَطَتِهِنَّ، وَأَمَرَ النِّسَاءَ بِالاحْتِجابِ، وَعَدَمِ الاخْتِلاطِ بالرِّجالِ إلّا في ضَروروةٍ، وَعَدَمِ إِظْهَاءِ زِينَتِهنَّ إِذا خَرَجْنَ في ضَرُورةٍ، لِيَسُدَّ نَوَافَذَ هَذِهِ الجَريمَةِ وَيَمْنَعَ أَسْبَابَها ويَقْطَعَ دواعيها.
وَلمّاَ كَانَ وُجُودُ الزِّنَى في النِّساءِ أَكْثَرَ، قدَّمَ ذكْرَهُنَّ هُنَا، بخِلافِ السَّرِقَةِ، لَمَّا ذُكِرتْ في الآيَةِ (38) مِنْ سُورةِ المائدَةِ، قالَ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللّه}، فَقَدَّم الرجالَ عَلَيْهِنَّ، لأنَّها السَّرقةَ تَقَعُ مِنَ الرِّجالِ أَكْثَرَ، لِأَنَّ عِبْءُ النَّفَقَةِ ومُؤْنَةِ الحَيَاةِ تَقَعُ عَلَى كَاهِلِ الرَّجُلِ، فَهُوَ المُكَلَّفُ بِهَا؛ أَمَّا المَرْأَةُ فَلَيْسَ مِنْ مَهامِّها تَوْفِيرُ تَكاليفِ الحَيَاةِ، وَلِذَلِكَ فليستْ مُضْطَرَّةً للسَرِقَةِ، وبالتالي فإنَّ ارتكابَها لهذِهِ الجريمةِ أَقَلُّ، ولذلكَ بَدَأَ في حَدِّ السَّرِقَةِ
بذِكْرِ الرَّجُلِ.
وَهَكَذَا فَإِنَّكَ إذا تأَمَّلتَ آياتِ القرآنِ الكَريمِ، وَجَدْتَ أَنَّ الكلامَ فيها دَقِيقًا مَوْزُونًا، لِكُلِّ كَلِمَةٍ منه مَعْنَاهَا، وَلٍكُلِّ حَرْفٍ فيه دَلالتُهُ، ولا عَجَبَ فَهُوَ كَلَامُ العليمِ الحَكِيم.
قوْلُهُ: {وَالزَّانِي} هو مِنْ "زَنَى يزني زنا وزناء". فإنَّ أَصْلَ هَذِهِ الكلمةِ منْ "زنا" بالمَدِّ و "زنى" بالقَصْرِ، قالَ الفَرَزْدَقُ:
أَبَا خالدٍ مَنْ يَزْنِ يُعْلَمْ زِناؤُهُ ................ وَمَنْ يَشْرَبِ الخُرْطُومَ يُصْبِحْ مُسَكَّرا
قالَ الفرَّاء: فالمقصورُ مِنْ زَنَى وَالمَمْدُودُ مِنْ زَانَى.
والزَّنْءُ: التَّضْييقُ، وأَزْنَأَه إِلَى أَمْرٍ: أَلجَأَه إلَيْهِ. وزَنَّأَ عَلَيْهِ: ضَيَّقَ. وَمِنْهُ قولُ العفيفُ العَبْدِيُّ:
لاهُمَّ إِنَّ الحارثَ بْنَ جَبَلَهْ ................................ زَنَا عَلَى أَبِيهِ ثُمّ قَتَلَهْ
وَرَكِبَ الشادخةَ المُحَجَّلَهْ ........................... وكانَ في جاراتِهِ لَا عَهْدَ لَهْ
وقد حذَفَ الهمزةَ مِنْ "زنأ" للضَّرورةِ.
وزنَأَ البولُ: احتَبسَ واحْتَقَنَ. وزنَأ الطَّريقُ: ضاقَ وقلَّ اتِّساعُهُ. والزُّنُوءُ: واللُّجوءُ. فزَنَأَ إِلَى الشَّيْءِ يَزْنَأُ زَنْأً وزُنُوءاً: لَجأَ إليه لُجوءًا.
والزُّنُوءُ فِي الْجَبَلِ: الصُّعودُ فيهِ. فيُقالُ زَنَأَ فلانٌ فِي الجَبل، يَزْنَأُ زَنْأً وزُنُوءاً: إذا صَعِدَ فِيهِ.
وزَنَأَ الظِلُّ: قصر. وزَنَأْتُ إليه زُنوءاً. لجأْتُ. وأزنَأْت غيري: ألجأْتُه. والزَناءُ، بالفتح والمدِّ: القصيرُ، يقال: رجل زَناءٌ، وظلٌّ زَناءٌ. قالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
وتُدْخِلُ في الظِلِّ الزَناءِ رُؤُوسَها .................... وتَحْسَبُها هِيمًا وَهُنَّ صَحَائحُ
والزِنا: إتيان الرَّجُلِ المَرْأَةَ دُونَ عَقْدٍ شَرْعيٍّ. يُقَالُ زَانا الرَّجُلُ المَرْأةَ مُزاناةً وزناءً، وَيقولونَ: خرجت فلانةُ تُزاني وتُباغي، وَقَدْ زَنَى بِها فلانٌ، وَالجمعُ: زُناةٌ وزواني، وَزنَّاه تَزْنِيَةً: نَسَبَهُ إلى الزِّنا، وهو وَلَدُ "زِنْيَةٍ" و "زَنْيةٍ" بفتح الزاي وكسرها.
وتَدُلُّ هَذِهِ الكَلِمَةُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الأُنْثَى وَالذَّكَرِ، فاللاَّمُ فيها بِمَعْنَى الاسْمِ المَوصُولِ كَ "الذي" و "التي" والتَّقديرُ: التي زَنَتْ وَالَّذي زَنَى فهو كَمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سورةِ النِّساءِ: {واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما} الآيةَ: 16، فإنَّ الأسْماءَ المَوْصُولَةَ في اللُّغَةِ العرَبِيَّةِ: "الَّذي" يُسْتعمَلُ لِلْمُفْرَدِ المُذَكَّرِ، وَ "الَّتي" للْمُفْرَدِ المُؤَنَّثِ، وَ "اللَّذانِ" للمُثَنَّى المُذَكَّرِ، و "اللَّتانِ" للمُثَنَّى المُؤَنَّثِ، و "الَّذينَ" لِلجَمْعِ المُذَكَّرِ، و "اللاتي" و "اللائي" للجَمْعِ المُؤَنَّثِ. أَمَّا "مَنْ" و "ما" و "ال" فإنَّها أَسْماءٌ مَوْصولَةٌ تَدُلُّ عَلى كُلِّ تِلْكَ الصِّيَغِ السَّابقَةِ: فَتَقُولُ: جَاءَ مَنْ عَلَّمني، وَجَاءَتْ مَنْ عَلَّمَتْني، وجَاءَ مَنْ عَلَّموني، وهكَذا. وكَذَلِكَ "ال" في "الزاني" فإنَّها تُسْتَعمَلُ للمُؤَنَّثِ وللمُذَكَّرِ، وَلِكِنَّ اللهَ ـ تعالى ذِكْرُهُ، ذَكَرَهُمَا صَرَاحَةً لِيُزيلَ مَا قَدْ يَحْدُثُ مِنْ خِلَافٍ في أَيُّهُما السَّبَبُ في وقوعِ هَذِهِ الجَريمَةِ، وقد وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الخِلافِ بينَ الأَئِمَّةِ وَالفُقَهَاءِ، فمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الزَّاني وَاطِئٌ وَفَاعِلٌ، وَالمَرْأَةُ مَوْطُوءَةٌ، ومَفعولٌ بها، فَهُوَ مَنْ يجِبُ أَنْ يَتَحَمَّلَ تَبِعَةَ هَذِهِ المَسْألةِ.
فَفي صحيحِ مُسْلِمٍ وغيرِه، عَنْ السَّيِّدةِ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤمنينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: احْتَرَقْتُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِمَ" قَالَ: وَطِئْتُ امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ نَهَارًا، قَالَ: "تَصَدَّقْ، تَصَدَّقْ". قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِسَ، فَجَاءَهُ عَرَقَانِ فِيهِمَا طَعَامٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِه. رَوَاهُ البُخَاريُّ: (4/140)، وَمُسْلِمٌ: برَقم: (1112)، وَأَبو دَاوُدَ برقم: (2394).
فَأَخَذَ الإمامُ الشَّافِعِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، مِنْ هَذا الحديثِ أَنَّ الكَفَّارَةَ إِنِّمَا تَكونُ عَلَى الرَّجُلِ دُونَ المَرْأَةِ، وَإِلَّا لَكانَ النَّبِيُّ ـ عَلَيْهِ وآلهِ الصَّلاةُ والسَلامُ، قالَ لَهُ: كَفِّرا.
وَثمَّةَ فرق بَينَ "وَطَأَ" وَ "جَامَعَ": فـَ "الوَطْءُ" ما كانَ منَ الرَّجُلِ دون رغبةٍ مِنَ المَرْأةُ عَلى كُرْهٍ منها وعدَمِ مُوافقةٍ، فتكونُ الكفارةُ عليْهِ فقط. أَمَّا الجِماعُ فَهُوَ ما وقعَ بِرِضَاها وَقَبُولِها، فَفِي هَذِهِ الحالَةِ تَكونُ الكَفَّارَةُ عَلَيْهِمَا مَعًا؛ لِذَلِكَ صَرَّحَ اللهُ ـ تباركَ وتَعالَى، هُنَا بِذِكْرِ "الزَّانيَةِ والزَّانِيَ" لِيُزيلَ مِثْلَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَيَحْسِمَ مِثْلَ هَذَا الخِلافِ.
قولُهُ: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} إِذَا كانا حُرَّيْنِ عَاقِلَيْنِ بالغَيْنِ بِكْرَيْنِ غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ، فَاضْرِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ.
والجَلْدُ: ضَرْبُ الجِلْدِ، كما يُقَالُ رَأَسَهُ وَبَطَنَهُ، إِذَا ضَرَبَ رَأْسَهُ وَبَطْنَهُ، فهوَ ضربٌ غيرُ مُبَرِّحٍ وَلَا يَبْلُغُ اللَّحْمَ، وَقَدْ وَرَدَ في السُّنَّةِ المُطَهَّرِةِ أَنَّهُ يُجْلَدُ مِئَةَ جَلْدَةٍ، وَيُغَرَّبُ عَامًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الفُقهاءِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ، أَمَّا إِذا كَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ، كمَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.
وَيَشْمَلُ قولُهُ "فاجلدوا"، فالأمة في مَجْمُوعِهَا لَا تَسْتَطيعُ أَنْ تَجْلِدَ كُلَّ زانٍ أَوْ زَانِيَّةٍ، لِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْتَارَ إِمامًا لَها تُبايِعُهُ على رِعايةِ مَصالِحِها، وإدارةِ شُؤونِها، وتَمْثِيلِها في العلاقاتِ والمَحافلِ الدَّوْلِيَّةِ، وإقامةِ حدودِ اللهِ فيها، فتكونُ بذلكَ قدْ أَقامتْ حُدودَ اللهِ فيها، وَنَفَّذَتْ أوامِرَهُ.
ولِذَلِكَ حَثَّها النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على اختيارِ الكُفْءِ الأَفْضَلِ لهَذِهِ المُهِمَّةِ الشَّاقةِ الخطيرةِ، وحذَّرَ في حديثٍ شَريفٍ مَنْ وَلَّى أَمْرَ المُسْلمينَ أَحَدًا وَفي النَّاسِ خَيْرٌ مِنْهُ بأَنَّهُ لنْ يَشُمُّ رائحةَ الجَنَّةِ، لأَنَّهُ يكونُ بذلكَ قدْ خانَ اللهَ ورسولَهُ، وخانَ أُمَّتَهُ. لِأَنَّكَ حِينَ تُوَلِّي أُمُورَ النَّاسِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لَها تَكونُ قدْ ساعَدْتَ على إُشاعةِ الفَسَادِ في المُجْتَمَعِ.
قولُهُ: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} أَيْ: ولا تَأْخُذْكم بهما رَحمَةٌ وَرِقَّةُ قَلْبٍ، فتُعَطِّلوا الحَدَّ أَوْ تتهاونوا في إقامتِهِ والرَّأْفةُ مَعنًى يُحَسُّ بهِ فِي الْقَلْبِ، ولَا يَكُونُ بِاخْتِيَارِ الْإِنْسَانِ. ولذلك فلَا يُنْهَى عَنْهُ. فَالمعنى إذًا: ولا تأخذْكم بهما رَحمَةٌ ورِقَّةُ قلبٍ، فتُعَطِّلُوا الْحُدُودَ وَلَا تُقِيمُوهَا، قَالهُ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإبراهيمُ النَّخَعِيُّ وَعامرٌ الشَّعْبِيُّ ـ رضيَ اللهُ عنهم.
فقد أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ عَطاء: "وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ"، قَالَ: فِي الحَدِّ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُعَطَّلُ أَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشِدَّةِ الْجَلْدِ.
وأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حديرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبي مِجْلَزٍ: "وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ"، قَالَ: إِنَّا لَنَرْجُمُ الرَّجُلَ، أَوْ يُجْلَدُ، أَوْ يُقْطَعَ، قَالَ: لَيْسَ كَذَاكَ إِنَّمَا إِذَا رُفِعَ لِلْسُّلْطَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَعَهم رَحْمَةً لَهُمْ حَتَّى يُقيمَ عَلَيْهِمُ الْحَدَّ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ البَصْريُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: المعنى لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَحْمَةٌ وَرِقَّةُ قَلْبٍ فتُخَفِّفُوا الضَّربَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ عَنِ الْحَسَنِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: "وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ"، قَالَ: الْجلْدُ الشَّديدُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ عَن شُعْبَةَ قَالَ: قُلْتُ لِحَمَّاد: الزَّانِي يُضْرَبُ ضَرْبًا شَدِيدًا؟ قَالَ: نَعَم، وَيُخْلَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ، قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وجلَّ: "وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ"، قُلْتُ لَهُ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الحُكْمِ قَالَ: فِي الحُكْمِ وَالْجَلْدِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ إِبْرَاهِيمَ النُّخَعَيِّ، وَعامِرٍ الشَّعبيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ"، قَالَا: شِدَّةُ الْجَلْدِ فِي الزِّنَا، وَيُعْطَى كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ حَقَّهُ.
وقَالَ الإمامُ الزُّهْرِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يُجْتَهَدُ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالْفِرْيَةِ، وَيُخَفَّفُ فِي حَدِّ الشُّرْبِ. وَقَالَ قَتَادَةُ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ: يُجْتَهَدُ فِي حَدِّ الزِّنَا، وَيُخَفَّفُ فِي الشُّرْبِ وَالْفِرْيَةِ.قولُهُ: {فِي دِينِ اللَّهِ} أَيْ: فِي أمْرِ اللهِ وحُكْمِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ"، قَالَ: فِي إقامَةِ الْحَدِّ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الضَّحَّاكِ: "وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ" قَالَ: فِي تَعْطِيل الْحَدِّ.
وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الخطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُما، جَلَدَ جَارِيَةً لَهُ زَنَتْ، فَقَالَ لِلْجَلَّادِ: اضْرِبْ ظَهْرَهَا وَرِجْلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: لَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ اللَّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ، لَمْ يَأْمُرْنِي بِقَتْلِهَا، ولا أنْ أجلدَ رأْسَها وَقَدْ ضَرَبْتُ فَأَوْجَعْتُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ.
وَفي هَذَا تَحْذيرٌ مِنَ الرَّحْمَةِ في غَيْرِ مَحَلِّهَا، عَلى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ أَبو تَمَّامٍ الطَّائيُّ في مَالِكِ بْنِ طَوْقٍ:
فَقَسَا لِيزدْجِرُوا ومَنْ يَكُ حَازِماً .................. فَلْيَقْسُ أحْيَاناً على مَنْ يَرحَمُ
قولُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} أَيْ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا تَأْخُذُهُ الرَّأْفَةُ والرَّحمةُ إِذَا في أَمْرٍ أو حَدٍّ مِنْ حدودِ اللَّهِ ـ تَعَالَى. فالرَّأْفَةُ والرَّحمةُ ورِقَّةُ القلبِ لَا تَكونُ بالتَّهاوُنِ فيِ حَدِّ منْ حدودِ اللهِ ـ تعالى، وإنَّما في المُعاملاتِ والعلاقاتِ العامَّةِ والخاصَّةِ فيما بينَ النَّاسِ. لأنَّ في إِقامةِ الحُدودِ حياةَ المُجتمعِ والحِفاظَ على حقوقِ أَفرادِهِ. كما قالَ ـ تعالى، في الآيةِ: 179، مِنْ سُورةِ البقرةِ: {ولَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ}. فَإنما وُضِعَتِ الحُدودُ لِتَمْنَعَ الوُقوعَ في الجَريمَةِ، فقَطْعُ يَدٍ وَاحِدَةٍ مَثَلًا يَمْنَعُ قَطْعَ آلافِ الأَيدي.
قولُهُ: {وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ: وَلْيَحْضُرْ، حَدَّهُمَا ـ حِينَ يُقِامُ عَلَيْهِمَا الحدُّ، نَفَرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ مُجَاهِدٌ، وَإبراهيمُ النَّخَعِيُّ ـ رضِيَ اللهُ تعالى عنهُما: أَقَلُّهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَمَا فَوْقَهُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُما: رَجُلَانِ فَصَاعِدًا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُما: ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا. وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُما: أَرْبَعَةٌ بِعَدَدِ شُهُودِ الزِّنَا، واللهُ تعالى أعلمُ.
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عَمْرو بن شُعَيْب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قَدْ قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ إِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى بِكْرَيْنِ جَلْدًا كَمَا قَالَ اللهُ مِئَةَ جَلْدَةٍ، وَغُرَّبَا سَنَةً غَيْرَ الأَرْضِ الَّتِي كَانَا بِهَا، وَتَغْريبُهُمَا سُنَّتي)).
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي بَرزَة الاسلمي أَنه أُتِي بِأمة لبَعض أَهله قد زنت وَعِنْده نفر نَحْو عشرَة فَأمر بهَا فاجلست فِي نَاحيَة ثمَّ أَمر بِثَوْب فَطرح عَلَيْهَا ثمَّ أعْطى السَّوْط رجلا فَقَالَ: اجلد خمسين جلدَة لَيْسَ باليسير وَلَا بالخضفة فَقَامَ فجلدها وَجعل يفرق عَلَيْهَا الضَّرْب ثمَّ قَرَأَ قولَهُ ـ تعالى: "وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ".
وَاختلفوا في عددِ هَذِهِ الطائفةِ الَّتي تشهَدُ تنفيذَ الحكمِ، كَمْ همْ، فقد أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّهُ قالَ: "وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"، قَالَ الطَّائِفَةُ هي الرَّجُلُ فَمَا فَوْقَهُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْحسَنِ البَصْرِيِّ ـ رضيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ قالَ: "وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" قَالَ: الطَّائِفَةُ عَشَرَةٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّهُ قالَ فِي الْآيَةِِ: الطَّائِفَةُ وَاحِدٌ إِلَى الْأَلْفِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَن قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فِي الْآيَة قَالَ: أَمر الله أَنْ يشْهَدَ عَذابَهُما طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤمنِينَ ليَكُونَ ذَلِكَ عِبْرَةً وموعظة، ونكالًا لَهُم.
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ، أنَّهُ قالَ فِي الْآيَة: لِيَحْضُرْ رَجُلَانِ فَصَاعِدا.
وَأَخْرجَ ابْن جَريرٍ عَنِ الزُّهْرِيّ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ، أنَّهُ قالَ فِي الْآيَة: الطَّائِفَة الثَّلَاثَة فَصَاعِدا.
وَأَخْرَجَ عَن ابْنِ زيدٍ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ، أنَّهُ قالَ فِي الْآيَة: الطَّائِفَة أَرْبَعَة.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَن نَصرِ بْنِ عَلْقَمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ، أنَّهُ قالَ فِي قَوْلهِ: "وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" قَالَ: لَيْسَ ذَلِك للفضيحَةِ إِنَّمَا ذَاك لِيَدْعُوا اللهَ لَهما بِالتَّوْبَةِ وَالرَّحْمَة.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنِ الشَّيْبَانِيّ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ، أنَّهُ قالَ فِي الْآيَة: قلتُ لِابْنِ أَبي أَوْفى ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ: رَجَمَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. قَالَ: نَعَم. قُلْتُ: بَعْدَمَا أُنْزِلَتْ سُورَةُ النُّورِ أَمْ قَبلَهَا قَالَ: لَا أَدْرِي.
قولُهُ تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} الزَّانِيَةُ: مَرفوعٌ بالابْتِداءِ عَلى تَقْديرِ مُضَافٍ، أَيْ: فِيمَا يُتْلَى عَليكمْ حُكْمُ الزانيَةِ والزاني .. ، وخبرُ هذا المُبتَدَأِ جملةُ "فاجْلدوا" وَهَذا بحسَبِ مذْهَبُ الأَخْفَشِ وغيره، أَمَّا بحسَبِ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ فهو مُبْتَدأٌ خبرُهُ محْذوفٌ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلك بقوله: "فاجلدوا .. " إِلَى آخِرِهِ. وَقَدْ دَخَلَتِ الفَاءُ على الخبرِ لتَضَمُّن المُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ إِذِ اللامُ مَوْصولَةٌ، أَي: والَّتي زَنَتْ، والَّذي زَنى فاجْلِدُوا .. ، وَ "والزَّانِي" الواوُ حرفُ عطْفٍ، و "الزاني" معطوفٌ عَلَيْهِ مَرفوعٌ مِثْلُهُ، وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مُقدَّرةٌ على آخِرِهِ لِثِقَلِها على الياءِ. وهذِهِ الجملةُ الاسميَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، مَسُوقَةٌ لِتَفْصيلِ مَا ذُكِرَ مِنَ الآياتِ البَيِّناتِ. فلا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُه: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} الفاءُ: رَابِطَةٌ الخبرَ بالمُبْتَدَأِ لِشِبْهِ المُبْتَدَأِ بالشَّرْطِ في العُمومِ، و "اجْلِدوا" فِعْلُ أمْرٍ مبنيٌّ على حذْفِ النُّونِ لأنَّهُ منَ الأفعالِ الخمسةِ. وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرفعِ بالفاعليَّةِ، والألِفُ فارقةٌ. و "كُلَّ" مَفْعٌولُهُ منصوبٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ. و "وَاحِدٍ" مجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ. و "مِنْهُمَا" مِنْ: حرفُ جَرٍّ مُتعلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "واحد"، و "هما" ضميرٌ المثنَّى الغائبِ، متَّصِلٌ بهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "مِئَةَ" مَنْصُوبٌ على المفعولية المطلقة، لأَنَّهُ نابَ عن مَصْدَرِهِ، وهو مُضافٌ، و "جلدةٍ" مَجرورٌ بالإضافةِ إليْهِ. والجملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في محَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ.
قولُهُ: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} وَلَا: الواوُ: عاطفة، و "لا" ناهِيةٌ جازمة. و "تَأْخُذْكُمْ" فِعْلٌ مُضارعٌ مجزومٌ بـ "لا" النَّاهِيَةِ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ على المفعوليَّةِ، والميمُ علامةُ جَمِع المُذَكَّرِ. و "بِهِمَا" الباءُ: حرفُ جَرٍّ متعلق به، و "هما" ضميرُ المثنى الغائبِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ. "رَأْفَةٌ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَأْخُذْكُمْ" أيضًا، و "دِينِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ مضافٌ، ولفظُ الجلالةِ "اللَّهِ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِه في محلِّ الرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "فَاجْلِدُوا"، وهِيَ عِنْد بَعْضِهم دَالَّةٌ عَلى جَوَابِ الشَّرْطِ بعدها، بحسْبِ ما تقدَّمَ توضيحُه عندَ إعرابِ جملةِ "الزانيةُ".
قولُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ} إنْ: حَرْفُ شَرْطٍ جازِم. و "كُنْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالهِ بضميرِ رفعٍ متحركٍ هو تاء الفاعِلِ، فهوَ مبنيٌّ على السُّكونِ، فَلمَّا سَكَنَ آخرُهُ حُذِفَتِ الألِفُ مِنْ وَسَطِهِ لالْتقاءِ السَّاكنينِ، وتاءُ الفاعلِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بهِ في محلِّ الرَّفعِ على كونِها اسْمًا لهُ، والميمُ: علامَةُ جمعِ المُذكَّر. أَمَّا الخَبَرُ فهو جملةُ "تؤمنون" والجُمْلةُ منْ "كانَ"، واسمِها وخبرِها في محَلِّ الجَزْمِ بِـ "إنْ"، عَلى كَوْنِهِ فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا. وَجَوَابُها مَعْلومٌ مِمَّا قَبْلَهَا، والتَّقْديرُ: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ، واليَوْمِ الآخِرِ، فَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ في دِينِ اللهِ، وَجُمْلَةُ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةُ مُعْتَرِضَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعراب.
قولُهُ: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} تُؤْمِنُونَ: فِعْلٌ مُضَارعٌ مَرْفوعٌ، وعلامةُ رَفعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمْسَةِ، والواوُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَفْعِ بالفاعِليَّةِ. والجُمْلَةُ في محلِّ النَّصْبِ خَبَرُ "كانَ". و :"بِاللَّهِ" الباءُ حَرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تُؤْمِنُونَ"، ولفظُ الجلالةِ "اللهِ" في محلِّ الجَرٍّ بها. و "وَالْيَوْمِ" الواو: حرفُ عَطْفٍ، و "اليومِ" مَعْطوف عَلَى اسْمِ الجلالةِ مجرورٌ مِثْلُهُ. و "الْآخِر" صِفَةٌ لِـ "اليَوْمِ".
قولُهُ: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الواوُ: عَاطِفَةٌ، وَاللَّامُ: لَامُ الأَمْرِ. و "يَشْهَدْ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ بِلامِ الأَمْرِ. و "عَذَابَهُمَا" مَفْعُولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ، و "هُما" ضميرُ المُثنَّى الثائبِ، مُتَّصِلٌ بِه، مَبْنيّ على السكونِ في مَحَلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "طَائِفَةٌ" مرفوعٌ بالفاعِلِيَّةِ. و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "طائفة"، و "الْمُؤْمِنِينَ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، وعلامةُ جَرِّهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ، والنُّونُ عِوضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلَهِ ـ جَلَّ مِنْ قائلٍ: "فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ منهُما مِئةَ جَلْدَةٍ" عَلى كَوْنِها خَبرَ المُبْتَدَأِ في مَحَلِّ الرَّفع.
قرأ العامَّةُ: {رَأْفَةٌ} بِسُكونِ الهَمْزَةِ، وقرأَ ابْنُ كَثيرٍ "رَأَفةٌ" بِفَتْحِهَا. وَقَرَأَ ابْنُ جُرَيْج "رَآفة" ك: "سَحابة" بِمَدَّةٍ عَلى الأَلِفٍ، وَكُلُّها مَصادِرُ لـ "رَأَفَ" بِهِ "يَرْؤُف". وَأَشْهَرُ هَذِهِ المصادرِ أَوَّلُها. وَنَقَلَ أَبْو البَقَاءِ العُكْبُرِيُّ فيها لُغَةً رَابِعَةً: وَهِيَ إِبْدالُ الهمزةِ ألفاً. وهذا ظاهرٌ لا يحتاجٍ إلى التَنبيهِ عليه، فإنها لُغَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وقراءةٌ مُتَواتِرَةٌ.
وقرأ العامَّةُ: {تَأْخُذْكم} بالتأْنيثِ مُرَاعاةً لِلَّفْظِ. وقرأَ أميرُ المُؤمنينَ عَلِيُ بْنُ أَبي طالبٍ، وأبو عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيُّ، ومجاهدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عنهم: "يأخُذْكُمْ" بالياءِ مِنْ تحتُ؛ لِأَنَّ التأنيثَ مَجازِيٌّ هنا، ولِلْفَصْلِ بالمفعولِ والجارِّ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المَوْسُوعَةُ القُرْآنِيَّةُ فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ سورة النّور الآية:2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: