الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 102
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} مَوَزُوناتُ حَسَنَاتِهِ مِنَ العَقَائدِ وَالأَعْمَالِ الصَّالحاتِ وَكانَ ذا عَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ، فإنَّ لِعمَلِهِ قَدْرٌ عِنْدَ اللهِ ـ تَعَالى.
وهَذا تَنْوِيهٌ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَتَهْدِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ بأَنَّهم لَنْ يَجِدُوا فِي مَوَازِينِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ شَيْئًا، لأَنَّهُم لَمْ يعملوها لوجْهِ اللهِ أَصْلًا وكيفُ وهم مُشركونَ باللهِ فهمْ يعبدونَ غيرَهُ ويدعونَ غيرَهُ، ويَرْجُونَ غَيْرَهُ فيما يقومونَ بِهِ مِنَ عَمَلٍ، فكيفَ يجْزيهِم عَنْ عَمَلٍ ابتغَوْا فيهِ غيرَهُ، وَلِذَلِكَ فَإنَّ اللهَ ـ عَزَّ وجَلَّ، يَمْحَقُ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ عَمِلُوهُ، ويَمْحَوهُ فَلَا يَجِدُونَهُ يَوْمَ القِيامَةَ فِي كِفَّةِ المَيزَانِ، وَهذا هُوَ المُرَادُ بِقَولِهِ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالَى، مِنْ سُورَةِ الفُرقانِ: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} الآيَةَ: 23.
قولُهُ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الإشارةُ بـ "أُولائكَ" إِلَى المُؤْمِنِينَ أَصْحابِ المَوَازينِ المُثَقَّلَةِ بالأَعْمالِ الصَّالحاتِ، و "المُفْلِحُونَ" أَيْ: الرَّابِحُونَ النَّاجِحُونَ الذينَ يفوزونَ برِضْوانِ اللهِ وجنَّتِهِ يومَ القيامةِ.
والإِشارَةُ إِلَيْهم بـ "أُولئكَ" وبِدْءُ الحَديثِ عنهُمْ بضميرِ الغائِبِ "هم" لتعظيمِ شأْنِهمْ، وحَصرِ الفلاحِ فيهِمْ دونَ غَيْرِهِم.
قولُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ} الفاءُ: هيَ الفَصيحَةُ؛ أَفْصَحَتْ عَنْ جَوَابِ شَرْطٍ، والتقديرُ: إِذَا عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ، وَأَرَدْتَ بَيَانَ حَالِ أَهْلِ الإيمانِ وأَهْلِ الشِّرْكِ في ذَلِكَ اليَوْمِ العَصيبِ، فيما يتعلَّقُ بالرِّبْحِ والخَسارةِ، فَأَقُولُ لَكَ: مَنْ ثَقُلَتْ مَوازينُهُ فأُولئكَ هُمْ أهلُ الرَّبحِ والنجاحِ والفلاحِ. و "مَنْ" اسْمُ شَرْطٍ جَازِمٌ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ، وخَبَرُهُ جُمْلَةُ الشَّرْطِ، أَوِ الجَوَابِ، أَوْ كِلْتاهُما، وهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القَوْلِ لِجَوَابِ "إِذَا" المُقَدَّرَةِ، وَجُمْلَةُ "إِذَا" المُقَدَّرَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قَوْلُهُ: {ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} ثَقُلَتْ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ، في مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "مَنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا. والتّاءُ السَّاكنةُ لِتَأْنِيثِ الفاعِلِ، وَ "مَوَازينُهُ" فَاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفعِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ: "مَنْ".
قولُهُ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الفاءُ: رابِطَةٌ لِجَوَابِ "مَنْ" الشَّرْطِيَّةِ وُجُوبًا. و "أُولَئِكَ" أُولاءِ: اسْمُ إِشارَةٍ مَبْنيٌّ عَلى الكَسْرِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالابْتِداءِ، والكافُ: للخِطابِ. وَ "هُمُ" ضَمِيرُ فَصْلٍ للتَّأْكيدِ، مبنيٌّ على السُّكونِ، وَحُرِّكَ بالضَّمِ لالْتقاءِ السَّاكنيْنِ. و "الْمُفْلِحُونَ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ مَرفوعٌ وَعَلامَةُ رَفعِهِ الواوُ لأَنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ، وهَذِهِ الجُملَةُ الاسمِيَّةُ فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "مَنْ" الشَرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهَا جَوَابًا لَّهَا.