وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ).
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ: يَعني ما أَنعَمَ بِه عليْكُم مِنَ النِّعَمِ كلِّها، وقِيلَ هي الإسلامُ، الذي به أصبحوا إخوةً متحابّين بعد كانوا أعداءً متخاصمين، بعد أنْ بَيَّنَ ـ سبحانَه ـ تلك الأحكامَ للمُسلمين، أَتبعَ ذلك بتذكيرهم بنعمتِه التي أنعم بها عليهم. و"ومِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ" قال مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: هُوَ الْمِيثَاقُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} الأعراف: 172. وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَذْكُرْهُ فَقَدْ أَخْبَرَنَا الصَّادِقُ بِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ نُؤْمَرَ بِالْوَفَاءِ بِهِ. وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِلْيَهُودِ بِحِفْظِ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ المُفَسِّرينَ كابْنِ عبَّاسٍ والسُدِّي هُوَ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ الَّذِي جَرَى لَهُمْ مَعَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهُ، إِذْ قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، كَمَا جَرَى لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ وَتَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَأَضَافَهُ تَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ كَمَا قَالَ: {إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ} الفتح: 10. فَبَايَعُوا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَ الْعَقَبَةِ عَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِمَّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، وَأَنْ يَرْحَلَ إِلَيْهِمْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ، وَكَانَ لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ فِي التَّوَثُّقِ لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالشَّدُّ لِعَقْدِ أَمْرِهِ، وَهُوَ القائلُ: والذي بعثَكَ بالحَقِّ لَنَمْنَعَنَّك مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا (أي نساءنا وأهلَنا)، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَنَحْنُ وَاللهِ أَبْنَاءُ الْحُرُوبِ وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ فِي سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَقَدِ اتَّصَلَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} المائدة: 1. فَوَفَّوْا بِمَا قَالُوا، جَزَاهُمُ اللهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِمْ وَعَنِ الْإِسْلَامِ خَيْرًا، وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.
وقولُه: {وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} أَيْ احذروا مُخَالَفَةَ الله فإِنَّهُ عالمٌ بكلِّ شيءٍ، ومطلعٌ على أعمالكم فلا يَخفى عليه شيءٌ منها.
قولُه تعالى: {إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا} "إذ" منصوبٌ بـ "واثقكم" أو على الحال مِنَ الهاءِ في "بِه" أو مِنْ "ميثاقه" وعلى هذين الوجهين الأخيرين يتعلَّقُ بمحذوفٍ على القاعدة المُقرَّرةِ، والوجهُ الأَوَّلُ أظهرُ. وجملَةُ "قُلتُمْ" في محلِّ خَفضٍ بالظَرْف، وجملةُ "سَمِعْنا" في مَحَلِّ نَصْبٍ بالقَوْلِ.