فيض العليم ... سورةُ يوسف، الآية: 65
وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ. (65)
قولُهُ ـ تعالى شأْنُهُ: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ} الْمَتَاعَ: كُلُّ مَا يُسْتَمْتَعُ بِهِ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ هَهُنَا أَوْعِيَةُ الطَّعَامِ، وهو الأرجحُ، وقيل: هي الطَّعَامِ نفسُهُ الَّذِي حَمَلُوهُ معهم.
قولُهُ: {وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ} وجدوا بضاعتهم أَيْ دراهمهم التي كانوا قد دفعوها ثمنَ القمحِ الذي اشتروهُ، وجدوها في أَكياسِ القمحِ. فَفَرِحُوا أَشَدَّ الفَرَحِ. وهَكَذَا اكْتَشَفُوا أَنَّ بَضَائعَهم التي حَمَلُوها مَعَهُمْ إِلى مِصْرَ لِيُقايِضُوا بِها ويَدْفعوها ثَمَنًا لِمَا حَصَلوا عَلَيْهِ مِنْ طَعامٍ ومَيْرَةٍ قدْ رُدَّتْ إليهم، فكانَتْ ضيافتُهم وما حَصَلُوا عليهِ هبةً دونَ مُقابلٍ.
قولُهُ: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} أيْ: مَا نَبْغِي بِهَذَا الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كَذِبًا، لأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ وَصَفُوا يُوسُفَ بِالْكَرَمِ وَاللُّطْفِ، وَقَالُوا لأبيهم: إِنَّا قَدِمْنَا عَلَى رَجُلٍ فِي غَايَةِ الْكَرَمِ أَنْزَلَنَا وَأَكْرَمَنَا كَرَامَةً لَوْ كَانَ رَجُلًا مِنْ آلِ يَعْقُوبَ لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ. الثَّانِي: فقد بَلَغَ فِي الْإِكْرَامِ إِلَى غَايَةٍ مَا وَرَاءَهَا شَيْءٌ آخَرُ، فَبَعْدَ أَنْ بَالَغَ فِي إِكْرَامِنَا أَمَرَ بِبِضَاعَتِنَا فَرُدَّتْ إِلَيْنَا. ويجوزُ أنْ يكونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ رَدَّ بِضَاعَتَنَا إِلَيْنَا، فنحن لا نبغي منك عِنْدَ رُجُوعِنَا إِلَيْهِ بِضَاعَةً أُخْرَى، فَإِنَّ هَذِهِ الَّتِي مَعَنَا كَافِيَةٌ لَنَا. وعليه تكونُ ما هنا نافيةً، ويجوزُ أَنَّ كَلِمَةَ "ما" هَهُنَا لِلِاسْتِفْهَامِ، فإنَّهم لَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ رَدَّ إِلَيْهِمْ بِضَاعَتَهُمْ قَالُوا: مَا نَبْغِي بَعْدَ هَذَا، فقد أَعْطَانَا الطَّعَامَ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْنَا ثَمَنَهُ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، فَأَيَّ شَيْءٍ نَبْغِي وَرَاءَ ذَلِكَ؟ فأَيُّ شَيْءٍ نَبْغِي فَوْقَ هَذَا الْإِكْرَامِ؟.
قولُهُ: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} الْمِيرَةُ ـ بِكَسْرِ الْمِيمِ بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ: هِيَ الطَّعَامُ الْمَجْلُوبُ. ومَارَ الرَّجُلُ أَخَاهُ يَمِيرُهُ مَيْرًا إِذَا أَتَاهُ بِمِيرَةٍ، أَيْ بِطَعَامٍ، وَمِنْهُ يُقَالُ: فلانٌ مَا عِنْدَهُ خَيْرٌ وَلَا مَيْرٌ.
قولُهُ: {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} أيْ: هو كَيْلٌ يَسِيرٌ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الْمُحْسِنِ لِكرَمِهِ وسَخَاءِ يَدِهِ وَلحِرْصِهِ عَلَى الْبَذْلِ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ واخْتارهُ الزَّجَّاجِ. أوَ هو قَصِيرُ الْمُدَّةِ فمِثْلُهُ لا تَطُولُ مُدَّةُ كيلِهَ بِالْحَبْسِ وَالتَّأْخِيرِ. أوْ أَنْ الْمُرَادَ ذَلِكَ الَّذِي يُكالُ لنا دُونَ أَخِينَا شَيْءٌ يَسِيرٌ قَلِيلٌ فَابْعَثْ أَخَانَا مَعَنَا حَتَّى يكْثُرَ كيلُنا، والأَوَّلُ أَقوى.
قولُهُ تعالى: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ. و "لمَّا" حَرْفُ شَرْطٍ غيرُ جازمٌ. "فَتَحُوا" فِعْلٌ ماضٍ مبني على الضمِّ لاتِصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ، فاعلُهُ، والألفُ هي الفارقةُ، والجُملةُ في محلِّ الجزمِ فعلُ شَرْطٍ لِ "لَمَّا". و "متاعَهمْ" متاعَ: مفعولٌ بهِ مَنْصوبٌ، وهو مضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ للجَمْعِ المُذَكَّرِ.
قولُهُ: {وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ} فِعْلٌ ماضٍ مبني على الضمِّ لاتِصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ، فاعلُهُ، والأَلِفُ هِيَ الفارقةُ، والجُملةُ في محلِّ الجزمِ جوابُ شَرْطٍ لِ "لَمَّا". و "بِضَاعَتَهُمْ" مفعولٌ أَوَّلُ لِ "وَجَدَوا" منصوبٌ وهو مضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ علامةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ. و "رُدَّتْ" فعْلٌ ماضٍ مُغَيَّرُ الصِيغَةِ (مبنيٌّ للمجهولِ)، والتاءُ الساكنةُ لتأْنيثِ الفاعلِ، ونائبُ فاعِلِهِ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ تقديرُهُ "هي" يَعودُ عَلى البِضاعَةِ. و "إِلَيْهِمْ" إلى: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ والميمُ علامةُ الجمعِ المُذكّرِ، والجملةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ ثانٍ لِ "وجدوا" أَوْ حَالٌ مِنَ البِضَاعَةِ. وجُمْلَةُ "لمَّا" من فعلِ شَرْطِها وجوابها مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} قَالُوا: فِعْلٌ ماضٍ مبني على الضمِّ لاتِصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ، فاعلُهُ، والأَلِفُ هِيَ الفارقةُ، والجُملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "يَا" أداةُ نداءٍ لمتوسِّطِ البعدِ، و "أَبَانَا" مَنصوبٌ على النداءِ مُضافٌ، وعلامةُ نصبهِ الألفُ لأنَّهُ من الأسماءِ الخمسةِ، و "نا" ضميرُ جماعةِ المتكلِّمينَ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليه، وجُمْلَةُ النِّداءِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ لِ "قَالُوا". و "مَا" اسْتِفْهامِيَّةٌ في مَحَلِّ النَّصْبِ، مفعولٌ مُقَدَّمٌ وُجُوبًا، و "نَبْغِي" فعلٌ مُضارِعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مقدَّرةٌ على آخرِهِ لثِقَلِ ظهورِها على الياءِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مسْتَتِرٌ وُجُوبًا تقديرُهُ "نحن" يَعُودُ عَلَى إِخْوَةِ يُوسُفَ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ مقولَ القولِ لِ "قَالُوا" جَوابُ النِّداءِ.
قولُهُ: {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} هذه: الهاءُ: للتنبيهِ، و "ذِه" اسمُ إشارةٍ للمفردِ المؤنَّثِ مبنيٌّ على الكَسْرِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ. و "بضاعتُنا" خَبَرٌ مرفوعٌ مُضافٌ، و "نا" ضميرُ جماعةِ المتكلِّمينَ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليهِ، والجُمْلَةُ الإسميَّةُ هذهِ مُسْتَأْنَفَةٌ مُوَضِّحَةٌ لِجُمْلَةِ قولِهِ: {مَا نَبْغِي} لا محلَّ لها منَ الإعرابِ. و "رُدَّتْ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ (مُغَيَّرُ الصِّيغَةِ)، ونائبُ فاعِلِهِ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا، تقديرُهُ "هي" يَعودُ عَلَى البِضاعَةِ. و "إِلَيْنَا" إلى: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، و "نا" ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ، والجُملةُ الفِعْلِيَّةُ هذه في مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ "بِضَاعَتُنَا".
قولُهُ: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا}: الواوُ: للعطفِ، و "نَميرُ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضَمَيرٌ مُستترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ "نحنُ" يَعودُ عَلَى إِخْوَةِ يُوسُفَ، و "أهلَنا" مفعولٌ بهِ منصوبٌ وهو مضافٌ، و "نا" ضميرُ جماعة المتكلِّمينَ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليه. والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذوفَةٍ تَقْديرُها: نَسْتَعينُ بِها ونَمِيرُ أَهْلَنَا.
قولُهُ: {وَنَحْفَظُ أَخَانَا} والواوُ: عاطفةٌ، و "نحفظُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ وجوبًا تقديرُهُ "نحنُ" يَعودُ عَلى إِخْوَةِ يُوسُفَ، و "أخانا" مفعولٌ به منصوبٌ وعلامةُ نَصْبِهِ الألفُ لأنَّهُ مِنَ الأسماءِ الخمسَةِ، وهو مُضافٌ، و "نا" ضميرُ المتكلِّمينَ في محلِّ الجرِّ بالإضافَةِ إليهِ، والجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا.
قولُهُ: {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ وجوبًا تقديرُهُ "نحنُ" يَعودُ عَلى إِخْوَةِ يُوسُفَ، و "كيلَ" منصوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ مُضَافٌ، و "بَعيرٍ" مَجْرورٌ بالإضافةِ إليهِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى ما قَبْلَها. و "بَعِير" اسْمٌ جامِدٌ للجَمَلِ البازِلِ يُطْلَقُ على الذَّكَرِ والأُنْثَى، جَمْعُهُ (بُعْران) بضمّ الباءِ، و(أَبْعِرَة) وجَمْعُ الجَمْعِ (أَباعِرَ) و (أباعير)، والأَوْزانُ عَلَى التَوالي (فَعيل) بِفَتْحِ الفاءِ، و (فعلان) بِضَمِّها، و (أَفعِلَةٌ)، و (أَفاعِل)، و (أفاعيل).
قولُهُ: {ذَلِكَ كَيْلٌ} ذا: اسمُ إشارةٍ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ، مُبْتَدَأٌ، واللامُ للبعدِ والكافُ للخطابِ. و "كيلٌ" خَبَرُهُ مرفوعٌ. و "يَسِيرٌ" صِفَتُهُ. وهذه الجملة مُسْتَأْنَفَةٌ في حَيِّزِ القَوْلِ، لا مَحَلَّ لَها منَ الإعرابِ.
المزاج
الأربعاء نوفمبر 09, 2016 3:41 pm