وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا
(21)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} الْعُثُورُ عَلَى الشَّيْءِ: الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَالظَّفَرُ بِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ. فقد أَخرجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِم" قَالَ: أَطْلَعْنَا. وَكَانَ أَهلُ المَدينَةِ يَتَنَاقَلُونَ الْحَدِيثَ عَنْ أَهْلِ الْكَهْفِ فَيَسَّرَ اللهُ لَهُم الْعُثُورَ عَلَيْهِمْ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالى: لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ. أَيْ: كَمَا زِدْنَاهُمْ هُدًى، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ، وَأَنَمْنَاهُمْ، وَأَبْقَيْنَاهُمْ أَحْيَاءً معَ أَنَّهم لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ، وَكما قَلَّبْناهُمْ ذاتَ اليَمينِ وَذَاتَ الشِّمالِ، وحافَظْنَا عَلَى حَيَاةِ كَلْبِهِمْ كَرَامَةً لَهُمْ، وكَما أَيقظْناهمْ مِنْ نَوْمِهِمُ الطَّويلِ وثًباتِهِمُ العَمِيقِ. وَرَدَدْناهُمْ إِلَى الحَيَاةِ مِنْ جَديدٍ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ عَنْ مُدَّةِ ثُباتِهِمْ، ويَخْتِلَفُوا فِي ذَلِكَ. كَذلكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِم لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حقٌّ.
فَقَدْ قَرَّرَ القُرْآنُ الكَريمُ حَقِيقَةً يَجِبُ عَلَى المُؤْمِنِ أَنْ يَعِيَها ويضَعَهَا نُصْبَ عَيْنَيْهِ لِيَذْكَّرهَا أَبَدًا فَلَا تَغَيبَ عَنْ ذِهْنِهِ لَحْظَةً واحدةً، وهي أَنَّ الفاعِلَ الوحيدَ حقيقةً في الوُجُودِ كُلِّهِ هوَ اللهُ وحْدَهُ، ليسَ معهُ شريكٌ في أَفْعَالِهِ، كما هوَ واحدٌ في ذاتِهِ، وواحدٌ في صِفاتِه. وأَنَّ أفعالَهُ كُلَّها لِأَمرٍ يُريدُهُ وحِكْمَةٍ يَعلَمُها، قدْ يُطلِعُ عبادَهُ عَلى شَيْءٍ مِنْهَا، وقدْ يُبْقِيهَا طَيَّ المَكْنونِ عِنْدَهُ، وذَلِكَ كُلُّهُ لحكمةٍ يُريدُها أَيْضًا.
قولُهُ: {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لَنَا في هَذِهِ الجملةِ المُبَاركَةِ الحِكْمَةَ مِنْ العثورِ عليهِمْ، وَهِيَ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ فِي زَمَنِهِمْ وَفِي باقي الأَزْمانِ، أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ، فإِذا وَعْدَ اللهُ وَعْدًا أَنْجَزَهُ.
قولُهُ: {وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا} حِكْمَةٌ أُخْرَى هِيَ مَوْضِعُ عِبْرَةِ أَهْلِ زَمَانِهِمْ بِحَالِهِمْ وَانْتِفَاعِهِمْ بِها لِطَمْأَنَةِ قُلُوبِهِمْ لِوُقُوعِ الْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ بِطَرِيقَةِ التَّقْرِيبِ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَتَأْيِيدِ الدِّينِ بِمَا ظَهَرَ مِنْ كَرَامَةِ المُؤْمِنينَ بِهِ، فَكَانَتْ آيَةَ تَثْبِيتٍ وَتَقْوِيةٍ للإِيمَانٍ. لأَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ عَثَرُوا عَلَيْهِمْ كانُوا مُؤْمِنِينَ مِثْلَهُمْ.
قولُهُ: {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} التَّنَازُعُ: هُوَ الْجِدَالُ الْقَوِيُّ، فقَدْ كانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَتَنَازَعُونَ فِيما بَيْنَهُمْ في شَأْنِ أَهْلِ الْكَهْف. أَيْ: أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ وَقْتَ تَنَازَعُوا أَمْرَ أَهْلِ الكَهْفِ فِيمَا بَيْنَهم. وَجاءَ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الظَّرْفِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى اتِّصَالِ التَّنَازُعِ فِي أَمْرِ أَهْلِ الْكَهْفِ بِالْعُثُورِ عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ تَبَادَرُوا إِلَى الْخَوْضِ فِي كَرَامَةٍ يَجْعَلُونَهَا لَهُمْ.
فَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَمِيرُ في "أَمْرَهُمْ" إِلَى أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَ "أَمْرَهمْ" هُنَا: شَأْنَهم. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هذا الضَمِيرُ عَائِدًا إِلَى مَا عَادَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ "يَتَنازَعُونَ"، أَيْ: يَتَنازَعونَ فِيمَا يَفْعَلُونَ بِشَأْنَهُمْ. وَالْمُضَارِعُ لِاسْتِحْضَارِ حَالَةِ هَذَا التَّنَازُعِ.
قولُه: {فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا} وَإِنَّمَا ارْتَأَوْا ذَلِكَ لِخَشيَتِهم عَلَيْهِمْ مِنَ الزَّائِرِينَ غَيْرِ الْمُتَأَدِّبِينَ، فَرُبَّما آذَوْهمْ بِتَحَسُّسِ أَجْسَادِهِمْ، وَلَمْسِ ثِيَابِهِمْ، وغيْرِ ذَلِكَ، فَقَرَّروا إِشَادةَ بِنَاءٍ عَلَيْهِمْ كيْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ إِغْلاقَ بَابِهِ وَحِرَاسَتَهُ.
قولُهُ: {رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الجُمْلةُ مِنْ كَلَامِ الَّذِينَ قَالُوا: ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا. فَيكونُ الْمَعْنَى: رَبُّهم أَعْلَمُ بِشُؤُونِهم الَّتِي تَنازَعوا فِيهَا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى فهي إِذًا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ فِي أَثْنَاءِ حِكَايَةِ تَنَازُعِ الَّذِينَ أُعْثِرُوا عَلَيْهِمْ، أَيْ رَبُّ أَهْلِ الْكَهْفِ، أَوْ رَبُّ الْمُتَنَازِعِينَ فِي أَمْرِهِمْ، أَعْلَمُ مِنْهُمْ بِوَاقِعِ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ.
قولُهُ: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} وهُمْ وُلَاةُ أُمُورِ الْمَدِينَةِ، أَيْ: الَّذين غَلَبُوا عَلَى أَمْرِ الْقَائِلِينَ: ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا. فقدْ أَخْرَجَ عبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "قَالَ الَّذينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهم لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَسْجِدًا"، قَالَ: هُمُ الْأُمَرَاءُ، أَوْ قَالَ: السَّلاطينُ. وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ فِيهِمْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، وَالثَّانِي ـ وَهُوَ الصَّحيحُ، أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ، لِأَنَّ اتِّخَاذَ الْمَسَاجِدِ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، ولَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْكَفَرَةِ المُشْرِكينَ، إِذْ كَيْفَ يَتَّخِذُ للهِ مَسْجدًا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ تعالى؟!.
قوْلُهُ: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} وَإِنَّمَا رَأَوْا أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ مَسْجِدًا لِيَكُونَ إِكْرَامًا لَهُمْ، وَليَدُومَ تَعَهُّدُ النَّاسِ كَهْفَهُمْ، بالحمايةِ والرِّعايةِ. فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّه قالَ في الآيَةِ: بَنَى عَلَيْهِمُ الْمَلِكُ بيعَةً، فَكَتَبَ فِي أَعْلَاهَا: (أَبنَاءُ الأَراكِنَةِ، أَبنَاءُ الدَّهاقِينِ).
وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: دَعَا الْمَلِكُ شُيُوخًا مِنْ قَوْمِهِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ أَمْرِهمْ، فَقَالُوا: كَانَ مَلِكٌ يُدْعَى (دِقْيوس) وَإِنَّ فِتْيَةً فُقِدُوا فِي زَمَانِهِ وَإِنَّهُ كَتَبَ أَسْمَاءَهُم فِي الصَّخْرَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ بَابٍ بِالْمَدِينَةِ. فَدَعَا بالصَّخْرَةِ فَقَرَأَهَا فَإِذا فِيهَا أَسْمَاءَهُم، فَفَرِحَ الْمَلِكُ فَرَحًا شَدِيدًا، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ قَومٌ كَانُوا قدْ مَاتُوا، فَبُعِثوا، فَفَشَا فِيهمْ أَنَّ اللهَ يَبْعَثُ الْمَوْتَى. فَذَلِكَ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى: "وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِم لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا" فَقَالَ الْمَلِكُ: لَأَتَّخِذَنَّ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الصَّالِحينَ مَسْجِدًا، فَلَأَعْبُدَنَّ اللهَ فِيهِ حَتَّى أَمُوتَ. فَذَلِك قَوْلُهُ تَعَالى: "قَالَ الَّذينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهم لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَسْجِدًا".
قولُهُ تَعَالى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} الواوُ: للاسْتِئْنافِ، أَوْ للعَطفِ، و "كَذلِكَ" الكافُ حرفُ جرٍّ وتَشْبِيهٍ، مُتَلِّقٌ بِصِفَةٍ لِمَصْدَرٍ مَحْذوفٍ، و "ذا" اسْمُ إشارةٍ مبنِيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بحرْفِ الجَرِّ، واللامُ: للبُعْدِ والكافُ الثانيةُ للخِطابِ. و "أَعْثَرْنا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو "نا" الجماعةِ، و "نا" الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. وَمَفْعُولُهُ مَحْذوفٌ، والتَّقْديرُ: أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ قَوْمَهُمْ. و "عَلَيْهِمْ" عَلَى: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَعْثَرْنا"، وَالتَقْديرُ: أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ إِعْثَارًا مِثْلَ: إِنَامَتِنَا إِيَّاهُمْ، وَبَعْثِنَا إِيَّاهُمْ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ الفِعْلِيَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ، أَوْ مَعْطوفَةٌ عَلى جُمْلَةَ قَوْلِهِ: "وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ".
قولُهُ: {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} لِيَعْلَمُوا: اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ وتَعْلِيلٍ، مُتَعَلِّقٌ بِأَعْثَرْنَا، والضَميرُ: قِيلَ: يَعُودُ عَلَى مَفْعُولِ "أَعْثَرْنا" المَحْذوفِ تَقْديرُهُ: أَعْثَرْنا النَّاسَ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى أَهْلِ الكَهْفِ. و "يَعْلَمُوا" فِعْلٌ مُضارعٌ مَبْنيٌّ عَلى الضَّمِ لاتِّصالِهِ بِوَاوِ الجَمَاعَةِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "أَنْ" مُضْمَرَةً بَعْدَ لامِ "كَيْ"، وَواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعليَّةِ، والألِفُ للتفريقِ. والجُمْلَةُ في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورِ باللامِ، والتَقْديرُ: لِعِلْمِهِمْ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ، الجَارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَعْثَرْنا" كما تَقَدَّمَ. وَ "أَنَّ" حَرْفٌ ناصِبٌ ناسخٌ مُشَبَّهٌ بالفعلِ. و "وَعْدَ" اسْمُهُ منصوبٌ بِهِ، مُضافٌ. ولفظُ الجلالةِ "اللهِ" في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "حَقٌّ" خَبَرُ "أنَّ" مرفوعٌ بِها، وجُمْلَةُ "أَنَّ" هذِهِ معَ اسمِها وخبرِها في تَأْويلِ مَصْدَرٍ سادٍّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ "عَلِمَ"؛ والتقديرُ: لِيَعْلَمُوا حَقِّيَّةَ وَعْدِ اللهِ.
قولُهُ: {وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا} الوَاوُ: للعطْفِ، وَ "أَنَّ" كالَّتي قبلَها حَرْفٌ نَاصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ. وَ "السَّاعَةَ" اسْمُهُ مَنْصُوبٌ بِهِ. و "لا" نافيةٌ عملَ "إِنَّ". و "رَيْبَ" اسْمُهَا منصوبٌ بها. و "فِيها" خرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِخَبَرِهَا، و "ها" ضميرٌ متَّصِلٌ بها، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، وَجُمْلَةُ "لا" فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "أَنَّ" المُشَدَّدَةِ، وجُمْلَةُ "أَنَّ" فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى مَصْدَرِ "أَنَّ" الأُولَى، والتَقْديرُ: لِيَعْلَمُوا حَقِّيَّةَ وَعْدِ اللهِ، وَعَدَمَ وُجودِ الرَّيْبِ فِي السَّاعَةِ.
قولُهُ: {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} إِذْ: ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَعْثَرْنا". وَيَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فيهِ "لِيَعْلَموا"، أَوْ لِمَعْنَى "حَقٌّ"، أَوْ لِـ "وَعْدَ" عِنْدَ مَنْ يَتَّسِعُ فِي الظَّرْفِ. وَأَمَّا مَنْ لا يَتَّسِعُ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ الإِخْبَارُ عَنِ المَوْصُولِ قَبْلَ تَمَامِ صِلَتِهِ. وَ "يَتَنازَعُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفعِهِ ثباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَواوُ الجَمَاعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، وَالجُمْلَةُ في مَحَلِّ الجَرِّ بإضَافةِ "إِذْ" إِلَيْهِا. وَ "بَيْنَهُمْ" مَنْصوبٌ عَلى الظَّرْفيَّةِ الاعْتِبَارِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَتَنازَعُونَ"، وَهُوَ مُضَافٌ، والهاءُ: مَجْرُورٌ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ، والميمُ للجَمْعِ المُذكَّرِ. وَ "أَمْرَهُمْ" مَفْعُولٌ بِـ "يَتَنازَعُونَ" لِأَنَّ الفعلَ "تَنَازَعَ" إِذَا كَانَ بِمَعْنَى "تَجَاذَبَ" يَنْصبُ مفْعولًا، وَقِيلَ: هوَ نَصْبٌ بِنَزْعِ الخَافِضِ، أَيْ يتنازعونَ فِي أَمْرِهِمْ، وهو مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافَةِ إِلَيْهِ، والمِيمُ عَلامَةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ.
قوْلُه: {فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا} الفاءُ: للعَطْفِ، و "قَالُوا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى الضَمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعليَّةِ، والألِفُ للتَّفْريقِ، وَالجُمْلَةُ مَعْطوفةٌ عَلى جُمْلَةِ "أَعْثَرْنا"، عَلَى كَوْنِها مُسْتَأْنَفَةً لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ. وَ "ابْنُوا" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على حَذْفِ النُّونِ لأَنَّ مُضارِعَهُ مِنَ الأفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِليَّةِ، والألِفُ فارقةٌ. و "عَلَيْهِمْ" عَلَى: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "ابْنُوا"، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "بُنْيانًا" مَنْصُوبٌ عَلَى المَصْدَرِيَّة، ويجوزُ أَنْ يكونَ مَنْصوبًا على المفْعُوليَّةِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قَالوا".
قوْلُهُ: {رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} رَبُّهُمْ: مَرفوعٌ بالابْتِداءِ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ لتذْكيرِ الجَمعِ. وَ "أَعْلَمُ" خَبَرُهُ مَرْفوعٌ. و "بِهِمْ" الباءُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِالخَبَرِ "أَعْلَمُ"، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرْفِ الجَرِّ، والميمُ علامةُ الجمْعِ المُذكَّرِ. والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقوْلِ لِـ "قالوا"، وذلكَ إِذا كَانَ هَذَا مِنْ كَلامِ المُتَنَازِعَيْنِ فِي أَهْلِ الكَهْفِ، أمَّا إِذا قُلْنَا إِنَّهُ مِنْ كَلامِ اللهِ ـ سُبْحانَهٌ وتَعَالَى، فالجُمْلَةُ إِذًا مُسْتَأْنَفَةً وليسَ لها مَحَلٌّ مِنَ الإعْرابِ.
قوْلُهُ: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} قالَ: فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، وَ "الَّذِينَ" اسْمٌ مَوصولٌ مبنيٌّ على الفتْحِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِليَّةِ. والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ. وَ "غَلَبُوا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجَماعَةِ، وواوُ الجَماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ للتَّفْريقِ، والجُمْلةُ صِلَةُ المَوْصُولِ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ. و "عَلى" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "غَلَبُوا"، و " أَمْرِهِمْ" مجرورٌ بحرْفِ الجَرِّ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليهِ، والمِيمُ للجَمْعِ المُذكَّرِ.
قولُهُ: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} اللامُ: مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ، و "نَتَّخِذَنَّ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ، لاتِّصالِهِ بِنُونِ التَوْكِيدِ الثقيلَةِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجُوبًا تقديرُهُ (نحن) يَعُودُ عَلى المُتَكَلِّمينَ. و "عَلَيْهِمْ" عَلَى: حَرْفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحالٍ مِنْ "مَسْجِدًا"، والهاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجرِّ، والمِيمُ للجَمْعِ المُذكَّرِ. وَ "مَسْجِدًا" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذهِ جَوابُ القَسَمِ، لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، وجُمْلَةُ القَسَمِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قالَ".
قرَأَ الجُمْهورُ: {غَلَبوا} بفتْحِ الغينِ واللامِ مبنِيًّا للفاعِلِ، وَقَرَأَ عِيسَى الثَّقَفِيُّ، والحَسَنُ "غُلِبُوا" بِضَمِّ الغَيْنِ وكَسْرِ اللَّامِ، مبنيًّا للمفعولِ.