وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي
(90)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ} كَأَنَّ اللهَ ـ سُبْحانَهُ، حِينَ يَذْكُرُ هَذَا لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، يُؤانِسُهُ ويُؤَيِّسُهُ عَنْ إِيمانِ الذينَ كَفَرُوا مِنْ قومِهِ بِسَبَبِ عِنَادَهِمْ، بِأَنَّ هَؤلاءِ الذينَ كَذَّبُوهُ وَجَحَدُوا رِسَالَتَهُ لَمْ يَكَذِّبُوا ويَجْحَدُوا عَنْ جَهْلٍ مِنْهُمْ بِالرِّسَالَةِ، وَلَكِنْ بِسَبَبِ عنادِهم وَتَعَنُّتِهم. فَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ هَارُونَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، حاولَ مِنْ قبلُ أَنْ يُبَيِّنَ لِقَوْمِهِ ـ لَمَّا عَبَدُوا العِجْلَ، وَيَهْدِيَهُمْ إلى اللهِ تَعَالَى ولكنَّ عِنَادَهُم وتعَنُّتَهم مَنَعَهُمْ أَيْضًا مِنْ أَنْ يُؤْمِنُوا بالحقِّ وَيُصَدِّقوا الحقيقةَ.
قوْلُهُ: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ} فُتِنْتُمْ" صِرْتُمْ مَفْتُونِينَ بِصَوْتِ العِجْلِ وخُوَارِهِ. أَوْ ضَلَلْتُمْ بِالعِجْلِ. فقد كانَ هَارُونُ ـ سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ، خَلِيفَةً لِأَخِيهِ موسَى في حالِ غِيابِهِ، لِقَولِهِ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الأَعْرَافِ: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدينَ} الآيةَ: 142، فَكانَ هَذَا تَفْويضًا لهُ مِنْهُ بِأَنْ يُقدِّرَ المَصْلَحَةَ، ويَقْضِيَ فِيهمْ بِمَا يَرَاهُ مُنَاسِبًا. وَقَدْ وَعَظَهُمْ هَارُونُ ـ عَلَى قَدْرِ اسْتِطَاعَتِهِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَبَّهُمْ هوَ الرَّحْمنُ الذي وَسِعتْ رحمتُهُ جميعَ خلْقِهِ، حَتَّى العُصاةَ لَهُ والكافرينَ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا العِجْلَ الذي صَنَعَهُ السَّامِرِيُّ مِنَ الحُلِيِّ.
وَإِنَّمَا خَصَّ اسْمَهُ تَعَالى "الرَّحمنَ" بالذِّكْرِ في هَذَا الْمَوْضِعَ لِأَنَّهُ كَانَ يُنْبِئُهُمْ بِأَنَّهُمْ إِذا تَابُوا قَبِلَ الله تَوْبَتَهُمْ، فَهُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ أَنْ خَلَّصَهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وظُلْمِهِ، لكِنَّهُمْ قَابَلُوا هَذَهِ النَّصيحَةَ بِالْجُحُودِ، فَقَالُوا لَهُ: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى} فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا لِهَارونَ: لَا نَقْبَلُ حُجَّتَكَ، وَلَكِنْ نَقْبَلُ قَوْلَ مُوسَى ـ على نبيِّنا وَعَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ.
قولُهُ: {فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} كَمَا أَخَذَ مُوسَى عليْكُمُ العَهْدَ، فقَدْ نَصَحَ لَهُمْ نَبِيُّ اللهِ هَارُونُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَوَعَظَهُمْ، وبيَّنَ لهُمْ، ولكِنْ مَنْ أَضَلَّهُ اللهُ بِسَبَبِ تَعَنُّتِهِ وصَلفِهِ لا يَرْعَوِي لِوَعْظٍ، وَلَا يَنْفَعُهُ نُصْحٌ، وَلَا يُجْدِي مَعَهُ بَيَانٌ. وَإِنَّمَا وَعَظَهُمْ ـ عليْهِ السَّلامُ، وَبَيَّنَ لهُمْ، قيامًا مِنْهُ بواجِبٍ يُمْلِيهِ عَلَيْهِ دينُهُ، لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ عِنْدِ الله بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَوَفَاءً بِوَعْدِهِ لِأَخِيهِ مُوسَى ـ عَلَيْهِمَا السَّلامُ، لأَنَهُ كانَ مَأْمُورًا مِنْ عِنْدِ أَخِيهِ بِأَنَّ يَخَلِفَهُ في قومِهِ بالإِصْلاحَ، وقدْ جاءَ ذلكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الْأَعْرَافِ حِكَايَةً عَنْ مُوسَى: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} الآيةَ: 142، وَشَفَقَةً مِنْهُ عَلَيهِمْ فَلَوْ لَمْ يَقُمْ بِأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ لَكَانَ مُخَالِفًا لِأَمْرِ الله تَعَالَى وَلِأَمْرِ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَرْكُ الأَمْرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ غيرُ جائزٍ في شَرْعِ اللهِ، وقدْ كانَ دائمًا مِنْ أَسْبَابِ هلاكِ الأُمَمِ، فقدْ رُوِيَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ: أَنِّي مُهْلِكٌ مِنْ قَوْمِكَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ خِيَارِهِمْ، وَسِتِّينَ أَلْفًا مِنْ شِرَارِهِمْ، فَقَالَ: يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارُ فَمَا بَالُ الْأَخْيَارِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ يَغْضَبُوا لِغَضَبِي، وَوَاكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ. أَخْرجَهُ ابْنُ أَبي الدُّنْيا في كِتَابَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وأَبُو الشَّيْخِ وعبدُ الغنيِّ المَقْدِسِيُّ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ عَمْرٍو الصَّنْعانِيِّ. وأَخْرَجَ الثَّعْلَبِيُّ في تَفْسِيرِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ جَريرٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، قالَ: ((مَا مِنْ رَجُلٍ يُجَاوِرُ قَوْمًا فَيَعْمَلُ بِالْمَعَاصِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَلَا يَأْخُذُونَ عَلَى يَدَيْهِ إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ)). "الكَشْفُ وَالبَيَانُ عَنْ تَفْسيرِ القُرْآنِ" للثَّعلبيِّ: (4/86)، و "المُعْجَمُ الكَبِيرُ" للطبرانيِّ: (2/332). وأَخرَجَ الإمامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ: (1/33) عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِم، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ هَذِهِ الْآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللهُ بِعِقَابِهِ)). وأخرجَهُ الحُميدِيُّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، و "أَبُو دَاودَ برقم: (4338)، وابْنُ ماجَةَ برقم: (4005)، وَالتِّرْمِذِيُّ، برقم: (2168)، والنَّسَائِيُّ في "الكُبْرَى" برقم: (11092). وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: أَوْحَى اللهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنْ عَذِّبُوا قَرْيَةَ كَذَا، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: إِنَّ فِيهَا عَبْدَكَ الْعَابِدَ فَقَالَ: أَسْمِعُونِي ضَجِيجَهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَمَعَّرْ وَجْهُهُ مِنْ أَجْلي في سَاعَةٍ قَطُّ. أَيْ: لَمْ يَحْمَرَّ وَجْهُهُ غَضَبًا لِانْتِهاكِ مَحَارمِ اللهِ تَعَالى. وَرَوَاهُ سُفيانُ بْنُ عُيَيْنةَ عن مِسْعَرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ قَالَ أَنَسٌ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَصْبَحَ وَهْمُّهُ غَيْرُ اللهِ تَعَالَى فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ وَمَنْ أَصْبَحَ لَا يَهْتَمُّ بِالْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ)). أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ في مُسْتَدْرَكِهِ: (4/356، رقم: 7902) مِنْ حديثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمانِ: (7/361، برقم: 10586)، وَابْنُ النَّجَّارِ مِن حَديثِ أَنَسِ بْنِ مالكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَعَنِ الإمامِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فَي تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)). أَخْرَجَهُ الحُمَيْدِيُّ: (برقم: 919) وَأَحْمَدُ: (4/268(18545)، والبُخَارِيُّ في صحيحِهِ: (8/11(6011)، ومسلم في صحيحِهِ: (8/20(6678)، وغيرُهُم.
قولُهُ تَعَالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ، وَاللَّامُ: مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ، و "قد" حَرْفُ تَحْقِيقٍ. و "قَالَ" فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ عَلَى الفَتْحِ. و "لَهُمْ" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "قالَ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الحرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميم: للجمعِ المُذكَّر. و "هَارُونُ" فَاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ. و "مِنْ" حرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "قَالَ" أَيْضًا، أَوْ بِحالٍ مِنْ الفاعِلِ "هَارُونُ" و "قَبْلُ" اسْمٌ ظَرْفِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ واقعةٌ في جَوَابِ القَسَمِ فلَيسَ لها مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرَابِ، وَجُمْلَةُ القَسَمِ جملَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ ليسَ لَهَا مَحَلَّ مِنَ الإِعْرابِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ} يَا: أَداةٌ للنِّداءِ، و "قَوْمِ" مَنْصوبٌ بالنِداءِ مُضَافٌ، وعَلامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى مَا قَبْلِ الياءِ المَحْذوفَةِ للتَّخْفِيفِ، وَاليَاءُ المَحْذوفَةُ هَذِهِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ، وَجُمْلَةُ النِّداءَ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لـ "قَالَ".
قَوْلُهُ: {إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ} إِنَّمَا: كَافَةٌ وَمَكْفُوفَةٌ للتوكيدِ. و "فُتِنْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مُغَيَّرُ الصِيغَةِ، مبنيٌّ للمجهولِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ تاءُ الفاعِلِ، وهيَ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفْعِ نَائبًا عنْ فَاعِلِهِ، وَالميمُ علامةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ. و "بهِ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "فُتِنْتُمْ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "قالَ" عَلَى كَوْنِهِ جَوَابَ النِّدَاءِ.
قَوْلُهُ: {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ} الوَاوُ: عَاطِفَةٌ، وَ "إِنَّ" حَرْفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتوكيدِ. و "رَبَّكُمُ" اسْمُهَا مَنْصوبٌ بِها، وهوَ مُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإِضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ لتذْكيرِ الجَمْعِ. و "الرَّحْمَنُ" خَبَرُهَا مَرْفوعٌ بِها، وَهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ قَبْلَهَا عَلَى كَوْنِهَا مَقُول "قَالَ".
قوْلُهُ: {فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} الفاءُ: هيَ الفَصيحَةُ؛ أَفْصَحَتْ عَنْ جَوَابِ شَرْطٍ تَقديرُهُ: إِذَا عَرَفْتُمْ أَنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ، وَأَرَدْتُمْ إِظْهَارَ النَّصِيحَةِ لَكُمْ فَأَقولُ: اتَّبِعُونِي. و "اتَّبِعوني" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على حَذْفِ النَّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والنُّونُ نُونُ الوِقَايَةِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ ضميرٌ مُتَّصلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولٌ لِجَوابِ "إِذَا" المُقَدَّرَةِ، وَجُمْلَةُ إِذَا المُقَدَّرَةِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ "قَالَ".
قوْلُهُ: {وَأَطِيعُوا أَمْرِي} الواوُ: للعَطْفِ، و "أَطيعُوا" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على حَذْفِ النَّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ فارقةٌ. و "أَمْرِي" مَفْعُولُهُ مَنْصُوبٌ بِهِ، وعلامةُ النَّصْبِ مُقدَّرةٌ على آخِرِهِ لانْشِغالِ المَحَلِّ بِالحَرَكَةِ المُناسِبةِ للياءِ، وهوَ مُضافٌ، وَياءُ المُتَكَلِّمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ. وَالجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "اتَّبِعُونِي".
قَرَأَ العامَّةُ: {إِنَّمَا فُتِنْتُم} و {إِنَّ ربَّكمْ} بِكَسْرِ هَمْزَةِ "إِنَّ" فيهِما، لِأَنَّهُمَا جَاءَتَا بَعْدَ القَوْلِ لَا بِمَعْنَى الظَّنِّ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ بِفَتْحِهِمَا وخُرِّجَتْ عَلَى لُغَةِ "بَنِي سُلَيْم" لأَنَّهم يَفْتَحُونَ "أَنَّ" بَعْدَ القَوْلِ مُطْلَقًا.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍوٍ ـ فِي رِوَايَةٍ، وَالحَسَنُ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ "أَنَّ ربَّكم" فقط، بِفَتْحِ "أَنَّ"، وَخُرِّجَتْ عَلَى وَجْهَيْنِ، الأَوَّلُ: أَنَّهَا وَمَا بَعْدَهَا بِتَأْوِيلِ مَصْدَرٍ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ، والتقديرُ: وَالأَمْرُ أَنْ ربَّكم الرَّحْمَنُ، فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الجُمَلِ لَا مِنْ عَطْفِ المُفْرَدَاتِ. وَالثَّاني: أَنَّهَا مَجْرُورَةٌ بِحَرْفٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: لِأَنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُوني.