فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 85
قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)
قولُهُ ـ تعالى شَأْنُهُ: {قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} تفتَأُ: هنا بمعنى (لا تزالُ)، وعَنْ مُجاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: "لا تَفْتَأُ": لا تَفْتُرُ). فكأَنَّما جَعَلَ الفُتُوءَ والفُتُورَ أَخَوَيْنِ. وفيها لُغَتَانِ: (فَتَأَ) على وَزْنِ (ضَرَبَ)، و (أَفْتَأَ) عَلى وَزْنِ (أَكْرَمَ). قالَ ابْنُ مالِكٍ: وتَكونُ تامَّةً بِمَعْنَى (سَكَنَ) و (أَطْفَأَ). وقد رُسِمَتْ (تَفْتَؤ) بالواوِ والقياسُ أَنَّها (تَفْتَأُ) بالأَلِفِ. والمعنى لا تَفْتَأُ ولا تَزَالُ "تَذْكُرُ يُوسُفَ" تَفَجُّعًا عَلَيْهِ، حتى يذوبَ جسمُكَ همًّا وغَمًّا وحزنًا وتُشْرِفَ عَلَى الهَلاكِ، فَقَدْ أَقْسَمُوا عَلَى مَا كانَ صَحيحًا في نُفوسِهم، ومَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ بالاسْتِدْلالِ، وعَلى مَا يَجُوزُ في مَعْلومِ اللهِ أَنْ يَتَغَيَّرَ. وثَمَّةَ حَرْفُ نَفْيٍ مَحْذوفٌ هُنَا كَمَا في قَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ:
فَقُلْتُ يَمينُ اللهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ......... ولو قَطَعوا رأسي لديكِ وأَوْصالي
أَرادَ: لا أَبْرَح. فَحَذَفَ (لا) وهوَ يُريدُهُ. لِعَدَمِ الالْتِباسِ بالإثباتِ فإنَّ القَسَمَ إِذا لَمْ يَكنْ مَعَهُ عَلامَةُ الإثْباتِ يَكونُ عَلى النَفْيِ البَتَّةَ. وعَلامَةُ الإثباتِ هيَ اللامُ ونُونُ التَوكيدِ اللذانِ يَلْزَمانِ جَوابَ القَسَمِ المُثْبَتِ، فإذا لَمْ يُذْكَرا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ جوابَ القَسَمِ مَنْفِيٌّ لأَنَّهُ لا يُقارِنُهُما، فلوْ كانَ المَقصودُ هَهُنَا الإثْباتُ لَقِيلَ: (لَتَفْتَأَنَّ). ولُزومُ اللامِ والنُّونِ هو مَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ، وقالَ الفارسِيُّ (مِنَ الكوفِيُّينَ): يَجُوزُ الاقْتِصارُ عَلَى أَحَدِهِما وجاءَ الحَذْفُ فيما إِذا كانَ الفِعْلُ حالًا كَقراءَةِ ابْنِ كَثيرٍ: {لَأُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} الآية الأولى من سورةِ القيامة، فـ "أُقْسِمُ" في الآيةِ معناها الحالِ لدُخولِ اللامِ عَليهِا. وكَذا قولُ الشَّاعِرِ:
لا أُبْغِضُ كُلَّ امْرِئٍ ............................. يُزَخْرِفُ قَوْلًا ولا يَفْعَلُ
ويَتَفَرَّعُ عَلى هَذا مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ، فقد قالَ بعضُ العُلماءُ: إِذا قالَ قائلٌ: (واللهِ أَقومُ) يَحْنثُ إِذا قامَ، وإِنْ لَمْ يَقُمْ لا يَحْنَثُ، سواءٌ كانَ القائلُ عَالِمًا بالعَرَبِيَّةِ أَوْ لا، على ما أَفْتَى بِهِ العَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ، وذَكَرَ أَنَّ الحَلِفَ بالطَّلاقِ كَذَلِكَ فَلَوْ قالَ: عليَّ الطَّلاقُ بالثَّلاثِ تَقُومينَ الآنَ، فإنَّها تَطْلُقُ إنْ قامتْ ولا تَطْلُقُ إِنْ لَمْ تَقُمْ، وقالَ غيرُ واحِدٍ: إِنَّ العَوَامَ لَوْ أَسْقَطُوا اللامَ والنُّونَ في جوابِ القَسَمِ المُثْبَتِ المُسْتَقْبَلِ فقالَ أَحَدُهم: واللهِ أَقومُ لا يَحْنَثُ بِعَدَمِ القيامِ ولا كفَّارَةَ عَلَيْهِ، وقَالَ العلامَةُ المَقْدِسِيُّ بِأَنَّهُ يَنْبَغي أَنْ تَلْزَمَهُمُ الكَفَّارَةُ لِتَعَارُفِهمُ الحَلِفَ كَذلكَ.
وقد اسْتُدِلَّ بالآيَةِ عَلى جَوازِ الحَلِفِ بِغَلَبَةِ الظَنِّ، وقيلَ: إِنَّهمْ عَلِمُوا ذَلِكَ من أبيهمْ ولكنَّهم أنْزَلُوهُ مَنْزِلَةِ المُنْكِرِ، فَلِذَلك أَكَّدوهُ بالقَسَمِ فقالوا: نُقْسِمُ باللهِ تَعَالى لا تَزَالُ ذَاكِرًا يُوسُفَ مُتَفَجِّعًا عَلَيْهِ "حتى تَكُونَ حَرَضًا". أَي: مَريضًا مُشْفِيًا عَلَى الهَلاكِ، وقِيلَ: الحَرَضُ مَنْ أَذابَهُ هَمٌّ أَوْ مَرَضٌ فَجَعَلَهُ مَهْزولًا نَّحيفًا، أَوِ الذي فَسَدَ جِسْمُهُ وعَقْلُهُ، وَرَجُلٌ حَارِضٌ أيضًا أَيْ: أَحْمَقُ. ويُقالُ: رَجُلٌ حُرُضٌ، بِضَمَّتَيْنِ نَحْوَ: جُنُب، وشُلُل، ويُقالُ: أَحْرَضَهُ كَذَا، أَيْ: أَهْلَكَهُ. قالَ العَرْجيُّ:
إني امرؤٌ لَجَّ بيْ حُبٌّ فَأَحْرَضَني ....... حتى بَلِيْتُ وحتى شَفَّني السَّقَمُ
فهو مُحْرَضٌ، قالَ:
أَرَى المَرْءَ كالأَذْوادِ يُصْبِحُ مُحْرَضًا ..... كإِحْراضِ بِكْرٍ في الدِّيارِ مَريضِ
والحُرْضَةُ: مَنْ لا يَأْكُلُ إِلَّا لَحْمَ المَيْسِرِ لِنَذَالَتِهِ، والتَّحْريضُ على الشيءِ: الحَثُّ عليهِ بِكَثْرَةِ التَزْيِينِ وتَسْهيلِ الخَطْبِ فِيهِ كَأَنَّهُ إِزالَةُ الحَرَضِ نَحْوَ: قَذَّيْتُهُ، أيْ: أَزَلْتُ القَذَى عَنْهُ، وأَحْرَضْتُهُ: أَفْسَدْتُه نَحْوَ: أَقْذَيْتُه، أَيْ: جَعَلْتُ القَذَى فيهِ. والحُرُضُ: الأُشْنانُ، لإِزالتِهِ الفَسَادَ، والمِحْرَضَةُ وِعاؤُهُ، وشُذوذُها كشذوذ مُنْخُل ومُسْعُط ومُكْحُلَة. وهوَ في الأَصْلِ مَصْدَرُ حَرَضَ فَهوَ حَرِضٌ (بِكَسْرِ الرَّاءِ)، ولكونِهِ كَذَلِكَ في الأَصْلِ فلا يُؤنَّثُ ولا يُثَنَّي ولا يُجْمَعُ لأَنَّ المَصْدَرَ يُطْلَقُ عَلَى القَليلِ والكَثيرِ، يُقالُ: رَجُلٌ حَرَضٌ وامْرَأَةٌ حَرَضٌ، ورَجُلانِ وامْرَأَتانِ حَرَضٌ، ورِجالٌ ونِساءٌ كَذَلِكَ، يَسْتَوِي فِيهِ الواحِدُ والاثْنانِ والجَمْعُ والمُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ، لأَنَّهُ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الاسْمِ، والنَّعْتُ مِنْهُ بالكَسْرِ كَ (دَنِفٍ). قالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ حَارِضٌ لِلْمُذَكَّرِ، وَالْمُؤَنَّثَةِ حَارِضَةٌ، فَإِذَا وَصَفَ بِهَذَا اللَّفْظِ ثَنَّى وَجَمَعَ وَأَنَّثَ. وقالَ محمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: الحَرَضُ الفاسِدِ الذي لا عَقْلَ لَهُ. وَفِي جَعْلِهِمُ الْحَرَضَ أَوِ الْهَلَاكَ غَايَةَ أَمْرِ أَبيهم إِذا اسْتَمَرَّ عَلى هَذِهِ الحالِ مِنْ ذِكْرِهِ لِيُوسُفَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُ إنَّما يَذْكُرُ أَمْرًا لَا طَمَعَ فِي تَدَارُكِهِ، لأَنَّهُ مَيِّتٌ في قَنَاعَتهم.
قولُه: {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} قِيلَ إِنَّ القائلينَ ذلكَ هُمْ أَبْناءُ يعقوبَ ـ عليه السَّلامُ، وقيلَ غيرُهم مِنْ أَتْباعِهِ. و "الهالكينَ" يَعْنِي: المَيِّتينَ، وقيلَ المَعْنَى: حَتَّى تَكونَ دَنِفَ الجِسْمِ مَخْبولَ العَقْلِ.
وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِم، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ" قَالَ: لَا تَزَالُ تَذْكُرُ يُوسُفَ "حَتَّى تَكونَ حَرَضًا" قَالَ: دَنِفًا مِنَ الْمَرَضِ، و "تَكونَ مِنَ الهالِكِينَ" قَالَ المَيِّتينَ.
وَأَخْرَجُ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "قَالُوا تاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ" قَالَ: لَا تزَالُ تَذْكُرُ يُوسُفَ لَا تَفْتُرُ عَنْ حُبِّهِ، و "حَتَّى تَكونَ حَرَضًا" قَالَ: هَرِمًا، "أَوْ تَكونَ مِنَ الهالِكينَ" قَالَ: أَو تَمُوتَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّهُ قال: "حَتَّى تَكونَ حَرَضًا" قَالَ: الحَرَضُ الشَّيْءُ الْبَالِي، و "أَوْ تَكونَ مِنَ الهالِكينَ" قَالَ المَيِّتينَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ والطَّسْتِيُّ، عَنِ عبدِ اللهِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُمَا، أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: "تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ"، قَالَ: لَا تزَال تَذْكُرُ يُوسُفَ. قَالَ: وَهلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ وَهُوَ يَقُولُ:
عَمْرُكَ مَا تَفْتَأُ تَذْكُرُ خَالِدًا .............. وَقَدْ غَالَهُ مَا غَالَ تُبَّعَ مِنْ قَبْلُ
قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْلِهِ تعالى: "حَتَّى تكون حرضًا"، قَالَ: الحَرَضُ المُدْنَفُ الْهَالِكُ مِنْ شِدَّةِ الوَجَعِ. قَالَ: وَهل تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِك؟ قَالَ: نَعَم، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ وَهُوَ يَقُولُ:
أَمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى غَرْبَةً أَنْ نأَتْ بِهَا ......... كأَنَّكَ حَمٌّ للأَطِبّاءِ مُحْرَضُ؟
البيتُ لِطَرَفَةِ بْنِ العَبْدِ. وأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: ثَلَاثَةٌ لَا تَذْكُرْهُنَّ واجْتَنِبْ ذِكْرَهُنَّ: لَا تَشْكُ مَرَضَكَ، وَلَا تَشْكُ مُصيبَتَكَ، وَلَا تُزَكِّ نَفْسَكَ. قَالَ: وأُنْبِئْتُ أَنَّ يَعْقُوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، دَخَلَ عَلَيْهِ جَارٌ لَهُ فَقَالَ: يَا يَعْقُوبُ مَا لي أَرَاكَ قَدْ انْهَشَمْتَ وفَنِيتَ وَلم تَبْلُغْ مِنَ السِنِّ مَا بَلَغَ أَبوكَ قَالَ: هَشَمَني وأَفْناني مَا ابْتَلاني اللهُ بِهِ مِنْ هَمِّ يُوسُفَ وَذِكْرِهِ. فَأوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: يَا يَعْقُوبُ أَتَشْكوني إِلَى خَلْقِي؟. فَقَالَ: يَا رَبِّ خَطِيئَةٌ أَخْطَأْتُها فاغْفِرْها لِي. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكَ. فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذا سُئِلَ قَالَ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وحُزْني إِلَى اللهِ}.
قولُهُ تَعَالى: {قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} قَالُوا: فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعلِهِ، والألفُ الفارقةُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "تَاللهِ" التاءُ: حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِفِعْلٍ مَحْذوفٍ تقديرُهُ: نُقسِمُ، ولفظُ الجلالةِ "اللهِ" مَجْرورٌ بحرفِ الجرِّ، وجُمْلَةُ القَسَمِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بِ "قَالُوا". و "تَفْتَأُ" فعلٌ مُضارِعٌ ناقِصٌ مِنْ أَخَواتِ زَالَ مَنْفِيٌّ بِ "لا" مَحْذوفةٍ؛ لأَنَّ جَوابَ القَسَمِ الخَالي مِنَ لامِ التوكيدِ ونونِهِ يَجِبُ أَنْ يكونَ مَنْفِيًّا، كما تقدَّمَ تَفْصِيلُهُ في مبحثِ التَّفْسِيرِ فلا بُدَّ مِنْ تَقْديرِ (لا) مَعَهُ، واسمُ "تفْتَأُ" ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجُوبًا تَقْديرُهُ: (أَنْتَ) يَعودُ عَلى يَعْقوبَ ـ عليهِ السَّلامُ. و "تَذْكُرُ" فعْلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنت) يَعودُ عَلى يَعْقوبَ ـ عليه السَّلامُ، و "يُوسُفَ" مفعولٌ بهِ منصوبٌ، وقد مُنِعَ مِنَ التَنْوينِ لأنَّه ممنوعٌ من الصرفِ بالعَلَمِيَّةِ والعُجْمَةِ، وهذِهِ الجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ خَبَرًا لـ "تَفْتَأُ"، وجُمْلَةُ "تَفْتَأُ" جَوابُ القَسَمِ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ.
قولُهُ: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} حَتَّى: حَرْفُ جَرٍّ وغَايَةٍ بمعنى (إلى). و "تَكُونَ": فِعْلٌ مُضَارِعٌ ناقِصٌ مَنْصُوبٌ بِ (أَنْ) مُضْمَرَةٍ وُجُوبًا بَعْدَ "حَتَّى"، واسْمُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجُوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعودُ عَلَى يَعْقوبَ ـ عليهِ السَّلامُ. و "حَرَضًا" خبرُ "تكون" منصوبٌ بِهِ. وجُمْلَةُ "تَكُونَ" صِلَةُ (أن) المُضْمَرَةِ، والمَصْدَرُ المُؤَوَّلُ مِنْ (أن) المُقَدَّرةِ وما بعدَها في مَحَلِّ الجَرِّ بِحرفِ الجَرِّ "حتّى".
قولُهُ: {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} أَوْ: حرفُ وَ "تكونَ" تقدَّمَ إعرابُهُ مَعْطوفٌ عَلَيْهِ، وأَنْ مَعَ صِلَتِها في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجرورٍ بِـ "حَتَّى" بِمَعْنَى (إلى)، والتقديرُ: إِلى كَوْنِكَ حَرَضًا، أَوْ كونِكَ مِنَ الهالِكينَ، و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَذْكُرُ" و "الهالكينَ" مَجْرورٌ بحرفِ الجرِّ علامةُ جرِّهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالمُ.
وقرَأَ بَعْضُهمْ: "حَرِضًا" بِكَسْرِ الرَّاءِ. وقد قُرِءَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وكَسْرِها، وقرئَ: "حَرِضًا" بفتح الحاءِ وكَسْرِ الرّاء. وَقَرَأَ أَنَسٌ ـ رضيَ اللهُ عَنْهُ: "حُرْضًا" بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، أَيْ مِثْلَ عُودِ الْأُشْنَانِ. وقرَأَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ ـ رضيَ اللهُ عنهُ: "حُرُضًا" بِضَمَّتَيْنِ.