طلبُ الشهادة واستثمار النصر
نسمع ونرى، نسمع خطباً تحث على الجهاد في سبيل الله وترغب بالشهادة، ونرى من المجاهدين الشباب سلوكاً لا يتعدى حبَّ الشهادة، وكأنَّ من يوجِّههم إلى هذا لا يريد لشبابنا إلا القتل وحسب، بينما العرف في العالم كله والأديان السماوية وكلها وديننا الإسلامي الحنيف في مقدمتها، حيث فرض الجهادَ وحبَّبَ الشهادة إلى أتباعه، لكنَّ هذه الشهادة التي هي قيمة عظمى لها أجر عظيم عند الله وعد به الشهيد، وفيها نصرة للدين ومصلحة للأمّةِ يجبُ أنْ تتحقَّق، وإلاَّ فإنَّها نوعٌ من قَتْلِ النَّفسِ بلا ثمنٍ وهذا ما يَتَنافى مَعَ الشَرْعِ والعرفِ، وقد بسطنا لهذا الأمرِ بشيء من التفصيل في مقال سابق لنا بعنوان: (الجهاد والإمامة) ومما قلنا فيه أن واجب مبايعة إمام للأمَّة سابقٌ على واجبِ الجهاد، فالجهاد بلا إمامٍ غيرُ جائزٍ وهو يؤثم صاحبه.
وموضوعنا اليوم متصل بالموضوع السابق اتصالاً متسقاً، إذ إنَّ من مهامِّ الإمام التخطيط المحكم للمعركة ورسمُ خطَّتهاواستشرافُ الأهداف منها، بحيث تثمر النصرَثم ومن ثمَّ استثمار هذا النصر وتوظيفه، في خدمة الأهداف التي من أجلها كانت المعركة ويجب أن يصب ذلك في صالح الأمَّة، ولذلك رأينا الخليفة العظيم عمر ابنَ الخطاب يعزل خالد ابن الوليد ويوكل القيادة إلى أبي عبيدة عامر ابن الجراح رضي الله عنهم جميعاً، لأن مساًحات واسعة من بلاد الشام أصبحت محرّرة وهي بحاجة لقائد سياسي وإداري ناجح ليدير شؤونها، وينظم حياة أهلها ويشرف عل هدايتهم وسياستهم، فسيدنا خالد كان قائداً عسكرياً فذاً يحسن رسم خطة المعارك ويخوضها ببسالة،. فكان لا بدَّ من قائد يستثمر النصر فيما يصلح شأنَ الأمة.