عِيدُ الوُجود
لمناسبة ميلاد سيد الوجود: سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم.
فَجرُ السعادةِ مُسْفِرٌ لمّا بَدا
بحرُ الندى والجودِ مِصباحُ الهُدى
يومٌ به الدنيا زَهَتْ، أن بُشِّرتْ
بِأبرِّ مَولودٍ، فكانَ مُحَمَّدا
قد جاءها غَيثاً ونوراً هاديًا
ما أسعدَ الدنيا به، ما أسعدا
غَيْثٌ، ولا ماءُ السَّما إمَّا هَمَى
نُورٌ، ولا وجهُ الصَباحِ، تَوَرَّدا
بالضوءِ نُبصِرُ دربَنا وبِنورِهِ
تُهْدَى العقولُ لِتَستَنيرَ وترْشُدا
والماءُ إن أَحيا النَباتَ فأحمدٌ
أَحيا مَواتَ العالمين وسَدَّدا
يا يومَ مِيلادِ الرسولِ لكَ العُلا
جِئتَ الوُجودَ مُوَحِّداً فَتوحَّدا
فإذا الجميعُ على اختلافِ جُلودِهم
وجُدُودِهم أضحَوا سواءً مَحْتِدا
فأميرُهم وغَنِيُّهُم كَفَقيرِهِم
في الدينِ، آخى ذو البياضِ الأَسوَدا
والمؤمنون؛ وإن نأت أنسابُهم
هم إخوةٌ كيما تَشُدَّ يَدٌ يدا
فَلْيَسْمَعِ المُتَشَدِّقون، بأنَّهم
رُسُلُ الحَضارَةِ والعَدالة سَرْمَدا
ويُمَيِّزون، فليس في مِيزانِهم
ما يَترُكُ الإنسانَ حُرًا سَيِّدا
يَستعبِدون ويَسرِقون، فكم بِهم
جاع الضعيفُ وكم قضى مُستَعبَدا
مَن لم يُطأطئ هامَه قُطِعت ومَنْ
جادوا بِها مَنًّا عليه تَشَرَّدا
كم شَرَّدوا شَعبًا وكم هَدموا على
أَهْليه بيتًا، عامِدًا مُتَعَمِّدا
شيخٌ على الكُرسيِّ أدّى فَرضَه
فجرًا وجُنَّ جُنونُهم فاستُشهِدا
يا سيِّدَ الشُهَدَاءِ ذاكَ رُقيُّهُم
شَمَلوا بِهِ حَتى العَجُوزَ المُقعَدا
هذي حضارتُهم وتلك قُطُوفُها
"أُمُّ القَنابلِ" في تَثَنّيها الرَدى
"فَلّوجَةَ" المَجدِ المُعَمَّدِ فَنِّدي
دَعْوَى التَتَارِ، العائدين مُجَدَّدا
أنتِ العرينُ الدونَه أُسدُ الشَرى
حُيّيتِ مَلْهًىً للأسودِ ومُنْتَدى
صَبْرًا على هُوجِ الخُطوبِ فإنَّما
قَدَرُ الأشاوسِ أَنْ تَجوزَ الفَدْفَدا
*****
يا يومَ ميلادِ الحبيبِ تحيَّةً
أُزْجي إليكَ، تَحَبُّباً وتَوَدُّدا
مِنْ عاشِقٍ كَلِفٍ بحبِّ "المصطفى"
يَهفو إلى رُؤياهُ ما نجمٌ بدا
أَعياه بُعدُ الدارِ والعمرُ انْقَضَى
هَدْرًا ولم يَغْسِلْ عَنِ القَلْبِ الصَدَى
يا عيدُ عُدْ بالوصلِ، إني والرجا
في بابِ مَن أهواه أستجدي النَدى
****
عيدُ الوُجودِ فكلُّ عيدٍ دونَه
لولاهً يومُ العِيدِ ضَلَّ المَوْعِدا
لولاهُ ما "الفِطرُ السعيدُ" هِلالُهُ
لولاهُ لا "أضْحَى" ولا حَادٍ حَدا
و "القَدْرُ" لولا أَحمدٌ ما زَانَها
نورٌ على نورٍ، فحَيّوا المولدا
****
شَرُفَ الزَّمانُ بِأَنَّ فيه "محَمَّدًا"
والأرضُ تَشْرُفُ أَنَّ فيها "أَحمدا"
كلٌّ يُعَظِّمُ مَنْ يُحِبُّ، ومَا لَنَا
إلاهُ فَهْوَ المُنْتَهى والمُبْتَدَى
حَقٌّ علينا أن تَطيرَ قلوبُنا
فرحًا بمولِدِهِ وإنْ غِيظَ العِدَى
حقٌّ عَلَيْنا أَنْ نَعودَ لِدينِهِ
إنْ كان للذِكرى بِأَنْفُسِنَا صَدَى
حقٌّ لَنَا أَنْ نَسْتَجيرَ بجاهِهِ
فالكونُ، كلُّ الكونِ، باتَ مُهَدَّدا
ظَهَرَ الفسادُ وأهلُه وتَقاصَرَتْ
قاماتُنا لمّا عَدا وتَوَعَّدا
وإذا عَتا في الأرضِ يوماً ظالمٌ
فبِضَعفِ مَنْ أَمْسَى الكَليلَ المُقعَدا
حَقٌّ علينا أَنْ نَثوبَ لرُشْدِنا
إن كان للذكرى بأنْفُسِنا صَدَى
ونقومَ للذِكرى، نَعُبَّ كؤوسَها
لِنعودَ للدنيا السُراةَ الهُجَّدا
صَدِئَتْ بِنَا الدُنْيا وسَالَ صَديدُها
لمّا صَدِئنا والزمانُ عَدا سُدَى
غَشَّى السّماءَ بِه البُغاثُ تَطاولًا
والثَّعْلَبُ الخَمْخَامُ فِيهِ اسْتَأْسَدا
أَعَلى عُلا الأَقْصَى رَغَا فَدْمُ البِغا!
وعلى كَنيسَةِ مَهْدِ "عِيسى" أَزْبَدا!
مَسْرى رَسُولِ اللهِ، صَفوَةِ خَلْقِهِ
نادى وما مِن سامعٍ لبّى النِدا
وكَنيسَةُ المَهْدِ الجَلِيلِ اسْتَصْرَخَتْ
أَهْلَ الشَهامَةِ والحَمِيَّةِ والفِدَا
والمسْجِدُ العُمَرِيُّ بَثَّ لِربِّهِ
شَكواهُ: يا رَبِّ، الجَميعُ تَهَوَّدا
****
تَبًّا لِدَبّاباتِهم، كَمْ عَرْبَدَتْ
مِنْ نِفْطِنا؛ تَبًّا لَهُ كَمْ عَرْبَدا
دِيسَتْ بِهِ الأطفالُ؛ شُلَّتْ عُصْبَةٌ
ما مَيَّزَتْ سَرَفَ السَفِيهِ مِنَ النَدَى
أَموالُنا تُكوي بها أَجْسادُنا
وبِها عَلَيْنَا اشْتَطَّ "بوشُ" وهَدَّدا
وتَرُشُّ فوقَ رؤوسِنا راياتُه
ذُلًّا فنَحْسِبُهُ العُلا والسُؤْدَدا
شَمَمُ العُرُوبَةِ لَيْسَ لَوْنَ دِمائنا
ونَبيُّنا المَتبوعُ ليسَ "محمَّدا"
يا رَبِّ هَلْ مِنْ بَعْدُ ثَمَّةَ ذِلَّة ٌ
أَخْزَى لَنَا وِرْدًا وأَوْخَمَ موْرِدا؟
****
يا عِيدُ عَلِّمْهم بِأَنَّا إِخْوَةٌ
فالكَوْنُ مِنْ أَجْلِ ابْنِ آدَمَ أُوجِدَا
****
بالنَّفْسِ أَفْدِي الثائرينَ عَلَى المَدَى
السَّاحِبينَ إلى الفَخَارِ الفَرْقَدَا
للهِ باعوا في الوَغَى أَرواحَهم
مَنْ قالَ إِنَّ دِماءَهمْ ضَاعَتْ سُدَى؟
سَلَبوا مِنَ المُسْتَوْطِنينَ أَمانَهم
فَتدافعوا كُلٌّ يؤمِّلُ مَخْلَدا
****
ماذا يَضيرُ العُرْبَ إنْ وَثَبوا لِمَا
يُرضي الإباءَ ولَو بِأَشْبَاهِ المُدَى
ماذا لَوَ انَّ العُرْبَ صَفٌّ واحِدٌ
خلفَ الشَّآمِ أَمَ انَّ وَقْرًا أَقْعَدا؟
"موسى" و "عيسى" والنَبيُّ "محمَّدٌ"
مِنَّا بَراءٌ أَوْ نَرُدَّ مَنِ اعْتَدَى
فنَعودَ للأقْصَى بِسَالِفِ عَهْدِهِ
ويَعودَ عِزُّ المَهْدِ أَوْ نُسْتَشْهَدا
***
صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ يا شَمْسَ الهُدَى
ما غَرّدَ الشَّادي وحَيَّا المَوْلِدا
وعلى النُّجومِ الزُهْرِ، أَقْمارِ الدُجَى
آلِ النَبيِّ وصَحْبِه ومَنِ اهْتَدَى
عبد القادر الأسود