روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 31

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 31 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 31 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 31   فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 31 I_icon_minitimeالأربعاء يوليو 13, 2016 6:12 pm

فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 31


فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)


قولُهُ ـ تعالى شأْنُه: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} فَلَمَّا سَمِعَتْ امْرَأَةُ العَزِيزِ مَقَالَةَ نِسْوَةِ الكُبَرَاءِ التِي أَرَدْنَ بِهَا إِغْضَابَهَا ليُغْرِيَهَا ذلك بِعَرْضِهَا يوسُفَ، عَلَيهِنَّ، فيَعْذُرْنَها فيما افْتُتِنَتْ بِهِ مِنْ جمالٍ، ولذلك أَطْلَقَ عَلَى كَلَامِهِنَّ اسْمَ الْمَكْرِ، وَقِيلَ: سمي مكرًا لِأَنَّهُنَّ قُلْنَهُ خُفْيَةً فَأَشْبَهَ الْمَكْرَ، أوَ أَنْه أُطْلِقَ عَلَى قَوْلِهِنَّ اسْمُ الْمَكْرِ لِأَنَّهُنَّ قُلْنَهُ فِي صُورَةِ الْإِنْكَارِ وَهُنَّ يُضْمِرْنَ حَسَدَهَا عَلَى اقْتِنَاءِ مِثْلِهِ، إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّغَفُ بِالْعَبْدِ فِي عَادَتِهِمْ غَيْرَ مُنْكَر، وَمَا يَتَحَدَّثْنَ بِهِ عَنْ ذَهَابِ الحُبِّ بِهَا كُلَّ مَذْهَبٍ. فقد أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِم، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعالى: "فَلَمَّا سَمِعت بمكرهنَّ" قَالَ: بِحَديثِهِنَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أبي حَاتِمٍ، عَن سُفْيَان ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ سبحانَهُ: "سَمِعت بِمَكْرِهِنَّ" قَالَ: بِعَمَلِهِنَّ. وَقَالَ: كُلُّ مَكْرٍ فِي الْقُرْآنِ الكريمِ فَهُوَ عَمَلٌ. وكان مِنْ حَقِّ هذا الفعلِ "سَمِعَ" أَنْ يُعَدَّى إِلَى الْمَسْمُوعِ بِنَفْسِهِ، فَتَعْدِيَتُهُ بِالْبَاءِ هُنَا إِمَّا لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى أُخْبِرَتْ، كَقَوْلِهم: (تَسْمَعُ بِالْمُعِيدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ) أَيْ: تُخْبَرُ عَنْهُ. وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ مَزِيدَةً لِلتَّوْكِيدِ كما هي في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} الآية: 6، من سُورَة الْمَائِدَة.
قولُهُ: {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ تَدْعُوهُنَّ إِلَى مَنْزِلِهَا لِتُضَيِّفَهُنَّ، وَأَعَدَّتْ لَهُنَّ مَفَارِشَ وَأَرَائِكَ، وَطَعَامًا، مِمَّا يُقَطَّعُ بِالسَّكَاكِينِ عادةً، فقِيلَ: أَحْضَرَتْ لَهُنَّ أُتْرُجًّا وَمَوْزًا. قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: فِي كُلِّ مَجْلِسٍ جَامٌ فِيهِ عَسَلٌ، وَأُتْرُجٌّ وَسِكِّينٌ حَادٌّ.
قولُهُ: {أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} أَيْ: أَحْضَرَتْ لَهُنَّ نَمَارِقَ يَتَّكِئْنَ عَلَيْهَا لِتَنَاوُلِ طَعَامٍ. رَوَى سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْمُتَّكَأُ مُثَقَّلًا هُوَ الطَّعَامُ، وَهذا عَلَى تَقْدِيرِ: طَعَامٌ مُتَّكَأٌ. وَالْمُتْكُ مُخَفَّفًا هُوَ الْأُتْرُجُّ، قَالَ الشَّاعِرُ:
نَشْرَبُ الْإِثْمَ بِالصُّوَاعِ جِهَارًا ............... وَتَرَى الْمُتْكَ بَيْنَنَا مُسْتَعَارًا
وَالْمُتْكُ هُوَ الْأُتْرُجُّ بِلُغَةِ الْقِبْطِ. وَقَدْ تَقُولُ أَزْدُ شَنُوءَةَ: الْأُتْرُجَّةُ الْمُتْكَةُ، الْمُتْكُ أيضًا مَا تُبْقِيهِ الْخَاتِنَةُ. وَالْمَتْكَاءُ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي لَمْ تُخْفَضْ. قَالَ الْفَرَّاءُ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّ الْمُتْكَ مُخَفَّفًا الزُّمَاوَرْدُ وهو "رقائقُ باللحم". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ الْأُتْرُجُّ، حَكَاهُ الْأَخْفَشُ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: أُتْرُجًّا وَعَسَلًا يُؤْكَلُ بِهِ، قال جَميلُ بْنُ مُعَمَّرٍ:
فظلنا بِنِعْمَةٍ وَاتَّكَأْنَا ......................... وَشَرِبْنَا الْحَلَالِ مِنْ قُلَلِهِ
وشربنا الحلالَ: أَكَلْنَاه. وأَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ مَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَجْلِسًا، وأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عن سفيان ـ رَضِي اللهُ عَنهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً" قَالَ: هَيَّأَتْ لَهُنَّ مَجْلِسًا. وَأَخْرَجَ مُسَدَّدٌ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ ابنِ عبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قالَ: الْمُتَّكَأُ: الْأُتْرُنْجُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مُتَّكَأً قَالَ: طَعَامًا. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ: هُوَ الْأُتْرُنْجُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: هُوَ كُلُّ شَيْءٍ يُقْطَعُ بِالسِّكِّينِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ. وَكَانَ من عادةِ أَهْلِ التَّرَفِ أنْ يَأْكُلُوا مُتَّكِئِينَ، كَمَا كَانَتْ عَادَةُ الرُّومَانِ كذلك. وَقد أَباها نَبِيُّنا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونهى عنها فقَالَ: ((أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا)). أَخرَجَهُ الإمامُ البُخاريُّ في صحيحِه مِنْ حديثِ أَبي جُحَيْفَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، برقم: (5398). وأَخرجَهُ كذلك الأئمَّةُ: أبو داودَ، والترمذيُّ، والبيهقيُّ. وَكَانَ هذَا مَكِيدَةً منها، وَمُقَابَلَةً لَهُنَّ عَلَى كَيْدِهِنَّ. وَأَصْلُ أَعْتَدَتْ: أَعْدَدَتْ، أُبْدِلَتِ الدَّالُ الْأُولَى تَاءً، وَالْمُتَّكَأُ: مَحَلُّ الِاتِّكَاءِ. وَالِاتِّكَاءُ: جَلْسَةٌ قَرِيبَةٌ مِنَ الِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَنْبِ مَعَ انْتِصَابٍ قَلِيل فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى منَ الجِسمِ. وَإِنَّمَا يَكُونُ الِاتِّكَاءُ إِذَا أُرِيدَ إِطَالَةُ الْمُكْثِ وَالِاسْتِرَاحَةِ.
قولُهُ: {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} وَأَمرت بإعطاءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِينًا لِتَسْتَعْمِلَهُ في قَشْرِ الثِّمارِ وتَقطيعِها. ولم يُذْكَرْ ذَلِكَ جريًا على عادةِ القرآنِ الكريم في البَلاغةِ والإيجازِ. وكَانَ سُنَّتُهُمْ إِذَا وَضَعُوا الْمَائِدَةَ أَعْطَوْا كُلَّ إِنْسَانٍ سِكِّينًا يَأْكُلُ بِهَا. فَحَضَرْنَ وَاتَّكَأْنَ وأَخَذْنَ بِتَقْشيرِ الفاكهةِ وتقطيعِها وتَناوُلِها، وَقَدْ حَذَفَ هَذَا َكُلُّهُ إِيجَازًا أَيضًا كما هو الأسلوبُ القرآنيُّ الرفيعُ البليغُ.
قولُهُ: {وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} ثُمَّ دَعَت يُوسُفَ إِلَى الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ. وَهذا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ فِي بَيْتٍ آخَرَ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا. وَقد عُدِّيَ فِعْلُ الْخُرُوجِ بِ "عَلَى" لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى: "ادْخُلْ" لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دُخُولُهُ عَلَيْهِنَّ لَا مُجَرَّدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ.
قولُهُ: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} فَلَمَّا رَأَتْهُ النِّسْوَةُ أَعْظَمْنَ شَأْنَهُ، وَأَجْلَلْنَ قَدْرَهُ، أَيْ أَعَظَمْنَ جَمَالَهُ وَشَمَائِلَهُ، فَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلْعَدِّ، أَيْ أَعْدَدْنَهُ كَبِيرًا، وَأُطْلِقَ الْكِبَرُ عَلَى عَظِيمِ الصِّفَاتِ تَشْبِيهًا لِوَفْرَةِ الصِّفَاتِ بِعِظَمِ الذَّاتِ. وَجَعَلْنَ يَجْرَحْنَ أَيْدِيهِنَّ من فرطِ انْدِهَاشِهِنَّ بِرُؤْيَتِهِ، فقد ذهلْنَ عَنْ أَنْفُسِهِنَّ فلم يَشْعُرْنَ بِما يَفْعَلْنَ في أَيْديهِنَّ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ مَجَازًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي شِدَّتِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَطَعَ قِطْعَةً مِنْ لَحْمِ الْيَدِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ سُفيان ـ رَضِي اللهُ عَنهُ، فِي قَوْلِهِ: "فَلَمَّا رَأَيْنَهُ" قَالَ: فلمَّا خَرَجَ عَلَيْهن يُوسُفُ أَكْبَرْنَهُ، قال: أعظمْنَهُ وَنَظَرْنَ إِلَيْهِ، وَأَقْبَلْنَ يُحَزِّزْنَ أَيْدِيَهُنَّ بِالسَّكَاكِينِ وَهُنَّ يَحْسَبْنَ أَنَّهُنَّ يُقَطِّعْنَ الطَّعَامَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضيَ اللهُ عنهما، وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً قَالَ: أَعْطَتْهُنَّ أُتْرُنْجًا، وَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا، فَلَمَّا رَأَيْنَ يُوسُفَ أَكْبَرْنَهُ، وَجَعَلْنَ يُقَطِّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَهُنَّ يَحْسَبْنَ أَنَّهُنَّ يُقَطِّعْنَ الْأُتْرُنْجَ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَاتَ مِنَ النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ تِسْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً كَمَدًا. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طريق عبد العزيز ابن الْوَزِيرِ بْنِ الْكُمَيْتِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ قال: أَمْنَيْنَ، وأَنْشَدَ بيت الكُميْتِ الأسديِّ:
وَلَمَّا رَأَتْهُ الْخَيْلُ مِنْ رَأْسٍ شَاهِقٍ ......... صَهَلْنَ وَأَمْنَيْنَ الْمَنِيَّ الْمُدَفَّقَا
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنهم، فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ عَلَيْهِنَّ يُوسُفُ حِضْنَ مِنَ الْفَرَحِ وَذَكَرَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
نَأْتِي النِّسَاءَ لَدَى أَطْهَارِهِنَّ وَلا .......... نَأْتِي النِّسَاءَ إِذَا أَكْبَرْنَ إِكْبَارًا
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وابْنُ أَبي حاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "أَكْبَرْنَهُ" قَالَ: أَعْظَمْنَهُ. وَ "قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ" قَالَ: حَزًّا بِالسِّكِّينِ حَتَّى أَلْقيْنَها.
قولُهُ: {وَقُلْنَ حَاشَ للهِ مَا هَذَا بَشَرًا} أَيْ قَالَتْ لَهُنَّ: أَنْتُنَّ فَعَلْتُنَّ هَذا مِنْ نَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَكَيْفَ أُلاَمُ أَنَا؟ فَقُلْنَ لاَ لَوْمَ عَلَيْكِ بَعْدَ الذِي رَأَيْنَا، فَهَذَا لَيْسَ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ، وحاشَ للهِ تَرْكِيبٌ عَرَبِيٌّ جَرَى مَجْرَى الْمَثَلِ يُرَادُ مِنْهُ إِبْطَالُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ وَبَرَاءَتُهُ مِنْهُ. وَأَصْلُ (حَاشَا) فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَاعَدَةِ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْحَرْفِ فَيُجَرُّ بِهِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيُقْتَصِرُ عَلَيْهِ تَارَةً. وَقَدْ يُوصَلُ بِهِ اسْمُ الْجَلَالَةِ فَيَصِيرُ كَالْيَمِينِ عَلَى النَّفْيِ يُقَالُ: حَاشَا اللهَ، أَيْ أُحَاشِيَهُ عَنْ أَنْ يَكْذِبَ، كَمَا يُقَالُ: لَا أُقْسِمُ. وَقَدْ تُزَادُ فِيهِ لَامُ الْجَرِّ فَيُقَالُ: حَاشَا للهِ وَحَاشَ للهِ، بِحَذْفِ الْأَلِفِ، أَيْ حَاشَا لِأَجْلِهِ، أَيْ لِخَوْفِهِ أَنْ أَكْذِبَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وابْنُ أَبي حاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "قُلْنَ حاشَ للهِ" قَالَ: مَعَاذَ اللهِ.
قولُهُ: {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} أَيْ: إِنَّمَا هُوَ أَحَدُ مَلائِكَةِ اللهِ المُكْرَمِينَ. فَشَبَّهْنَهُ بِوَاحِدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِطَرِيقَةِ حَصْرِهِ فِي جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ تَشْبِيهًا بَلِيغًا مُؤَكَّدًا. وكَانَ الْقِبْطُ يَعْتَقِدُونَ وُجُودَ مَوْجُودَاتٍ عُلْوِيَّةٍ هِيَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْوَاحِ الْعُلْوِيَّةِ، وَيُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِالْآلِهَةِ أَوْ قُضَاةِ يَوْمَ الْجَزَاءِ، وَيَجْعَلُونَ لَهَا صُوَرًا، وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يَتَوَخَّوْنَ أَنْ تَكُونَ ذَوَاتًا حَسَنَةً. وَمِنْهَا مَا هِيَ مُدَافِعَةٌ عَنِ الْمَيِّتِ يَوْمَ الْجَزَاءِ. فَأَطْلَقَ فِي الْآيَةِ اسْمَ الْمَلَكِ عَلَى مَا كَانَتْ حَقِيقَتُهُ مُمَاثِلَةً لِحَقِيقَةِ مُسَمَّى الْمَلَكِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تَقْرِيبًا لِأَفْهَامِ السَّامِعِينَ. وَهَذَا مِنْ تَشْبِيهِ الْمَحْسُوسِ بِالْمُتَخَيَّلِ، كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَيَقْتُلُنِي والمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي ............. ومَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كأَنْيَاب أغْوالِ
فإنَّ الشَّاعِرَ لَمْ يَرَ الغُولَ ولا أَنْيَابَها، ولكنَّ التَمْثيلَ بِمَا يُسْتَقْبَحُ أَبْلَغُ في بابِ المُذَكَّرِ أَنْ يُمَثَّلَ بالشّياطِينِ، وفي بابِ المُؤنَّثِ أَنْ يُشَبَّهَ بالغُولِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: "إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ" قَالَ: قُلْنَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ حُسْنِهِ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((أُعْطِيَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ شِطْرَ الْحُسْنِ))، وَقَدْ وَرَدَتْ رِوَايَاتٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ فِي وَصْفِ حُسْنِ يُوسُفَ وَالْمُبَالِغَةِ فِي ذَلِكَ، فَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ أُعْطِيَ نِصْفَ الْحُسْنِ، وَفِي بَعْضِهَا ثُلُثَهُ، وَفِي بَعْضِهَا ثُلُثَيْهِ. وَأخرج ابْنُ سَعْدٍ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ أُعطي يُوسُفُ وَأُمُّه ُثُلُثَ الْحُسْنِ. وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِر الْأُصُولِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أبي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ وَجْهُ يوسُفَ مثلُ الْبَرْقِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذا أَتَتْ لحَاجَةٍ سَتَرَ وَجهَهُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ بِهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِذا سَارَ فِي أَزِقَّةِ مِصْرَ تَلَأْلَأَ وَجْهُهُ عَلَى الجُدْرانِ كَمَا يَتَلَأْلَأُ المَاءُ وَالشَّمْسُ عَلى الجُدْرانِ. وَأَخرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الْحَسَنِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أُعْطِيَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ ثُلُثَ حُسْنِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَأُعْطِيَ النَّاسُ الثُّلثَيْنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ ـ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَسَّمَ اللهُ الْحُسْنَ عَشَرَةَ أَجزَاءٍ، فَجَعَلَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فِي حَوَّاءَ، وَثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فِي سارَةَ، وَثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فِي يُوسُفَ، وجزْءً فِي سَائِر الْخَلْقِ، وَكَانَتْ سارَةُ مِنْ أَحْسَنِ نِسَاءِ الأَرْضِ وَكَانَتْ مِنْ أَشَدِّ النِّسَاءِ غَيْرَةً.
قولُهُ تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} الفاءُ: عاطِفَةٌ. و "لمَّا" ظَرْفٌ بِمَعْنَى حِينَ مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ في مَحَلِّ نَصْبٍ مُتَعَلِّقٌ بِ "أَرْسَلَتْ". و "سَمِعَتْ" فعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، والتاءُ الساكنةُ لتأنيث الفاعل، وفاعلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيه جوازًا تقديرُهُ "هي" يَعودُ عَلَى امْرَأَةِ العَزيزِ. و "بِمَكْرِهِنَّ" جارٌّ ومَجْرورٌ مضافٌ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وضميرُ الغائباتِ "هُنَّ" مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ، والجُمْلَةُ فِعْلُ شَرْطٍ لِـ "لَمَّا".
قولُهُ: {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} أَرْسَلَتْ: فعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ والتاءُ الساكنةُ لتأنيثِ الفاعلِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هي" يَعودُ علَى امْرَأَةِ العزيزِ. و "إِلَيْهِنَّ" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَرْسَلَ"، والجُمْلَةُ جَوابُ "لَمَّا"، وجُمْلَةُ لَمَّا مَعْطوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ قولِهِ: "وَقَالَ نِسْوَةٌ".
قولُهُ: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكًأ} الوَاوُ: للعطف، و "أَعْتَدَتْ" مثل "أرسلت". و "لَهُنَّ" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِهِ. و "مُتَّكَأً" مَفعولٌ بِهِ منصوبٌ، والجُمْلَةُ مَعْطوفةٌ على جُمْلَةِ "أَرْسَلَتْ".
قولُهُ: {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} وآتت" مثلُ "وأَعْتَدَتْ" معطوفٌ عليهِ، و "كلَّ" مَفْعُولُهُ الأوَّلُ منصوبٌ به وهو مضافٌ، و "واحدةٍ" مجرورٌ بالإضافةِ إليه، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "أَرْسَلَتْ". و "مِنْهُنَّ" جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بصفَةٍ لِـ "واحدةٍ". و "سِكِّينًا" مَفْعولٌ ثانٍ.
قولُهُ: {وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} الواوُ: للعطفِ، و "قَالَتِ" مثلُ "أَرْسَلَتْ". و "اخْرُجْ" فِعْلُ أَمْرٍ، مبْنِيٌّ على السكونِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ "أنت" يَعودُ على يُوسُفَ ـ عليهِ السلامُ. و "عَلَيْهِنَّ" جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِهِ، وجملةُ "اخرجْ" في مَحَلِّ النَّصْبِ ب "قَالَ".
قولُهُ: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} الفاءُ: عاطفَةٌ. و "لمّا" ظَرْفٌ بِمَعْنَى حِينَ مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ في مَحَلِّ نَصْبٍ مُتَعَلِّقٌ بِ "رأينَ". و "رَأَيْنَهُ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرٍّكٍ ونونُ النسوةِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ رفعِ فاعِلُهُ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ نصبِ مَفعولِهِ، والجُمْلَةُ فِعْلُ شَرْطٍ لِـ "لَمَّا". و "أَكْبَرْنَهُ" مثلُ: رأَيْنَهُ، والجُمْلَةُ جَوابُ "لَمَّا"، وجملةُ "لَمَّا" هَذِهِ مَعْطوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "لمَّا" الأُولى على كونِها معطوفةً جملةِ "قَالَ نِسْوَةٌ". و "وَقَطَّعْنَ" الواوُ: للعطفِ و "قطَّعنَ" مثل "أكبرْنَ" معطوفةٌ عليها، و "أَيْدِيَهُنَّ" مَفْعولٌ بِهِ منصوبٌ مضافٌ، وضميرُ الغائباتِ "هُنَّ" متَّصلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليهِ، والجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "أَكْبَرْنَهُ" على كونِها جوابُ "لمّا".
قولُهُ: {وَقُلْنَ حَاشَ للهِ مَا هَذَا بَشَرًا} الوَاوُ: للعطفِ و "قُلْنَ" مثلُ "قطَّعن" معطوفٌ عليه. و "حَاشَ" فِعْلٌ ماضٍ بِمَعْنَى: "بَعُدَ" و "تَنَزَّهَ"، ويَتَصَرَّفُ مِنْهُ المُضارِعُ أُحاشِي، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيه جوازً تقديرُهُ "هو" يَعودُ عَلَى يُوسُفَ ـ عليه السلامُ. و "للهِ" اللامُ حرفُ جرٍّ للتَعْليلِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "حَاشَ" ولفظُ الجلالةِ "الله" اسمٌ مجرورٌ بهِ، والمَعْنَى: بَعُدَ يوسفُ عَنِ المَعْصِيَةِ لأَجْلِ طاعَةِ اللهِ تَعَالى، وخَوْفِهِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في محلَّ النَّصْبِ مقولُ "قُلْنَ". و "مَا" نافِيَةٌ تَعْمَلُ عَمَلَ "ليس". و "هَذَا" اسْمُ إشارةٍ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ اسمِها. و "بَشَرًا" خَبَرُها منصوبٌ بها، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقوْلِ ل "قُلْنَ".
قولُهُ: {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} إِنْ: نافِيَةٌ. و "هَذَا" اسمُ إشارةٍ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالابتِداءِ. و "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْناءٍ مُفَرَّغٍ. وحصر. و "مَلَكٌ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ. و "كَرِيمٌ" صفَةُ "مَلَكٌ"، والجُملَةُ الاسْمِيَّةُ هذه، في محلِّ النَّصْبِ بالقولِ ل "قُلْنَ".
قرأ العامَّةُ: {مُتَّكَئًا} بضَمِّ الميمِ وتَشديدِ التاءِ، وفَتْحِ الكافِ وبالهمزِ، وقرأَ أبو جعفر والزُهريُّ "مُتَّكَا" بتشْديدِ التاءِ دون هَمْزٍ، فإمَّا أنْ يكونَ أصلُه "مُتَّكَأ" كقراءَةِ العامَّةِ وإنَّما خُفِّفَ هَمْزُهُ كَما في قَولِهم "تَوَضَّيْتُ" في "تَوَضَّأْتُ"، فصارَ بِزِنَةِ مُتَّقَى. وإمّا أَنْ يَكونَ مُفْتَعَلًا مِنْ أَوْكَيْتُ القِرْبة إذا شَدَدْتُ فاها بالوِكاء، كما خرَّجَهُ أبو الفتحِ عثمانُ بْنُ جنِّي، فالمَعنَى: أَعْتَدَتْ شيئًا يَشْتَدِدْنَ عَليْه: إمَّا بالاتِّكاء وإمَّا بالقَطْعِ بالسِكِّينِ. وقرَأَ الحَسَنُ بْنُ أبي الحَسَنِ وابْنُ هُرْمُز "مُتَّكاءً" بالتشديدِ والمَدِّ، وهيَ كَقِراءَةِ العامَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ أَشْبَعَ الفَتْحَةَ فتَولَّدَ مِنْها أَلِفٌ كَقولِ ابْنِ هَرْمَةَ يَرْثي ابْنَهُ:
فَأنْتَ مِنَ الْغَوَائِلِ حِينَ تُرْمَى .................. وَمَنْ ذَمِّ الرِّجَالِ بِمُنْتَزَاحِ
أَيْ: بِمُنْتَزَح. وكَقَوْلِ طَرَفَةَ بْنِ العَبْدِ:
يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ .............. زَيَّافَةٍ مِثْلِ الْفَنِيقِ المُكْدَمِ
أي: يَنْبَعُ، وكَقَوْلِ الراجِزِ:
أَعوذُ بالله مِنَ العَقْرابِ ...................... الشَّائِلاتِ عُقَدَ الأَذْنابِ
أَيْ: العَقْرَبُ الشائلَةُ. وقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وابْنُ عُمَرَ ومُجاهِدٌ وقَتَادَةُ والضَّحَّاكُ والجَحْدَرِيُّ وأَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ "مُتْكَاً" بِضَمِّ المِيمِ وسُكونِ التَّاءِ وتنوينِ الكافِ، وكذلكَ قَرَأَ ابْنُ هُرْمُزٍ وابْنُ مَسعودٍ ومُعاذٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهم، إِلَّا أَنَّهُما فَتَحا الميمَ. والمُتْكُ و المَتْكُ الأُتْرُجُّ، أو الأُتْرُنْجُ لغتان.
قرأَ العامَّةُ: {حاشَ} بحذف الألفِ الأخيرةِ وصلاً ووقفًا، مُتَّبِعينَ في ذلك الرَّسْمَ، ولمَّا طالَ اللَّفْظُ حَسُنَ تَخْفيفُهُ بالحَذْفِ ولا سِيَّمَا عَلَى قولِ مَنْ يَدَّعي فِعْلِيَّتَها، كالفارسِيِّ حيثُ قالَ: (وأمَّا حذفُ الألف فعلى "لم يَكُ" يريدُ: لم يكن، و "لا أَدْرِ" يريد: لا أَدْرِي، و "لَوْ تَرَ أَهْلَ مَكَّةَ" يريدُ: ولو ترى، وكقولِ رُؤْبَةَ بْنِ العَجَّاجِ: "وَصَّانيَ العَجَّاجُ فيما وَصَّني" يُريدُ وَصَّانِي. وقالَ أَبو عُبَيْدٍ: رَأَيْتُها في الذي يُقالُ: إِنَّهُ الإِمامُ مُصْحَفُ عُثْمانَ ـ رَضِيَ الله عَنْهُ: "حاش للهِ" بِغَيْرِ أَلِفٍ، والأُخْرَى مِثْلُها". وحَكَى الكِسَائيُّ أَنَّهُ رآها في مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ كَذلِكَ، قالوا: فَعَلى ما قالَ أَبو عُبَيْدٍ والكِسائيُّ تُرَجَّحَ هَذِهِ القِراءَةُ، ولأَنَّ عَلَيْها سِتَّةً مِنَ السَّبْعَةِ، ونَقَلَ الفَرَّاءُ أَنَّ الإِتْمامَ لُغَةُ بَعْضِ العَرَبِ، والحَذْفُ لُغَةُ أَهْلِ الحِجازِ، قالَ: ومِنْ العرَبِ مَنْ يَقولُ: "حَشَى زَيْدٍ"، أراد "حشى لزيد". فقد نَقَلَ الفَرَّاءُ أَنَّ اللُّغاتِ الثَلاثَ مَسْموعَةٌ، ولكنَّ لُغَةَ الحِجازِ مُرَجَّحَةٌ عِنْدَهم. وقَرَأَ أَبو عَمْرٍو وحدَهُ "حاشى" بأَلِفَيْنِ: أَلِفٍ بعدَ الحاءِ، وأَلِفٍ بعدَ الشِّينِ في كَلِمَتَيْ هَذِهِ السُّورَةِ وَصْلًا، وبِحَذْفِها وَقْفًا إِتْباعًا للرَّسْمِ، فإنَّهُ جاءَ فيها بالكَلِمَةِ عَلَى أَصْلِها. وقرَأَ الأعمشُ في طائفةٍ "حَشَى لِلَّهِ" بحذفِ الأَلِفَيْنِ وقدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الفَرَّاءَ حَكاها لُغَةً عَنْ بَعْضِ العَرَبِ، وعَلَيْهِ قولُ الشاعرِ:
حَشَى رَهْطِ النَّبِيِّ فإنَّ مِنهمْ ................... بُحُورًا لا تُكَدِّرُها الدِّلاءُ
وقرأ أُبَي وعبدُ اللهِ ـ رضي اللهُ عنهما، "حاشى اللهِ" بِجَرِّ الجَلالَةِ، وفيها وجهانِ، أَحَدُهُما: أَن تَكونَ اسْمًا مُضافًا للجَلالَةِ نَحوَ: "سبحانَ اللهِ" وهوَ اخْتِيارُ الزَمَخْشَريِّ. الثاني: أَنَّهُ حَرْفُ اسْتِثْنَاءٍ جُرَّ بِهِ مَا بَعْدَهُ، وإِلَيْهِ ذَهَبَ الفارسِيُّ، وفي جَعْلِهِ "حاشَى" حَرْفَ جَرٍّ مُرادًا بِهِ الاسْتِثْنَاءُ نَظَرٌ، إذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ في الكَلامِ شَيْءٌ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الاسْمُ المُعَظَّمُ بِخِلافِ "قامَ القومُ حاشَى زَيْد". وقرأَ الحَسَنُ "حاشْ" بِسُكونِ الشّينِ وَصْلًا وَوَقْفًا كأَنَّهُ أَجْرَى الوَصْلَ مُجْرَى الوَقْفِ. ونَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ الحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ: "حاشَى الإِلَهُ" أيْ: أَنَّهُ قَرَأَ بِحَذْفِ الأَلِفِ الأَخيرَةِ، وهذا يدلُّ على أَنَّهُ حَرْفُ جَرٍّ يَجُرُّ ما بَعْدَهُ، فأمَّا "الإِله" فإنَّهُ فَكَّهُ عَنِ الإِدْغامِ، وهوَ مَصْدَرٌ أُقيمَ مُقامَ المَفْعولِ، ومَعْنَاهُ المَعْبودُ، وحُذِفَتِ الأَلِفُ مِنْ "حاشى" للتَّخْفيفِ.
قرأَ العامَّةُ: {مَا هذا بَشَرًا} بإِعْمالِ "ما" عَلى لُغَةِ أهلِ الحِجازِ، وهي اللُّغَةُ الفُصْحَى، ولُغَةُ تَميمٍ الإِهمالُ، وهيَ قراءةُ ابْنِ مَسْعودٍ ـ رضي اللهُ عنه، فإنَّه قرأَ "بَشَرٌ" بالرَّفْعِ وادِّعاءُ ابْنِ عَطِيَّة أَنَّه لم يُقرأْ بِها غَيْر مُسَلَّم بِهِ. وقد قرأَ العامَّة أيضًا: "بَشَرًا" بِفَتْحِ الباءِ عَلى أَنَّها كَلِمَةٌ واحِدَةٌ. وَقَرَأَ الحَسَنُ وأَبو الحُوَيْرِثِ الحَنَفِيُّ "بِشِرَى" بِكَسْرِ الباء، وهي باءُ الجَرِّ دخلت على "شِرى" فهما كَلِمَتانِ جارٌّ ومَجرورٌ، وفيها تأويلاتٌ، إحْداها: ما هذا بِمُشْتَرى، فوَضَعَ المَصْدَرَ مَوْضِعَ المَفْعولِ بِهِ كَ "ضَرْبُ الأَمير". الثانية: ما هذا بِمُباعٍ، فهو أَيْضًا مَصْدَرٌ واقعٌ مَوقِعَ المَفْعولِ بِهِ إِلَّا أَنَّ المَعْنَى يَخْتَلِفُ. والثالثةُ: ما هذا بِثَمَنٍ، يَعْنِين أَنَّهُ أَرْفَعُ مِنْ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهِ شيْءٌ مِنْ هذِهِ الأَشْياءِ. وروى عبدُ الوارِثِ عَنْ أَبي عَمْرٍو كَقِراءَةِ الحَسَنِ وأَبي الحُوَيْرِثِ إِلَّا أَنَّهُ قَرَأَ عَنْهُ "إلَّا مَلِكٌ" بِكَسْرِ اللامِ واحِدِ المُلوكِ، نَفَوا عَنْه ذُلَّ المَماليكِ وأَثْبَتوا لَهُ عِزَّ المُلوكِ. وذَكَرَ ابْنُ عَطيَّة كَسْرَ اللامِ عَنِ الحَسَنِ وأَبي الحُوَيْرِثِ. وقالَ أَبو البَقاءِ: وعلى هذا قُرِئ "مَلِكٌ" بكسْرِ اللامِ، كأَنَّهُ فهِمَ أَنَّ مَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الياءِ قَرَأَ بِكَسْرِ اللامِ أَيْضًا للمُنَاسَبَةِ بَيْنَ المَعْنَيَيْنِ، ولم يَذْكُرِ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذِهِ القِراءَةَ مَعَ كَسْرِ الباءِ البَتَّةَ، بَلْ يُفهمُ مِنْ كلامِهِ أَنَّه لم يَطَّلِعْ عَلَيْها فإنَّهُ قالَ: وقرِئَ، ما هذا بِشِرَى، أَيْ ما هو بِعَبْدٍ مَمْلُوكٍ لَئيمٍ، إنْ هَذا إِلَّا مَلَكٌ كَريمٌ، تقولُ: هذا بِشِرَى أَيْ: حاصلٌ بِشِرَى بِمَعْنَى يُشْتَرَى، وتقول: هذا لَكَ بِشِرَى أَمْ بِكِرا؟ والقراءةُ هي الأُوْلى لِمَوافَقَتِها المُصْحَفَ ومُطابَقَةِ "بشر" ل "مَلَك".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 31
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: