عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 85 الأحد يونيو 02, 2013 6:28 am | |
| مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً. (85) قَوْلُهُ تَعَالَى شأنُه: {مَنْ يَشْفَعْ} أَصْلُ الشَّفَاعَةِ وَالشُّفْعَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الشَّفْعِ وَهُوَ الزَّوْجُ فِي الْعَدَدِ، وَمِنْهُ الشَّفِيعُ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ صَاحِبِ الْحَاجَةِ شَفْعًا. وَمِنْهُ نَاقَةٌ شَفُوعٌ إِذَا جَمَعَتْ بَيْنَ مِحْلَبَيْنِ فِي حَلْبَةٍ وَاحِدَةٍ. وَنَاقَةٌ شَفِيعٌ إِذَا اجْتَمَعَ لَهَا حَمْلٌ وَوَلَدٌ يَتْبَعُهَا. وَالشَّفْعُ ضَمُّ وَاحِدٍ إِلَى وَاحِدٍ. وَالشُّفْعَةُ ضَمُّ مِلْكِ الشَّرِيكِ إِلَى مِلْكِكَ، فَالشَّفَاعَةُ إِذًا ضَمُّ غَيْرِكَ إِلَى جَاهِكَ وَوَسِيلَتِكَ، فَهِيَ عَلَى التَّحْقِيقِ إِظْهَارٌ لِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ عِنْدَ الْمُشَفِّعِ وَإِيصَالُ الْمَنْفَعَةِ إِلَى الْمَشْفُوعِ لَهُ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ هِيَ فِي شَفَاعَاتِ النَّاسِ بَيْنَهُمْ فِي حَوَائِجِهِمْ، فَمَنْ يَشْفَعْ لِيَنْفَعَ فَلَهُ نَصِيبٌ، وَمَنْ يَشْفَعْ لِيَضُرَّ فَلَهُ كِفْلٌ. وَقِيلَ: الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ هِيَ فِي الْبِرِّ وَالطَّاعَةِ، وَالسَّيِّئَةُ فِي الْمَعَاصِي. "وَمَن يَشْفَعْ شفاعة سَيّئَةً" وهي ما كانتْ بخلافِ الحَسَنَةِ، ومنها الشفاعةُ في حَدٍّ مِنْ حدودِ اللهِ تعالى، فقد رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ))، وَهَذَا بَعْدَ أَنْ بَلَغَ ذَلِكَ الإِمَامَ، فَأَمَّا قَبْلَ بُلُوغِ الإِمَامِ، فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ فِيهَا جَائِزَةٌ حِفْظًا لِلسَّتْرِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ السَّتْرَ عَلَى الْمُذْنِبِينَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الزُّبَيْر بْنِ الْعَوَّامِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يُشْفَعُ فِي الْحَدِّ مَا لَمْ يَبْلُغِ السُّلْطَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَا لَمْ يُعْرَفْ بِأَذَى النَّاسِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ مِنْهُ زَلَّةٌ، فَلا بَأْسَ بِأَنْ يُشْفَعَ لَهُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الإِمَامَ. وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ، وَقَالَ لِهَزَّالٍ: ((لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ)).واستُثنيَ مِنَ الحُدودِ القِصاصُ، فالشَفاعةُ في إسقاطِه إلى الدِيَةِ غيرُ محرَّمةٍ، فَمَنْ شَفَعَ شَفَاعَةً حَسَنَةً لِيُصْلِحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ اسْتَوْجَبَ الْأَجْرَ، وَمَنْ سَعَى بِالنَّمِيمَةِ وَالْغِيبَةِ أَثِمَ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ. وَقِيلَ: يَعْنِي بِالشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ الدُّعَاءَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالسَّيِّئَةُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِمْ. وَفِي صَحِيحِ الْخَبَرِ: ((مَنْ دَعَا بِظَهْرِ الْغَيْبِ اسْتُجِيبَ لَهُ وَقَالَ الْمَلَكُ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ)). وفي روايةُ مسلم: ((مَن دعا لأخيه بظَهرِ الغيبِ قالَ المَلَكُ المُوكَلُ بِه آمين ولَكَ بمثلٍ)). هَذَا هُوَ النَّصِيبُ، وَكَذَلِكَ فِي الشَّرِّ، بَلْ يَرْجِعُ شُؤْمُ دُعَائِهِ عَلَيْهِ. وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَدْعُو عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى مَنْ يَكُنْ شَفْعًا لِصَاحِبِهِ فِي الْجِهَادِ يَكُنْ لَهُ نَصِيبُهُ مِنَ الْأَجْرِ، وَمَنْ يَكُنْ شَفْعًا لِآخَرَ فِي بَاطِلٍ يَكُنْ لَهُ نَصِيبُهُ مِنَ الْوِزْرِ. والحسنة منها ما كانت في أمرٍ مَشروعٍ رُوعِيَ بها حَقُّ مسلمٍ ابتغاءً لِوَجْهِ الله تعالى. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: الْحَسَنَةُ مَا يَجُوزُ فِي الدِّينِ، وَالسَّيِّئَةُ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ. وَكَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ جَامِعٌ. وَالْكِفْلُ الْوِزْرُ وَالْإِثْمُ، وعَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ. السُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ هُوَ النَّصِيبُ. وليس حَسَنًا إطلاقُ الشفاعةِ على الدُعاءِ للنَبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ، وإنْ كانتْ فيه مَنفعَةٌ له ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ كما أنَّ فيه منفعةٌ لَنا على الصحيحِ. وتفسيرُها بالدُعاءِ كما نقل عن الجبائي أو بالصُلْحِ بين إثنين، كما رَوى الكَلْبي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لعلَّه من بابِ التمثيلِ لا التَخصيصِ، وكونُ التحريضِ الذي فعلَه ـ صلى الله عليه وسلَّم مِن بابِ الشفاعةِ ظاهرٌ فإنَّ المؤمنين تخلَّصوا بذلك مِنْ مَضَرَّةِ التَثبطِ، واحتمالِ الذُلِّ وفازوا بالأجرِ الجزيلِ المَخبوءِ لهم يومَ القيامةِ؛ ورَبِحوا أموالاً جَسيمةً بسببِ ذلك، فقد رُويَ أنَّه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ لَمّا وافى بِجيشِهِ بَدْراً ولم يَرَ بِها أَحَداً مِن العدوِّ أقامَ ثمانيَ ليالٍ وكان معهم تجاراتٌ فباعوها وأَصابوا خيْراً كثيراً. ولقدِ اقْتَدى بِه أبو بَكْرٍ الصديقُ في حروبِ الرِدَّةِ فقالَ : واللهِ لأُقاتِلَنَّ مَنْ فرَّقَ بيْن الصلاةِ والزكاةِ، واللهِ لو مَنعوني عَناقًا كانوا يُؤدّونَها لِرسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ لقاتلتُهم على منعِها. ولو خالفتْني يَميني لَجاهدتُهم بِشِمالي.ومِنَ النّاسِ مَنْ فَسَّرَ الشفاعةَ هنا بأنْ يَصيرَ الإنسانُ شَفْعَ صاحبِه في طاعةٍ أو معصيةٍ، والحسنةَ منها ما كان في طاعةٍ، فالجُملةُ مَسوقةٌ للترغيبِ في الجِهاد والترهيبِ عنِ التَخَلُّفِ والتَقاعُدِ، وأمرُ الارتباطِ عليْه ظاهرٌ ولا بأسَ بِه غيرَ أنَّ الجُمهورَ على خِلافِه. وَالشَّافِعُ يُؤْجَرُ فِيمَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُشَفَّعْ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ "مَنْ يَشْفَعْ" وَلَمْ يَقُلْ يُشَفَّعْ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ((اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ)). قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً} مُقِيتاً: مَعْنَاهُ مُقْتَدِرًا، فَالْمَعْنَى إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ قُوَّتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقِيتُ)). عَلَى مَنْ رَوَاهُ هَكَذَا، أَيْ مَنْ هُوَ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَفِي قَبْضَتِهِ مِنْ عِيَالٍ وَغَيْرِهِ. قولُهُ تعالى: {مَن يَشْفَعْ شفاعة حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ منها} جملةٌ مستأنَفَةٌ سِيقتْ لبيانِ أنَّ لَه ـ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ـ فيما أُمِرَ بِه مِنْ تحريضِ المؤمنينَ حظًّا موفوراً مِنَ الثواب، ويجوز أن تكون ايدائيةً. "منها" الظاهرُ أنَّ "مِنْ" هنا سببيَّةٌ أي: نصيبٌ بسببِها وكِفلٌ بسببها، وَاشْتِقَاقُ الكِفْلِ مِنَ الْكِسَاءِ الَّذِي يَحْوِيهِ رَاكِبُ الْبَعِيرِ عَلَى سَنامِهِ لِئَلَّا يَسْقُطَ. يُقَالُ: اكْتَفَلْتُ الْبَعِيرَ إِذَا أَدَرْتُ عَلَى سَنَامِهِ كِسَاءً وَرَكِبْتُ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ لَهُ: اكْتَفَلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلِ الظَّهْرَ كُلَّهُ بَلِ اسْتَعْمَلَ نَصِيبًا مِنَ الظَّهْرِ. وَيُسْتَعْمَلُ فِي النَّصِيبِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} الحديد: 28. والمُقِيتُ: المُقتَدِرُ قال: وذي ضِغْن كَفَفْتُ الودَّ عنه .................... وكنتُ على إساءته مُقيتاأي: مقتدراً، ومنه: ليت شِعْري وأَشْعُرَنَّ إذا ما ..................... قَرَّبوها منشورةً ودُعِيتُألِيَ الفضلُ أم عليَّ إذا حوسِبْتُ؟ إني على الحسابُ مُقيتُ وهو مشتقٌّ من القُوتُ، وهو مقدارُ ما يُحْفَظ به بدنُ الإِنسان من الهلاك فأصلُ مُقيت: مُقوِت كمقيم. | |
|