الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 107
رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} بعَدَ أَنْ لفحتْهُمُ النارُ وذَاقوا العَذابَ الشَّديدَ، اعْتَرَفوا بما طالما أَنْكَرُهُ في حياتِهِمُ الدُنْيَا، حينَ شَكَّكُوا بإمْكانِ إِعاَدَتِهْ للحَيَاةِ مِنْ جديدٍ، وأَنْكَرُوا البَعْثَ والنُّشورَ، والحِسابَ والعِقابَ، فَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ كلَّ ما جاءَ بهِ المُرسَلونَ ـ عليْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، حَقيقَةٌ، وَرَأَوا كُلَّ مَا حَذَّرُوا مِنْهُ وَاقعًا، فاعترفوا بذَنبِهِمْ، وأقَرُّوا بِجَريمَتِهِمْ، الَّتي كانتْ سَبَبَ شقاوَتِهِمْ، وخلودِهِم في عَذَابِ نارِ جَهَنَّمْ، وَراحوا يَسْأَلونَ الهَّ ـ تَعَالَى، أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ هَذِهِ النارِ، وأَنْ ينَجِّهِمْ مِنْ هَذا العَذابِ.
قولُهُ: {فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} وتَعَهَّدوا ألَّا يعودُوا إِلَى ما يوجِبُ سَخَطَ الهِِ عَلَيْهِم، وَدُخُولِهِمُ النَّارَ مَرَّةً أُخْرى، فإنْ فَعَلُوا كانوا هَذِهِ المَرَّةَ ظَالِمِينَ حقيقةً.
لَقَدْ قَالُوا ذَلِكَ ظَنًّا مِنْهمْ أَنَّهُمْ إِنْ أُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ آمَنُوا بالهِ ـ تَعَالى، وَعَمِلوا الصَّالِحاتِ، فَوَعَدُوا الهَ رَبَّهُمْ ـ تَباركَتْ أَسْماؤُهُ، وجَلَّتْ صِفاتُهُ، أَنَّهُمْ لَا يَعُودُونَ إِلَى الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ، إِنْ هُوَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ نارِ جَهَنَّمَ، وخلَّصَهم مِنْ عذابها.
وَالمُرادُ بالظُّلْمِ هُنَا تَجَاوُزُ الْعَدْلِ، وَظُلْمٌ آخَرُ لا عُذْرَ فيهِ بَعْدَ ظُلْمِهِمُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْقَطِعُ عِنْدَهُ سُؤالُ الْعَفْوِ وَالمَغفِرةِ.
قولُهُ تَعَالى: {رَبَّنَا} رَبَّنَا: مَنْصوبٌ على النِّداءِ مُضَافٌ، وَ "نَا" ضميرُ جماعَةِ المُتكَلِّمينَ، مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ، والجملةُ في محلِّ النَّصْبِ بِـ "قالوا" مِنَ الجُملةِ التي قبلَها، عَلَى كَوْنِها مَقُولَ قوْلٍ لَهَا، وَقَدْ كُرِّرَ النِّداءُ للعِنَايِةِ بِهِ.
قولُهُ: {أَخْرِجْنَا منها} أَخْرِجْنَا: فِعْلُ دُعَاءٍ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى حضرةِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ، وَ "نا" ضميرُ جماعَةِ المُتكلِّمينَ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ، و "مِنْهَا} مِنْ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلَّقٌ بِـ "أَخْرِجْ"، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقَوْلِ أَيْضًا عَلَى كَوْنِهَا مَقولَ القولِ لِـ {قَالُوا}.
قولُهُ: {فَإِنْ عُدْنَا} الفَاءُ: للعَطْفِ. و "إن" حَرْفُ شَرْطٍ جازِمٌ. و "عُدْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتَّصالِهِ بضميرِ رَفعِ مُتَحَرِّكٍ هو "نَا" جماعَةِ المُتكلِّمينَ فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "إِنْ" الشَرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا، و "نا" الجماعَةِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. وجُمْلَةُ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةُ مِنْ فعلِ شَرْطِها وجوابِها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "أَخْرِجْنَا".
قولُهُ: {فَإِنَّا ظَالِمُونَ} الفَاءُ: رَابِطَةٌ لِجَوَابِ "إِنْ" الشِّرْطِيَّةِ وُجُوبًا. و "إِنَّا" إِنْ: حَرْفٌ نَّاصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعْلِ للتوكيدِ، و "نا" ضميرُ جماعَةِ المُتَكَّلِّمينَ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُ "إنَّ". و "ظَالِمُونَ" خَبَرُها مَرْفوعٌ بِها، وعلامةُ رَفعِهِ الواوُ: لأنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ، والنُّونُ عِوَضٌ عَنِ التَّنْوِينِ في الاسْمِ المُفردِ، وَجُمْلَةُ "إنَّ" مِنِ اسْمِهَا وَخَبَرِها فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهَا جَوابًا لَهَا.