عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 149 الجمعة فبراير 21, 2014 1:11 pm | |
| قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قَوْلُهُ تَعَالَى شأنُه: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ} أَمْرٌ آخَرُ مِنَ اللهِ تَعالى لِرَسولِه ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ بِمُناظَرَةِ المُشْركين لِبيانِ الحَقيقةِ لَهم في مُحاوَلَةٍ لهدايتِهم إلى طريقِ الحقِّ والخير، وإقامة الحجَّةِ عليهم، أَيْ: قُلْ يا مُحَمَّدُ "الحُجَّةُ البالِغة" أَيْ البَيِّنةُ الواضِحةُ التي بَلَغتْ غايةَ المَتانَةِ والقُوَّةِ على الإثْباتِ، أَوْ بَلَغَ بِها صاحبُها صِحَّةَ دَعْواهُ، والمُرادُ بها الكِتابُ العَظيمُ والرَّسُولُ الكَريمُ والبَيانُ القَويمُ، و"الحُجَّةُ البالِغَةُ" إشارةٌ إلى أَنَّ العِلْمَ تابعٌ للمَعلومِ وأَنَّ إرادَةَ اللهِ تعالى مُتَعَلِّقَةٌ بإظهارِ ما اقْتَضاهُ اسْتِعْدادُ المَعلومِ في نَفْسِهِ مُراعاةً للحِكمةِ، جُوداً ورَحْمةً، لا وُجُوباً. وهي مِنَ الحَجِ بمَعْنى القَصْدِ كأنَّما يُقْصَدُ بها إثباتُ الحُكْمِ، أوْ بِمَعنى الغَلَبَةِ الَّتِي تَقْطَعُ عُذْرَ الْمَحْجُوجِ، وَتُزِيلُ الشَّكَّ عَمَّنْ نَظَرَ فِيهَا وهي للهِ وحدَه. فَحُجَّتُهُ الْبَالِغَةُ عَلَى هَذَا تَبْيِينُهُ أَنَّهُ الْوَاحِدُ، وَإِرْسَالُهُ الرُّسُلَ وَالْأَنْبِيَاءَ، فَبَيَّنَ التَّوْحِيدَ بِالنَّظَرِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَيَّدَ الرُّسُلَ بِالْمُعْجِزَاتِ، وَلَزِمَ أَمْرُهُ كُلَّ مُكَلَّفٍ. فَأَمَّا عِلْمُهُ وَإِرَادَتُهُ وَكَلَامُهُ فَغَيْبٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ. وَيَكْفِي فِي التَّكْلِيفِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بِحَيْثُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ لَأَمْكَنَهُ. قولُه: {فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} بأنْ وفَّقكم لها ولكن شاء هدايةَ الذين اختاروا سُلوكَ طريقِ الحَقِّ، كما شاء ضَلالِ الآخرين الذين اختاروا طريق الضلالِ، على النحو الذي بيّناه غيرَ مرَّةٍ. فالمُرادُ أنَّه لم يَشَأْ إذْ عَلِمَ بعلمه الأزليِّ القديم أنْ ليس لكم هِدايةٌ يَقْتَضيها اسْتِعْدادُكم. وهذا تحقيقٌ للحَقِّ ولا يُنافي ما في صَدْرِ الآيةِ لِما عَلِمْتَ مِنْ مُرادِهم بِهِ، وعلى هذا فإنَّ فائدةَ إرْسالِ الرُسُلِ هي تَحريكُ الدَواعي للفِعْلِ والتَرْكِ باخْتِيارِ المُكلَّفِ الناشيءِ من ذلك الاستعداد.وثمَّةَ وجهٌ آخرُ في توجيهِ ما في الآيةِ وهوَ أَنَّ الرَدَّ عليهم إنَّما كان لاعتقادِهم بأنَّهم مَسلوبون اختيارَهم وقدرتَهم، وأنَّ إشراكَهم إنَّما صَدَرَ مِنْهم على وَجْهِ الإضطِّرارِ، وزَعَموا أَنَّهم يُقيمونَ الحُجَّةَ على اللهِ ـ تعالى ـ ورسولِهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ بذلك فرَدَّ اللهُ قولَهم وكذَّبَ دَعواهم عدَمَ الإختيارِ لأَنْفُسِهم وشَبَّههم بِمَن اغْتَرَّ قَبْلَهم بِهذا فَكَذَّبَ الرُسُلَ ـ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ ـ واعتَمَدَ على أَنَّه إنَّما يَفعلُ ذلكَ كلَّهُ بمَشيئَةِ اللهِ ـ تعالى ـ ورامَ إفْحامَ الرُّسُلَ بِهذِهِ الشُبْهَةِ، ثمَّ بيَّنَ ـ سبحانَه ـ أَنَّهم لا حُجَّةَ لهم في ذلك، وأَنَّ الحُجَّةَ البالِغَةَ لَهُ جّلَّ وعَلا ـ ثمَّ أَوْضَحَ ـ سبحانه ـ أّنَّ كلَّ ما يقعُ بمَشيئتِهِ، وأَنَّه لَمْ يَشَأْ مِنْهم إلاَّ ما صَدَرَ عَنْهم. وإذا تَدَبَّرْتَ الآيةَ وجدتَ صَدْرَها دافعاً بِصُدورِ الجَبْرِيَّةِ وعَجزَها مُعجِزاً للمُعتزلة إذِ يُثْبِتُ الأَوَّلُ أَنَّ للعبدِ اخْتِياراً وقدرةً على وجْهٍ يَقْطَعُ حُجَّته وعذرَه في المُخالفةِ والعِصْيانِ. والثاني: مُثْبِتٌ نُفوذَ مَشيئةِ اللهِ تَعالى في العبدِ وأنَّ جَميعَ أفعالِهِ على وِفْقِ المَشيئةِ الإلهيَّةِ، وبذلك تقومُ الحُجَّةُ البالِغَةُ لأَهْلِ السُنَّةِ عليهم، وصفوةُ القولِ ما كنا نسمعُه وما تعلَّمناهُ من شيخنا العارف بالله الشيخ عبد الرحمن الشاغوري، في دروس التوحيد التي كان يلقيها علينا، رحم الله تعالى وعطَّر ثراه، وجزاه عنّا خير الجزاء، فقد كان يقرِّرُ دائماً أنَّ الإنسانَ مكلَّفٌ وحسبُ، فليس مخيَّراً وليس مسيَّراً. فإذا سأل الله عبده يومَ القيامة: لمَ فعلت ذلك يا عبدي؟ هل يستطيع أنْ يجيبه أنتَ من شاء ذلك، وقد تعرضنا غير مرة لهذا الموضوع بما هو أوسع تفصيلاً، فأرجو أنْ يَكونَ في هذا بُلْغَةٌ، والحمد للهِ رَبِّ العالمين.وقولُهُ تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ} الفاءُ جَوابُ شَرْطٍ مَحذوفٍ، أيْ: قُلْ وإذا قدْ ظَهَرَ أَنْ لا حُجَّةَ لَكم، فلِلَّهِ الحُجَّةُ البالغةُ، فبينَ "قُلْ" وبينَ "فللّه" شيءٌ مَحذوفٌ، أوْ فإنْ كان الأَمْرُ كَما زَعَمتم مِنْ كَونِكم على مَشيئةِ اللهِ فلِلّهُ الحُجَّةُ البالغةُ. وقُدِّرَ أَيْضاً جُملةً اسْميَّةً: قلْ أَنْتم لا حُجَّةَ لكم على ما ادَّعَيْتُمْ فِلِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغةُ عليكم. | |
|