[rtl]عيديَّة ...![/rtl]
[rtl]لي صديقٌ ذو صوتٍ حَسَنٍ يحيدُ تقليبه بحسب المقامات العريقة في القدم، رجاه أهلُ حيِّه أن يؤذِّن لهم في مسجد الحي ففعل، فكان هو الصوت الحسنَ الجميلُ الوحيد بعد أن لم تعد تسمع إلاّ أصواتاً مُنْكَرَةً، تُنفر من الصلاةِ.[/rtl]
[rtl]وشاءت الأقدار أن يمرض مؤذننا أبو محمد فغاب أكثر من شهرين حتى أخذ يتماثل للشفاء. وفي إحدى زياراتي لعيادته قبيلَ العيد، وجدتُه ضاحكاً مستبْشِراً على غير عادته. ووجدتُ عنده بعض زملائه من أئمَّةٍ، ومؤذنين، ولا حظت عليهم حيويَّةً لم أعهدها فيهم من قبل في هذه الأيام، ثم عرفت أنَّ سببَ هذه الفرحة الغامرة، أنَّ المسؤول أرسلَ إليهم ليجتمعوا في جامع واحدٍ بعد صلاة الظهر ليكرمهم.[/rtl]
[rtl]وقد قرأت في أفكارهم المشوشة وأيديهم وأصابعهم المتحركة كعدادٍ يحاولون حساب ما سيكرمهم به المسؤول، لآنَّ رواتب الأئمة الجدُدِ ممن هم وُلاةُ الأمرِ هذه الأيام، ما بين ال (400 ـ 600) بحسب أهميتة وبحسب الدورة التي اتبعها لدراسة العلم الشرعي ليتأهل إماماً أو خطيباً أو قاضياً شرعياً بين الناس، فإن هذه الدروات تتراوح مُدَّتُها ما بين ثلاثة أشهر وستة أشهر، يتعلم خلالها اللغة والقراءات والحديث والفقه والمواريث و .. لذلك فإنَّ بعض هؤلاءِ المؤذنين والأئمة أصحاب أبي محمد كان يضربُ ستة الأشهر التي مضت دون أن يقبضَ أي راتب في ست مئة دولار، فيرى أنَّ المبلغ ضخم لا يستطيع أن يتحمله عقله، ثم يضربُ بحمس فيرى المبلغ ضخماً أيضاً، ثمَّ يضرب بالحدِّ الأدنى ويروح يوزع المبلغ على الدائنين، فيجد أنَّ الفائض يكفي ليشتري حلوى العيد ويزيد، إذاً نشتري ثياباً جديدةً للعيد، وإذا زاد وزعنا صدقة الفطر والعيديات على الأولاد.[/rtl]
[rtl]هكذا ذهب أبو محمد بكلِّ هذه الآمال الجسام، ولما سمعته يخطئ اليوم في أذانه قلتُ قاتل اللهُ المالَ كم يفسدُ عقل صاحبه، وبعد صلاة التراويح ذهبت لزيارته أيضاً ولكن بغرضِ آخر قلّبتُه طويلاً فلم أجرؤ على طلبه، لقد هممت أن أطلب منه سلفةً مقدارها مئة دولار لكنني لم أستطع أن أبوح بحاجتي أو ربما نبست بها شفتاي لكنه لم يسمع، فقد رأيته كالمخبول، فرحت ألعن المالَ ثانية وثالثة ورابعة، لكني عندما علمت أن المبلغ الذي أكرم به هؤلاء الأئمة والمؤذنون هو خمسة آلافِ ليرة سورية، حمدت الله على استحيائي وقفلت راجعاً دون أنْ ينتبه أبو محمد لمغادرتي.[/rtl]