الشيخ أحمد النعسان
مقدمة الخطبة:الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد فيا عباد الله:
الكلمة التي يتفوَّهُ بها الإنسان ذات حدَّين, إما أن تُعمِّر البيوت وإما أن تهدمها, وإما أن تَسْفِكَ الدماء وإما أن تحقنها, الكلمة ذات حدَّين, إما أن تجمع وإما أن تفرِّق, إما أن تزرع المودَّة والرحمة, وإما أن تزرع الحقد والبغضاء.
الكلمة إما أن تُوردَنا المهالك وتُحبطَ العمل, وإما أن تُوصِلَنا إلى جنَّةٍ عرضها السموات والأرض.
توجيه الله تعالى من أجل الكلمة:يا عباد الله, لخطورة الكلمة ولِعِظَمِ أثرها يأتي توجيهُ الله تعالى لنا, وخاصة عندما نتكلَّم مع الآخرين من أبناء جنسنا:
أولاً: يقول الله تعالى آمراً لنا: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}. دقِّقُوا على أمر الله تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ}. ما قال: وقولوا للمؤمنين, ما قال: وقولوا لمن تحبون, ما قال: وقولوا لمن وافقكم, ما قال: وقولوا للصالحين, بل قال: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ}. جميع الناس, مؤمنهم وكافرهم, طائعهم وعاصيهم, الموافق منهم والمخالف, قولوا للناس جميعاً حُسناً, لأنَّ المؤمن يجب أن لا يجري على لسانه إلا القولُ الحسن, وهذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ, وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ) رواهُ التِّرْمذيُّ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال: حديثٌ حسنٌ. ومن الخلق الحسن القولُ الحسن.
يا عباد الله: لننظر إلى ألسنتنا هل نقول للناس حُسناً في حال مَكْرَهِنَا كحال مَنْشَطِنا؟ هل نقول للناس حسناً, في حالة الغضب كما في حالة الرضا؟ هل نقول للناس حسناً, في حالة الشِدَّة كما في حالة الرخاء والسعة؟
يا عباد الله: لقد تمزَّقت الأسرة الواحدة بسبب الكلمة المجانبة للقول الحسن, هذا مؤيِّدٌ وهذا معارضٌ, وكلُّ واحدٍ يجرح الآخر بالكلمة, لقد تحاسدنا وتدابرنا وتباغضنا بسبب الكلمة, أين نحن ـ أبناءَ الأسرة الواحدة, أبناءَ هذا الدين الواحد ـ من قوله تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}؟
ثانياً: يقول الله تعالى آمراً لنا أن نقول القول المعروف: {وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا}. فهل كلمتنا من القول المعروف, أم من القول المنكر؟
ثالثاً: يقول الله تعالى آمراً لنا أن نقول القول الميسور: {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا}. فهل كلمتنا من القول الميسور الهيِّن اللَّين, أم من القول الصعب القاسي؟
رابعاً: يرشدنا ربنا عز وجل إلى أنَّ الحسنة لا تستوي مع السيئة, قال تعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم}. الكلمة الحسنة تجعل صديقاً, كما أنَّ الكلمة السيئة تجعل خصماً وعدواً.
خامساً: يرشدنا الله تعالى إلى الموعظة الحسنة عندما نتحدَّث مع الآخرين, والموعظة الحسنة هي الكلمة الطيبة, قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين}.
سادساً: يبيِّنُ لنا مولانا عز وجل بأنَّ القولَ المعروف خيرٌ من العطاء الذي يتبعه المنُّ والأذى, قال تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيم}.
سابعاً: يضرب الله تعالى مثلاً عن الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة, فيقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار}. فهل كلمتُنا طيبة تُؤتِي أُكُلَها بجمع الشمل والكلمة أم ـ لا قدَّر الله ـ خَبيثة تفرِّق الجمع والشمل وتريق الدماء؟
أثر القول السديد في المجتمع:أيها الإخوة الكرام: اهتموا بالكلمة الطيبة, اهتموا بالقول السديد, اهتموا بالكلمة التي لا تورِّثكم ندامة, ولا تدفعكم للاعتذار, اهتموا بالقول السديد المُحْكَمِ لأنَّ له أثراً إيجابياً في حياتنا, ولهذا أمرنا الله تعالى بالقول السديد, وَضَمِنَ لنا نتائجه التي نبحث عنها, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
يا عباد الله: الآمر يجب أن يكون ضامناً, ولن يكون هذا إلا لله تعالى, فهو الآمر بحقٍّ لأنه إِلَهٌ خالق, وهو الضامنُ للنتائج لأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء, ولأنه على كلِّ شيء قدير.
الله تعالى أمرنا بالتقوى وبالقول السديد, والقول السديد هو قول الحق بأسلوبٍ طيبٍ حسنٍ معروفٍ ميسورٍ كريمٍ حكيمٍ, وَوَعَدَنا بما تهفو إليه نفوسنا, وَوَعَدَنا بالشيء الذي نبحث عنه, وعدنا بالشيء الذي نَقْتَتِلُ من أجله, لقد وعدنا الله تعالى بأمورٍ ثلاثة إن تحقَّقنا بالتقوى والقول السديد:
أولاً: وعدنا الله تعالى بالإصلاح, قال تعالى: {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}. فيا من ينشد الصلاح والإصلاح قُلْ قولاً سديداً, قُلْ كلمة طيبة.
ثانياً: وعدنا الله تعالى بالمغفرة لذنوبنا, قال تعالى: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
ثالثاً: وعدنا بالفوز العظيم, قال تعالى: {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
اسمع يا من ينشد الصلاح والإصلاح إلى هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, حيث يقول: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قُلْ خيراً إن كنت صادقاً في طلب الإصلاح, وإن عجزت عن قول الخير فاصمت, لأن صمتك يُصلح أكثر من قول غير الخير.
كلمة الشرِّ مزَّقت الأمة, ومزَّقت الأسرة, ووالله لا خيرَ في كلمة الشرِّ أبداً, والخير كلُّ الخير في الكلمة الطيبة الخيِّرَة.
عدونا أشعل نار الفتنة بالكلمة:يا عباد الله: إنَّ عَدُوَّنا غزانا من خلال الكلمة, أشعل نار الفتن بيننا بالكلمة, سفك دماءنا على أيدي بعضنا البعض بالكلمة, جزَّأ المُجزَّأ بالكلمة, غزانا عدُوُّنا بالكلمة عن طريق أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة, لقد حرَّشَ بيننا, ونحن في غفلةٍ عنه.
يا عباد الله, أفْسِدُوا مخططات شياطين الإنس والجن بالقول الحسن, وتذكَّروا واحفظوا قول الله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}.
شياطين الإنس والجن ينزغون بيننا, اليهود والصليبية الحاقدة ينزغون بيننا, أفْسِدُوا عليهم مُخَططاتهم, واللهِ بُغضُهم لنا لا يعلمه إلا الله تعالى, قال تعالى: {قَدْ بَدَتِ البَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}.
أفْسِدُوا عليه ما أرادوه لنا, قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاء}. أفْسِدُوا عليهم هذا بالكلمة الحسنة, بالكلمة الطيبة بيننا, لا تتراشقوا باللعنات, ولا بالسبِّ والشتم, فهذا ليس من خُلُقِ المسلم.
أزمة المازوت والغاز والكهرباء:يا عباد الله: نحن نمرُّ في أزمة ضمن أزمة, نمرُّ في شدَّةٍ ضمن شدة, نحن مع الأزمة التي نعيشها اليوم من إراقة الدماء البريئة, نعيش في أزمة قِلَّةِ المحروقات من مازوت وغاز, وفي أزمة الكهرباء, علينا في هذه الأزمة بضبط اللسان, من خلال قوله تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}. ومن خلال قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ, إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ) رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
يا عباد الله, نحن بحاجة إلى ضبط اللسان فيما بيننا مع وجود الشدائد, نطالب بحقوقنا من خلال القول الذي يرضي ربنا عز وجل, ونقول للحكومة: اتقي الله في الناس, اتقي الله في الأمة, ولا تزيدي الطين بلَّةً كما يُقال في المثل العامي, ولا تزيدي النار المُؤججةَ تأجيجاً, لا تقولي: إن هذه المادة تُهرَّب, لا تَسْتَخِفِّي بعقول الناس, اضبطي الحدود إذا كانت تُهرَّب.
الكلمة الحسنة تطفئ نار العداوة:أيها الإخوة الكرام: إن الكلمة الحسنةُ تُطفئ نار العداوة, فهل استخدمناها في أيام الشِدَّة والأزمات, هناك من يريد استفزازنا, هناك من يريد أن تُسفك الدماء أكثر من ذلك, هناك من يُريد أن يُستهلك سلاحُنا, وأن يُمزَّقَ شملُنا.
رجلٌ يهودي معه كلب, يمرُّ على إبراهيم بنِ أدهم ـ الرجلِ الصالحِ ـ وأراد أن يستفزَّهُ وأن يوقدَ ناراً, وهذا شأن اليهود, فقال لإبراهيم: ألحيتك يا إبراهيم أطهر من ذنب هذا الكلب, أم ذنب الكلب أطهر من لحيتك؟
هل يُشعل نار الفتنة من جرَّاء هذه الكلمة التي قالها اليهودي؟ هل يُستَفزُّ بهذه الكلمة, وربنا يقول: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}؟
فأجابه العارف بالله, الذي امتثل أمر الله تعالى: {وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا}. فقال: إن كانت ـ يعني لحيته ـ في الجنة لَهِيَ أطهر من ذنب كلبك, وإن كانت في النار, لذنب كلبك أطهر منها.
فما ملك اليهوديُّ إلا أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, والله ما هذه إلا أخلاق الأنبياء.
هذا هو أثر الكلمة التي كلَّفنا الله تعالى بقولها, هيَ عزٌّ لنا في الدنيا, وذخرٌ لنا في الآخرة.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:أيها الإخوة الكرام: القولُ الحسنُ السديدُ هو شعار المسلم, فالمسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده, المسلم يلتزم تكليف الله تعالى, ويثق بما وعد الله تعالى به على الكلمة الطيبة.
يا عباد الله, تحاوروا وتناقشوا وطالبوا بالذي تريدون, وليكن كلامكم تحت قوله تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}. وتحت قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ).
أقول هذا القول, وأستغفر الله العظيم لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
** ** **
تاريخ الإضافة :
2011-11-18