البوصلة المفقودة
الجميع فاقد للبوصلة في منطقتنا، لذلك نرى تخبُّطاً وعدم اتزان وتصرفات من الساسة والزعامات والقوى المتصارعة على الساحة في السنوات القليلة الماضية، فكلُّ ما تبديه هذه القوى إنما هو ردّاتُ فعل انفعالية وليست أفعالاً صادرة عن تفكير وعقلانية وعقيدة ثابتة، ذلك لأنّ الجميع أحلَّ السياسة المتحولة المتأرجحة المتذبذبة محلَّ العقيدة الراسخة الثابتة.
في مصر قامت ثورة كان الإخوان المسلمون عصبها وعمودها الفقري، وانتصرت الثورة إلى حين، لكنهم لم يتصرفوا بما تمليه عليهم عقيدة إسلامية واضحة وثيقة العرى، فبهروا بهذا النصر السريع الذي حقّقوه وبفوزهم برئاسة مصر، فأخذوا يتخبطون يمنة ويسرة، جيئة وذهاباً، فكانت أولى زيارات الرئيس مرسي إلى إيران والصين ومن ثم روسيا، تلك الدول الداعمة بل المشاركة فعلاً في العدوان على الشعب العربي المسلم الشقيق للشعب المصري في سوريا، وكان عليه أن يتصرف بعقلانية مستنداً إلى عقيدته الدينية التي توجب عليه الوقوف إلى جانب المظلوم، لاسيما إذا كان مسلماً شقيقاً، موقفاً مبدئياً فعالاً معتمداً على اللهِ وحده غير ملتفت إلى مصالح آنية متوهمة مع هذه الدول، فكانت الخطوات العملية الفعالة من النواحي الاقتصادية وغيرها تجاه إيران بالدرجة الأولى، بدلاً من أن تكون تجاه محيطه العربي والإسلامي، كسوريا وتركيا والسعودية .. ، بينما كان نصيب الشعب السوري العربي المسلم الشقيق تصريحات جوفاء، وتأييد لم يتعد الشفاه.
وفي السعودية وما جاورها نظروا إلى مصر وقد مدّت يديها وشرعت أبوابها لإيران العدو الأخطر عليهم، فتصرفوا بعصبيةٍ أيضاً، ومدوا أيديهم بالمساعدة والمعونة لحركة انقلابية، ضد رئيس منتخب، كعقوبة له ولجماعته. متناسين أنهم بذلك إنما يعاقبون في الواقع الشعب العربي المسلم الذي انتخبه وهو شعب شقيق لشعبهم، وكان عليهم أن يتصرفوا بعقلانية مستلهمين دينهم وعقيدتهم، فيقفوا إلى جانب الحق والعدل مهما كانت النتائج، وكأنّ أحداً من المسلمين لم يقرأ سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم اتخذ الموقف الذي توجبه عليه عقيدته وإيمانه بربه واثقاً من تأييده ونصره، غير آبه بكثرة المرتدين وقوتهم، ولا منصت إلى الأصوات المخالفة.
وليست مصر والسعودية وحدهما من فقد البوصلة، فإنَّ عدداً من الجماعات الإسلامية والحركات الدينية التي تناهض أمريكا والغرب، قد ألقت بنفسها في أحضان إيران، طلباً لدعم مادي أو نقطة استناد وارتكاز، متناسية أنَّ إيران هي العدو الأقرب والأعتى للأمة العربية والإسلامية، لأنها تحمل مشروعاً قومياً فارسياً بعيداً عن الدين وإن كان الدين هو الواجهة التي يخفون خلفها مطامعهم، ويموهون به مشروعهم. فخسرت هذه الجماعات مصداقيتها كحركات إسلامية جهادية وأصبحت ألعوبة في يد إيران تحركها من بعيد في الاتجاه الذي يخالف عقيدتها وأهدافها.