الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
(63)
قولُهُ ـ تعالى شأْنُهُ: {الَّذِينَ آمَنُوا} الذين آمنوا: أي آمَنوا بالله، وملائكتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، واليومِ الآخِرِ، وبالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّه، من الله تعالى كما جاء في حديث عمر ابن الخطابِ ـ رضي اللهُ عنه، الذي أخرجهُ الشيخانِ وغيرُهما، والذي أوَّلُهُ: بينما نحنُ جلوسٌ عند رسول الله ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذ طلعَ علينا رجلٌ شديدُ بياض الثياب شديدُ سوادِ الشَعَرِ لا يرى عليه أثرُ السفرِ ولا يعرفهُ منا أحدٌ .. وقد تقدَّمَ تخريجُهُ وأشيرَ إليه غير مرةٍ هنا. ولم يَنْقُضُوا إيمانهم هذا بما يخالِفُهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
قولُهُ: {وَكَانُوا يَتَّقُونَ} أي: وصَدَّقوا إيمانهم بِتَقْوى اللهِ ـ عزَّ وجَلَّ، بامْتِثالِ الأَوامِرِ واجْتِنابِ النَواهي. فكُلُّ مَنْ كانَ مُؤْمِناً تَقِيّاً، كانَ للهِ تَعالى وَلِيّاً، أيْ أَنَّ أَوْلِياءَهُ تَعالى هُمُ الذينَ آمَنُوا بِكُلِّ ما جاءَ مِنْ عِنْدِهِ تعالى، وواظَبوا على طاعتِهِ وتَقْواهُ، فلم يفعلوا إلاَّ ما رَضِيَ عَنْهُ اللهُ تعالى ورَسُولُهُ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأَمرُهم دائرٌ بين واجِبٍ ومَسْنُونٍ، أَمَّا المُباحاتُ فهم يأْخذونَ منها بِقَدْرِ ما يُعينهم على طاعة اللهِ ولا يسرفون في ذلك زهداً واحتياطاً لدينهم، وإنْ أُحِلَ لهم فعلُهُ، وإِنْ فَعَلُوها فلا يُنْقِصُ فعلُها مِنْ وِلايَتِهم لقولِهِ تعالى في سورة الأَعْرافِ: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خالصةً يومَ القيامة} الآية: 32، ومن هذا النصِّ الكريم، نعلم أن الولاية ليست ادِّعاءً وليستْ أزياءً ومَظاهرَ، وإنَّما هي إيمانٌ وتقوى كما حدَّدها اللهُ تعالى.
وبالجملة فأَولياءُ اللهِ تَعالى هُمُ الذين تولى الله هدايتهم فأقبلوا على عبادتِه والدعوةِ إلَيْهِ، وهمُ الذين يُذْكَرُ اللهُ تَعالى بِرُؤيَتِهم، وقد سبق أن قدمنا في ذلك جملةً من الأحاديث الشريفة وأقوالِ الصحابة والتابعين رضوانُ الله عليهم أجمعين، جعلنا الله منهم، وأكرمنا بمعرفتهم ومحبتهم وحسنِ صحبتهم وحشرنا معهم في جنة رضوانه ودارِ كرامته رحمةً منه وفضلاً إنَّه على ما يشاء قدير.
قولُهُ تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} الَّذِينَ: اسْمٌ مَوْصولٌ في محلِّ الرَّفعِ خبراً لمبتَدَأٍ محذوفٍ، تَقديرُهُ: هُمُ الذينَ، والجُمْلَةُ الاسميَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا، كأَنَّما قيلَ: مَنْ أوُلئكَ الأَوْلياءِ؟ فأُجيبَ: هُمُ الذين ..، إلخ. و "آمَنُوا" فعلٌ، والواوُ الدالةُ على الجماعة فاعلُهُ، وهذه الجملةُ صِلَةُ الاسمِ الموصولِ، و "وَكَانُوا" فعلٌ ناقِصٌ ناسخٌ والواوُ الدالَّةُ على الجماعةِ اسمُه. وجملةُ "يَتَّقُونَ" خبرُهُ وجملَةُ "كَانَ" معطوفة على جمْلَةِ الصِلَةِ.