فيضُ العليم ... سورة هود، الآية: 99
وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
قولُهُ ـ سبحانَهُ وتَعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} وأُتْبِعَ المَلأُ الذين اتَّبعوا فرعونَ، أَيْ: أَنَّ اللَّعْنَةَ قد أُلْحِقَتْ بِهِمْ وبَقِيَتْ لَهم، فما زِالَ المُسْلِمونَ يَلْعَنُونَهم إلى يومِ القيامة، كلما ذكروهم أو قرأوا قصَّتهم، وسيصيرونَ إلى اللَّعْنَةِ الكُبْرى في الآخرةِ، حيثُ يُطْرَدونَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ وجنَّتِهِ ويُحرمونَ نعيمَها، ويُدْخَلونَ نارَهُ فيصلونَ جَحَيمَها ويَلْقَوْنَ عَذَابَهُ جزاءَ كُفْرِهِم بربِّهم ومولاهم، ومعصيةِ رسولِهِ إليهم، وتأليههم فرعونَ و طاعتِهِ اتِّباعَهُ.
قولُهُ: {بِئْسَ الرفد المرفود} يذمُّ اللهُ تعالى ما يصير إِليْهِ في الآخرة، هؤلاءِ الفَجَرَةِ الكَفَرَةِ، وما يحصلونَ عليه ويَحْصُدونَهُ، وما يُعْطَوْنَهَ في الآخرةِ ويُرْفَدونَه، والرِّفْدُ: هوَ العَطَاءُ، فهَلْ تُعَدُّ اللَّعْنَةُ في الآخِرَةِ عَطَاءً؟ إنَّه التَهَكُّمُ بهم والُخريةُ مِنْهم، وهو كقوْلِهِ تَعالى في الآية السابقةِ لها: {وَبِئْسَ الوِرْدُ الموْرودُ}. وأَصْلُ الرِّفْدِ: العَطاءُ والمَعونَةُ، كما قالَ الليْثُ، ومنه رِفادَةُ قُرَيْشٍ للحَجيجِ، ورَفَدْتُه أَرْفِدُه رِفْدًا ورَفْدًا بِكَسْرِ الرَّاءِ وفَتْحِها: أَعْطَيْتُهُ وأَعَنْتُه. وقيلَ: بالفَتْحِ مَصْدَرٌ، وبالكَسْرِ اسْمٌ، نحوَ: الرِّعْيِ والذِّبْحِ. ورَفَدْتُ الحائِطَ: دَعَمْتُه، وهوَ مِنْ مَعْنَى الإِعانَةِ. وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ الرِّفْدُ، أَيْ بِئْسَ الْعَطَاءُ وَالْإِعَانَةُ. وَالرِّفْدُ أَيْضًا الْقَدَحُ الضَّخْمُ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَالتَّقْدِيرُ: بِئْسَ الرِّفْدُ رِفْدُ الْمَرْفُودِ. وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَنَّ الرَّفْدَ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْقَدَحُ، وَالرِّفْدِ بِكَسْرِهَا مَا فِي الْقَدَحِ مِنَ الشَّرَابِ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، فَكَأَنَّهُ ذَمَّ بِذَلِكَ مَا يَسْقُونَهُ فِي النَّارِ. وَقالَ الكَلْبِيُّ: إِنَّ الرِّفْدَ هو الزِّيَادَةُ، أَيْ بِئْسَ مَا يَرْفِدُونَ بِهِ، فبَعْدَ الغَرَقِ في اليَمِّ النَّارُ في الآخرةِ والعذابُ والهوانُ. وإطلاقُ الرِّفْدِ عَلى اللَّعْنَةِ اسْتِعَارَةٌ تَهَكُّمِيَّةٌ، كَقَوْلِ أبي ثورٍ، عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الزُّبَيْدِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ:
وخيلٍ قدْ دَلَفْتُ لَها بِخَيْلٍ ................... تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ
قولُهُ تَعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} وَأُتْبِعُوا: الواوُ: للاستِئنافِ، و "أُتبعُوا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، مبنيٌّ على الضمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعة، والواوُ: ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ نائبِ فاعلِهِ، والألفُ هي الفارقةُ، وهذه الجملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لهاِ مِنَ الإعْرابِ. و "فِي" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أُتْبِعوا" و " هَذِهِ" الهاءُ: حَرف تنبيه، و "ذِه" اسْمُ إِشارَةٍ مَبْنِيٌّ عَلى الكَسْرِ في مَحَلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ، و "لَعْنَةً" مَفْعولٌ به "ثانٍ" أمَّا الأوَّلَ فقد أصبحَ نائبًا للفاعِلِ. و "ويَوْمَ" الواوُ حرفُ عطفٍ، و "يومَ" مَنْصُوبٌ عَلَى الظَرْفيِّةِ الزمانيَّةِ، مَعْطوفٌ على الجارِّ قبلَهُ عَلَى كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِـ "أُتبعوا" مُقَدَّرًا؛ أَيْ: وأُتْبِعُوا يَوْمَ القَيامَةِ لَعْنَةً ثانيةً.
قولُهُ: {بِئْسَ الرِّفْدُ المَرْفودُ} مثلُ "بئسَ الوردُ المورودُ وقد تقدَّمَ في الآيةِ التي قبلَها.