الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 110
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
قولُهُ ـ تَعَالَى شأْنُهُ: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} المَعْنَى: الْزَمُوا الصَّمْتَ اليوْمَ، وَلَا تَتَكَلَّموا، وَكُفُّوا عَنِ الدُّعَاءِ، لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَسْخَرُونَ مِنْ عِبَادِي الَّذينَ كانُوا يَرْجُونَنِي وَيَدْعُونَنِي أَنْ أُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِ هَذَا اليَومِ المُخِيفِ، لِأَنَّهُم آمَنُوا بِي وَصَدَّقُوا رُسُلِي الذينَ حَذَّروهمْ مِنْ غَضَبي وعَذابي في هَذَا اليَوْمِ العظيمِ، آمَنُوا وَصَدَّقوا قَبْلَ أَنْ يَرَوا، أَمَّا أَنْتَمْ فَكَفَرْتُمْ بِي وَكذَّبْتُمْ رُسُلي، وَلَمْ تَأْبَهُوا لِمَا أَنْذَرُوكُمْ بِهِ وحذَّروكمْ مِنْهُ، لأَنَّ سُخْرِيتَكُمْ مِنْهُمْ شَغَلَتْكُمْ عَنِ التَّفكُّرِ والتَدَبُّرِ والتَّبَصُرِ، فَقد جَعَلْتُمْ عِبَادي هَؤُلَاءٍ مَادَّةَ سُخْرِيَتِكُمْ، ومَحَطَّ اسْتِهْزَائِكُمْ.
وَ "سُخْرِيًّا" بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ: مَصْدَرُ "سَخِرَ" مِنْهُ، إِذَا اسْتَهْزَأَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِقَارِ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: السُّخْرِيُّ والسُّخْرِيَّةُ مَصْدَرَانِ. يُقَالُ: سَخِرَ مِنْه وَبِهِ سُخْرِيَّةً وَسُخْرِيًّا. اُنْظُرْ "تهْذيبُ اللُّغَةِ" لِلْأَزْهَرِيِّ: (7/167).. وَ "كتاب العَيْن" للخليلِ بْنِ أَحْمَدٍ الفراهيديِّ: (4/196). وَزَادَ أَبُو زَيْدٍ الأنْصاريُّ: سَخرَا انْظُرْ: كتابَهُ "النَّوَادِرُ": (صَ: 288). "الحجة للقراءاتِ السَّبْعِ" لأبي عليٍّ الفارسِيِّ: (5/303)، ومِنْهُ قولُ أَعْشَى بِاهِلَةَ وهوَ عَامِرُ بْنُ الحارِثِ بْنِ رَبَاحٍ الباهِلِيُّ، يَرْثِي أَخَاهُ لِأُمِهِ:
إنِّي أَتاني حَديثٌ لَا أُسَرُّ بِهِ .......... مِنْ عَلْوَ لَا عَجَبٌ فِيهِ وَلَا سُخُرُ
أَيْ: "وَلَا سُخُرُ" بِالْمَوْتِ، بِضَمَّتَيْنِ أَوْ "ولا سَخَرُ" بِفَتْحَتَيْنِ.
وَيَكونُ نَعْتًا كَقَوْلِكَ: هُمْ لَكَ سُخْرِيٌّ وَسُخْرِيَّةٌ. انْظُرْ كِتَابَ: "النَّوَادِر" لِأَبي زَيْدٍ الأنْصاريِّ: (ص: 288)، وَ "الحُجَّةُ للقُرَّاءِ السَّبْعَةِ" لِأَبي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ: (5/303).
وقالَ الفَرَّاءُ يَحْيَى بنُ زِيَادٍ الأَسَدِيُّ أَبُو زَكَرِيَّا: في "مَعاني القُرْآنِ" لهُ: (2/243). الضَّمُّ أَجْوَدُ.
وَقَالَ أبو إسْحاقٍ الزَّجَّاجُ: في "مَعَاني القُرْآنِ وإِعْرابُهُ" لَهَ: (4/24): كِلاهُما جَيِّدٌ.
وَذَكَرَ الفَرَّاءُ فِي "مَعَانِي القُرْآنِ" لهُ: (2/243)، وأبو جعْفَرٍ النَّحَّاسُ فِي "إِعْرَابُ القُرْآنِ" لَهَ: (3/124)، أَنَّ الإمامَ الكِسَائِيَّ حَكَى اللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا، قَالَ: وَسَمِعْتُ العَرَبَ تَقُولُ: بَحْرٌ "لُجِّيٌّ" وَ "لِجِّيٌّ"، وَ "دُرْيٌّ" وَ "دِرِّيٌّ"، وَ "كُرْسِيٌّ" و "كِرْسِيٌّ". وَذَكَرَهُ عَنْهُ أَيْضًا الأَزْهَرِيُّ فِي "عِلَلُ القِراءاتِ": (2/442).
وَقالَ قَوْمٌ بِالفَرْقِ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ يُونُسُ بْنُ حبيبٍ: سُخْرِيًّا مِنَ السُّخْرَةِ مَضْمُومٌ، وَمِنَ الهُزْءِ سِخْرِيٌّ. "الحُجَّةُ للقرَّاءِ السَّبعةِ" لأَبي علِيٍّ الفَارِسِيِّ: (5/303)، وَ "تَهْذيبُ اللُغَةِ" لِلأَزْهَرِيِّ: (7/168).
وَقَالَ أَبُو عُبَيِدَةَ مَعْمَرُ بْنُ المُثَنَّى التَّيْمِيُّ، في "مَجَازُ القُرْآنِ" لَهُ: (2/62): "سِخْرِيًّا": يَسْخَرونَ مِنْهُم، وَ "سُخْرِيًّا" يُسَخِّرونَهُمْ. وَانظُرْ "الحُجَّةُ للقرَّاءِ السَّبْعَةِ" لأَبي عَلِيِّ الفارسيِّ": (5/303).
وَهُوَ قَوْلُ الحَسَنِ البَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قَالَا: مَا كانَ مِنَ العُبُودَةِ فَهُوَ بِالضَّمِّ، وَمَا كَانَ مِنْ الهُزْءِ فَهُوَ بِالْكَسْرِ. "الحُجَّةُ" للفَارِسِيِّ: (5/303). وَ "مَعَانِي القُرْآنِ" للنَّحَاسِ: (4/488 ـ 489)، وتفسيرُ ابْنِ الجَوْزِيِّ: (5/493).
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سُخْريًّا" قَالَ: هُمَا مُخْتَلِفَانِ. "سِخْرِيًّا" يَقُولُ اللهُ ـ تَعَالى، في سُورةِ الزُّخْرُفِ: {لِيَتَّخِذَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا سِخْرِيًّا} الْآيَةَ: 32، قَالَ: يُسَخِّرُونَهُمْ، وَالْآخرُونَ الَّذينَ يَسْتَهْزِؤُنَ "سُخْرِيًّا".
والياءُ في "سِخْريًّا" وَ "سُخْريًّا" للنَّسَبِ زِيْدَتْ للدَّلالةِ عَلى قُوَّةِ الفِعْلِ، فَـ "السُّخْرِيُّ" أَقْوَى مِنَ "السُّخْر"، كَمَا قِيلَ فِي الخُصُوصِ: خُصُوصِيَّةٌ، للدَّلالَةِ عَلى قُوَّةِ الخُصوصِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِي يَاءِ النَّسَبِ زِيَادَةٌ فِي الْفِعْلِ، كَمَا قِيلَ فِي الْخُصُوصِيَّةِ بِمَعْنَى الْخُصُوصِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْيَاءَ الْمُشَدَّدَةَ فِي آخِرِهِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ سُخْرِهِمْ مِنْهُمْ وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي ذَلِكَ.
قولُهُ: {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} أَيْ: انْشَغَلْتُمْ بالسُّخْرِيَةِ مِنْهُمْ والهُزْءِ بِهِمْ، وَغفلْتُمْ عمَّا فيهِ صالحُكمْ فَنَسِيتُمْ ذِكْرِي، وَلَمْ تَخشَوْا عِقَابِي، ولا اتَّقيتم عَذابي في هَذَا اليَوْمِ العَصيبِ.
وَقدْ تَقَدَّمَ في الآيَةِ التي قَبْلَهَا قَوْلُهُ ـ تَعَالى: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ
عِبَادِي}، فَـ "إِنَّ" الْمُشَدَّدَةُ الْمَكْسُورَةُ الهَمْزَةِ تُعَدُّ مِنْ حُرُوفِ التَّعْلِيلِ، كَمَا لَوْ قَلْتَ: عَاقِبْ هَذَا الرَّجُلَ إِنَّهُ مُسِئٌ. فإنَّكَ تعني عاقبْهُ بسببِ إِساءَتِهِ أَوْ لِأَجْلِ إِسَاءَتِهِ، إِذًا فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي أَدْخَلَتْهُمُ النَّارَ هُيَ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بالمُؤْمِنِينَ الذينَ كانوا يَقولونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ، وَسُخْرِيَتُهُمْ مِنَ مِنْهُمْ هوَ ما أدخلَهُمُ النَّارَ لِأَنَّ سُخْرِتَهُمْ هَذِهِ واستهْزاءَهم بِضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الحياةِ الدُّنْيَا شَغَلَهُم عَنِ التفكُّرِ والتَّدَبُّرِ وَالْإِيمَانَ، وأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ ـ تَعَالى، فَدَخَلوا النَّارَ. وَهَذا كَقولِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سورةِ الأَنْعَامِ: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} الْآيَةَ: 53. وَكَقَوْلِهِ مِنْ سورةِ الأعرافِ: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ} الْآيَةَ: 49. وَقَوْلِهِم في أَخْبَرَ اللهُ ـ تَعَالَى عَنْهُمْ، في الآيَةِ: 11، مِنْ سُورَةِ الأحقاف: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}. وكَقولِهِ مِنْ سورةِ المُطَفِّفينِ: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} الآيتانِ: (29 و 30). وَكُلُّ ذَلِكَ معَبُّرٌ عَنِ احْتِقَارِهم للمُؤْمِنينَ، وَإِنْكَارِهِمْ أَنَّ يَمُنُّ اللهُ عَلَيْهِمْ بِخَيْرٍ.
قال أَبُو عَلِيٍّ الفارسِيُّ: "أَنْسَوْكُمْ" يَجُوزُ أَنْ يَكونَ مَنْقُولًا مِنَ الَّذي بِمَعْنَى التَّرْكِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكونَ مِنَ الَّذي هُوَ خِلافُ الذِّكْرِ، وَاللَّفْظُ عَلَى أَنَّهُمْ فَعَلُوا بِكُمُ النِّسْيَانَ، والْمَعْنَى: أَنَّكم أَيُّها المُتَّخِذونَ عِبَادِي سُخْرِيًّا نَسِيتُمْ ذِكْرِي بِاشْتِغَالِكُمْ بِاتَّخَاذِكُمْ إِيَّاهُمْ سُخْرِيًّا، وَبِالضَّحِكِ مِنْهُمْ. أَيْ: تَرَكْتُمُوهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، فَنَسَبَ الإِنْسَاءَ إِلَى عِبَادِهِ المُخٍلِصِينَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلوهُ، لَمَّا كانُوا كَالسَّبَبِ لِإِنْسائهِمْ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ ـ تعالى، في الآيةِ: 36، مِنْ سورةِ إبراهيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}، فَنَسَبَ الإِضْلَالَ إِلَى الأَصْنَامِ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا فِي الإِضْلَالِ. كتابُ "الحُجَّةُ للقرَّاءِ السَّبعةِ" لِأَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ: (2/191 ـ 192).
قولُهُ: {وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} وذَلِكَ هُوَ غايَةُ الاسْتِهْزَاءِ، فقد بالغتم بالاسْتِهْزَاءِ بهم إلى أَنْ جَعَلْتُم مِنْهُمْ وممَّا آمنوا بِهِ مِنَ البعثِ والنُّشورِ، والقيامةِ مِنَ القبورِ، مثارًا لتفكُّهُكمْ وَضَحِكِكُمْ وَلَمْ تَخَافُونِي، ولمْ تحْسِبوا حسابَ هَذَا اليومِ العَظيم.
قولُهُ تَعَالَى: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سُخْرِيًّا} الفاءُ: عَاطِفَةٌ تَفْرِيعِيَّةٌ. وَ "اتَّخَذْتُمُوهُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هو تعاءُ الفاعِلِ، وهي ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ بافاعِليَّةِ، والميمُ: علامةُ جمعِ المُذّكَّرِ وَ "الوَاوُ" حَرْفٌ زائِدٌ لإِشْبَاعِ ضَمَّةِ المِيمِ. والهاءُ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ علىِ أَنَّهُ المَفْعُولُ الأَوَّلُ للاتِّخاذِ. وَ "سُخْرِيًّا" مَفْعُولُ الاتخاذِ الثاني، مَنْصُوبٌ بِهِ، والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ في مَحلِّ النَّصْبِ بالقوْلِ عْطْفًا عَلَى جُمْلَةُ {يَقُولُونَ} مِنَ الآيةِ الَّتي قَبْلَهَا عَلَى كَوْنِهَا مَقُولَ القَولِ لِـ {قَالَ}، مِنَ الآيَةِ السَّا بِقَةِ، وَهِيَ مُفَّرَّعَةٌ عَلَيْهَا.
قولُهُ: {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} حَتَّى: حَرْفُ جَرٍّ وَغَايَةٍ. و "أَنْسَوْكُمْ" فعْلٌ مَاضٍ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ" مُضْمَرَة بَعْدَ "حَتَّى"، وَعَلامَةُ نَصْبِهِ فتْحَةٌ مُقَدَّرةٌ على الأَلِفِ المَحْذُفةِ لالْتِقاءِ السَّاكنينِ، وَوَاوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌّ بِهِ مَبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، وكافُ الخِطابِ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ على أَنَّهُ مَفْعُولُهُ الأَوَّلُ، والميمُ: عَلامَةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ. وَ "ذِكْرِي" مَفْعُولُهُ الثَّاني مَنْصُوبٌ بِهِ، وَعَلامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى مَا قَبْلِ يَاءِ المُتَكَلِّمِ لانْشِغالِ المَحَلِّ بالحَرَكَةِ المُناسِبَةِ للياءِ، وهوَ مُضافٌ، وَيَاءُ الْمُتَكلِّمِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ "أَنْ" المضْمَرَةِ بعْدَ "حتّى"، و "أَنْ" مَعَ صِلَتِهَا فِى تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِـ "حَتَّى" بِمَعْنَى "إِلَى"، وَالجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِـ "اتَّخَذْتُمُوهُمْ"؛ أَيْ: إِلَى إِنْسَاءِهِمْ إِيّاكُمْ ذِكْرِي.
قولُهُ: {وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "كُنْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ نَاقِصٌ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكِ هوَ التاءُ، والتاءُ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ اسْمُ "كانْ"، والمِيمُ: لتذْكيرِ الجَمعِ. وَ "مِنْهُمْ" مِنْ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَضْحَكُونَ". والجُمْلةُ في مَحَلِّ الجَرِّ بـ "حَتَّى" عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ قولِهِ: "أَنْسَوْكُمْ"، عَلَى كَوْنِهَا فِى تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بـ "حَتَّى".
قولُهُ: {تَضْحَكونَ} و فِعْلٌ مُضَارِعٌ، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفعِهِ ثُبُوتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ على كونِهِ فَاعِلًا بِهِ، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على كونِها خبَرًا لِـ "كانَ".
قَرَأَ الجُمْهورُ: {سِخْريًّا} بِكَسْرِ السِّينِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وأَبُو حاتِمٍ عَنْ يَعْقُوبَ: "سُخْرِيًّا" بِضَمِّهَا، هَهُنا وَفِي الآيةِ: 63، منْ سُورةِ (ص): {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} الآيةَ: 63، وَتَابَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ المُفَضَّلُ فِي سُورَةِ (ص).
وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ سُخْرِيَةُ الْكُفَّارِ وَاسْتِهْزَاؤُهُمْ بِضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا بَيَّنَّا، وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ: الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ، وَهُوَ الْحَقُّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَعَنِ الْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ: أَنَّ السِّخْرِيَّ بِكَسْرِ السِّينِ مِنْ قَبِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ، وَأَنَّ السُّخْرِيَّ بِضَمِّ السِّينِ مِنَ التَّسْخِيرِ، الَّذِي هُوَ التَّذْلِيلُ وَالْعُبُودِيَّةُ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَعَاصِمٌ، وابْنُ عَامِرِ: بِكَسْرِ السِّينِ فِي السُّورَتَيْنِ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ في ضَمَّ السَّينِ فِي الحَرْفِ الَّذي فِي الزُّخْرُفِ: 32. وَاخْتَارَ الفَرَّاءُ الضَّمَ، وَالزَّجَّاجُ الكَسْرَ. وَقدْ تقدَّمَ آنفًا في مَبْحَثِ التَّفْسِيرِ بيانُ أَقْوَالُ العلماء في مَعْناهما فلا حاجَةَ للتَّكْرارِ.