الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 109
ِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
قولُهُ ـ تَعَالَى شأْنُهُ: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} أَيْ: إِنَّ الشَّأْنَ أَنَّ فريقًا مِنْ عِبَادِي، "كَانَ" فِي الدُّنْيَا ـ الَّتِي سَأَلْتُمُوني الرَّجْعَةَ إِلَيْهَا، "يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ"، وَهَذا الفَرِيقُ هُوَ فَريقُ المُؤْمِنينَ بِعَامَّةٍ، أَوْ الصَّحَابَةِ بِخاصَّةٍ ـ رَضِيَ الهُر تَعَالَى عنهم. فَـ "إِنَّ" الْمَكْسُورَةِ الْمُشَدَّدَةِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي أَدْخَلَتْهُمُ النَّارَ هُيَ اسْتِهْزَاؤُهُمْ، وَسُخْرِيَتُهُمْ مِنَ الْفَرِيقِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقُولُ: "رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ".
وَقُرِئَ: "أَنَّهُ" بِفَتْحِ الهَمْزَةِ فَيَكونُ المَعنَى: لِأَنَّ الشَّأنَ "كانَ فريقٌ مِنْ عِبادي يَقولونَ .. . فَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الصِّفَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِي الهَُ عنهما، فيما ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ الجَوْزِيِّ في تفسيرِهِ: (5/492): يُريدُ المُهَاجِرينَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ ـ رَضِيَ الهَُ عنهُ فِيمَا ذَكَرَهُ عنهُ الإمامُ القُرْطِبِيُّ في تفسيرِه: (12/154): هُمْ بِلَالٌ وَخَبَّابٌ وَصُهَيْبٌ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، كَانَ أَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابُهُ يَهْزَؤُونَ بِهِمْ.
والآيَةُ تَعْلِيلٌ لِمَا تقدَّمَ في الآيةِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ زَجْرِهُمْ عَنِ الكلامِ معَ الحَقِّ ـ تَبَارَكَ وتَعَالى، ودُعَائهِ والتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، وسُؤالِهِ إخراجَهُمْ مِنَ النارِ، أَوْ زجْرِهِمْ عنِ الكلامِ مُطلقًا، والهُّ أعلمُ.
قولُهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ} إِنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ، للتوكيدِ. والهاءُ: ضميرُ الشَّأْنِ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ، وخبرُهُ جملةُ "كانَ"، وَالجُمْلَةُ مِنْ "إنَّ" واسْمِها وخبَرِها مُسْتَأْنَفَةٌ، مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ النَّهْيِ قَبْلَهَا فلا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي} كَانَ: فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مبنيٌّ على الفتْحِ، و "فَرِيقٌ" اسْمُ "كانَ" مرفوعٌ بِها. {مِنْ عِبَادِي} مِنْ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "فَرِيقٌ"، و "عبادي" مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، وياءُ المُتَكَلِّمِ وهو اللهُ ـ تَعَالَى، ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافَةِ إِلَيْهِ. وَخَبَرُ "كانَ" جُمْلَةُ "يَقولونَ"، والْجُمْلَةُ مِنْ "كانَ" واسْمِها وخبَرِها في مَحَلِّ الرَّفعِ خَبَرُ "إنَّ".
قولُهُ: {يَقُولُونَ} فِعْلٌ مُضَارِعٌ، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفعِهِ ثُبُوتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ على كونِهِ فَاعِلًا بِهِ، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على كونِها خبَرًا لِـ "كانَ".
قولُهُ: {رَبَّنَا} رَبَّ: مَنْصوبٌ على النِّداءِ مُضَافٌ، و "نا" ضميرُ جماعَةِ المُتكلِّمينَ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وجُمْلَةُ النِّدَاءِ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على كونِها مَقُولَ القولِ لِـ "يَقُولُونَ".
قوْلُهُ: {آمَنَّا} آمَنَ: فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ "نَا" ضميرُ جماعَةِ المُتَكَلِّمينَ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفَاعِلِيَّةِ. وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى كَوِنَهَا جوَابَ النَّدَاءِ.
قولُهُ: {فَاغْفِرْ لَنَا} الفاءُ: للعَطْفِ والتَّفْريعِ. و "اغْفِرْ" فِعْلُ طلبٍ وَدُعاءٍ ورجاءٍ، مبنيٌّ على السُّكونِ، وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنتَ) يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالى. و "لَنَا" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "اغْفِرْ". وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "آمَنَّا" على كونِها في محلِّ النَّصْبِ جوابًا للنِّداءِ، مُفرَّعَةً عليها.
قولُهُ: {وَارْحَمْنَا} الوَاوُ: للعطْفِ، وَ "ارْحَمْنَا" فِعْلُ طَلَبٍ ودُعاءٍ وَرَجاءٍ، مبنيٌّ على السُّكونِ. وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنتَ) يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالى. و "نَا" ضميرُ جماعَةِ المُتَكَلِّمينَ، مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ النَّصْبِ على المَفْعُوليَّةِ، والجُملةً مَعْطُوفةٌ عَلَى جُمْلَةِ "اغْفِرْ" على كونِها في مَحَلِّ النَّصْبِ جَوابًا للنِّداءِ.
قولُهُ: {وَوأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} الوَاوُ: حالِيَّةٌ، وَ "أَنْتَ" ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مَبْنِيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالابتِداءِ. وَ "خَيْرُ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ مَرفوعٌ، وهو مُضافٌ. وَ "الرَّاحِمِينَ" مَجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وعلامةُ جَرِّهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذَكَّر السَّالمُ، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ، وَهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ فَاعِلٍ "ارْحَمْنَا" وهو اللهُ ـ تَعَالى.
قرأَ العامَّةُ: {إِنَّهُ كان} بِكَسْرِ الهَمْزَةِ على الاسْتِئنافِ، وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كعبٍ وابْنُ مَسْعودٍ ـ رَضِي الهُد عنْهُما، وَهَارُونُ العَتَكِيُّ الأَزْدِيُّ، وأَبُو عُمْرَانَ الجُونِيُّ، ، وَعَاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ: "أَنَّهُ" بِفَتْحِ الهَمْزَةِ.
٠ تعليق