وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ
(72)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} الجَعْلُ هُنَا: الخَلْقُ. والأَظْهَرُ أَنَّ المُرادَ بِقولِهِ "مِنْ أَنْفُسِكُمْ" مِنْ نَوْعِكُمْ، فهوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} الآيةَ: 128، ويُحْتَمَلُ أَنْ يُرادَ بِهِ خِلْقَةُ حَوَّاءَ مِنْ نَفْسِ آدَمَ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. والأَزْوَاجُ تُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، لكِنَّ المُرَادَ بِهَا هُنَا: الزَّوْجَاتُ. وَالْوَصْفُ بِالزَّوْجِ يُؤْذِنُ بِمُلَازَمَتِهِ لِآخَرَ، فَلِذَا سُمِّيَ بِالزَّوْجِ قَرِينُ الْمَرْأَةِ وَقَرِينَةُ الرَّجُلِ. وَهَذِهِ نِعْمَةٌ اخْتُصَّ بِهَا الْإِنْسَانُ إِذْ أَلْهَمَهُ اللهُ جَعْلَ قَرِينٍ لَهُ وَجَبَلَهُ عَلَى نِظَامِ مَحَبَّةٍ وَغَيْرِهِ لَا يَسْمَحَانِ لَهُ بِإِهْمَالِ زَوْجِهِ كَمَا تُهْمِلُ الْعَجْمَاوَاتُ إِنَاثَهَا وَتَنْصَرِفُ إِنَاثُهَا عَنْ ذُكُورِهَا. ومِنْ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ لِلتَّبْعِيضِ. ومِنْ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَزْواجِكُمْ لِلِابْتِدَاءِ، أَيْ جَعَلَ لَكُمْ بَنِينَ مُنْحَدِرِينَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ. وهَذِهِ مِنَّةٌ عظيمةٌ امْتَنَّ اللهُ بها عَلَى بَنِي آدَمَ، أَنْ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ومِنْ جِنْسِهِمْ وَشَكْلِهِمْ أَزْوَاجًا لَهُمْ، وَلَوْ جَعَلَ أَزْوَاجَهُمْ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ مَا حَصَلَ بينهُمُ الرَّحْمَةُ الْائْتِلَافُ وَالْمَوَدَّةُ. وَلَكِنْهُ مِنْ رَحْمَتِهِ تَعَالَى بهِمْ خَلَقَ مِنْ بَنِي آدَمَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَجَعَلَ الْإِنَاثَ أَزْوَاجًا لِلذُّكُورِ، وهيَ مِنْ أَعْظَمِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ ـ جَلَّ، هُوَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ. وقد وَأَوْضَحَ هَذا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتابِهِ العزيزِ، فقال في الْآيَةَ: 189، مِنْ سورةِ الأَعْرافِ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}، وقالَ في الآيَةِ: 21، مِنْ سُورَةِ الرُّومِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، وَقَالَ مِنْ سُورةِ القيامَةِ: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} الآياتِ: (36 ـ 40).
قولُهُ: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} جَعْلُ الْبَنِينَ لِلْإِنْسَانِ نِعْمَةٌ، وَكَوْنُهُمْ مِنْ زَوْجَةٍ نِعْمَةً أُخْرَى، لِأَنَّ بِهَا تَحَقُّقَ كَوْنِهِمْ أَبْنَاءَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ وَدَوَامَ اتِّصَالِهِمْ بِهِ بِالنِّسْبَةِ، وَوُجُودَ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الْقِيَامِ بِتَدْبِيرِ أَمْرِهِمْ فِي حَالَةِ ضَعْفِهِمْ. والبَنِينُ مَعْرُوفٌ. و "حَفَدةً" جَمْعُ حفيدٍ و حافِدٍ، وَغَيْرُ الْإِنْسَانِ مِنَ الْحَيَوَانِ لَا يَشْعُرُ بِحَفَدَتِهِ أَصْلًا، فلَا يَشْعُرُ بِالْبُنُوَّةِ إِلَّا أُنْثَى الْحَيَوَانِ مُدَّةً قَلِيلَةً قَرِيبَةً هي مُدَّةُ الْإِرْضَاعِ ثُمَّ يضمحلُّ هذَا الشُّعورُ ويَتَبَدَّدُ. وَالْحَفَدَةُ لِلْإِنْسَانِ زِيَادَةٌ فِي مَسَرَّةِ الْعَائِلَةِ، قَالَ تَعَالَى مِنْ سُورَة هُود: {فَبَشَّرْناهَا بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ} الآيةَ: 71. وَقَدْ عَمِلَتْ "مِنْ" الِابْتِدَائِيَّةُ فِي "حَفَدَةً" بِوِساطَةِ حَرْفِ الْعَطْفِ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ يَكُونُ مُبَاشَرَةً وَيكونُ بِوِساطَةٍ. والحَافِدُ هُوَ المُسْرِعُ فِي العَمَلِ. ومِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ الأَعْشَى:
كَلَّفْتُ مَجْهُولَهَا نُوقًا يَمَانِيَةً ........... إِذَا الْحُدَاةُ عَلَى أَكْسَائِهَا حَفَدُوا
أَيْ: أَسْرَعُوا فِي الْخِدْمَةِ. ومِنْهُ قولُ جَميلِ بْنِ مُعَمَّرٍ:
حَفَدَ الْوَلاَئِدَ بَيْنَهُنَّ وَأُسْلِمَت ................... بِأَكُفِّهِنَّ أزِمَّةَ الأَجْمَالِ
أَيْ: أَسْرَعَتِ الْوَلَائِدُ الْخِدْمَةَ، وَالْوَلَائِدُ الْخَدَمُ. الْوَاحِدَةُ وَلِيدَةٌ. والحَفَدةُ هُمْ أَبْناءُ البَنِينَ، قالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، وَقَالَ الحَسَنُ البَصْريُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هُمْ بَنُوكَ وبَنُوَ بَنِيكَ، وقالَ مُجَاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: الحَفَدَةُ الأَنْصَارُ وَالأَعْوانُ والخَدَمُ، وقالَهُ طاووس أَيضًا ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فالحفدُ إذًا: الخدْمةُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ طَرَفةَ بْنِ العَبْدِ:
يَحْفِدونَ الضَّيْفَ فِي أَبْيَاتِهمْ ................ كَرَمًا وذَلِكَ مِنْهُمْ غيْرَ ذُلّْ
وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهُ يُقَالُ: "أَحْفَدَ" رُبَاعِيًّا. وقالَ بَعْضُهُمْ: الحَفَدَةُ، الأَصْهارُ، وَالْأَخْتَانُ، وَهُمْ أَزْوَاجُ الْبَنَاتِ، وَمِنْهُ قَوْلُ جميلِ بْنِ مُعَمَّرٍ:
فَلَوْ أَنَّ نَفْسِي طَاوَعَتْنِي لَأَصْبَحَتْ .............. لَهَا حَفْدٌ مِمَّا يُعَدُّ كَثِيرُ
وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ عَلَيَّ أَبِيَّةٌ .................... عَيُوفٌ لِأَصْهَارِ اللِّئَامِ قَذُورُ
وَالْقَذُورُ: الَّتِي تَتَنَزَّهُ عَنِ الْوُقُوعِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي، تَبَاعُدًا عَنِ التَّدَنُّسِ بِقَذَرِهِ. ويقال: سيفٌ مُحْتَفِدٌ، أي: سريعُ القطع. وقال الأصمعيُّ: "أصلُ الحَفْدِ: مقارَبَةُ الخَطْوِ". وَ "الحَفْدُ" الخِدْمَةُ، والبِرُّ، والمَشْيُ السريعُ في الطاعَةِ؛ والحَفَدَانُ أَيْضًا: نوعٌ مِنَ السَّيْرِ السريعِ يسمَّى "الخَبَبُ" وهو فَوْقَ المَشْيِ. وقد وَرَدَ الفِعْلُ لازِمًا وَمُتَعدِّيًا، ومِنْ ذَلَكَ مَا جَاءَ في دُعَاءِ قُنُوتِ صلاتِ الوِتْرِ عَنْهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وإِلَيْكَ نَسْعَى ونَحْفِدُ))، وتمامُ الحديثِ: ((اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك، وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُؤْمِنُ بِكَ، وَنَخْضَعُ لَكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ، وَنَخَافُ عَذَابَكَ الْجِدَّ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ)). قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، صَحِيحًا مُوصَلًا، ثُمَّ رَوَاهُ مَعَ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَزِيَادَةٍ. وَبِهِ أَخَذَ الإمَامانِ الجليلانِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وأَبُو حَنِيفَةَ النُعْمَانُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما. ورُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، عَلَّمَهُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.
وفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ رَدٌّ عَلَى الْعَرَبِ الَّتِي كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّهَا كَانَتْ تَزَوَّجُ الْجِنَّ وَتُبَاضِعُهَا. حَتَّى رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ يُرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكٍ تَزَوَّجَ سَعْلَاةً مِنَ الجِنِّ، وَكَانَ يُخَبِّؤُهَا عَنْ سَنَا الْبَرْقِ لِئَلَّا تَرَاهُ فَتَنْفِرُ. فَلَمَّا لَمَعَ الْبَرْقُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي وَعَايَنَتْهُ السَّعْلَاةُ، قَالَتْ: عَمْرُو! وَنَفَرَتْ. فَلَمْ يَرَهَا أَبَدًا، فَقَالَ عِلْبَاءُ بْنُ أَرْقَمَ يَهْجُو أَوْلَادَ عَمْرٍو:
أَلَا لَحَى اللهُ بَنِي السَّعْلَاةْ .................. عَمْرَو بْنَ يَرْبُوعٍ لِئَامَ النَّاتْ
لَيْسُوا بِأَعْفَافٍ وَلَا أَكَيَاتْ
قَوْلُ الشاعِرِ هُنَا: (النَّاتُ) أَصْلُهُ (النَّاسُ) وقد أُبْدِلَتِ السِّينُ فِيهِ تَاءً. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (أَكَيَاتٌ) أَصْلُهُ (أَكْيَاسٌ) جَمْعُ كَيِّسٍ، فأُبْدِلَتِ السِّينُ فِيهِ تَاءً أَيْضًا.
وَقَالَ الْمَعَرِّيُّ يَصِفُ مَرَاكِبَ إِبِلٍ مُتَغَرِّبَةٍ عَنِ الْأَوْطَانِ: (إِذَا رَأَتْ لَمَعَانَ الْبَرْقِ تَشْتَاقُ إِلَى أَوْطَانِهَا). فَزَعَمَ أَنَّهُ يَسْتُرُ عَنْهَا الْبَرْقَ لِئَلَّا يُشَوِّقُهَا إِلَى أَوْطَانِهَا، كَمَا كَانَ عَمْرٌو يَسْتُرُهُ عَنْ سَعْلَاتِهِ:
إِذَا لَاحَ إِيمَاضٌ سَتَرْتُ وُجُوهَهَا ............ كَأَنِّي عَمْرٌو وَالْمُطِيُّ سَعَالِي
وَالسَّعْلَاةُ: عَجُوزُ الْجِنِّ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((أَحَدُ أَبَوَيْ بِلْقِيسَ كَانَ جِنِّيًّا)). قَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ: وَقَالَ شَارِحُهُ العلامةُ الْمَنَاوِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: فِي إِسْنَادِهِ (سَعِيدُ بْنُ بِشْرٍ) قَالَ فِي الْمِيزَانِ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ. وَعَنِ ابْنِ مُسْهِرٍ: لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِنَا أَحْفَظُ مِنْهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ سَاقَ مِنْ مَنَاكِيرِهِ هَذَا الْخَبَرَ. وَبَشِيرُ بْنُ نَهِيكٍ أَوْرَدَهُ الذَّهَبِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ.
وَقَالَ أَيْضًا الْمَنَاوِيُّ أيْضًا فِي شَرْحِ حَدِيثِ ((أَحَدُ أَبَوَيْ بِلْقِيسَ كَانَ جِنِّيًا))، قَالَ قَتَادَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: وَلِهَذَا كَانَ مُؤَخَّرُ قَدَمَيْهَا كَحَافِرِ الدَّابَّةِ. وَجَاءَ فِي الآثَارِ: أَنَّ الْجِنِّيَّ الْأُمُّ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهَا مَلِكَ الْيَمَنِ خَرَجَ لِيَصِيدَ فَعَطِشَ، فَرُفِعَ لَهُ خِبَاءٌ فِيهِ شَيْخٌ فَاسْتَسْقَاهُ، فَقَالَ: يَا حَسَنَةُ، اسْقِي عَمَّكِ، فَخَرَجَتْ كَأَنَّهَا شَمْسٌ بِيَدِهَا كَأْسٌ مِنْ يَاقُوتٍ. فَخَطَبَهَا مِنْ أَبِيهَا، فَذَكَرَ أَنَّهُ جِنِّيُّ، وَزَوَّجَهَا مِنْهُ بِشَرْطِ أَنَّهُ إِنْ سَأَلَهَا عَنْ شَيْءٍ عَمِلَتْهُ فَهُوَ طَلَاقُهَا. فَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ ذَكَرٍ، وَلَمْ يُذَكِّرْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَبَحَتْهُ فَكَرَبَ لِذَلِكَ، وَخَافَ أَنْ يَسْأَلَهَا فَتَبِينُ مِنْهُ. ثُمَّ أَتَتْ بِبِلْقِيسَ فَأَظْهَرَتِ الْبِشْرَ، فَاغْتَمَّ فَلَمْ يَمْلِكْ أَنْ سَأَلَهَا، فَقَالَتْ: هَذَا جَزَائِي مِنْكَ! بَاشَرْتُ قَتْلَ وَلَدِي مِنْ أَجْلِكَ! وَذَلِكَ أَنْ أَبِي يَسْتَرِقُ السَّمْعَ فَسَمِعَ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: إِنَّ الْوَلَدَ إِذَا بَلَغَ الْحُلُمَ ذَبَحَكَ، ثُمَّ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فِي هَذِهِ فَسَمِعَهُمْ يُعَظِّمُونَ شَأْنَهَا، وَيَصِفُونَ مُلْكَهَا، وَهَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَلَمْ يَرَهَا بَعْدُ. هَذَا مَحْصُولُ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ. مِنْ شَرْحِ الْمَنَاوِيِّ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ (سُورَةِ النَّحْلِ): كَانَ أَبُو بِلْقِيسَ وَهُوَ: السَّرْحُ بْنُ الْهُدَاهِدِ بْنِ شُرَاحِيلَ، مَلِكًا عَظِيمَ الشَّأْنِ، وَكَانَ يَقُولُ لِمُلُوكِ الْأَطْرَافِ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ كُفْأً لِي. وَأَبَى أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ، فَزَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنَ الْجِنِّ يُقَالُ لَهَا رَيْحَانَةُ بَنَتُ السَّكَنِ، فَوَلَدَتْ لَهُ بِلْقِمَةَ وَهِيَ بِلْقِيسُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ غَيْرُهَا.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْ بِلْقِيسَ جِنِّيًّا)) ـ وقد تقدَّمَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ سَبَبَ تَزَوُّجِ أَبِيهَا مِنَ الْجِنِّ أَنَّهُ كَانَ وَزِيرًا لِمَلِكٍ عَاتٍ، يَغْتَصِبُ نِسَاءَ الرَّعِيَّةِ، وَكَانَ الْوَزِيرُ غَيُورًا فَلَمْ يَتَزَوَّجْ. فَصَحِبَ مَرَّةً فِي الطَّرِيقِ رَجُلًا لَا يَعْرِفُهُ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ زَوْجَةٍ؟ فَقَالَ: لَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَإِنَّ مَلِكَ بَلَدِنَا يَغْتَصِبُ النِّسَاءَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ. فَقَالَ: لَئِنْ تَزَوَّجْتَ ابْنَتِي لَا يَغْتَصِبُهَا أَبَدًا. قَالَ: بَلْ يَغْتَصِبُهَا! قَالَ: إِنَّا قَوْمٌ مِنَ الْجِنِّ لَا يَقْدِرُ عَلَيْنَا. فَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ بِلْقِيسَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الرِّوَايَاتِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا: وَرَوَى وُهَيْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَاضِرٍ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ بِلْقِيسَ مِنَ الْجِنِّ، يُقَالُ لَهَا: بِلْعِمَةُ بِنْتُ شَيْصَانَ. والظَّاهِرُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي كَوْنِ أَحَدِ أَبَوَيْ بِلْقِيسَ جِنِّيًّا ضَعِيفٌ. وَكَذَلِكَ الْآثَارُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَثْبُتُ.
قولُهُ: {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} أَصْلُ الطَّيِّبِ النَّزَاهَةُ وَحُسْنُ الرَّائِحَةِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْمُلَائِمِ الْخَالِصِ مِنَ النَّكَدِ، قَالَ تَعَالَى في الآيةِ: 97، مِنْ هَذِهِ السُورَةِ المُبَارَكَةِ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}. وَقد اسْتُعْمِلَ فِي الصَّالِحِ مِنْ نَوْعِهِ، و "الطيِّباتِ" المُسْتَلَذَّاتِ طَعْمًا ولِباسًا، سَواءً كانَتْ مِنَ النَبَاتِ كالحبوبِ والثِمارِ وَالأَشْرِبَةِ، أَوْ كانَتْ مِنَ الحَيَوانَ كاللحومِ والبَيْضِ والأَلْبَانِ وَمُشْتَقَّاتِها، وَمَا مَكَنَّكمْ فِيهِ مِنَ الخَيْراتِ الحَلالِ، وَعَنِ السُّدِّيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قال: هِيَ الغَنَائِمُ الَّتِي أَحَلَّهَا لَهُمْ. وذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كانَتْ مُحَرَّمةً عَلَى غَيْرِهمْ مِنَ الأُمَمِ السابِقَةِ. والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى "جُمْلَةِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا" وَمَا بَعْدَهَا، لِمُنَاسَبَةِ مَا فِي الْجُمَلِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا مِنْ تَضَمُّنِ الْمِنَّةِ بِنِعْمَةِ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ، فَإِنَّ مِنْ مُكَمِّلاتِها سَعَةُ الرِّزْقِ، كَمَا قَالَ مِنْ سُورةِ آلِ عِمْرَانَ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ والأنعامِ والحَرثِ} الْآيَةَ: 14. وَقَالَ طَرَفَةُ:
فَأَصْبَحْتُ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَطَافَ بِي ............. بَنُونَ كِرَامٌ سَادَةٌ لِمَسُودِ
فَالْمَالُ ـ إِذًا، وَالْعَائِلَةُ لَا يَرُوقُ أَحَدُهَا بِدُونِ الْآخَرِ. ثُمَّ إنَّه يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بالرِّزْق هنا إِعْطَاءَ الْمَأْكُولَاتِ الطَّيِّبَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وكَمَا قَالَ في الآيَةِ: 37، مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: {كلَّما دَخَلَ عليها زكرِيَّا المِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقًا}. ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ المُرَادَ بِهِ الْمَالُ، كَمَا قَالَ مِنْ سُورَة الْقَصَصِ فِي قِصَّةِ قَارُونَ: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ} الآية: 82. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا. والآيةُ تَعْدِيدٌ لنِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبادِهِ، و "مِنْ" هُنَا للتَبْعِيضِ، فإنَّ نِعَمَ الدُنيا هي أُنْمُوذَجٌ مِنْ نِعَمِهِ التي أَعَدَّها لهم في الآخِرَةِ.
قولُهُ: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} تَوْبِيخٌ مُتَوَجِّهٌ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا" إِلَى قَوْلِهِ: "وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ" مِنْ الِامْتِنَانِ بِذَلِكَ الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ بَعْدَ كَوْنِهِمَا دَلِيلًا عَلَى انْفِرَادِ اللهِ بِالْإِلَهِيَّةِ. ذَلِكَ لأَنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهم مَا أَحَلَّهُ اللهُ لَهُمْ مِنَ الطَيِّباتِ، كالْبَحِيرَةِ، وَالسَّائِبَةِ والوَصَيلَةِ، وَأَباحُوا لَها ما حَرَّمَ عَلَيْهِمْ، كالمَيْتَةِ، والدَمِ، وَلَحْمِ الخِنْزيرِ ومَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، واسْتَحَلُّوا شُرْبَ الخُمُورِ التي حَرَّمَها عليهِمْ. وجْحَدُوا بِإنْعَامِ اللهِ عَلَيْهِمْ حينَ حَلَّلَ لهمُ الطَيِّبَاتِ، وحَرَّمَ عليهِمُ الخَبِيثاتِ، فَكْفَرُوا نِعَمَهُ، وأَخَذُوا بِالأَحْكامِ الباطِلَةِ. وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ: "هُمْ يَكْفُرُونَ" ضَمِيرُ فَصْلٍ لِتَأْكِيدِ الْحُكْمِ بِكُفْرَانِهِمُ النِّعْمَةَ لِأَنَّ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ أَخْفَى مِنَ الْإِيمَانِ بِالْبَاطِلِ، لِأَنَّ الْكُفْرَانَ يَتَعَلَّقُ بِحَالَاتِ الْقَلْبِ، فَاجْتمع فِي هَذِه الْجُمْلَةِ تَأْكِيدَانِ: التَّأْكِيدُ الَّذِي أَفَادَهُ تَقْدِيمُ الجارِّ والمَجْرورِ "بِنِعْمَتِ"، وَالتَّأْكِيدُ الَّذِي أَفَادَهُ ضَمِيرُ الْفَصْلِ "هُمْ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ" قَالَ: الشِّرْك. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ: "أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ" قَالَ: الشَّيْطَانُ، و "وَبِنِعْمَةِ اللهِ" قَالَ: مُحَمَّدٌ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} الوَاوُ: استِئْنافيَّةٌ. ولفظُ الجلالةِ "اللهُ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ، وَ "جَعَلَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ الظاهِرِ، وفاعلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يعودُ على "اللهُ" تَعَالى، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفُعِ خَبَرُ المبتدَأِ. وَ "لَكُم" اللامُ حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "جَعَلَ" بِتَضْمِينِهِ معنى "خَلَقَ"، أَوْ متعلِّقٌ بمفعولٍ ثانٍ مقدَّرٍ لِـ "جَعَلَ"، وكافُ الخِطابِ: ضَميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ لتذكيرِ الجَمْعِ. وَ "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بحالٍ مِنْ "أَزْوَاجًا" لأَنَّهُ صِفَة نَكِرَة قُدِّمَتْ عَلَيْهَا، والتَقْديرُ: أَزواجًا كائنينَ مِنْ أنفُسِكم، و "أَنْفُسِكُمْ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الحرِّ بالإضافةِ إليهِ، والميمُ علامةُ الجمعِ المُذكَّرِ. و "أَزْوَاجًا" مَفْعولٌ بِهِ أَوَّلُ لِـ "جَعَلَ". والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مِنَ المُبتدأِ وخبرِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. ويَجُوزُ أَنْ يُكونَ "جَعَلَ" فِعْلًا ناقِصًا فَيَكونُ (هو) اسُمَها، وَ "أَزواجًا" خَبَرها.
قولُهُ: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} الواوُ: للعطْفِ. و "جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ" مثل: "جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا"، وفي إعرابِ "حَفَدَةً" أَوْجُهٌ. أظهرُها: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى "بَنِينَ" بِقَيْدِ كَوْنِهِ مِنَ الأَزْواجِ، وفُسِّرَ هُنَا بِأَنَّهُ أَوْلادُ الأَوْلادِ. والوجهُ الثاني: أَنَّه مِنْ عَطْفِ الصِّفاتِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ، أَيْ: جَعَلَ لَكُمْ بَنِينَ خَدَمًا، والحَفَدَةُ: الخَدَمُ. الثالثُ: أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِـ "جَعَلَ" مُقَدَّرًا، وَهَذَا عَنْدَ مَنْ يُفَسِّرُ الحَفَدَةَ بالأَعْوَانِ والأَصْهَارِ، كما تقدَّمَ في التفسير، وإِنَّما احْتِيجَ إِلَى تَقْديرِ الفعلِ "جَعَلَ" لأَنَّ الفِعْلَ "جَعَلَ" الأَوَّلَ مُقَيَّدٌ بِالأَزْوَاجِ، وَالأَعْوانُ، والأَصْهَارُ لَيْسُوا مِنَ الأَزْوَاجِ.
قولُهُ: {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} الوَاوُ: للعطفِ، و "رَزَقَكُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ الظاهِرِ على القافِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يعودُ على "الله" تعالى، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ، والميمُ: للجمعِ المُذكَّرِ. و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ للتَبْعيضِ مُتَعَلِّقٌ بالفعلِ "رَزَقَ"، وَهُو في مَحَلِّ المَفْعُولِ الثاني لَهُ، و "الطيِّباتِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ. والجُمْلَةُ في محلِّ الرفعِ عْطْفًا عَلَى جملةِ "جَعَلَ" الأُولى.
قولُهُ: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} الهمزةُ: للاسْتِفْهامِ التَوْبِيخِيِّ دَاخِلَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، والفاءُ: للعَطْفِ عَلَى ذَلِكَ المَحْذوفِ. و "بِالبَاطِلِ" الباءُ: حرفَ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ، و "الباطلِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ. و "يُؤْمِنُونَ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ فِي آخِرِهِ، لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفَاعِليَّةِ. والجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ عَلى ذَلِكَ المَحْذوفِ، وَالتَقْديرُ: أَيَكْفُرونَ باللهِ الذي شَأْنُهُ هَذَا فَيُؤْمِنونَ بِالباطِلِ.
قولُهُ: {وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} الوَاوُ: للحالِ. و "بِنِعْمَتِ" الباءُ: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَكْفُرُونَ"، و "نِعْمَتِ" اسمٌ مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، وهُوَ مُضافٌ. ولَفْظُ الجلالةِ "اللهِ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "هُمْ" ضميرٌ منفصِلٌ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ، و "يَكْفُرونَ" مثلُ و "يُؤْمِنُونَ" والجملةُ خَبَرُ المُبتدَأِ في محلِّ الرَّفعِ، والتَقْديرُ: وَهُمْ يَكْفِرُونَ بِنِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ مِنْ فَاعِلِ "يُؤْمِنُونَ".