إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ
(98)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} تَصْريحٌ بِمَآلِ أَمْرِ الكُفَّارِ والمُشْركينَ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا سَبَقَ عَلَى وَجْهِ الإِجْمَالِ مُبَالَغَةً فِي الإِنْذَارِ وَنَفْيِ الأَعْذَارِ، وقد أَتَى هُنَا بِـ "مَا" وَهِيَ لِغَيْرِ العُقَلاءِ ـ عَلَى المَشْهورِ، لِأَنَّهُ مَتَى اخْتَلَطَ العاقِلُ بِغَيْرِ العَاقِلِ خُيِّرْتَ بِيْنَ "مَا" وَ "مَنْ"، وهوَ قولُ الجُمْهورِ.
فَلَا يَرِدُ أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيمَ، وَعُزَيْرًا، وَالمَلَائِكَةَ ـ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، عُبِدُوا مِنْ دُونِ اللهِ ـ تَعَالَى، مَعَ أَنَّ الحُكْمَ لَا يَشْمَلُهُمْ، وَقَدْ شَاعَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ ابْنِ الزَّبْعَرَى السَّهميَّ القُرَشِيَّ اعْتَرَضَ بِذَلِكَ قَبْلَ إِسْلَامِهِ عَلَى سَيِّدِنا رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قائلًا: يَا مُحَمَّدُ، النَّصَارَى قَدْ عَبَدُوا عِيسَى، وَاليَهُودُ قَدْ عَبَدُوا العُزَيْرَ. فَأَجابَهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ: بَلْ هُمْ يَعْبُدونَ الشَّيْطَانَ لَا هَؤُلاءِ، ثُمَّ قالَ لهُ: يَا غُلامُ، مَا أَجْهَلَكَ بِلُغَةِ قَوْمِكَ، لِأَنِّي قُلْتُ "وَمَا تَعْبُدُونَ" وَ "مَا" لِمَا لَمْ يَعْقِلْ، وَلَمْ أَقُلْ و "مَنْ تَعْبُدونَ". تَفْسيرُ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ: (3/94).
وَقَدْ تَعَقَّبَ ابْنُ حَجَرٍ هَذا الحديثَ في "الكافي الشَّاف" تَخْريج أَحادِيثِ تفسيرِ الكَشَّافِ للزَّمَخْشَرِيِّ: (صَ: 111 ـ 112)، بِأَنَّهُ أَشْهَرُ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ العَجَمِ وَفِي كُتُبِهِمْ، وَهُوَ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الحَديثِ مُسْنَدًا وَلَا غَيْرَ مُسْنَدٍ. وقَالَ الإمامُ السُّهَيْلِيُّ: اعْتِرَاضُ ابْنِ الزَّبْعَرَى غَيْرُ لازِمٍ، لِأَنَّ الخِطابَ مَخْصُوصٌ بِقُرَيْشٍ وَمَا يَعْبُدونَ مِنَ الأَصْنَامِ. وَلِذَلِكَ أَتَى بِـ "مَا" الوَاقِعَةِ عَلَى مَا لَا يَعْقِلْ. وَحَديثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، الذي تَقَدَّمَ يَنْقُضُ عَلَيْهِ هَذَا التَأْويلَ. فَإنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ المُرَادَ كُلُّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ ـ تَعَالى.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي ناسِخِهِ، وَابْنُ المُنْذِرِ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، والطَّحاوي في "مُشْكِلُ الآثارِ"، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُا، قَالَ: آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ لَا يَسْأَلُنِي النَّاسُ عَنْهَا، وَلَا أَدْرِي أَعَرَفُوهَا فَلَا يَسْأَلُونِي عَنْهَا، أَمْ جَهِلُوهَا فَلَا يَسْأَلُونِي عَنْهَا؟. قِيلَ: وَمَا هِيَ؟. قَالَ: آيَةٌ لَمَّا نَزَلَتْ "إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ" الأَنْبِيَاء: 98، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَقَالُوا: شَتَمَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنَا، فَقَامَ ابْنُ الزِّبَعْرَى فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟. قَالُوا: شَتَمَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنَا. قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قَالُوا: قَالَ: "إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ" الأَنْبِياء: 98، قَالَ: ادْعُوهُ لِي، فَدُعِيَ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: يَا مُحَمَّدُ هَذَا شَيْءٌ لِآلِهَتِنَا خَاصَّةً أَمْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ؟. قَالَ: ((بَلْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ)). قَالَ: فَقَالَ: خَصَمْنَاهُ وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ، يَا مُحَمَّدُ أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى عَبْدٌ صَالِحٌ، وَعُزَيْرًا عَبْدٌ صَالِحٌ، وَالْمَلَائِكَةَ عِبَادٌ صَالِحُونَ؟، قَالَ: ((بَلَى))، قَالَ: فَهَذِهِ النَّصَارَى يَعْبُدُونَ عِيسَى، وَهَذِهِ الْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا، وَهَذِهِ بَنُو مَلِيحٍ تَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، قَالَ: فَضَجَّ أَهْلُ مَكَّةَ فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} الأنبياء: 101، عِيسَى وَعُزَيْرٌ وَالْمَلَائِكَةُ {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} الأَنْبِياء: 101، قَالَ: وَنَزَلَتْ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} الزخرف: 57، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَجَاءَ فِي رِوَايَاتٍ أُخَرَ ما يَعْضُدُ هَذا الحديثَ، فإِنَّ الظاهِرَ أَنَّ "ما" هُنَا شَامِلٌ لِلْعُقَلاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشُّمُولَ للعُقَلاءِ الذي ادَّعَاهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانَ بِطَريقِ دَلَالَةِ النَّصِّ بِجامِعِ الشَّراكَةِ فِي المَعْبُودِيَّةِ، فَلَمَّا أَشَارَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُمُومِ الآيَةِ بِطَريقِ الدَّلَالَةِ اعْتَرَضَ ابْنُ الزَّبْعَرى بِمَا اعْتَرَضَ، يَحَسَبُ أَنَّهُ بَلَغَ غَرَضَهُ، فَتَوَلَّى اللهُ بِنَفْسِهِ الإجابةَ فقالَ: {إِنَّ الذينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحُسْنَى} الآيةَ: 101،منْ سورةِ الأَنْبِيَاءِ.
وحاصِلُ ذلكَ تَخْصِيصُ العُمُومِ المَفْهُومِ مِنْ دَلَالَةِ النَّصِ بِمَا سِوَى الصُّلَحَاءِ الذينَ سَبَقَتْ لَهُمْ الحُسْنَى منهُ ـ سُبْحانَهُ، فَبَقِيَ الشَّيَاطِينُ الذينَ عُبِدُوا مِنْ دُونِ اللهِ ـ تَعَالى، همُ الداخِلونَ فِي هذا الحُكْمِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، فَأغادَ النَّصُّ بَعْدَ هَذَا التَّخْصِيصِ حُكْمَ الأَصْنَامِ وَالشَّيَاطِينَ عِبَارَةً وَدَلَالَةً، فانَدَفَعَ بذلكَ الاعْتِرَاضُ.
وَالحَصَبُ، هُوَ مَا يُحْصَبُ أَيْ: يُرْمَى فِي النَّارِ، وَلَا يُقَالُ لَهُ حَصَبٌ إِلَّا وَهُوَ فِي النَّارِ. فَأَمَّا قَبْلُ فَهوَ حَطَبٌ وَشَجَرٌ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: يُسَمَّى حَصَبًا أَيضًا قَبْلَ إِلْقَائهِ في النَّارِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ، في قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "حَصَبُ جَهَنَّمَ": كُلُّ مَا أَلْقَيْتَهُ فِي النَّارِ فَقَدْ حَصَبْتَهَا بِهِ.
والحَصَبُ، والحَصْباءُ: الحَصَى. يقالُ: أَرْضٌ حَصِبَةٌ ومَحْصَبَةٌ بِفَتْحِ الميمِ، أَيْ: ذَاتُ حَصْبَاءَ. وَحَصَّبَ المَكَانَ تَحْصِيبًا، إِذَا فَرَشَهُ بالحَصْباءِ. والمُحَصَّبُ: اسمُ مَوْضِعِ رميِ الجِمَارِ بِـ "مِنًى". وَحَصَبْتُ إِبْلَيسَ أَحْصِبُهُ ـ بِكَسْرِ الصَّادِ: رَمَيْتُهُ بالحَصَى أَوْ بالحَصَباءِ، ورَجَمْتُهُ بِهَا. ويقالُ: حَصَبَ فلانٌ في الأَرْضِ: إذا ذَهَبَ فِيهَا. ويُقالُ لِلرِّيحُ الشَّديدةِ "حاصَبٌ" و "حَصِبَةٌ" لأَنَّها تُثِيرُ الحَصْبَاءَ. قَالَ لَبْيدُ بْنُ ربيعَةَ:
جَرَّتْ عَلَيْهَا أَنْ خَوَتْ مِنْ أَهْلِهَا ............ أَذْيَالَها كُلُّ عَصَوْفٍ حَصِبَهْ
وأَحْصَبَتِ الخَيْلُ: أَثَارَتِ الحَصْبَاءَ فِي عَدْوِها، والحَصْبَةُ، والحَصَبَةُ: اسْمُ مَرْضٍ يُخْرِجُ بُثُورًا في الجِلْدِ، فَتَقولُ: حَصِبَ جِلْدُ فلانٍ يَحْصَبُ فهُوَ حَصِبٌ.
قوْلُهُ: {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} الخطابُ للمُشركينَ عَلى وَجْهِ التَّغْليبِ، ويشمَلُ آلهتَهم وأصنامهم التي يعبدونها من دون اللهِ، أَيْ: أنتم وما عَبَدْتم من دون اللهِ ستردونَ جهنَّم، وستكونونَ لها حطبًا وحصَبًا.
وقد جيءَ لاسمِ الفاعلِ "واردون" إشارةً لتحقُّقِ ذلكَ، فكأنَّهم، الآنَ في جهنَّمَ قدْ وردوها وانتهى الأمرُ، وهذا منْ بديعِ التعبيرِ القرآنيِّ وبلاغتِهِ، وَقد رُوعيتْ نِهَاياتُ الآياتِ.
قوْلُهُ تَعَالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} إنَّكم: "إنَّ" حَرْفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ، للتَّأْكيدِ، وكافُ الخطابِ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ، والميمُ: علامةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ. و "وَمَا" الواوُ: للعطْفِ، و "مَا" اسْمٌ مَوْصُولٌ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى كافِ الخطابِ عَلَى كَوْنِهِ اسْمًا لِـ "أنَّ". و "تَعْبُدُونَ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مَرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفَاعِلِيَّةِ، والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ "ما" المَوْصُولَةِ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ، وَالعائدُ مَحْذُوفٌ والتقديرُ: وَمَا تَعْبُدُونَهٌ. و "مِنْ" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحالٍ مِنْ "مَا" المَوْصُولَةِ، أَوْ مِنَ العائِدِ المَحْذُوفِ. و "دُونِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، ولفظُ الجلالةِ "اللهِ" مَجْرُورٌ بالإِضافةِ إِلَيْهِ. و "حَصَبُ" خَبَرُ "إِنَّ" مرفوعٌ بها، وهوَ مُضافٌ. و "جَهَنَّمَ" مجرورٌ بالإِضافةِ إِلَيْهِ، وعلامةُ جَرِّهِ الفَتْحَةُ لأَنَّهُ ممنوعٌ مِنَ الصَّرفِ بالْعَلَمِيَّةِ والعُجْمَةِ، أَوْ بالعَلَمِيَّةِ والتَّأْنِيثِ المَعْنَوِيِّ، وَجُمْلَةُ "إِنَّ" الاسْمِيَّةِ هَذِهِ مِنِ اسْمِها وَخَبَرِهَا مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} أَنْتُمْ: ضميرُ جماعةِ المُخاطَبينَ المنفصِلُ مَبْنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ. و "لَهَا" اللامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِالخبرِ "وَارِدُونَ"، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. وَ "وَارِدُونَ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ مَرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالمُ. وَهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعْرابِ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ "حَصَبُ" فتَكونُ في محلِّ الرَّفعِ على الإخبارِ، أَوْ في محلِّ النَّصْبِ على الحِالِ مِنْ "جَهَنَّمَ"؛ لِأَنَّ "حَصَبُ" جِزْءٌ مِنْ جَهَنَّمَ.
قَرَأَ العامَّةُ: {حَصَبُ} بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَالصَّادُ مَفْتُوحَةٌ. وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْفَعِ، وابْنُ أَبي عَبْلَةَ، "حَصْبُ" بِسُكونِ الصَّادِ، وَرُوِيَتْ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ كذلكَ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ واقعًا مَوْقِعَ المَفْعُولِ، أَوْ عَلَى المُبَالَغَةِ، أَوْ عَلى حَذْفِ مُضافٍ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَمُّ المُؤْمِنينَ السَّيِّدةُ عَائِشَةُ وابنُ السُّميفَعِ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُم: "حَضَبُ" بالضَّادِ المُعْجَمَةِ مَفْتُوحَةً وَسَاكِنَةً، وَقرأَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبيرِ، وَعِكْرِمَةُ، وَابْنُ يَعْمُر، وَابْنُ أَبي عَبْلَةَـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: "حَضْبُ" بإسْكانِ الضَّادِ المُعْجَمَةِ: وَهُوَ أَيْضُا مَا يُرمَى بِهِ فِي النَّارِ، وَمِنْهُ "المِحْضَبُ" وهوَ: عُوْدٌ تُحَرَّكُ بِهِ النَّارُ لِتُوقَدَ. وأًنْشِدَ علَيْهِ بِيْتَ الأَعْشَى:
فَلَا تَكُ في حَرْبِنا مِحْضَبًا .................. فَتَجْعَلَ قَوْمَكَ شَتَّى شُعُوبَا
وَقَرَأَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ، وَأَبُو العَالِيَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزيزِ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ جَمِيعًا: "حَطَبُ" بالطَّاءِ، وَأَظْنُّ هَذِهِ القِرَاءَةَ تَفْسِيرًا وَلَيسَتْ قِرَاءَةً.
وقَرَأَ أَبُو المُتَوَكِّلِ، وَأَبُو حَيَوَةَ، وَمُعاذٌ القَارِئُ: "حِضْب" بِكَسْرِ الحاءِ مَعَ تَسْكِينِ الضَّادِ المُعْجَمَةِ. وَقَرَأَ أَبو مِجْلَزٍ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ: "حَصْبُ" بِفَتْحِ الحَاءِ، وَبِصادٍ سَاكْنَةٍ غَيْرِ مُعجَمَةٍ.
قَالَ أَبو إسْحاقٍ الزَّجَّاجُ: مَنْ قَرَأَ "حَصَبُ جَهَنَّمَ" فَمَعْنَاهُ: كُلُّ مَا يُرْمَى بِهِ فِيهَا، وَمَنْ قَرَأَ "حَطَبُ" فَمَعْنَاهُ: مَا تُوقَدُ بِهِ، وَمَنْ قَرَأَ بِالضَّادِ المُعْجَمَةِ، فَمَعْنَاهُ: مَا تُهَيَّجُ بِهِ النَّارُ وتُذْكَى بِهِ.
وَقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الحَصَبُ: مَا أُلْقِيَ فيها، وَأَصْلُهُ مِنَ الحَصْبَاءِ، وَهُوَ الحَصَى، يُقَالُ: حَصَبْتُ فُلانًا: إِذَا رَمَيْتُهُ، حَصْبًا، بِتَسْكِينِ الصَّادِ، وَمَا رَمَيْتَ بِهِ فَهُوَ حَصْبٌ، بِفَتْحِ الصَّادِ.