الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ المؤمنون الآية: 105

الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 104


أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105)


قولُهُ ـ تَعَالَى شَأنُهُ: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} أَيْ: قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ عبادًا مِنْكمْ رُسُلًا، مُحمَّلينَ بِكُتُبٍ، مبيَّنٌ فيها كُلُّ شَيْءٍ، فَأَزَلْتُ الشُّبَهَ الَّتي كَانَتْ تعتلِجُ فِي صدورِكُم، وتُحَدِّثُكمْ بها أنفسُكم، فَفَنَّدْتُ في تِلْكَ الكُتُبِ والرِّسالاتِ جميعَ حُجَجِكُمْ. وَهَذَا كقَولِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ النِّساءِ: {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} الآيَةَ: 165، وكما قَالَ مِنْ سورةِ الإسراءِ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} الآيَةَ: 15، وقَالَ مِنْ سورةِ المُلْكِ: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نزلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} الآياتِ: (8 ـ11).
وهوَ بِمَثَابَةِ التَّقْريعِ مِنَ الهًِ ـ جَلَّ وَعَلا، لِأَهْلِ النَّارِ بعْدَ أَنْ لَفَحَتْهُمْ، وأَصْبحوا مِنْ المُقيمينَ فِيها، وَفيه أَيْضًا تَوْبِيخٌ لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ، واتخاذِ الشُّركاءِ لَهُ في الْعِبَادَةِ مِنْ أَصْنامٍ وغيرِها، وارْتِكَابِهِمُ المعاصِيَ وَالآثامَ.
قولُهُ: {فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} لَكِنَّكُمْ أَيُّها المُشْرِكونَ،كَذَّبتمُ آياتي وَعَصَيْتُمْ رُسُلِي، وَحَارَبْتُمُوهُمْ، وَأَقَمْتُمْ عَلَى مَعْصِيَتِي، وَاتَّخَذتم أربابًا منْ دُوني، وادَّعيتم لي الولدَ، أَو عَبَدتُّمْ معي غيري، فَبَذَلِكَ حَقَّ عَلَيْكم غضَبي، ونزَلَ بكم عِقَابي، وحَلَّ عَلَيْكمْ عَذابي.
قولُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي} أَلَمْ: الهَمْزَةَ هِيَ هُنَا لِلِاسْتِفْهَامِ التَّقْريرِيِّ. و "لم" حَرْفُ جَزْمٍ ونفْيٍ وقلبٍ. وَ "تَكُنْ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ نَاقِصٌ مَجْزُومٌ بِـ "لَمْ". وقد حُذِفَ الواوُ مَنْ "تكون" لالْتقاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَ "آيَاتِي" اسُمْ "تَكُنْ" مَرفوعٌ بِها، وعلامةُ رَفْعِهِ ضمَّةٌ مُقدَّرةٌ على آخِرِهِ لِثِقَلِها عَلَى اليَاءِ، وَجْمُلةُ "تُتْلى" خَبَرُ "تكُنْ" في محلِّ النَّصْبِ، وجُملةُ "تَكُنُ" مِنِ اسْمِها وخبَرِها جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ. ويَجُوزُ أَنْ تكونَ عَلَى إِضْمَارِ القَوْلِ، أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ تَعْنِيفًا وَتَوْبِيخًا وتَذكِيرًا، بِمَا استَحَقُوا بِهِ العَذَابَ: "أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ" فِي
حَيا تِكُمُ الدُّنْيَا فَكُنْتُمْ حِينَئِذٍ تُكَذّبُونَ بِهَا.
قولُهُ: {تُتْلَى عَلَيْكُمْ} تُتْلَى: فعلٌ مُضَارِعٌ مُغيَّرُ الصِيغَةِ، مَبْنيٌّ للمَجْهولِ، مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعلامَةُ رَفعِهِ مُقدَّرةٌ على آخِرِهِ لتَعَذُّر ظهورِها على الألِفِ، والنائبُ عَنْ فاعِلِهِ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هِيَ) يَعُودُ عَلى "آياتي". و "عَلَيْكُمْ" عَلَى: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تُتْلَى"، وَكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، والمِيمُ: للجمعِ المُذكَّرِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي محلِّ النَّصْبِ خَبَرُ "تَكَنْ".
قولُهُ: {فَكُنْتُمْ بِهَا} الفَاءُ: عَاطِفَةٌ. وَ "كُنْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ نَاقِصٌ، مَبنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رَفُعٍ مُتَحَرٍّكٍ هوَ التاءُ، وهي ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الرَّفعِ اسْمُهُ، والمِيمُ لِتَذْكِيرِ الجَمْعِ. و "بِهَا" الباءُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تُكَذِّبُونَ"، و "هَا" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَجُمْلَةُ "كَاَنَ" مَعَ اسْمِهَا وخَبَرِها مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي" عَلَى كونِها مُسْتَأْنَفَةً لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {تُكَذِّبُونَ} فِعْلٌ مُضَارِعٌ، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفعِهِ ثُبُوتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ على كونِهِ فَاعِلًا بِهِ، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ خبَرٌ لِـ "كُنْتُمْ بِهَا" فهوَ فِي محلِّ النَّصْبِ.