فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
(85)
قولُهُ ـ جلَّ وعَزَّ: {فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا} فقالوا: على فورهم دونَ تباطؤٍ ولا تَلَكُّؤٍ مجيبينَ نبيَّهم موسى ـ عليه السلامُ، لأنَّهم كانوا مؤمنين صادقين في إيمانهم: "على اللهِ توكلنا" أَيْ: سلّمنا أمرنا لله وبِهِ وَثِقْنا، وإِلَيْهِ فوَّضْنا أَمْرَنَا.
قولُه: {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} دَعَوا ربَهم قائلين: يا ربنا لا تختبر هؤلاء القوم الكافرين، ولا تمتحنهم بنا، وذلك استجابةً منهم لما أمرهم بِهِ نَبِيُّهم موسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وهو كَقولِهِ تعالى في سورة الممتحنة: {لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} الآية: 5. أيْ: لا تُسَلِّطْهُم عَلَيْنا؛ فَيَفْتِنونا. فهذا الدُعاءُ على هذا التَأْويلِ يَتَضَمَّن دفْعَ فَصْلَين: أحدُهما: القَتْل والبَلاءُ الذي تَوقَّعَهُ المُؤمنونَ. والآخَرُ: ظُهُورُ الشِّرْكِ باعْتقادِ أَهْلِهِ أَنَّهم على الحَقِّ، وأنَّ أهلَ الإيمان على الباطلِ بدليلِ انتصارهم عليهم فلو أنَّهم كانوا على الحقِّ لنصرهم اللهُ. ونحو هذا قولُهُ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((بِئْسَ المَيِّتُ أَبُو أُمَامَةَ. لليَهُودِ وَالمُشْرِكِينَ يقُولون: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهُ، ولا أَمْلُكُ لِنَفسي ولا لصاحبي مِنَ اللهِ شيئاً)). أَخْرَجَهُ أَحمدُ، والبَغَوِيُّ، والباورديُّ، والطَبرانيُّ، والحاكِمُ في مُسْتَدْرَكِهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ حَنيفٍ، وعلَّقَ عليْهِ الذهَبيُّ في التَلْخيصِ قالَ: صحيحٌ على شَرْطِ البُخاري ومُسْلِمٍ. وأَخْرَجَهُ أَيضًا: ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وابْنُ ماجةَ، وقال البُوصِيرِيُّ: رجالُ إِسْنادِهِ ثقات. وأبو أمامة هو أَسْعَدُ بْنُ زُرارةَ نَقيبُ بني النجّارِ ـ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنه.
قولُهُ تعالى: {فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا} الفاء: حَرْفُ عَطْفٍ وتَفْريعٍ، و "قالوا" فِعْلٌ وفاعِلُهُ، والجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ على الجملَةِ مِنْ قَوْلِهِ: "وَقَالَ مُوسَى"، و "عَلَى اللهِ" جارٌّ ومجرورٌ متعلقٌ ب " تَوَكَّلْنَا"، و "تَوَكَّلْنَا" فعْلٌ وفاعِلٌ، والجُمْلَةُ في محَلِّ نَصْبٍ بِ "قالوا".
قولُهُ {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} رَبَّنَا: مُنَادَى مُضافٌ، وجمْلَةُ النِداءِ مَقولُ "قالوا" و "لا تَجْعَلْنَا" فعْلٌ وفاعلُهُ ضَميرٌ يَعودُ على "اللهِ" و "نا" في محلِّ نصبِ مفعولٍ به أوَّل، و "فِتْنَةً" مفعولُهُ الثاني، و "لِلْقَوْمِ" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِقٌ ب "فِتْنَةً"، و "الظَّالِمِينَ" صِفَةٌ ل "الْقَوْمِ" وجملةُ: "تَجْعَلْنَا" في محلِّ النصْب بالقولِ ل "قالوا" على أنَّها جوابُ النداءِ.