َمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ} وَمَنْ أَرَادَ الحياةَ الآخِرَةَ، وَمَا فِيهَا مِنْ نَعِيمٍ وَسُرُورٍ، وَرِضْوَانٍ مِنَ اللهِ وَحُبُورٍ. وَقد تَقَدَّمَ في الآيَةِ التي قَبْلَها بَيَانُ حقيقةِ أَنَّ النَّاسَ في الدُنيا عَلى قِسْمَيْنِ: قسْمٌ اخْتَارَ الحياةَ الدُنْيا وَمَا فِيهَا مِنْ عَاجِلِ النِّعْمَةِ، وقدَّمَ الاهتمامَ بهِ عَلَى الاهْتِمَامِ بالدِّينِ وشُؤُونِ الآخِرَةِ، وهَؤُلاءِ قَدْ يُعْطي مَنْ شاءَ مِنْهُمُ مُرادَهُ بِحَسَبِ ما قَسَمَهُ لَهُمْ مِنْ مَتَاعِ الدُنْيَا العَاجِلِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ حَظٌّ فِي الآخِرَةِ وَنَعِيمِها. وذكرَ هنا القسْمَ الثاني مِنَ عبادِهِ وَهُمُ الذين رَغِبُوا بالآخِرَةِ عَنِ الدُنيا، وأَخْلَصُوا نِيَّاتِهم للهِ تَعَالَى في جَمِيعِ أَعمالِهِمُ الصالحاتِ، والذينَ سَبَقَ أنْ أَشَرْنَا إليهم في تَفْسِيرِ الآيَةِ التي قَبْلَها.
قولُهُ: {وَسَعى لَها سَعْيَها} سَعَى: مَشَى، والسَّعْيُ: الْمَشْيُ دُونَ الْعَدْوِ، فَسَعْيُ الْآخِرَةِ هُوَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْحُصُولِ عَلَى نَعِيمِ الْآخِرَةِ، فَالْعَامِلُ لِلصَّالِحَاتِ كَأَنَّهُ يَسِيرُ سَيْرًا سَرِيعًا إِلَى الْآخِرَةِ لِيَصِلَ إِلَى مَرْغُوبِهِ مِنْهَا. وَإِضَافَتُهُ إِلَى ضَمِيرِ الْآخِرَةِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ فِي الْمَعْنَى، أَيِ السَّعْيَ لَهَا، وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِبَيَانِ النَّوْعِ. وَ "سَعْيَهَا" أَيْ: السَّعْيَ الذي تسْتَحِقُّهُ وَيَلِيقُ بِهَا ـ كَمَا تُنْبِئُ عَنْهُ الإِضافَةُ الاخْتِصَاصِيَّةُ، وَطَلَبَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِهِ، وَهُوَ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَلْبُهُ مُؤْمِنًا مُصَدِّقًا بِالثَّوَابِ وَالجَزَاءِ وَاليَوْمَ الآخِرِ. فَأُولئِكَ يَشْكُرُ اللهُ سَعْيَهُمْ وَيَجْزِيهِمْ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ ، وَهُوَ دُخُولُ الجَنَّةِ . فَيَخْرُجُ مَنْ يَتَعَبَّدُ مِنَ الكَفَرَةِ بِمَا يَخْتَرِعُهُ مِنَ الآرَاءِ، ويَزْعُمُ أَنَّهُ يَسْعَى لَهَا. وفائدةُ اللامِ ـ سَوَاءٌ كَانَتْ لِلأَجَلِ أَوْ للاخْتِصاصِ، اعْتِبارُ النِيَّةِ والإِخْلاصِ للهِ تَعَالَى فِي العَمَلِ، واخْتَارَ بَعْضُهُمْ ـ وَلَا يَخْلُو عَنْ حُسْنٍ، أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى مَا اعْتَبَرَهُ الضَحَّاكُ، بَلِ الأَوْلَى عَدَمُ اعْتِبَارِهِ، لِمَكَانِ "وسعى لَهَا سَعْيَهَا" وَحِينَئِذٍ لا يُعْتَبَرُ فِيمَا سَبَقَ أَيْضًا وَعَلى هَذَا فيَكونُ فِي الآيَةِ مِنْ تَحْقِيرِ أَمْرش الدُنْيا وتَعْظِيمِ شَأْنِ الآخِرَةِ مَا لَا يَخْفَى.
قولُهُ: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} شَرْطٌ لا بُدَّ مِنْ تحقُّقِهِ أوَّلًا وقبلَ كلِّ شيْءٍ لِقَبُولِ العَمَلِ مِنْهُ ـ سُبحانَهُ وتَعَالَى ومِنْ ثمَّ الإثابة عليْهِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تعالى مِنْ سورةِ البَلَدِ: {ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} الْآيةَ: 17، لِمَا فِي "كَانَ" مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى كَوْنِ الْإِيمَانِ مَلَكَةً لَهُ. وَفِي الْآيَةِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ لَا تَنْفَعُ إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ بِاللهِ ـ جلَّ وعَلا، لِأَنَّ الْكُفْرَ سَيِّئَةٌ لَا تَنْفَعُ مَعَهَا حَسَنَةٌ، لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: "وَهُوَ مُؤْمِنٌ". وَقَدْ أَوْضَحَ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، هَذَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ النِّساءِ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} الآية: 124، وَقَوْلِهِ مِنْ سورةِ النَّحْلِ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الآية: 97، وَقَوْلِهِ منْ سُورةِ غافر: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} الآية: 40، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَمَفْهُومُ هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا أَطَاعَ اللهَ بِإِخْلَاصٍ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ، لِفَقْدِ شَرْطِ الْقَبُولِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ بِاللهِ ـ جَلَّ وَعَلَا. فهوَ إذًا لا يَقومُ بالعَمَلِ الصَّالِحِ للهِ، إذْ لا يؤمِنُ بِهِ، وإنَّمَا يقومُ بِهِ لغاياتٍ أُخَرَ كالسمعةِ والشهرةِ وثناءِ الناسِ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَيَطْلُبُ أَجْرَهُ مِنْهُ؟. وقدْ تقدَّمَ تفنيدُ ذَلِكَ غيرَ مرَّةٍ، وَأَوْضَحَ ـ جَلَّ وَعَلَا، هَذَا الْمَفْهُومَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ فِي أَعْمَالِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} الْآيَةَ: 18 مِنْ سُورَةِ إبْراهِيمَ، وَقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ الفُرقانِ: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} الآية: 23، وَقَوْلُهُ مِنْ سُورةِ النُّورِ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} الْآيَةَ: 39، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقَدْ بَيَّنَ ـ جَلَّ وَعَلَا، فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: أَنَّ عَمَلَ الْكَافِرِ الَّذِي يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ يُجَازَى بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا حَظَّ لَهُ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ. فقَالَ مِنْ سُورَةِ هُودٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الآيَتَانِ: (15 و 16)، وَقَالَ مِنْ سُورَةِ الشُّورَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} الآية: 20. وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوُ مَا جَاءَتْ بِهِ هَذِهِ الْآيَاتُ: مِنَ انْتِفَاعِ الْكَافِرِ بِعَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا الْآخِرَةَ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِهِ مَا عَمِلَ بِهَا للهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا)). أَخرجَهُ الطَيَالِسِيُّ: (ص: 269، رقم: 2011)، وأَحْمَدُ: (3/283، رقم: 14050)، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: (ص: 355، رقم: 1178)، ومُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: (4/2162، رقم: 2808)، وابْنُ حِبَّان فِي صَحِيحِهِ: (2/101، رقم: 377). رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالى. وَما ذَكَّرَنَا أَدِلَّتَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ مِنْ أَنَّ الْكَافِرَ يَنْتَفِعُ بِعَمَلِهِ الصَّالِحِ فِي الدُّنْيَا: كَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِكْرَامِ الضَّيْفِ وَالْجَارِ، وَالتَّنْفِيسِ عَنِ الْمَكْرُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كُلِّهِ مُقَيَّدٌ بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} الْآيَةَ: 18.
وَجِيءَ بِجُمْلَةِ "وَهُوَ مُؤْمِنٌ" اسْمِيَّةً لِدَلَالَتِهَا عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ، أَيْ وَقَدْ كَانَ رَاسِخَ الْإِيمَانِ، وَالْإِتْيَانُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ جَدِيرُونَ بِمَا سَيُخْبِرُ بِهِ عَنْهُمْ لِأَجْلِ مَا وُصِفُوا بِهِ قَبْلَ ذِكْرِ اسْمِ الْإِشَارَةِ.
قولُهُ: {فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} أَيْ: كانَ سَعيُهُمُ السَّعْيَ الْمَشْكُورَ، أَيْ: الْمَشْكُورُ سَاعِيهِ، فَوَصْفُهُ بِهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، إِذِ الْمَشْكُورُ: الْمَرْضِيُّ عَنْهُ، وَإِذِ الْمَقْصُودُ الْإِخْبَارُ عَنْ جَزَاءِ عَمَلِ مَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا لَا عَنْ حُسْنِ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ قَسِيمٌ لِجَزَاءِ مَنْ أَرَادَ الْعَاجِلَةَ وَأَعْرَضَ عَنِ الْآخِرَةِ، وَلَكِنْ جَعَلَ الْوَصْفَ لِلْعَمَلِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ عَامِلِهِ بِأَنَّهُ مَرْضِيٌّ عَنْهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْكِنَايَةِ الرَّاجِعَةِ إِلَى إِثْبَاتِ الشَّيْءِ بِوَاسِطَةِ إِثْبَاتِ مَلْزُومِهِ. وَالتَّعْبِيرُ بِـ "كانَ" فِي "كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا" لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ تَحَقَّقَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ، أَيْ مِنَ الدُّنْيَا لِأَنَّ الطَّاعَةَ تَقْتَضِي تَرَتُّبَ الشُّكْرِ عَاجِلًا وَالثَّوَابِ آجِلًا. وَقَدْ جَمَعَ كَوْنُهُ مَشْكُورًا خَيْرَاتٍ كَثِيرَةً يَطُولُ تَفْصِيلُهَا لَوْ أُرِيد تَفْصِيله.
قولُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ} الواوُ: للعَطْفِ، و "مَنْ" اسْمُ شَرْطٍ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ، والخَبَرُ جُمْلَةُ الجَوَابِ، أَوِ الشَّرْطِ أَوْ هُما معًا. و "أَرادَ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ الظاهِرِ، فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "مَنْ" عَلَى كَوْنِهِ فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا، وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "مَنْ". وَ "الْآخِرَةَ" مَفْعُولُهُ مَنْصُوبٌ بِهِ.
قولُهُ: {وَسَعى لَها سَعْيَها} الواوُ: حرفٌ للعطفِ، و "سَعَى" فِعْلٌ مَاضْ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ المُقدَّرِ عَلَى آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظُهُورِهِ عَلَى الأَلِفِ، فِي مَحَلِّ الجَزْمِ عَطْفًا عَلَى "أَرادَ"، وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "مَنْ". و "لَها" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "سَعَى"، وَ "ها" ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، وَ "لها"، أَيْ: مِنْ أَجْلِها. وَ "سَعْيَها" مَنْصُوبٌ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ، لأنَّ المَعْنَى: وَعَمِلَ لَهَا عَمَلَها. ويَجوزُ أَنْ يكونَ نَصْبَهُ على المَصْدَريَّةِ، وهوَ مُضافٌ، وَ "ها" ضَمِيرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافَةِ إِلَيْهِ. والجملةُ معطوفةٌ عَلَى جُمْلَةِ "أَرَادَ" على كونِها شرطَ "مَن" لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} الواوُ: حاليَّةٌ، و "هُوَ" ضميرٌ منفصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِدَاءِ. وَ "مُؤْمِنٌ" خَبَرُهُ مرفوعٌ، وَالجُمْلَةُ الاسْميَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ فَاعِلِ "سَعى".
قولُهُ: {فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} الفاءُ: رَابِطَةٌ لِجَوَابِ "مَنْ" الشَرْطِيَّةِ. و "أُولَئِكَ" أُولَاِء: اسْمُ إِشَارَةٍ للجَمْعِ المُذَكَّرِ، مَبْنِيٌّ عَلَى الكسْرِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ، والكافُ: للخِطابِ. و "كانَ" فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ. و "سَعْيُهُمْ" سَعْيُ: اسمُ "كانَ" مرفوعٌ بها، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإِضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ لِتَذْكِيرِ الجَمْعِ. و "مَشْكُورًا" خَبَرُ "كانَ" مَنْصُوبٌ بِهَا، وَجُمْلَةُ "كانَ" فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ "أُولئك"، وَجُمْلَةُ "أُولئك" الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ الجَزَمِ بِـ "مَنْ" الشَرْطِيَّةِ، عَلَى كَوْنِهَا جَوابًا لَهَا، وَجُمْلَةُ "مَنْ" الشَرْطِيَّةِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "مَنْ" الشرطيَّةِ الأُولَى عَلى كَوْنِها مُسْتأْنَفَةً فَلَيْسَ لَهَا أَيْضًا مَحَلَّ مِنَ الإعرابِ.