وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)
قوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} أَيْ: قَالَ "ذُو القَرْنَيْنِ" لأُلائكَ النَاسِ الذينَ تَقدَّمَ الحَديثُ عَنْهُمْ في الآيَةِ السَّابِقَةِ: وَأَمَّا مَنْ آمَنَ باللهِ ـ تَعَالَى، وَوَحَّدَهُ بِمُوجِبِ دَعْوَتِي لَهُ، وَصَدَقَ اللهَ، وَعَمِلَ بِما يُمْلِيهِ عَلَيْهِ إيمانُهُ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَعَمِلَ بِطَاعَتِهِ ـ سُبْحانَهُ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَ ربِّهُ الثوابَ العظيمَ.
قوْلُهُ: {فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} الجَزَاءُ يَعْنِي: الثَّوَابَ مِنْ رَبِّهِ عَلى الإيمانِ بِهِ وَطاعَتِهِ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى. و "الحُسْنَى"، قيلَ: هِيَ الجَنَّةُ، وقِيلَ: هوَ الجزاءُ الحَسَنُ عَلَى حُسْنِ العملِ الذي اقْتَضَاهُ إِيمانُهُ بِمَولَاهُ ـ سُبْحانَهُ. فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنَ مَسْرُوقٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى" قَالَ: الْحُسْنَى لَهُ جَزَاءٌ. وقيلَ المَعْنَى: أَنَّ اللهَ تَعَالَى سَيَجْزِيهِ بإيمانِهِ وأَعْمَالِهِ الحَسَنَةِ، وسَيُثيبُهُ ويَعْطِيهِ فِي الآخِرَةِ ثَوَابَ إِيمانِهِ وعَمَلِهِ الصّالِحِ.
قوْلُهُ: {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} أَيْ: نَقُولُ لَهُ قوْلًا يُسْرًا، ذَا يُسْرٍ جَمِيلًا سَهْلًا مُيَسَّرًا غَيْرَ شَاقٍّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا" قَالَ: مَعْرُوفًا. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قوْلُهُ تَعَالى: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} الواوُ: عَاطِفَةٌ، و "أَمَّا" حَرْفُ شَرْطٍ وتَفْصِيلٌ. وَ "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابتِداءِ. و "آمَنَ" فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جَوَازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "مَنْ"، وَجُمْلَةُ "آمَنَ" الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصُولِ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ. وَ "وَعَمِلَ" الواوُ: للعَطْفِ، وَ "عَمِلَ" مِثْلُ "آمَنَ" مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. وَ "صَالِحًا مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ، أَوْ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ والتَقْديرُ: وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحًا، وجُمْلَةُ "عَمِلَ" الفِعْلِيَّةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "آمَنَ" عَلَى كَوْنِها صِلَةَ الاسْمِ المَوْصُولِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قوْلُهُ: {فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} الفَاءُ: رَابِطَةٌ لِجَوَابِ "أَمَّا"، و "لَهُ" اللامُ حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَ "جَزَاءً" مَنْصُوبٌ عَلَى الحَالِ مِنَ "الْحُسْنَى". وَ "الْحُسْنَى" مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ مُؤَخَّرٌ؛ وعلامةُ رَفعِهِ ضمَّةٌ مقدَّرةٌ عَلَى آخرِهِ لِتَعَذُّرِ ظُهورِها عَلى الأَلِفِ، والتَقْديرُ: فَـ "الْحُسْنَى" كَائِنَةٌ لَهُ حَالَةَ كَوْنِهِ مَجْزِيًا بِها، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هَذِهِ جَوَابُ "أَمَّا" لَا مَحَلَّ لَها مِنَ الإِعْرابِ. وَجُمْلَةُ "أَمَّا" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ "أَمَّا" الأُولَى مِنَ الآيَةِ الَّتي قَبْلَها على كونِها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قَالَ".
قوْلُهُ: {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} الوَاوُ: للعَطْفِ، وَ "سَنَقُولُ" السينُ للاستقبالِ والتَّسْويفِ مُفيدٌ للتَأْكِيدِ، و "نقولُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازم، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ "نحنُ" التَّعظيمِ يَعُودُ عَلى اللهِ ـ تَعَالَى. وَ "لَهُ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نَقُولُ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرْفِ الجَرِّ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحالٍ مِنْ "يُسْرًا" لِأَنَّهُ صِفَةُ نَكِرَةٍ قُدِّمَتْ عَلَيْهَا، وَ "أَمْرِنَا" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ جَرٍّ، وهوَ مُضافٌ، و "نَا" ضميرُ المُعظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "يُسْرًا" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذوفٍ، وَالتَقْديرُ: سَنَقولُ لهُ مِنْ أَمْرِنَا قَوْلًا يُسْرًا، وَجُمْلَةُ "نَقُولُ" الفعليَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ: "فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى" عَلَى كَوْنِهَا خَبَرًا لِـ "مَنْ" المَوْصُولَةِ.
قَرَأَ الأخوان (حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ) وَحَفْصٌ، وَأَبُو بَحْرِيَّةَ، وَالْأَعْمَشُ، وَطَلْحَةُ، وَابْنُ مُنَاذِرٍ، وَيَعْقُوبُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ سَعْدَانَ، وَابْنُ عِيسَى الْأَصْبَهَانِيُّ، وَابْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: "فَلَهُ جَزاءً" بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِينِ، وَقدِ انْتَصَبَ جَزاءً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ مُجَازًى، كَما تقَوْلُ: فِي الدَّارِ قَائِمًا زَيْدٌ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الفارسيُّ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هَذَا لَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَكَلَّمُ بِه مُقَدَّمًا إِلَّا فِي الشِّعْرِ. وَقِيلَ: انْتَصَبَ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ يَجْزِي جَزاءً. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وَمَنْصُوبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ وَالْمُرَادُ بِـ "الْحُسْنَى" عَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ الْجَنَّةُ.
وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ: "جَزاءُ الْحُسْنى" بِرَفْعِ جَزاءً مُضَافًا إِلَى الْحُسْنى. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الفارسيُّ: جَزَاءُ الْخِلَالِ الْحَسَنَةِ الَّتِي أَتَاهَا وَعَمِلَهَا أَوْ يُرَادُ بِالْحُسْنَى الْحَسَنَةُ وَالْجَنَّةُ هِيَ الْجَزَاءُ، وَأَضَافَ كَمَا قَالَ: دَارَ الآخِرَةِ، وجَزاءً مُبْتَدَأٌ وَلَهُ خَبَرُهُ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، وإِسْحَاقُ: "فَلَهُ جَزاءٌ" مَرْفُوعًا، على أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، و "الْحُسْنى" بَدَلٌ مِنْ جَزاءً. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٌ: "جَزاءَ" نَصْبًا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ و "الْحُسْنى" بِالْإِضَافَةِ، وَيُخَرَّجُ عَلَى حَذْفِ الْمُبْتَدَأُ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، أَيْ: فَلَهُ الْجَزَاءُ جَزاءَ الْحُسْنى، وَخَرَّجَهُ الْمَهْدَوِيُّ عَلَى حَذْفِ التَّنْوِينِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ "يُسُرًا" بِضَمِّ السِّينِ حَيْثُ وَقَعَ.
قرَأَ الجُمْهورُ: {يُسْرًا}، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرَ النَّحاسُ اليُسْرُ" بِالضَمِّ، حَيْثُ وَرَدَ. وَقُرِئ أَيْضًا: "يُسُرًا" بِضَمَّتَيْنِ.