وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا
(83)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} تَقَدَّمَ لَنَا أَنْ ذَكَرْنَا عند تفسيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الإِسْراءِ: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} الآيَةَ: 85، حديثَ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: أَنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ سَأَلُوا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، عَنْ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ بِتَوْجِيهٍ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودِ فِي يَثْرِبَ. وكانَ أَحَدَ هَذِهِ الأُمُورِ الثَّلاثَةِ التي سُئِلَ عَنْها خَبَرُ "ذِي القَرْنَيْنِ". فَقَدْ كَانَتْ أَخْبَارُهُ خَفِيَّةً مُجْمَلَةً مُغْلَقَةً مَقْصورَةً عَلَى أَحْبَارُ الْيَهُودِ، وكانُوا مُتَفَرِدِينَ بِمَعْرِفَةٍ إِجْمَالِيَّةٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسَأَلةِ، شَأْنُهم فِي ذَلِكَ كَشَأْنِهم في المَسْأَلَتَيْنِ الأُخُرِيَيْنِ، فَقَدْ كَانَتْ مِنْ أَسْرَارِهِمْ، وَلِذَلِكَ أَرادُوا أَنْ يَمْتَحِنُوا بِهَا نُبُوءَةَ سَيِّدِنا ـ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْعَالَمِ عُرِفَ بِلَقَبِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَأَذِنَ لَهُ اللهُ ـ تَعَالَى، أَنْ يُبَيِّنَ مِنْهَا مَا فِيهِ عِبْرَةٌ لِلنَّاسِ وَصَلَاحُ أَمْرِهِمْ، مِنْ عَجِيبِ صُنْعِ اللهِ ـ تَعَالَى، فِي خلْقِهِ. فقد أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ في تَفْسِيرِهِ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ للنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّمَا تَذْكُرُ إِبْرَاهِيمَ، ومُوسَى، وَعِيسَى، والنَّبِيِّينَ، أَنَّكَ سَمِعْتَ ذِكْرَهُمْ مِنَّا فَأَخْبِرْنَا عَنْ نَبِيٍّ لَمْ يَذْكُرْهُ اللهُ فِي التَّوْرَاةِ إِلَّا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ. قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالُوا: ذُو القَرْنَيْنِ. قَالَ: مَا بَلَغَنِي عَنْهُ شَيْءٌ. فَخَرَجُوا فَرِحِينَ، وَقَدْ غَلَبُوا فِي أَنْفُسِهِمْ. فَلَمْ يَبْلُغُوا بَابَ الْبَيْتِ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ ـ عليْهِ السَّلامُ، بِهَؤُلاءِ الْآيَاتِ: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا". وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ أَيضًا عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غَفْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، كَيفَ تَقُولُ فِي رَجُلٌ كَانَ يَسيحُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهِ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا نَقِيضًا في السَّقْفِ، وَوَجَدَ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غُمَّةَ الْوَحْيِ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَتَلا: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا" الْآيَةَ. فَلَمَّا ذَكَرَ السَّدَّ قَالُوا: أَتَاكَ خَبَرُهُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَسْبُكَ. ورُوِيَ عنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ اليَهُودَ أَنْفُسَهُمْ هُمُ الَّذينَ سَأَلُوا النَّبِيَّ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، عَنْ ذَلِكَ، وَأَكْثَرُ الآثارِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ سُؤَالِهِمْ، فصيغَةُ الاسْتِقْبَالِ "يَسْأَلونَكَ" هيَ لِاسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ المَاضِيَةِ، أَوْ للدَّلالَةِ عَلَى اسْتِمْرارِهِم عَلَى السُّؤَالِ إِلَى وُرُودِ الجَوَابِ.
وَبَعْضُ الآثارِ دالٌّ عَلَى أَنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلُ، مِنْ ذلكَ ما رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ: إِنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ جَاؤُوا بالصُّحُفِ، أَوِ الكُتُبِ، فَقَالُوا لِي: اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِنَدْخُلَ عَلَيْهِ، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ ـ صَلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَكانِهِمْ، فَقَالَ ـ عَلَيْهِ صَلَاةُ اللهِ وَسَلامُهُ: ((مَا لِي وَلَهُمْ يَسْأَلُونَني عَمَّا لَا أَعْلَمُ، إِنَّما أَنَا عَبْدٌ لَا عِلْمَ لِي إِلَّا مَا عَلَّمَنِي رَبِي، ثُمَّ قالَ: ائْتِني بِوَضُوءٍ أَتَوَضَّأُ بِهِ)). فَأَتَيْتُهُ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ إِلَى مَسْجِدٍ فِي بَيْتِهِ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، فَانْصَرَفَ حَتَّى بَدَا السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: ((اذْهَبْ فَأَدْخِلْهُمْ، وَمَنْ وَجَدْتَ بالبابِ مِنْ أَصْحَابِي))، فَأَدْخَلْتُهُمْ. فَلَمَّا رَآهُمُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمُوني عَنْهُ، وإِنْ شِئْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا)). وَالخَبَرُ الأَوَّلُ أَصَحُّ وَلِذَلِكَ فَقَدْ أخَذَ الجُمْهُورُ بِهِ.
أَمَّا ذُو القَرْنَيْنِ فقدِ اخْتُلِفَ فيهِ، فَقِيل: هُوَ مَلاكٌ أَهْبَطَهُ اللهُ إِلَى الأَرْضِ وَآتَاهُ سَبَبًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، واسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ (الْأَضْدَادِ)، وَأَبُو الشَّيْخِ، عَنْ أَميرِ المُؤْمنينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُنَادِي بِمِنًى: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: هَا أَنْتُمْ قَدْ سَمَّيْتُمْ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، فَمَا بَالُكُمْ وَأَسْمَاءُ الْمَلَائِكَةِ؟. وَهَذا الخَبَرُ ـ عَلَى فَرَضِ صِحَّتِهِ لَيْسَ نَصًّا فِي ذَلِكَ.
وَقِيلَ: هوَ عَبْدٌ صَالِحٌ، مَلَّكَهُ اللهُ الأَرْضَ، وأَعْطاهُ العِلْمَ وَالحِكْمَةَ، وأَلْبَسَهُ الهَيْبَةَ. فقد أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: مَا أَدْرِي أَتُبَّعُ كَانَ لَعِينًا أَمْ لَا، وَمَا أَدْرِي أَذُو القَرْنَيْنِ كَانَ نَبِيًا أَمْ لَا، وَمَا أَدْرِي الْحُدُودَ كَفَّارَاتٍ لأَهْلِهَا أَمْ لَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبي الْجَعْدِ قَالَ: سُئِلَ عَليٌّ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ: أَنَبِي هُوَ فَقَالَ: سَمِعْتُ نَبِيَّكُم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: هُوَ عَبْدٌ نَاصَحَ اللهَ فَنَصَحَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ فِي فُتُوحِ مِصْرَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الْمَصَاحِفِ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبي الطُّفَيْلِ أَنَّ ابْنَ الْكَوَّاءِ سَأَلَ عَليَّ بْنَ أَبي طَالِبٍ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ: أَنَبِيًّا كَانَ أَمْ مَلَكًا؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَا مَلَكًا وَلَكِن كَانَ عَبْدًا صَالِحًا أَحَبَّ اللهَ فَأَحَبَّهُ، وَنَصَحَ للهِ فَنَصَحَهُ. بَعَثَهُ اللهُ إِلَى قَوْمِهِ، فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ، فَمَاتَ، ثُمَّ أَحْيَاهُ اللهُ لِجِهَادِهِمْ، ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَى قَوْمِهِ، فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الآخَرَ، فَمَاتَ، فأَحْيَاهُ اللهُ لِجِهَادِهِمْ، فَلذَلِكَ سُمِّيَ ذَا القَرْنَيْنِ، وَإِنَّ فِيكُمْ مِثْلهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُما، قَالَ: ذُو القَرْنَيْنِ نَبِيٌّ. وَقَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: كانَ نَبِيًّا، وَدَليلُهُ قَولُهُ تَعَالى فِي الآيةِ: 86، مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المُبَارَكَةِ: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}؛ قالَ الحَسَنُ: وهَذَا تَحْكيمٌ مِنَ اللهِ إِيَّاهُ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَا يُوَلِّي الحُكْمَ إِلَّا مَنْ كانَ نَبِيًّا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُئِلَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ فَقَالَ: هُوَ مَلكٌ مَسَحَ الأَرْضَ بِالْإِحْسَانِ. واللهُ أَعْلَمُ.
وَقِيلَ: هُوَ الْإِسْكَنْدَرُ بْنُ فِيلِبُوسَ الْيُونَانِي، وَقد كَانَ قَبْلَ نَبِيِّ اللهِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، بِنَحْوِ ثلاثِمِئَةِ سَنَةٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَكانَ سَريرُ مُلْكِهِ مَقْدُونِيًّا، وَمَقْدونِيا مِنْ بِلادِ الرُّومِ تَقَعُ غَرْبِيَّ اصْطَنْبُولَ؟ وَالإِسْكَنْدَرُ هذا هُوَ الذي اسْتَوْلَى عَلَى مُلْكِ فارِسَ، وغيرِهِ.
وَقدِ ادَّعَى الْفُرْسَ: بِأَنَّ ملِكَهُمْ "دَارَا الْأَكْبَرَ" تَزَوَّجَ بِابْنَةِ "فِيلِبُوسَ" مَلكِ اليُونانِ، فَلَمَّا اقَتَرَبَ مِنْهَا، وَجَدَ مِنْهَا رَائِحَةً كَريهَةً، فَرَدَّهَا عَلَى أَبِيهَا "فِيلِبُوسَ"، وَكانتْ قَدْ حَمَلَتْ مِنْ "دَارا"، فَوَلَدَتِ "الْإِسْكَنْدَرَ" بَعْدَ عَوْدِهَا إِلَى أَبِيهَا، فَبَقِيَ "الإِسْكَنْدَرُ" عِنْدَ جَدِّهِ "فِيلِبُوسَ" وَتَرَبَّى فِي كَنَفِهِ، وَقَدْ أَظْهَرَ "فِيلِبُوسُ" أَنَّ "الإسْكَنْدَرَ" ابْنُهُ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ ابْنُ "دَارَا الْأَكْبَرِ"، قَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ "الْإِسْكَنْدَرَ" لَمَّا أَدْرَكَ "دَارَا" وَبِهِ رَمَقٌ مِنْ حَيَاةٍ، وَضَعَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهِ، وَقَالَ لَهُ: يَا أَبِي أَخْبِرْنِي عَمَّنْ فَعَلَ هَذَا لِأَنْتَقِمَ لَكَ مِنْهُ! قَالُوا: وَعَلَى هَذَا فَالْإِسْكَنْدَرُ أَبُوهُ "دَارَا الْأَكْبَرُ"، وَأُمُّهُ بِنْتُ "فِيلِبُوسَ"، فَهُوَ إِنَّمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ الْفُارِسِيِّ وَالرُّومِيِّ. وَمَا ذَكَرَهُ الفُرْسُ دَعْوَى بَاطِلةٌ، ومُرادُهمْ منها جَعْلُهُ مِنْ نَسْلِ مُلُوكِهم، حَتَّى لَا يَكُونَ مَلِكٌ مِثْلُهُ مِنْ نَسَبٍ غَيْرِ فارسِيٍّ، وَهُوَ كَذِبٌ ومَحْضُ ادِّعاءٍ، فإِنَّ مَا قَالَهُ "الْإِسْكَنْدَرُ" لِـ "دَارَا" إنَّما كَانَ إِكْرامًا منهُ لِـ "دَارَا"، وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنِ السُّهَيْلِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ عِلْمِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُمَا اثْنَانِ: أَحَدُهُمَا كَانَ عَلَى عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْآخَرُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ عِيسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَالَ محمَّدُ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْر، اسْمُهُ مَرْزُبانُ بْنُ مَردبَةَ الْيُونَانِيُّ، مِنْ وَلَدِ يُونَانَ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ ـ عليْهِ السَّلامُ. وَقِيلَ: هُوَ مَلِكٌ اسْمُهُ هُرْمُسُ، أَوَ: هَرْدِيسُ، وَقِيلَ: هوَ شَابٌ رُومِيٌّ، وَقِيلَ: اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَقِيلَ: مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، مِنْ أَوْلَادِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ. وَقِيلَ: هُوَ أَبُو كَرِبٍ الْحِمْيَرِيُّ. وَذَكَرَ أَبُو الرَّيْحَانِ الْهَرَوِيُّ، المَشْهُورُ بِـ "البَيْرُونِيِّ"، وَهُوَ مُؤَرِّخٌ، وَفَلَكِيٌ، وَمُنَجِّمٌ، وَجُغْرَافِيٌّ مُحَقِّقٌ، قالَ فِي كِتَابِهِ: (الْآثَارِ الْبَاقِيَةِ عَنِ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ)، قِيلَ: إِنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ هُوَ أَبُو كَرْبٍ شِمْرُ بْنُ عُبَيْرِ بْنِ أَفْرِيقِشَ الْحِمْيَرِيُّ، فَإِنَّهُ بَلَغَ مُلْكُهُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَهُوَ الَّذِي افْتَخَرَ بِهِ أَحَدُ الشُّعَرَاءِ الحِمْيَرَيِّينَ فقَالَ:
قَدْ كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ قَبْلِي مُسْلِمًا ..... مَلِكًا عَلَا فِي الْأَرْضِ غَيْرَ مُفْنِدِيبَلَغَ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ يَبْتَغِي ............. أَسْبَابَ مُلْكٍ مِنْ كَرِيمٍ سَيِّدِ
ثُمَّ قَالَ العلَّامَةُ البَيْرُونِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبَ، لِأَنَّ (الْأَذْوَاءَ) كَانُوا مِنَ الْيَمَنِ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا تَخْلُو أَسَامِيهم مِنْ عبارةِ (ذِي)، كَ (ذِي النَّادِي)، وَ (ذِي نُوَاسٍ)، وَ (ذِي النُّونِ)، وَ (ذِي يَزَن)، وَإِلَى آخِرِ مَا هُنَالِكَ.
وَإِنَّما سُمِّيَ "الإسْكَنْدَرُ" بِـ "ذَي القَرْنَيْنِ" لِمُلْكِهِ طَرَفَيِ الأَرْضِ، أَوْ لِقوَّتِهِ وَشَجَاعَتِهِ، فإِنَّ ذا القرنينِ في الحَيَوَانِ، هو الذَّكَرُ في العادَةِ، وهوَ أَقْواها وَقائدُها وَحَامِيها، وَقَدِ اسْتُدِلَّ لِهَذَا القَوْلِ بِأَنَّ القُرْآنَ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قد بَلَغَ مُلْكُهُ أَقْصَى المَغْرِبِ وَأَقْصَى المَشْرِقِ، وَمِثْلُ هَذَا المَلِكِ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى ذِكْرُهُ مُخَلَّدًا.
وَإِلَى الإسْكندَرِ هَذَا تُنْسَبُ مَدينَةُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ في جُمهوريَّةِ مِصْرَ العَرَبيَّةِ لأَنَّهُ بانِيهَا، وهيَ مِنْ أَعرقِ المُدُنِ على شَاطِئَ البحرِ الأَبْيَضِ المتوَسِّطِ.
وَكانَ الإسْكَنْدَرُ في مُقْتَبَلِ عُمُرِهِ قَدْ دَفَعَهُ أَبوهُ إِلَى الفَيْلَسُوفِ اليُونانِيِّ الشهيرِ "أَرُسْطو" الحَكيمِ، فَأَقامَ عِنْدَهُ خَمْسَ سِنِينَ، وَتَتَلْمَذَ عَلَيْهِ، وَتَعَلَّمَ مِنْهُ الفَلْسَفَةَ، وَبَرَعَ فِيهَا، وَكانَ عَلَى مَذْهَبِهِ. وَتَعْظِيمُ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ يُوجِبُ الحُكْمَ بِأَنَّ أَرُسْطُو كانَ مؤمنًا باللهِ ـ سُبحانَهُ وتَعَالَى، عَلَى دِينِ الحَقِّ وَالصِّدْقِ.
وَقَيلَ قَدْ دَخَلَ الإسْكَنْدَرُ بلادَ الشَّامِ، وَقَصَدَ إِلَى بَني إِسْرائيلَ، وَذَبَحَ فِي مَذْبَحِ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَدَانَ لَهُ العِراقُ، ومِصْرُ، والمَغْرِبُ العَرَبيُّ كُلُّهُ، وغَزَا الهِنْدَ، وَالصِّينَ، والأُمَمَ البَعِيدَةَ شَرْقِيَّ الكُرَةِ الأرضِيَّةِ وشَمالَها، أَيْ كلَّ الأَجْزَاءِ العامِرةِ المَأْهولَةِ بالسُّكانِ آنذاكَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلى خُرَاسانَ.
وَقدْ بَنَى الإسْكَنْدَرُ المَقْدُونيُّ هَذَا (ذو القَرْنَيْنِ) الكَثيرَ مِنَ المُدُنِ في جميعِ بِقَاعِ الأَرْضِ التي مرَّ بها أَوِ اسْتَقَرَّ فِيهَا، ثُمَّ مَرِضَ وهو في مدينةِ "شَهْرَزور" وَمَاتَ بِها. وَقيلَ: بَلْ مَاتَ بِـ "رُومِيَّةَ" ووُضِعَ في تَابوتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَحُمِلَ إِلَى مدينةِ الإسْكَنْدَرِيَّةَ المِصْرِيَّةِ ودفِنَ فيها، بَعْدَ عُمُرٍ بلغَ اثْنَتَيْنِ وثَلاثينَ سَنَةً، وَقِيلَ سِتًّا وَثلاثِينَ، وَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً. وَقِيلَ: بَلْ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. واللهُ أَعْلَمُ.
وَقد رُوِيَ عَنِ العُلَمَاءِ فِي أَسْبَابِ تَسْمِيَتِهِ بِـ "ذُي القَرْنَيْنِ" وُجُوهٌ كَثيرَةٌ أَهَمُّها:
الأَوَّلُ: مَا رُوِيَ عَنْ أَميرِ المُؤْمِنينَ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وكَرَّمَ وَجْهَهُ، مِنْ أَنَّهُ دَعَا إِلَى طاعَةِ اللهِ تَعَالَى، فَضُرِبَ عَلَى قَرْنِهِ الأَيْمَن، فَمَاتَ، ثُمَّ بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى، فَدَعَا، فَضُرِبَ عَلَى قَرْنِهِ الأَيْسَر، فَمَاتَ، ثُمَّ بَعَثَهُ اللهُ ـ تَعَالَى، فَسُمِّيَ بِذي القَرْنَيْنِ، وَمَلَكَ مَا مَلَكَ.
الثاني: مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَريُّ فِي تَفْسِيرِهِ: (الكَشَّافِ) مَرْفُوعًا، وَرَفَعَهُ الإمامُ الفخرُ الرَّازِيُّ أَيضًا في تَفْسِيرِهِ الكَبيرِ، غَيْرُهُما مِنَ المُفسِّرين، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِأَنَّهُ طَافَ قَرْنَيِ الدُّنْيَا)). يَعْنِي شَرْقَهَا وَغَرْبَهَا، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ بِـ (ذُي القَرْنَيْنِ).
وَقَدْ رَوَاهُ الإمامُ الدَّارَقُطْنِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، فِي (المُؤْتَلِفِ وَالمُخْتَلِفِ) لَهُ، بِسَنَدٍ ضَعيفٍ، فَنَسَبَهُ إلى الإمامِ الزُّهْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ ذَا القَرْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَ قَرْنَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَقَرْنَ الشَّمْسِ مِنْ مَطْلِعِهَا، فَسُمِيَ ذَا القَرْنَيْنِ.
الثالثُ: يَجُوزُ أَنْ يَكونَ لُقِّبَ بِـ (ذَي القَرْنَيْنِ) لِشَجَاعَتِهِ، ونُفُوذِ أَمْرِهِ عَلَى جَمِيعِ مَنْ كانَ حولَهُ مِنْ ملوكِ عَصْرِهِ، فكَأَنَّهُ يَنْطَحُ أَقْرَانَهُ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَبْعُدُ عَدَمُ مَعْرِفَةِ رَجُلٍ مُكِّنَ لَهُ مَا مُكِّنَ لِذِي القَرْنَيْنِ فِي الأَرْضِ وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مِنَ الشُّهْرَةِ مَا بَلَغَ ذُو القَرْنَيْنِ.
الرابعُ: أَنَّهُ كانَ لِتَاجِهِ قَرْنَانِ.
الخامِسُ: مَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، وَيُونُس بْنِ عُبَيْدٍ ـ رَحِمَهُما اللهُ، مِنْ أَنَّهُ كانَ لَهُ ضفيرَتَانِ،
وَإِطْلَاقُ الْقَرْنِ عَلَى الضَّفِيرَةِ مِنَ الشَّعْرِ شَائِعٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، فقَد جاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فِي صِفَةِ غُسْلِ ابْنَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَولُها: (فَجَعَلْنَا رَأْسَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ). فَيَكُونُ هَذَا الْمَلِكُ قَدْ أَطَالَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَضَفَّرَهُ ضَفِيرَتَيْنِ فَسُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ، ومِنْ ذَلِكَ قَولُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
فَلَثَمْتُ فَاهَا آخِذًا بِقُرُونِهَا ............ شُرْبَ النَّزِيفِ بِبَرْدِ مَاءِ الْحَشْرَجِ
السَّادِسُ: أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّهُ صَعِدَ إِلَى الشَّمْسِ وَأَخَذَ بِقَرْنَيْهَا.
السابعُ: أَنَّهُ انْقَرَضَ فِي وَقْتِهِ قَرْنانِ مِنَ النَّاسِ.
الثامِنُ: أَنَّهُ سُخِّرَ لَهُ النُّورُ وَالظُّلْمَةُ، فإِذَا سَرَى يَهْديهِ النُّورُ مِنْ أَمَامِهِ وَتمْتَدُّ الظُلْمَةُ مِنْ وَرَائِهِ.
وَثَمَّةَ وُجُوهٌ أُخْرَى ذُكِرَها عُلَماءُ التَّفْسيرِ ـ رَحِمَهُمُ اللهُ ـ تَعَالَى، فِي وَجْهِ تَسْمِيَتِهِ، وَفِيها مَا يَصْعُبُ على العَقْلِ تصديقُهُ، وَلَم يَصِحَّ نَقْلًا، وَلذَلِكَ فقد عَزَفْنَا عَنْ ذِكْرِهَا.
وَقِيلَ بِأَنَّهُ كانَ مُؤَيَّدًا بِالوَحْيِ، وَأَنَّهُ مَلَكَ الأَرْضَ وَقَسَّمَهَا بَيْنَ بَنِيهِ الثَّلاثَةِ فَأَعْطَى الأَوَّلَ: الهِنْدَ والحِجَازَ، وَجَعَلَهُ صَاحِبَ التَّاجِ عَلَيْهِمْ. وَأَعْطَى الثَّانِي: بِلادَ الرُّومِ وَمِصْرَ وَالمَغْرِبَ. وَأَعْطَى الثالثَ: بِلَادَ الصِّينِ وَالتُرْكِ وَالمَشْرِقَ.
وَقَدْ وَضَعَ الاسْكَنْدَرُ لِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ المَمَالِكِ الثَلاثِ قَانُونًا خاصًّا تُحْكَمُ بِهِ، فَسُمِّيَتِ القَوَانِينُ الثَّلاثَةُ سِيَاسَةً، فهِيَ مُعَرَّبَةٌ مِنْ "سِي" و "ايِسا" أَيْ: ثَلاثَةُ قَوَانِينَ.
قوْلُهُ: {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} أَمْرٌ للنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، أَنْ يَعِدَ بِذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ، فَـ "مِنْ" هُنَا للتَبْعِيضِ. وَالذِّكْرُ: التَّذَكُّرُ وَالتَّفَكُّرُ، أَيْ: سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مَا بِهِ التَّذَكُّرُ، فَجَعَلَ الْمَتْلُوَّ نَفْسَهُ ذِكْرًا مُبَالَغَةً بِالْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ، وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ بِالْحَقِّ الَّذِي لَا تَخْلِيطَ فِيهِ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ الَّذِي يُوصَفُ بِذِي الْقَرْنَيْنِ بِمَا فِيهِ إِبْطَالٌ لِمَا خَلَطَ بِهِ النَّاسُ بَيْنَ أَحْوَالِ رِجَالٍ عُظَمَاءَ كَانُوا فِي عُصُورٍ مُتَقَارِبَةٍ أَوْ كَانَتْ قَصَصُهُمْ تُسَاقُ مَسَاقَ مَنْ جَاسُوا خِلَالَ بِلَادٍ مُتَقَارِبَةٍ مُتَمَاثِلَةٍ وَشَوَّهُوا تَخْلِيطَهُمْ بِالْأَكَاذِيبِ. فَإِنَّ الْقُرْآنَ الكريمَ لَمْ يَتَجَاوَزِ ذِكْرَ هَذَا الرَّجُلِ بِأَكْثَرِ مِنْ لَقَبِهِ الْمُشْتَهِرِ بِهِ إِلَى تَعْيِينِ اسْمِهِ وَبِلَادِهِ وَقَوْمِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شُؤُونِ أَهْلِ التَّارِيخِ وَالْقَصَصِ، وَلَيْسَ مِنْ أَغْرَاضِ هَذَا القُرْآنِ العَظِيمِ، والْذِّكْرِ الحَكيمِ، فَكَانَ مِنْهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا يُفِيدُ الْأُمَّةَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ عِبْرَةً حِكَمِيَّةً أَوْ خُلُقِيَّةً فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: "قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا" و "مِنْهُ" أَيْ مِنْ خَبَرِهِ.
قوْلُهُ تَعَالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ، وَ "يَسْأَلُونَكَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ على أنَّهُ مَفْعُولٌ أَوَّلُ لَهُ. و "عَنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَسْأَلُونَ" وَهُوَ فِي مَحَلَّ المَفْعُولِ الثَّانِي لَهُ. و "ذِي" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، وعلامةُ جَرِّهِ الياءُ لأَنَّهُ مِنَ الأَسْماءِ الخَمْسَةِ وهوَ مُضافٌ، و "الْقَرْنَيْنِ" مَجْرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وعلامةُ جَرِّهِ الياءُ لأنَّهُ مُثنّى، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفْرَدِ، وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} قُلْ: فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على السُّكونِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ "أنتَ" يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هذه مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "سَأَتْلُو" السِّينُ حَرْفُ اسْتَقْبَالٍ، و "أَتْلُو" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفْعِهِ ضمَّةٌ مُقَدَّرةٌ على آخِرِهِ لثِقَلِها على الواوِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ "أَنَا" يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ. و "عَلَيْكُمْ" عَلى: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "أَتْلُو"، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "مِنْهُ" مِنْ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بحالٍ مِنْ "ذِكْرًا"، لأَنَّه صِفَةُ نَكِرَةٍ قُدِّمَتْ عَلَيْها، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "ذِكْرًا} منصوبٌ على المَفْعوليَّةِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ: فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القَوْلِ لِـ "قُلْ".